..ورحل غلام .. وحلمه مازال حيا
مشوار حافل بالعطاء والإنجازات انتهى بعذابات المرض
كتب ـ صالح بن راشد البارحي :لم يكتب للنجم الذهبي للكرة العمانية وقائدها الأبرز خلال فترة الثمانينيات وبداية التسعينيات اللاعب الخلوق غلام خميس أن يشاهد مباراة اعتزاله التي طالما حلم ونادى بها ... ولم يكتب لصاحب الأهداف الصاروخية والقدم الذهبية أن يكون أول لاعب عماني يخوض تجربة الاحتراف الخارجي في تلك الفترة ... ولم يكتب له - كذلك - أن يحتفل مع نجوم منتخبنا الحاليين بمعانقة لقب خليجي 19 الذي تمناه ( غلام ) ... ولم يمهله القدر أن يحظى بالتواجد بين أقرانه وإخوانه كما هي عادته في كأس الخليج القادمة ... فغيّبه الموت في لحظة أمل كان ( أبو محمد ) يبحث عنها خلال رحلته العلاجية التي كان يحلم بها منذ فترة ليست بالقصيرة ... وبدلا من أن نشاهده عائداً معافى ، متغلبا على آهات وآلام المرض الذي تمكّن من جسمه بشكل كبير ... شاهدناه عائداً إلى أرض الوطن محمولاً في تابوت الموتى .
رحل اللاعب الذي أحرز الفوز التاريخي الأول لمنتخبنا في دورات كأس الخليج ، وذلك بالدورة التاسعة بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية على الشقيق القطري ...
غلام ... اسم عشقناه وعرفناه وحفظناه عن ظهر قلب منذ نعومة أظافرنا ولم ولن ننساه مدى العمر ...
غلام الإنسان
غلام ... الدمث الخلق ، الطيب القلب , الإنسان الودود , المتواضع , الخجول ، صاحب الابتسامة البريئة والوجه البشوش ، لم تشغلنا كثافة الأعمال عن زيارته عندما كان مريضا ، فحاورناه حوارا أدمعت له أعيننا جميعاً ، احتوى على معاناة هذا اللاعب مع المرض وكان ذلك الحوار قبل عامين من الآن وهي الفترة التي تم بتر ثلاثة اصابع من قدمه اليمنى ( الذهبية ) التي كانت شاهدا على عطاءات غلام في الملاعب الخضراء مع تقديم هدية متواضعة من المؤسسة ساهمت في تخطي عقبة من العقبات الكثيرة التي كان (غلام) محاصرا بها في تلك الفترة ، وجاءته عطايا من جهات أخرى تكفلت بعلاج ( ابن عمان ) وفعلا سافر أبو محمد إلى ( الهند ) بصحبة رفيق دربه وصديق عمره ( أبو صلاح ) عبدالله البلوشي ، ليأتي الخبر من الأطباء هناك بأنه لا بد من بتر مقدمة قدمه اليمنى كاملة ، ليعود ( أبو محمد ) دون جديد بعد أن أصر على معاندة المرض ولكن المرض اصرّ على مواصلة مشواره في هذا الجسد ( النحيل ) الذي جاهد
(أبو محمد ) وحاول مداواته بالصبر والجلد حتى النهاية ...
مضاعفات
ولم يترك ( السكري ) غلام في راحة من أمره ، بل أعاده إلى المستشفى السلطاني من جديد ليعيش ( ابو محمد ) غيبوبة لمدة اربعة ايام وينام مجددا في ( جناح الجراحة للرجال ) لفترة ليست بالقصيرة تأكد من خلالها بأنه يعاني من مضاعفات هذا المرض التي نتجت عن تأخر العلاج السليم ومنها ( الفشل الكلوي الحاد ) ليبدأ غلام في مرحلة الغسيل الكلوي في هذه المرّة إلى جانب معاناة ( السكري ) ...
ويخرج ( أبو محمد ) من المستشفى عائدا إلى منزله ( المتواضع ) الذي يضمه بجانب أفراد عائلته متسلحا بالأمل في تلقي العلاج بصورة أسرع في إحدى الدول المتخصصة ، لتأتي زيارة معالي المهندس علي بن مسعود السنيدي وزير الشؤون الرياضية الذي قام بجهد كبير من أجل تهيئة كافة الظروف المناسبة لسفر ( غلام) لتلقي العلاج ، إثر تكفل جهة حكومية بكافة مصاريف الرحلة العلاجية له ، ومن جانبنا لم نترك هذا الوضع يمر مرور الكرام دون أن نتواجد إلى جانبه مجددا في محنته ، فقمنا بزيارته في منزله مساء الخميس 6 نوفمبر الحالي لنتسامر ونعاود الذكريات الجميلة التي عرفناها مقترنة باسم غلام خميس الذي تناسى كل آلامه وأحزانه وترك للأمل بابا فسيحا للحياة الجديدة التي يمني النفس بها بعد عودته من رحلته العلاجية إلى مملكة تايلند ، وكان رفيق دربه الآخر ( محمد جمعه ) مساعد مدرب منتخبنا والصديق الأول لفارس الكرة العمانية مشتركا في ذلك الحوار الجميل والزميل سالم الحافي والزميلة أسماء البلوشي ، لنخرج من بيت ( فقيد الرياضة ) بحوار يشع بالتفاؤل والامل ويحلم بمباراة اعتزال كما هو حلمه بالاحتفال بكأس الخليج القادمة في مسقط قرأها محبوه على صفحات ( الملاعب ) بتاريخ 8 نوفمبر الحالي .
أمنية ... ولكن
وتحقق حلم ( ابو محمد ) مجددا ، وسافر مساء أمس الأول متجها إلى (بانكوك ) العاصمة التايلندية لتلقي العلاج الذي كان غلام يحلم به والذي كان بمثابة ( مفتاح النصر) السحري الذي سيعيده إلى ذكرياته الجميلة وحياته الهانئة السعيدة بعد الحصول على العلاجات المناسبة له ، ولكن ... هيهات ... هيهات ... فقد كان القدر حاضرا في موعده ... ليأتينا الخبر المفجع الذي نقله لي صديقي العزيز ( محمد جمعة ) عبر اتصال هاتفي بتمام الساعة السادسة والنصف صباح الأمس والذي كان بمثابة ( الكابوس ) الذي استفقت عليه ... قائلا في نفسي ( مات غلام وهو يحلم ) ... مات قبيل أن تحط الطائرة التي تقله في البلد الذي كان سيعالج فيه ، فاضت روحه ، وهو في السماء ، قبل أن تهبط الطائرة على الأرض ، مات وهو يحلم .. نعم إنه كان يحلم بأن تقام له مباراة الاعتزال التي نادى بها منذ أن غادر ساحات الملاعب الخضراء رسميا ...
رحمك الله يا غلام ... رحمك الله يا أبا محمد ... رحمك الله يا صديقي العزيز ... وإلى جنة الخلد يا صاحب القلب الطيب ... فأنت فقيد للجميع وسيفتقدك الجميع ...
غلام ... رحلة مع الإبداع
هو غلام بن خميس الغماري كابتن النادي الأهلي ونجم نجوم منتخب السلطنة طوال الفترة التي بدأ اللعب فيها منذ عام 1978 في دورة الخليج الخامسة التي أقيمت في بغداد وحتى نهاية الثمانينات ، وهو اللاعب العماني الوحيد الذي شارك في ( 5 ) بطولات لكأس الخليج , كانت بدايته كلاعب مبتدىء في مدرسة حسان بن ثابت ثم انتقل للعب في صفوف الناشئين ضمن فريق الأهلي ، وانتقل في درجات الفريق حتى لعب لفريق الأهلي الأول عام 1976 إلى أن قدم المستوى الجيد الذي أهله ليلعب ضمن صفوف منتخبنا الوطني الأول في عام 1978 ، شارك غلام خميس فعلياً في خمس من دورات الخليج وهي الدورة الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة إلى أن انتهت حياته الرياضية بسبب الإصابة التي تعرض لها وأبعدته عن الملاعب حتى قرر الاعتزال ، يمتاز غلام خميس بمهارة فردية عالية وتمريرات بينية متقنة وهو قناص خطير بإمكانه تحويل دفة المباراة لصالح فريقه ومملكته المفضلة هي منطقة وسط الملعب التي يسيطر عليها ويصول ويجول فيها كما يشاء ، كان غلام خميس يلعب ضمن المنتخب العماني الذي كان متواضعاً في المستوى خلال تلك الفترة لما كانت تمر به الكرة العمانية من تطور وتجديد وهذا لم يؤهل غلام خميس لإحراز أية إنجازات مع المنتخب العماني ، امتاز غلام خميس بدماثة الخلق وحسن التعامل مع إخوانه من لاعبي السلطنة وأشقائه من لاعبي الخليج ولذلك يحمل له الخليجيون والعمانيون كل الحب والتقدير .
فرصة ذهبية
بعد أن اظهر غلام خميس الكثير من علامات التميز والإبداع في ساحات الملاعب العمانية مع ناديه الأهلي والخليجية مع منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم خلال مشاركاته في بطولات كأس الخليج ، فقد اصبح نجمنا ( المحبوب ) محط أنظار الأندية الخليجية التي كانت تطمح في الاستفادة من خدمات هذا القصير الذي أصبح ذائع الصيت وسط كوكبة لامعة من النجوم الخليجيين في ذلك الوقت ، فبدأت أعين مسؤولي عدد من هذه الأندية مداعبة مخيلة غلام من أجل الحصول على توقيعه للعب محترفا في صفوفها ، ولكن لم تأت الظروف في صالحه إطلاقا ، فقد تم رفض طلب هذه الأندية بشكل قاطع وحينها طارت الفرصة الذهبية من بين يدي أبرز نجوم الكرة العمانية في ذلك الوقت على الإطلاق .




منقول من جريدة الوطن