
نشأت الدكتورة عائشة عبدالرحمن في بيت علم ودين وكان والدها معلما بالمعهد الأزهري وجدها الأكبر كان إماما للجامع الأزهر وينتسب الى الحسين بن علي رضي الله عنهما، وقد كان لهذه التنشئة الصالحة أثرٌ بالغٌ في مسار حياتها منذ طفولتها التى استغلتها فى تحصيل العلم والجهاد فى سبيل علية الدين ورفعة شأنه .وُلدت بنت الشاطئ وهى عائشة محمد على عبد الرحمن فى 6 نوفمبر عام 1913م بمحافظة دمياط بدلتا مصر، تلقت تعليمها الأول في مدرسة الأزهر العريقة، حيث تعلمت وفقا للتقاليد الصارمه لتعليم النساء ومن منزل حصلت على شهادة الكفاءة للمعلمات عام 1929م بترتيب الاولى على القطرالمصري كله ثم الشهاده الثانويه عام 1931 والليسانس في اللغة العربية عام 1939م فالماجستير عام 1941م ثم الدكتوراه عام 1950م. وتدرّجت في المناصب الجامعية من معيدة بقسم اللغة العربية في آداب القاهرة حتى أصبحت أستاذة للتفسير والدراسات العليا بكلية الشريعة في جامعة القرويين بالمغرب ، مرورا برئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة عين شمس في الفترة من 1962 وحتى 1972 ، وعملت كأستاذا زائرا لجامعتي أم درمان والخرطوم في الفترة من 1967 ، وهي أيضا عضو المجلس الأعلى للثقافة . ولم يمنعها تفوقها العلمى من ممارسة حياتها الطبيعية وإكمال نصف دينها بالزواج بل ان زواجها اعطاها دفعة قوية للاستمرار فى طريقها الذى خلقت من اجله ، وذلك عندما تزوجت من فقد تزوّجت من أستاذها الشيخ "أمين الخولي" وهى لاتزال في عامها الثاني من دراستها الجامعية ، وهو الذى شجعها على البحث فى مجال الدراسات اللغوية القرآنية ، وانجبت ثلاثة ابناء هم أكمَل وهو الابن الاكبر وابنتان ، وقد عانت الدكتورة الجليلة من الوحدة كثيرا فقد توفى زوجها وهى لاتزال شابة كما توفى ابنها وابنتها امينة وهاجرت ابنتها الاخرى مع زوجها لتعيش حياة الوحدة ، ويؤرخ لذلك الدكتور محمد سليم العوا قائلا "عانت بنت الشاطئ بين قومها من جحود علمي لم تذكره لأحد ، ولم تعش بنت الشاطئ على هذا الجحود العلمي وحده، وإنَّما عاشت جحوداً إنسانياً أقسى منه وأشد".ثمّ حملت بنت الشاطئ لواء الدفاع عن الدين وعلومه لأكثر من نصف قرن ، كما قدّمت للمكتبة الإسلامية أكثر من أربعين كتاباً، منها: (نساء في بيت النبي، من الإعجاز البياني في القرآن الكريم، لغتنا والحياة، تراثنا بين الماضي والحاضر، الخنساء الشاعرة العربية الأولى، الإسرائيليات في الغزو الفكري، أرض المعجزات ، لقاء مع التاريخ ، التفسير البياني للقرآن الكريم ، الإعجاز البياني للقرآن الكريم، وتراجم سيدات بيت النبي) . وفي مجال الدراسات اللغوية لها إنتاج ضخم مثل : (الحياة الإنسانية عند أبي العلاء المعري ، ورسالة الغفران) ومن أهم أعمالها الأدبية : ( الريف المصري - سر الشاطئ - صور من حياتهن هذا بالإضافة إلى البحوث المنشورة ومنها : ( المرأة المسلمة - رابعة العدوية - القرآن وقضية الحرية الشخصية ) إلى جانب كتاباتها في الصحف والمجلات التى كان آخرها مقالاتها الأسبوعية في جريدة الأهرام عن النساء والرجال في بيت النبوة وكانت آخر مقالاتها عن " أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " . وكانت بنت الشاطئ معلمة فذة تخرج على يديها الكثير من الكتاب الناجحين وكانت مدرسة اسلامية بحق لخصت فى سيدة وقد اشرفت على العديد من الدراسات والبحوث العلمية وقد وصفها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل بأنها الوجه الإسلامي لمصر ، ومن اشهر القضايا التى انشغلت بها الدكتورة عائشة بنت الشاطئ : تلبُّس الإسلام بالعنف والإرهاب، واستمرار اللغو في قضايا المرأة وموضعها في الإسلام ، ويذكر لها معاركها مع الكاتبات الإسرائيليات في التفسير ومقاومتها أغلاط المستشرقين . وسجّلت بنت الشاطئ جزءاً من مذكِّراتها في كتابها "على الجسر" الذي ضمّنته قصّة حياتها وعلاقتها بزوجها الراحل لكنّها توقّفت عندما مات ابنها الأكبر "أكمَل" وتوفيت ابنتها "أمينة" وهجرتها ابنتها الباقية ، وكانت الفقيدة من كبريات الزاهدات في الدنيا مالاً وجاهاً ومظهراً ومطعما وملبسا وقال عنها استاذها وزوجها الشيخ الخولي " إنّها تستطيع أن تكتب وتأتي بجديد من كل قديم تمرُّ عينها عليه". حصلت على عدة جوائز وأوسمة منها جائزتان من مجمع اللغة العربية الأولى في تحقيق النصوص عام 1950 ، والثانية في القصة القصيرة عام 1953 وحصلت على الجائزة الأولى في الدراسات الاجتماعية والريف المصري عام 1956 وحصلت على وسام الكفاءة الفكرية من ملك المغرب عام 1967 ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1973 وجائزة الدولة التقديرية عام 1978 ، وجائزة الآداب من الكويت عام 1988 وجائزة الملك فيصل العالمية عام 1994 . وقد انتهت حياة الفذة عائشة عبدالرحمن فى يوم الثلاثاء 1/12/1998 وفقدت مصر والعالم الاسلامى نموذج للمرأة المسلمة قلما يتكرر بعد عصور
المرأة عندها
وصفها الكاتب الصحفي "محمَّد حسنين هيكل" بأنّها الوجه الإسلامي لمصر، وكان ذلك في المقالات المطوّلة التي كتبها هيكل للتعريف بدار الأهرام الجديدة، بعد أن انتقلت إليها الجريدة في أواسط الستينيات، فحين خصّص هيكل إحدى هذه المقالات للتعريف برجالات الأدب والفكر في مصر، وصف "لويس عوض" بأنّه الوجه الفرعوني لمصر، فيما وصف بنت الشاطئ بأنَّها الوجه الإسلامي، وأيَّاً كان المقصود بهذا التوصيف فقد استطاعت بنت الشاطئ أن تؤكد أنَّ مصر صاحبة وجه إسلامي أصيل، وذلك من خلال بيانها المشرق وفكرها الملتزم.
كما كانت تتألم كثيراً لوصف الإسلام بالعنف وهضم حقوق المرأة من قبل أعدائه وأبنائه معاً، فكانت تقول: "تشغلني قضايا، أهمّها: تلبُّس الإسلام بالعنف والإجرام، واستمرار اللغو في قضايا المرأة وموضعها في الإسلام. وعن نفسي طوَّفت في الآفاق لأسال عمَّا أعطاني الإسلام، وتأكدتُ أنّ الإسلام أعطاني ما لو ظللتُ أكدح إليه العمر كلّه ما بلغته، وأحتاج لإعادة النظر في قضية المرأة والإسلام، وأخشى أن تكون الحركة النسائية المعاصرة أوقعت النساء في خصومة مع الرجل، مع أنّ ما بيننا وبينهم ليس تنافساً أو سباقاً، لكننا رفاق رحلة عمر لا نستغني عنهم ولا يستغنون عنّا، ومن غير المتصوّر أن تقوم الحياة على الرجل وحده؛ لأنّ هذا ضد الفطرة والدين، إضافة إلى أن تأثير المرأة أخطر بجانب الرجل الذي تحمله جنيناً وترعاه رضيعاً وصبياً، فهل ممكن أن نقول إن نصف رئة المجتمع معطّلة؟ وهل تكون المرأة بلا عمل لو تفرّغت للأمومة؟".