أهل غزة ينسون جراحهم ساعة ونصف ليشجعوا الأحمر

    • أهل غزة ينسون جراحهم ساعة ونصف ليشجعوا الأحمر

      رجال المدرجات هتفوا بشعارات النصر من البداية حتى النهاية

      مسيرات عارمة، أنسٌ وسمر، ليلة الأربعاء، ستقام فيها الأماسي والأفراح، إلا أن التهور وترك الأطفال يخرجون من نوافذ السيارات شيءٌ سلبي، فقد كاد أن يسقط طفلٌ من نافذة سيارة أمه، إثر إستدارتها القوية عند دوار العذيبة الداخلي، فلا نريد أن تتحول أفراحنا إلى نكبات وفواجع، لنا الحق في أن نفرح ولكن بقدر والتزام، وأدام الله علينا البسمة والسعادة، وعمان ستحمل الكأس شاء من شاء وأبى من أبى، هذا ما ردده سائق المستوبيشي عندما حادثته سريعاً عن شعوره بنتيجة المباراة
      شارك في المسيرة المواطنيين والوافدين، فقد تمكنتُ من الحديث مع شاب فلسطيني وزوجته، حضرا لتشجيع المنتخب في الملعب، وخرجا أيضاً في ركاب العمانيين المفعمين بالفوز، يقول وليد بأن فوز المنتخب اليوم هدّأ كثيراً من روعنا، فمجازر إسرائيل في غزة جعلت الحياة سوداوية في أعيننا، شكراً للمنتخب العماني الذي أسعد الفلسطنيين المقيمين في السلطنة ومنحهم الفرحة ولو لحين، متمنة زوجة وليد أن تكون المباراة النهائية لصالح المنتخب العماني، راجية أن يشرف المباراة صاحب الجلالة السلطان قابوس، فحضوره بكل تأكيد يمنح اللاعبين العمانيين الثقة والدعم المعنوي الكبير، فبلا شك سيتضاعف جهد اللاعبين، وسيبذلون قصارى جهدهم في مصافحة صاحب الجلالة وإهدائه كأس الخليج عرفاناً وامتناناً على ما قدمه لعمان من عطاء وسخاء غير محدود.
      أمطار الخير هطلت وبغزارة على مسقط العامرة، كان تأجيل مباراة منتخبنا هو هاجس الكثيرين، لا تجد واحداً من الجماهير العمانية العاشقة يتمنى ذلك، فقد برمج الجميع نفسه على ترقب الساعة السادسة ساعة الحلم والحقيقة معاً، ورغم غزارة الأمطار إلا أن مجمع السلطان قابوس الرياضي ببوشر شهد توافد الجماهير العمانية من الساعة الثانية عشر ظهراً، أي قبل ست ساعات من إنطلاق صافرة حكم المباراة، ليس طول الانتظار هو الملفت في الأمر انما الحب والعشق للمنتخب وكرة القدم، من الصعب أن تصمد في المدرجات والسيل يتساقط بغزارة لأكثر من ساعتين.
      توافدت الجماهير العمانية من كل مكان فقد قدم محمد الحرسوسي من المنطقة الوسطى فجر اليوم، زاحم أصدقائه في تحقيق أمنيته بأن يكون أول الداخلين لمجمع بوشر، إلا أنه فوجىء ببعض الجماهير قد دخلت قبله إلى ساحة التشجيع التي التهبت بقدوم إحدى الروابط التشجيعية بصيحاتها الجميلة، شعورٌ رائع أحسَّ به سالم بن حمد الشحي فور وصوله إلى بوابة المجمع فقد هاله التوافد الجماهيري والتزاحم حول بوابات المجمع، راوده شك بأن ساعة يده قد أصابها الوهن وضعف البطارية، فهي تشير إلى الثانية وبضع دقائق، فيبدو أن الوقت الصحيح قد اقترب من السادسة إلا أنه وبعد تأكد من زملائه إكتشف أن ساعته مضبوطة، إنّما جنون كرة القدم وحب الوطن من جعل هذه الجموع تصرّ على القدوم في وقت مبكر.
      مزنة الرواحي أتت بصحبة أمها وأخواتها الثلاث، لفت جسدها بعلم السلطنة، تناست كل القيود وجاءت لتعلن مواقفها الإيجابي من دعم المنتخب، مستغربة من الحرب التي يشنها البعض على الفتيات العمانيات اللواتي يخرجن جنباً إلى جنب مع أهلهن لتشجيع المنتخب، تقول بأنه واجبٌ وطني، ولا يحق لأحد أن يساومنا في حب الوطن، ولعمان أجسادنا وأرواح ودمانا، وإن لم نقف مع المنتخب في هذه المباريات فإن الخطب والقصائد لا تجدي نفعاً؛ قاطعتها الحديث أختها الصغيرة البالغة من العمر تسع سنين صارخة (وهذا العماني جاكم وشعاره سيفين والخنجر عمانية) فانصرفن يبتهجن ويصفقن ويغنين.
      الساعة الرابعة تشهد موقفاً جميلاً من الجماهير القطرية حينما قامت بتبادل السلام مع الجماهير العمانية، جالبين معهم علم السلطنة وقطر في علمٍ واحدٍ طويل، فكان الرد العماني بلوحة رائعة (عمان قطر = نبض واحد) ولوحة أخرى (تشيلكم العين يا قطر) لتمتلىء المدرجات بأكملها في تمام الساعة الرابعة والربع، حيث الهتنافات والتشجيع والتصفيق، لنشاهد بعضاً من الرقصات الغريبة وكثيراً من الفنون العمانية التقليدية الجميلة.
      شابٌ عماني صبغ وجهه بالكامل، ويبدو أن (الدشداشة) نالت حظاً وافراً من الصبغ هي الأخرى، أحضر معه نعالاً خاصة وهي (الزنوبة) فله فيها مآربٌ أخرى، فكثيراً ما يستخدمها في التصفيق والرقص وإبراز حركات اليد الخفيفة، حضر قبل المباراة بساعتين ولم يتوقف عن التشجيع إلا بين الشوطين ليسكت جوعه ويمد جسده بالطاقة، يقوم بالرقص وترديد الأغاني طوال المباراة، يجيد الرقص الشعبي التقليدي والستايل الأوربي، كل مشاعره تجاه المنتخب، استطاع أن يجذب انتباه الكثيرين له لإخلاصه في التشجيع وتنوع طرائقه، كان انموذجاً رائعاً وفي أغلب الأحيان كان القدوة والحافز للكثيرين.
      من سوء حظ المشجعين القطريين وجودهم على يسار مدرجات النساء، فهن لم يفترن أبداً عن التشجيع والتصفيق، هتافاتهن تعالت على صيحات وطبول القطريين في أغلب الأوقات، تحية كبيرة للجمهور النسائي الذي لم يصمت أبداً، فهن دينمو حركة ونشاط، قدمن طريقة عصرية في التشجيع، فكنَّ عن آلاف الرجال والمهمة الوطنية جذبت الجميع، الكل يشارك في دعمه لرجال عمان الأبطال.
      قحطان بن محمد البوسعيد من ولاية السيب قال: مع إنطلاق صافرة الحكم، بعون الله سيكون النصر حليفنا، ولن يتمكن سبستيان من تسجيل الأهداف، فالصخرة محمد ربيع والمدفعجي خليفة عايل والصلب محمد الشيبة سيقطعون عنه الماء والكهرباء، لن يصل أحد لمرمى علي الحبسي، فاليوم ليس كأي يوم، إنه يوم الوصول إلى الكأس.
      التجوال بين الجماهير صعبٌ للغاية، فالأعداد الهائلة تعيق الحركة، كل المدرجات مشتعلة، وأم فتون تصفق بحرارة شديدة، تقول لا يوجد شخصٌ واحد في هذه المدرجات لا يتفائل بفوز منتخبنا، عدى الجماهير القطرية طبعاً، أتوقع أن يفوز المنتخب بهدفين نظيفين، وستظل شباك حارسنا خالية من الأهداف حتى نهاية البطولة بعون الله، احساسي يقودني لملاقاة السعودية في النهائي، وسنظفر بالكأس الجميل.
      استمرت الصيحات العمانية، مع بروز الأصوات القطرية في بعض الأحيان، حتى جاء هدف المباراة، وقد أشعل المدرجات وألهب المشاعر، وقف الجميع لحظة الهدف، فلا يمكن الجلوس في هذه اللحظة، لتبدأ إحتفالية التأهل مبكراً، غابت الأهازيج التقليدية الشعبية القديمة، وحضرت الطريقة الحديثة في التشجيع، أمواج المدرجات تنطلق بين فترة وأخرى، شفيق الحبسي يطلب من الجمهور القريب منه الرقص على الطريقة الألمانية، فأعطت اللوحة الألمانية جمالاً آخراً للتشجيع، ليستمر حوار أرض الملعب بدعم غفير من رجال المدرجات البواسل.
      انتهت المباراة بهدف حسن ربيع الوحيد، خرجت الجماههير بعدها من مدرجات بوشر وهي تتعانق بالأحضان، خرجوا يرقصون وكأنهم سكرى، فقد أسكرهم الفوز حتى الثمالة، لذة النصر في كرة القدم يفوق كل ملذات الحياة، هذا ما قاله لي أحد الجماهير الذي خرج راقصاً من المجمع وحتى فندق مجان، نعم خرجت الجماهير من الجمع لتنطلق بعدها الأفراح في الشوارع والبيوت، وبدأت المسيرات كالعادة تطوف الأحياء والمناطق، رجال الأمن شاركوا وبفاعلية في تنظيم السير، وتهيأت الطرقات في الأماكن الحساسة والمؤدية إلى المستشفيات حتى لا يتعرقل السير، فرحة عارمة ونشوة نصر لا مثيل لها، ربما فرحة التأهل للنهائي هذه المرة أكبر بكثير من المرة السابقة، وهذا ما قاله أحمد بن سعيد البلوشي، فالمنتخب هذه المرة يقدم مستوىً جميل، يفوز بجدارة، ويحقق المطلوب ويمتع الجمهور، الآن ينطبق علينا لقب برازيل الخليج، وحسن ربيع ضمن جائزة هداف البطولة.