الحرب والعقيدة

    • الحرب والعقيدة

      صاحبنا ـ في مناسبة عابرة ـ استشهد بقول الله سبحانه و تعالى ( وما النصر إلا من عند الله ...) وبقوله تعالى ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا ..) في اللحظة التي تقصف فيها البلدة العزيزة المحاصرة برا وبحرا وجوا ( غزة ) ، يتشبث بهذا الاستشهاد وكأنه يتخفف أو يتأفف من التعويل على الأسباب المادية المؤدية للنصر والتي فشل العالم الإسلامي في إعدادها ، أو يهملها ، وكأنها تابع لا يحفل به ..فاستشهاده المجتزأ هذا ربما جاء منفسا له ثقل الإحباط ومرارة الألم ، فالعاطفة الجياشة هنا جاءت هنا لتتولى دور التوجيه ...


      قلت معللا على استشهاده : إن هو ظن بهذا وأهمل النصوص الأخرى التي توجه للأخذ بالأسباب ، بل تجعل الأخذ بها شرط أساس لتحقق المطالب الدنيوية بل والأخروية ، كقوله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ... الآية ) وقوله تعالى ( ولينصرن الله من ينصره ، الذين إن مكناهم في الأرض ...... الآية ) فهو إن ظن بهذا فقد انتقل عقائديا من إطار أهل السنة والجماعة التي تعمل على الاستدلال بالمقابلة بين النصوص والتوفيق بينها ، وتؤمن بواجب الأخذ بالأسباب ، انتقل من هذا إلى إطار المعطلة التي تضرب النصوص ببعضها ويوقف بعضها بعضا وكأن هناك نوع من التناسخ بينها ..


      والذي أعمل على تناوله بالطرح هنا ليس بالطبع مناقشة خطأ الاستدلال من صحته ، فلذلك حديث آخر ، لكن هو ما أدهشني في الحقيقة .. وهو تلك المماهاة التي قد تتم عن طريق الانتقال من إطار عقائدي إلى إطار عقائدي آخر ، أو التوجيه اللاشعوري الذي يجعلنا نستدل بطريقة انتقائية ؟ وتعليلي لذلك الصاحب الذي أهمل التوفيق بين النصوص ومقابلتها ، هو أنه لما لم يستطع العالم الإسلامي توفير شروط النصر في هذه الحرب وهي التي تمثل النزعة العقلية ـ فإن هذا العقل توارى إلى الخلف ، لتحل العاطفة مكانه وتأخذ دوره ...!




      ولمناقشة هذه الإشكالية على المستوى العقدي قلت : العبثية مثلا حين تكون عقيدة ، لا يمكن أن تأتي تأويلات معتقدها مخالفة لها ، فالعقيدة تنحى بتأويلاتها وأدبياتها إلى ما يتوافق معها لا ما يناقضها .... !


      والماركسي حين يجهد نفسه في وسائل البحث عن امتلاك الماديات وحين تنحى أدبياته شعرا ونثرا إلى تمجيد المادة فإنه والحال هذه يكون متوافقا مع معتقده ، .. ولذلك فالأدب المثالي لأي حضارة هو الذي يفيض عنها مستمدا قوامه من أدبياتها أو تصوراتها للكون والحياة .. هكذا إذا يطفو المكنون النفسي ليعطي ( بارنوراما ) الداخل ...


      ولا يمكن مثلا أن يعتقد الإنسان في المسيحية ثم يهجس بمعتقد يهودي ، طالما أن المسيحية تمده بحقيقة مختلفة إلا في حالتين :


      الأولى : أن يكون جاهلا بحقيقة ما يعتقد ..


      والثانية : أن لديه ضعف في الاعتقاد ..


      فأما الجهل بالمعتقد فإنه ينتفي بالمعرفة التي تنير البصيرة وتبلج الغمم ...


      وأما ضعف الاعتقاد فلا يزول إلا بالثبات على والطاعة والإتباع لتعاليم المعتقد نفسه قولا وفعلا ، فكرا وسلوكا ...بل أن الإتباع يفضي إلى تصحيح التصور ! كما قال تعالى ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) ....



      فما يعتقد الإنسان في داخله هو ما يدفع بوعي أو بدون وعي إلى السطح ، فيظهر من خلال فكره أو انتقائيته في الاستدلال أو سلوكه وفي حديثه العادي أو في غرضه الفني أو الأدبي
      للاستزادة اتبع الرابط