الذكرى السنوية عادة ما تكون ذريعة لإقامة الحفلات، ولكن في الأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل، وهو يوم الإيدز العالمي، لن يحتفل الكثيرون بالذكرى السنوية العشرين لاكتشاف مرض الإيدز.
ومنذ ظهور هذا المرض لحق دمار كبير بالأرض، وهو يتحول بشكل سريع ليغدو أكثر الأوبئة الفيروسية فتكا بالبشر في التاريخ الإنساني بأسره. ففي العقدين الماضيين، مات 23 مليون شخص من الفيروس (17مليونا في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى وحدها).
ويقول بيتر بيوت رئيس برنامج الإيدز في الأمم المتحدة: «يعتبر الإيدز أكبر قاتل بين الأمراض المعدية في العالم، وهو القاتل رقم واحد في عموم أفريقيا».
هناك عقاقير جديدة تضمن وفاة عشرة أشخاص فقط من جراء الإيدز كل شهر في بريطانيا، مع أنه كانت هناك 3425 حالة جديدة من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية الـ «أتش.آي.في» العام الماضي وهو رقم إجمالي قياسي. لكن العلاج مكلف جدا، وفي أفريقيا يحرم الضحايا من العقاقير باهظة التكلفة، فيخرج المرض عن نطاق السيطرة.
وقد يبدأ المرض قريبا بتدمير آسيا، ولكن العالم يدرك الآن، على الأقل، حجم الخطر. ويقول كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة: شهدنا نقطة تحول في هذا العام، فلم يعد بإمكان مرض الإيدز أن يقوم بعمله المميت في الظلام، فقد بدأ العالم يستيقظ.
قبل 20 عاما طلب العالم المتخصص في المناعة البشرية دكتور مايكل جوتليب من أحد الباحثين أن يتجول حول مركز أوكلاهما الطبي ويعثر له على بعض الحالات المثيرة للاهتمام من أجل فحصها ومتابعتها، فعاد الباحث بتفاصيل عن شاب يدعى «مايكل» يعاني من انخفاض في عدد خلايا الدم البيضاء ومن إصابات فطرية غريبة من نوع غير عادي من فقر الدم، الذي يوجد عادة لدى الأشخاص الذين لديهم أجهزة مناعة مثبطة بشكل حاد.
وبعد العثور على عدد من المرضى لديهم الأعراض نفسها، أدرك جوتليب أنه كشف النقاب عن مرض جديد غريب. وقال جوتليب في حديث له مؤخرا: «كان من الواضح أنه شيء جديد وفريد واللغز كان يتمثل فيما يسببه». وتم نشر تقرير قصير حول خمس حالات في مجلة طبية في يونيو/حزيران من عام 1981. ومع نهاية ذلك العام، كانت هناك قرابة 200 حالة إصابة بمرض الإيدز في الولايات المتحدة. وكان ذلك إعلانا بانتشار أكثر الأوبئة مكرا في العالم.
تم عزل مسبب المرض وهو فيروس نقص المناعة البشرية في عام 1983، ويقوم العلماء منذ ذلك الحين بملء كتب بكاملها باكتشافاتهم عن المرض وهم يعرفون أن فيروس نقص المناعة البشرية هو فيروس ماكر لأنه يتغير بسرعة، ويتجنب بصورة عبقرية الآليات الدفاعية التي يوظفها جهاز المناعة، ولا يحدث في الحيوانات بالطريقة نفسها التي يحدث بها عند الإنسان. وهم يعرفون أيضا أن من الصعب نقله لأنه لا يمكن العيش لفترة طويلة خارج الجسم البشري.
ولكنه يحمل في الدم وحليب الثدي والمني، مما يعرض الأطفال الضحايا والمدمنين على المخدرات والمتسببين في علاقاتهم الجنسية لخطر إصابة أعلى بالمرض.
وشأن جميع الفيروسات فإن فيروس نقص المناعة البشرية لا يمكنه الانقسام وحده ويحتاج إلى دخول خلية مضيفة لكي يتكاثر. وعندما يغزو الجسم فإنه غالباً ما يستقر على خلايا الدم البيضاء، المعروفة بالخلايا «المساعدة» تي 4، والتي تعتبر ضرورية لجهاز المناعة، ثم يقوم بنسخ مادتها الوراثية لصنع أجزاء فيروسية جديدة.
ومن خلال بحوث الإيدز، نعرف الآن أكثر بكثير عن طريقة عمل جهاز مناعتنا، وبخاصة ما يحدث عندما تموت الخلايا المساعدة، ومن أبرز الاكتشافات المثيرة أن أجهزة المناعة لدينا يمكنها أن تحمل العدوى لسنوات قبل أن تهاجم، وحتى وقت قريب، كان العلماء يعتقدون أن الفيروس «اتش.آي.في» يظل في دور السبات بعد أن يدمج نفسه داخل الخلايا المضيفة. والآن يعرفون أنه يتكاثر بسرعة في الواقع ويحدث تغيرات تجعل من الصعب على جهاز المناعة أن يصدّه. ومع مرور الوقت، يبدأ الفيروس المتكاثر بقتل خلايا «تي» المساعدة على نحو أسرع من قدرة الجسم على إنتاجها.
بعد العدوى، يمكن أن يشعر الضحايا بأنهم معافون ويعيشون حياة طبيعية. ولكن ما أن يهاجم الفيروس جهاز المناعة حتى يصبح الضحية عرضة للأمراض وتظهر لديه أعراض المرض عادة في غضون عشرة أعوام. وتتضمن هذه الأعراض الحمى والطفح الجلدي وفقدان الوزن وإصابات انتهازية، مثل فقر الدم وسرطان السرقوم، وهو نوع كان نادراً في السابق.
ومن خلال البحث عن طريقة لفهم مرض الإيدز وإيجاد علاج له بناء على ذلك، تمكن العلماء من فهم وعلاج حالات مرضية غير مرتبطة بمرض الإيدز. ومع ذلك، فإن العلم عانى من إخفاقات محرجة أثناء معركته ضد الإيدز. فقد بدأ البحث في المرض بطيئاً ولم يصبح ألوية حتى أصيب أطفال بالمرض في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
والمشكلة الأخرى هي أن الأساليب التي استخدمها العلماء في مكافحة الإيدز كانت موضع شك هي الأخرى. فقد أمضى باحثو الإيدز سنوات يركزون على محاولة فهم وتعلّم القدر الأكبر الممكن عن الفيروس.
لا يزال الباحثون يكافحون من أجل استيعاب الانتشار الجغرافي للأنواع الفرعية لفيروس نقص المناعة البشرية وبخاصة في أفريقيا. ولا يزال الطريق أمامهم طويلاً حتى يفهموا بالكامل استجابات جهاز المناعة التي يمكن أن تحمي من العدوى. غير أنهم تمكنوا من تطوير مجموعة من العلاجات، ويمكن للمرضى في الدول الغنية أن يتناولوا عقاقير مضادة للإيدز يمكنها أن تهاجم الفيروس وتعيد تدريجياً بناء جهاز المناعة. وفي الغرب، لم يعد فيروس نقص المناعة البشرية حكماً تلقائياً بالإعدام. ولكن في أفريقيا، فإن القصة تختلف تماماً
ومنذ ظهور هذا المرض لحق دمار كبير بالأرض، وهو يتحول بشكل سريع ليغدو أكثر الأوبئة الفيروسية فتكا بالبشر في التاريخ الإنساني بأسره. ففي العقدين الماضيين، مات 23 مليون شخص من الفيروس (17مليونا في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى وحدها).
ويقول بيتر بيوت رئيس برنامج الإيدز في الأمم المتحدة: «يعتبر الإيدز أكبر قاتل بين الأمراض المعدية في العالم، وهو القاتل رقم واحد في عموم أفريقيا».
هناك عقاقير جديدة تضمن وفاة عشرة أشخاص فقط من جراء الإيدز كل شهر في بريطانيا، مع أنه كانت هناك 3425 حالة جديدة من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية الـ «أتش.آي.في» العام الماضي وهو رقم إجمالي قياسي. لكن العلاج مكلف جدا، وفي أفريقيا يحرم الضحايا من العقاقير باهظة التكلفة، فيخرج المرض عن نطاق السيطرة.
وقد يبدأ المرض قريبا بتدمير آسيا، ولكن العالم يدرك الآن، على الأقل، حجم الخطر. ويقول كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة: شهدنا نقطة تحول في هذا العام، فلم يعد بإمكان مرض الإيدز أن يقوم بعمله المميت في الظلام، فقد بدأ العالم يستيقظ.
قبل 20 عاما طلب العالم المتخصص في المناعة البشرية دكتور مايكل جوتليب من أحد الباحثين أن يتجول حول مركز أوكلاهما الطبي ويعثر له على بعض الحالات المثيرة للاهتمام من أجل فحصها ومتابعتها، فعاد الباحث بتفاصيل عن شاب يدعى «مايكل» يعاني من انخفاض في عدد خلايا الدم البيضاء ومن إصابات فطرية غريبة من نوع غير عادي من فقر الدم، الذي يوجد عادة لدى الأشخاص الذين لديهم أجهزة مناعة مثبطة بشكل حاد.
وبعد العثور على عدد من المرضى لديهم الأعراض نفسها، أدرك جوتليب أنه كشف النقاب عن مرض جديد غريب. وقال جوتليب في حديث له مؤخرا: «كان من الواضح أنه شيء جديد وفريد واللغز كان يتمثل فيما يسببه». وتم نشر تقرير قصير حول خمس حالات في مجلة طبية في يونيو/حزيران من عام 1981. ومع نهاية ذلك العام، كانت هناك قرابة 200 حالة إصابة بمرض الإيدز في الولايات المتحدة. وكان ذلك إعلانا بانتشار أكثر الأوبئة مكرا في العالم.
تم عزل مسبب المرض وهو فيروس نقص المناعة البشرية في عام 1983، ويقوم العلماء منذ ذلك الحين بملء كتب بكاملها باكتشافاتهم عن المرض وهم يعرفون أن فيروس نقص المناعة البشرية هو فيروس ماكر لأنه يتغير بسرعة، ويتجنب بصورة عبقرية الآليات الدفاعية التي يوظفها جهاز المناعة، ولا يحدث في الحيوانات بالطريقة نفسها التي يحدث بها عند الإنسان. وهم يعرفون أيضا أن من الصعب نقله لأنه لا يمكن العيش لفترة طويلة خارج الجسم البشري.
ولكنه يحمل في الدم وحليب الثدي والمني، مما يعرض الأطفال الضحايا والمدمنين على المخدرات والمتسببين في علاقاتهم الجنسية لخطر إصابة أعلى بالمرض.
وشأن جميع الفيروسات فإن فيروس نقص المناعة البشرية لا يمكنه الانقسام وحده ويحتاج إلى دخول خلية مضيفة لكي يتكاثر. وعندما يغزو الجسم فإنه غالباً ما يستقر على خلايا الدم البيضاء، المعروفة بالخلايا «المساعدة» تي 4، والتي تعتبر ضرورية لجهاز المناعة، ثم يقوم بنسخ مادتها الوراثية لصنع أجزاء فيروسية جديدة.
ومن خلال بحوث الإيدز، نعرف الآن أكثر بكثير عن طريقة عمل جهاز مناعتنا، وبخاصة ما يحدث عندما تموت الخلايا المساعدة، ومن أبرز الاكتشافات المثيرة أن أجهزة المناعة لدينا يمكنها أن تحمل العدوى لسنوات قبل أن تهاجم، وحتى وقت قريب، كان العلماء يعتقدون أن الفيروس «اتش.آي.في» يظل في دور السبات بعد أن يدمج نفسه داخل الخلايا المضيفة. والآن يعرفون أنه يتكاثر بسرعة في الواقع ويحدث تغيرات تجعل من الصعب على جهاز المناعة أن يصدّه. ومع مرور الوقت، يبدأ الفيروس المتكاثر بقتل خلايا «تي» المساعدة على نحو أسرع من قدرة الجسم على إنتاجها.
بعد العدوى، يمكن أن يشعر الضحايا بأنهم معافون ويعيشون حياة طبيعية. ولكن ما أن يهاجم الفيروس جهاز المناعة حتى يصبح الضحية عرضة للأمراض وتظهر لديه أعراض المرض عادة في غضون عشرة أعوام. وتتضمن هذه الأعراض الحمى والطفح الجلدي وفقدان الوزن وإصابات انتهازية، مثل فقر الدم وسرطان السرقوم، وهو نوع كان نادراً في السابق.
ومن خلال البحث عن طريقة لفهم مرض الإيدز وإيجاد علاج له بناء على ذلك، تمكن العلماء من فهم وعلاج حالات مرضية غير مرتبطة بمرض الإيدز. ومع ذلك، فإن العلم عانى من إخفاقات محرجة أثناء معركته ضد الإيدز. فقد بدأ البحث في المرض بطيئاً ولم يصبح ألوية حتى أصيب أطفال بالمرض في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
والمشكلة الأخرى هي أن الأساليب التي استخدمها العلماء في مكافحة الإيدز كانت موضع شك هي الأخرى. فقد أمضى باحثو الإيدز سنوات يركزون على محاولة فهم وتعلّم القدر الأكبر الممكن عن الفيروس.
لا يزال الباحثون يكافحون من أجل استيعاب الانتشار الجغرافي للأنواع الفرعية لفيروس نقص المناعة البشرية وبخاصة في أفريقيا. ولا يزال الطريق أمامهم طويلاً حتى يفهموا بالكامل استجابات جهاز المناعة التي يمكن أن تحمي من العدوى. غير أنهم تمكنوا من تطوير مجموعة من العلاجات، ويمكن للمرضى في الدول الغنية أن يتناولوا عقاقير مضادة للإيدز يمكنها أن تهاجم الفيروس وتعيد تدريجياً بناء جهاز المناعة. وفي الغرب، لم يعد فيروس نقص المناعة البشرية حكماً تلقائياً بالإعدام. ولكن في أفريقيا، فإن القصة تختلف تماماً