حتى تكون ناقداً محبوباً
كثيرة هي المواقف الحياتية التي لا يملك أحدنا من بد سوى أن ينتقدها حالما يتعايش معها بكامل تفاصيلها أو بعض جزئياتها . وبالطبع لا يمكن أن تنتقد كافة عناصر الموقف الحياتي الذي تعيشه، ولكنك تقدر بكل تأكيد نقد أهم عناصره والمتمثلة في البشر .
حين يجد أحدنا موقفاً فيه بشر، بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو علاقاتهم ببعض أو حالاتهم الاجتماعية وغيرها من حالات ، ويرى أجزاء من الموقف لا يتفق معها أو أنها تتعارض مع توجهاته وأفكاره ورؤاه ، فإن ما يقوم به أحدنا إما على الفور أو بعد حين ، هو نقد الجزء المتعارض مع أفكاره أو اتجاهاته .
ليس في النقد أي شيء أو أي عيب ، بل إن النقد مطلوب ولولاه لما عرفنا الاتجاهات الصحيحة ولا استطعنا تقويم أعمالنا . إن النقد بمثابة توجيه وتقويم من بعد تقييم وتمحيص .. والى هنا لا شيء جديداً ذكرته أو أضفته إليكم .. لا أريد أن أضيف جديداً بقدر ما أريد أن أدعو إلى التنبه وأخذ الحذر حين يهم أحدنا بنقد أعمال الآخرين وتصرفاتهم وآرائهم وأفكارهم . هذا هو الموضوع المهم الذي أريد الحديث فيه قليلاً من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين دون شك .
حين تنقد أحداً في عمله أو رأيه أو فكره ، فلا بد أن تكون ، إما في مستواه العلمي والفكري والعملي ، أو أفضل وأعلى وأجدر منه . هذه نقطة أولى مهمة . النقطة الأخرى في عملية النقد ، أن تتريث قبل البدء في توجيه سهامك إلى الآخرين ، بحيث لا تجهز سهما لتصوبه نحو هدفك إلا بعد أن تكون قد تحققت من المسافة ومن القوة اللازمة لإطلاق السهم وعرفت اتجاهات الريح وغيرها من العوامل التي قد تؤثر على دقة التصويب ..
بمعنى آخر ، لا تنقد فلاناً بناء على أقوال الآخرين أو مشاهداتهم . ولا تنتقد أحداً في ميدان لا تملك معلومات كافية عنه أو لا تكون ملماً بغالبية الظروف المسيطرة أو المؤثرة على ذاك الميدان ، فإن التسلح بالمعلومة الصحيحة الموثقة أفضل سهم يمكنك تصويبه نحو الهدف وبدقة .
ثم عليك ثالثاً أن تكون قمة في الأدب والرقي وأنت تنتقد الآخرين . لا يجب أبداً أن تتطاول أو تجرح أو تسب أو تلعن أو تستهزئ بهدفك ، مهما كان وضعه وشأنه ، ومهما اختلفت وتعارضت معه في الفكر والرؤى والتوجهات . كما أن عليك رابعاً ، وأنت تجهز العدة لممارسة عملية النقد بشكل صحيح، أن تـركز على المطلوب وبدقة ، فإن كنت ترغب في نقد رأي لفلان ، فيجب أن يكون النقد للرأي وليس للشخص أو الذات وإن كنت ترغب في نقد عمل أو فعل لشخص ما، فالنقد يكون لذات الفعل وليس لذات الشخص ، حتى يكون النقد راقياً بعيداً عن الإسفاف والابتذال .
إنك بهذا تقدر على أداء دور الناقد دون أن يحمل أحدهم ضغينة عليك أو كراهية تجاهك أو غضباً مما تقول ، بل يمكنك بهذا أيضاً أن تكون ناقداً محبوباً لا يكرهك أحد رغم سهامك الناقدة النافذة .. إننا جميعاً نقدر على رمي السهام ، ولكن هل جميعنا يقدر على إصابة الأهداف بالسهولة التي عليها عملية الرمي ؟ الإجابة عندكم.
بقلم : عبـــــداللــه الـعمـادي
كاتب في جريدة الوطن