قصــــــــــــــــــــــة واقعيـــة مـؤثــــــرة

    • قصــــــــــــــــــــــة واقعيـــة مـؤثــــــرة

      مـا أجـمله من رحــيل


      بدت أختي شاحبه الوجه نحيله الجسم .
      ولكنها كعادتها تقرأ القرآن الكريم .
      تبحث عنها فتجدها في مصلاها .
      راكعة ساجدة رافعه يديها إلى السماء .
      هكذا في الصباح وفي المساء وفي جوف الليل لا تفتر ولا تمل .
      كنت أحرص على قراءة المجلات الفنية والكتب ذات الطابع القصصي .
      أشاهد الدش بكثرة لدرجة أنني عُرفت به ..ومَنْ أكثر من شيء عُرف به .
      لا أؤدي واجباتي كاملة ولست منضبطة في صلواتي .
      بعد أن أغلقت الدش وقد شاهدت أفلاماً متنوعة لمدة ثلاث ساعات متواصلة .
      ها هو الأذان يرتفع من المسجد المجاور .
      عدت إلى فراشي .
      تناديني من مصلاها .
      نعم ماذا تريدين يا نورا ؟
      قالت لي بنبرة حاده : لا تنامي قبل أن تصلي الفجر .
      أوه ..بقي ساعة على صلاة الفجر وما سمعته كان الأذان الأول .
      بنبرتها الحنونة..هكذا هي حتى قبل أن يصيبها المرض الخبيث وتسقط طريحة الفراش .
      نادتني ..تعالي يا هناء بجانبي .
      لا أستطيع إطلاقاً رد طلبها .
      تشعر بصفائها وصدقها .
      لا شك طائعاً ستلبي .
      ماذا تريدين ؟ اجلسي ..
      ها قد جلست ماذا لديك ؟
      بصوت عذب رخيم قالت : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ . سكتت هنيهة .
      ثم سألتني ..ألم تؤمني بالموت ؟
      بلى مؤمنة !.
      ألم تؤمني بأنك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيرة ؟.
      بلى ..ولكن الله غفور رحيم ..والعمر طويل ..يا أختي .
      ألا تخافين من الموت وبغتته ؟. انظري هند أصغر منك و توفيت في حادث سيارة .. وفلانة .. وفلانة ..
      الموت لا يعرف العمر .. وليس مقياساً له ..
      أجبتها بصوت الخائف حيث مصلاها ذو ضوء خافت :
      إنني أخاف من الظلام وزدت خوفي بذكر الموت ..كيف أنام الآن ؟.
      كنت أظن أنك وافقت على السفر معنا هذه الإجازة .
      فجأة ..
      تحشرج صوتها و اهتزَّ قلبي ..
      لعلي هذه السنة أسافر سفراً بعيداً ..
      إلى مكان آخر ..
      ربما يا هناء ..
      الأعمار بيد الله .
      وانفجرت بالبكاء ..
      تفكرت في مرضها الخبيث وأنَّ الأطباء أخبروا أبي سراً أنَّ المرض ربما لن يمهلها طويلاً .
      ولكن من أخبرها بذلك ؟
      أم أنها تتوقع هذا الشيء .
      ما لك تفكرين .
      جاءني صوتها القوي هذه المرة :
      هل تعتقدين أنني أقول هذا لأنني مريضه .
      كلا ..
      ربما أكون أطول عمراً من الأصحاء .
      وأنت إلى متى ستعيشين .
      ربما عشرين سنة .
      ربما أربعين ..ثم ماذا ؟.
      لمعت يدها في الظلام وهزتها بقوة .
      لا فرق بيننا كلنا سنرحل وسنغادر هذه الدنيا إما إلى جنة وإما إلى نار .
      ألم تسمعي قول الله ﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ .
      تصبحين على خير .
      هرولت مسرعه وصوتها يطرق أذني .
      هداك الله .
      لا تنسي الصلاة .
      الثامنة صباحاً .
      أسمع طرقاً على الباب .
      هذا ليس موعد استيقاظي .
      بكاء ..وأصوات ..يا إلهي ماذا جرى .
      لقد تردت حالة نورة
      وذهب بها أبي إلى المستشفى .
      إنا لله وإنا إليه راجعون .
      لا سفر هذه السنة .
      مكتوب علي البقاء هذه السنة في بيتنا .
      بعد انتظار طويل .
      عند السعة الواحدة ظهراً .
      هاتفنا أبي من المستشفى
      تستطيعون زيارتها الآن هيا بسرعه .
      أخبرتني أمي أن حديث أبي غير مطمئن وأن صوته متغير .
      عباءتي في يدي .
      أين السائق .
      ركبنا على عجل .. أين الطريق الذي كنت أذهب لأتمشى مع السائق فيه وكان يبدو قصيراً .
      ماله اليوم طويلاً .. وطويلاً جداً.
      أين ذلك الزحام المحبب إلى نفسي كي ألتفت يمنة ويسرة .
      زحام أصبح قاتلاً ومملاً.
      أمي بجواري تدعو لها .
      إنها بنت صالحة مطيعة .
      لم أرها تضيع وقتها أبداً .
      دلفنا من الباب الخارجي للمستشفى .
      هذا مريض يتأوه .
      وهذا مصاب بحادث سيارة .
      وثالث عيناه غائرتان .
      لا تدري هل هو من أهل الدنيا أم من أهل الآخره .
      منظر عجيب لم أره من قبل .
      صعدنا درجات السلم بسرعة .
      إنها في غرفة العناية المركزة .
      وسآخذكم إليها .
      ثم واصلت الممرضة : إنها بخير وطمأنت أمي أنها في تحسن بعد الغيبوبة التي حصلت لها .
      ممنوع الدخول لأكثر من شخص واحد .
      هذه غرفة العناية المركزة .
      وسط زحام الأطباء وعبر النافذة الصغيرة التي في باب الغرفة أرى عيني أختي نورة تنظر إليَّ وأمي واقفه بجوارها .
      بعد دقيقتين خرجت أمي التي لم تستطع إخفاء دموعها ..
      سمحوا لي بالدخول والسلام عليها على أن لا أتحدث معها كثيراً .
      دقيقتان كافية لك .
      كيف حالك يا نورة .
      لقد كنت بخير مساء البارحة .
      ماذا جرى لك ؟!.
      أجابتني بعد أن ضغطت على يدي : وأنا الآن ولله الحمد بخير .
      الحمد لله لكن يدك بارده .
      كنت جالسه على حافة السرير ولامست يدي ساقها .
      أبعدتها عني ..
      آسفه إذا ضايقتك .
      كلا ولكني تفكرت في قوله تعالى : ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ عليك يا هناء بالدعاء لي فربما أستقبل عن قريب أول أيام الآخرة .
      سفري بعيد وزادي قليل ..سقطت دمعه من عيني بعد أن سمعت ما قالت وبكيت .
      لم أع أين أنا .
      استمرت عيناي في البكاء .
      أصبح أبي خائفاً علي أكثر من نورة .
      لم يتعودوا مني هذا البكاء والانطواء في غرفتي .
      مع غروب شمس ذلك اليوم الحزين .
      ساد صمت طويل في بيتنا .
      دخلت عليَّ ابنة خالتي .
      ثم ابنة عمتي .
      أحداث سريعة ..كثر القادمون ..اختلطت الأصوات ..شيء واحد عرفته ..
      ( نورة ماتت) لم أعد أميز من جاء .
      ولا أعرف ماذا قالوا .
      يالله ..
      أين أنا وماذا يجري ؟
      عجزت حتى عن البكاء .
      فيما بعد أخبروني أن أبي أخذ بيدي لوداع أختي الوداع الأخير .
      وأني قبّلتها .
      لم أعد أتذكر إلا شيئاً واحداً .
      حين نظرت إليها مسجاة على فراش الموت .
      تذكرت قولها ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴾ عرفت حقيقة أن ﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ لم أعرف أنني عدت إلى مصلاها إلا تلك الليلة..
      وحينها تذكرت من قاسمتني رحم أمي فنحن توأمان .
      تذكرت من شاركتني همومي .
      تذكرت من نفَّست عني كربتي .
      من دعت لي بالهداية .
      من ذرفت دموعها ليالي طويلة وهي تحدثني عن الموت ، والحساب .الله المستعان.
      هذه أول ليلة لها في قبرها .
      اللهم ارحمها ونوّر لها قبرها .
      هذا هو مصحفها .
      وهذه سجادتها ..وهذا .. وهذا ..
      بل هذا هو الفستان الوردي الذي قالت لي سأخبئه لزواجي .
      تذكرتها وبكيت ، وبكيت على أيامي الضائعة .
      بكيت بكاءً متواصلاً .
      ودعوت الله أن يرحمني ويتوب علي ويعفو عني .
      دعوت الله أن يثبتها في قبرها كما كانت تحب أن تدعو .
      فجأة سألت نفسي ماذا لو كنت أنا الميتة ؟
      ما مصيري ؟
      لم أبحث عن الإجابة من الخوف الذي أصابني .
      بكيت بحرقة ..الله أكبر ..الله أكبر ..
      ها هو أذان الفجر قد ارتفع .
      ولكن ما أعذبه هذه المرة أحسست بطمأنينة وراحة وأنا أردد ما يقوله المؤذن .
      لففت ردائي وقمت واقفه أصلي صلاة الفجر .
      صليت صلاة مودع .
      كما صلتها أختي من قبل وكانت آخر صلاة لها .
      ( إذا أصبحت لا أنتظر المساء . وإذا أمسيت لا أنتظر الصباح )





      [
      /CENTER]
      وربي ما كان لي على فرقاك نيّة حتى قلبي للحين يصرخ: يبيـــك حاولــت أمنعه بس وش بـيديه دام هو بعده يحبك ومتعلق(ن) فيك وإذا مو مصدق شف صورتي الرمزية من غبت.. تركني وراح يدور عليك [COLOR="#8b0000"][FONT="Comic Sans MS"]بقلمي[/FONT][COLOR="#8b0000"][FONT="Comic Sans MS"]m0nati[/FONT]