وقفة مع النفس من هؤلاء الذين يتحكمون فينا وفي مستقبلنا،

    • وقفة مع النفس من هؤلاء الذين يتحكمون فينا وفي مستقبلنا،

      أنقل أليكم مقالا بعنوان : (( السياسة العراقية في حاجة ماسة إلي وقفة صدق مع النفس ))



      بقلم : محمد عبدالحكم دياب



      (( تجاوز الشق النفسي في الحرب العربية الأمريكية كل الحدود، ووصلت عملية الطرق الحاد علي الرؤوس والأعصاب درجة من العنف والوحشية فاقت التصور، وأحيانا ما تكون الحرب العسكرية، بعنفها ونيرانها، أقل وطأة من هذا الحرب النفسية التي تقودها الولايات المتحدة، ونقرأها ونسمعها ونراها في كثير من أجهزة الاعلام الغربية فوقوع البلاء أخف من انتظاره هكذا يقول المثل العربي، وهو صحيح إلي حد كبير.

      من نتائج هذه الحرب النفسية أن كثيرا من أصحاب القرار العربي استسلموا ونفدت طاقتهم علي الصبر، وخارت قواهم من كثرة التوسل والتسول .. لم يبق في وجوهم ماء يريقونه وهم يطلبون من أصدقائهم الذين يعاملونهم معاملة أدني من معاملة العبيد، بعد أن وضعوا علي قائمة التصفية، أسقطت الولايات المتحدة وبريطانيا الفروق بين صدام حسين والملك فهد بن عبد العزيز، والرئيس حسني مبارك، وان بقي هناك فرق فهو فرق التوقيت، بين بغداد والرياض والقاهرة، فالقرار صدر، وحرب العراق التكتيكية ليست سوي خطوة نحو هدف استراتيجي هو الاجهاز علي الحكم السعودي، والحصول علي مصر كجائزة كبري، وهذا نص كلام المسؤولين في البيت الأبيض، وعلي رأسهم كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي.

      لم يبق أمام هؤلاء إلا التقدم طواعية.. تضحية بالنفس قربانا علي مذبح الادارة الأمريكية.. التي حددت مصيرهم ووضعت نهايتهم بنفسها، ورغم وجود حكام ونظم عربية في هذا الموقف الذي لا يحسدهم أحد عليه لا تبدو هناك رغبة في المقاومة، وحماية النفس، وحتي كتابة هذه السطور، لم تظهر في الأفق بارقة أمل تبعدهم عن الجنون النازي الذي أصاب بوش وإدارته، وانتقلت عدواه إلي رئاسة الوزارة البريطانية في 01 داوننغ ستريت بلندن، والملفت للنظر أن أغلب السياسات العربية، خاصة سياسات هؤلاء المستهدفين مباشرة من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل تتوجه فقط إلي الخارج، ولا تعير شعبها إلتفاتا.. وفود عربية تغادر وأخري تؤوب، من وإلي أوربا وأمريكا.. إبراء للذمة وطلبا للعفو والرحمة والاستثناء، وهم في سبيل ذلك يقدمون ما هو أكثر من إراقة ماء الوجه، والوقوف علي الأعتاب انتظارا للفرج.

      لم نلحظ أو نتابع محاولة واحدة للتوجه إلي صاحب الشأن، وهو الشعب، المستهدف في الحرب العربية الأمريكية، في رسالة واضحة لنا يقول مضمونها: أن هذا النوع من النخب العربية أصيب بالبلادة وانعدام الكرامة، وفقدان القدرة علي التعلم.. باختصار تقول لنا ان عقلية النخبة الحاكمة المقصودة لم تتغير. ما زال رهانها علي القوي الخارجية، وما زال المواطن خارج حساباتها.. ومع ذلك مطلوب من هذا المواطن أن يضحي ويدافع ويقاوم، في معركة اختلطت فيها التضحية والدفاع عن الأرض والعرض والشرف بمقاومة مخطط تصفية هذه النخب وتغييرها من الخارج، وهذه ذروة المأساة التي يعيشها المواطن العربي.

      من المفترض أن تغير وحشية هذه الجولة من الحرب العربية الأمريكية من العقلية الرسمية، سواء ممن هم علي خط النار، أو من هم في الخطوط الخلفية، فتتجاوز تخلفها، وتبدأ تجربة الرهان علي المواطن الذي ما خذل أمته يوما، وصفحات التاريخ شاهدة علي ذلك، فلو أحسنت النخب العربية المهددة التعامل معه فسيدافع عن أرضه ويقاوم الغزو القادم من وراء البحار، تقوده قوة غاشمة تري أن مصالحها باتساع السماوات والأرض.. علي اليابسة، وفي المياه، وبين ذرات الهواء، في العمق وعلي السطح وخلال الفضاء، ويأتي خطرها الأكبر في تفتيشها عن الأفكار وغزو الضمائر، تعمل علي التحكم فيما لا يمكن التحكم فيه.. في المشاعر والأحاسيس والتوجهات والآراء، لا تكتفي بقهر الجسد، إنما تعمل علي استلاب العقل، ولا تكتفي بالقمع المادي، وتسعي إلي الاذلال النفسي.

      لم تكتف أمريكا بأنها حققت من وراء حربها مع العرب وضدهم أكبر مما تحلم، غسلت عار فيتنام، ومسحت ما جري لها في كوريا، وانتصرت بهم علي الاتحاد السوفييتي، وغطت عن طريقهم هوانها مع الصين، وانتهوا عدوا موهوما تصوب إليه كل السهام، جعلت منهم حماة لقاعدة الاستيطان والظلم التاريخي المزروعة في فلسطين، مولوا حروب أمريكا ضد ثوار نيكاراغوا اللاتينية وإيران الاسلامية وغيرهما.. جاءت أولوية تمويل هذه الحروب سابقة علي محاربة الفقر والعوز العربي.


      >>>>>
    • ..... هذه المصائب تستلزم وقفة مع النفس من هؤلاء الذين يتحكمون فينا وفي مستقبلنا، وينتهزون قلة حيلتنا للقضاء علي البقية الباقية من وجودنا المادي والمعنوي، وأول من نطالبه بذلك هو النخبة الحاكمة في العراق، باعتبارها مستهدفة مباشرة في المرحلة الراهنة من الحرب العربية الأمريكية، فالمجتمعات مثل الأفراد عندما تواجه خطرا عليها أن تتحسب له، فتعيد حساباتها، وتري ما تبقي لها من أرصدة.. تتصارح مع نفسها، وتتكاشف مع غيرها، علي قاعدة الصدق مع الذات، وهذا دائما هو سلوك العظماء، عاصرناه في ديغول أمام ثورة الشباب سنة 8691، وعشناه مع عبد الناصر بعد نكسة 1967، خرج ديغول من أزمته شامخا عملاقا. وضحي بالحكم من أجل كبرياء الذات التي كانت لديه جزءا من عزة الوطن، واستقال عبد الناصر لأنه رأي أنه المسؤول الأول عن البلاد، ولا يمكن أن يخدع شعبه حتي لو كان الثمن حياته من أجل أن يتعافي الوطن.. أعلن تحمله المسؤولية كاملة واستقال، ولما أعاده الشعب إلي مركز القرار والمسئولية مرة أخري كان عند حسن الظن.. قاوم بشعبه في حرب استنزاف مجيدة، كانت من أشرف الحروب.. صقلت قدرة جيش عظيم حرمته الظروف من المواجهة الحقيقية مع العدو، وبه تحقق نصر اكتوبر، في مثل هذه الأيام من تسعة وعشرين عاما.

      لا نطلب من النخب العربية أن يكون فيها ديغول أو ناصر أو من هم علي شاكلتهما من رجال التاريخ العظام إنما نطلب منهم وقفة عز لمرة واحدة.. تقيهم شر ما هو قادم، وبالنسبة للعراق، لا يختلف اثنان علي أن كثيرا من الحسابات السياسية كانت خاطئة، ولنختار بعضها، ومنها أن الحسابات المتعلقة بتصفية الجناح المؤيد للوحدة مع سوريا في القيادة العراقية كان خطأ جسيما دفعنا جميعا ثمنه، وكان العمل العسكري لحل المشكلة الكردية في الشمال خطأ آخر، وكان التصدي للثورة الايرانية بداية أفول النجم العراقي البازغ كقوة اقليمية كبري.. كانت أملا لتعويض غياب مصر الذي هد حيل هذه الأمة.. تحمي أمن الخليج بدلا من أن تهدده، وكانت المصيبة الأخيرة هي ذلك الدخول المشؤوم إلي الكويت، في لحظة اختل فيها العالم، واضطربت الدنيا، ودنت لقوة الشر الكبري بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
      نقول هذا من موقع الحرص علي العراق وشعبه العظيم، ونقوله من أجل أن يتمكن من مواجهة الغزو الشرس والعدوان الغشوم، وبعد أن شاهدنا علي شاشات الفضائيات العالمية وزير الخارجية البريطاني، وهو يبدي الندم، ويقدم الاعتذار علي مساندة الغرب للعراق في حربه مع إيران، والدموع التي زرفها جاك سترو علي حرب العراق مع إيران ليست سوي دموع التحريض علي الحرب والعدوان، وإذا كان وزير الخارجية البريطاني ينتقد موقف الغرب زيفا لغرض في نفسه ونفس الإدارة الأمريكية فلا أقل من أن نقطع عليه الطريق بالصدق مع النفس، والاعتراف بالأخطاء، والعمل علي تجاوزها. فالحكم العراقي أولي بتنقية علاقته مع الايرانيين والأكراد والسوريين، وفتح صفحة جديدة تقوم علي الفهم والتعاون وتصحيح العلاقة، وعلاج ما لحق بها بسبب هذه الحسابات الخاطئة.

      الشعب العراقي جدير بالحياة والتقدير.. فقد صمد وتحمل حصارا جائرا، دفع فيه ثمنا غاليا. وقد اختبر معدنه، ونجح في الاختبار. والصفحة الجديدة يجب فتحها علي مستوي الداخل، كلفتة تقدير لها الشعب العظيم، علي موقفه وصموده وتضحيته، خاصة أن من يعارضون الحكم العراقي في الخارج لا يمثلون خطرا حقيقيا، فمن يؤيد الحرب منهم عملاء مباشرون للولايات المتحدة، وعلي علاقة بجماعات الضغط الصهيونية لتكون سندهم ضد بلدهم، وتزكيهم لدي الادارة الأمريكية، أما الباقون لا يطلبون سوي الحقوق المشروعة التي يتمتع بها المواطن في الدولة الحديثة، بقيام نظام ديمقراطي، يعتمد علي المؤسسات والقانون والتعددية، ويحافظ علي حقوق الانسان.. هذا خلافهم مع النظام، وإذا ما اتخذت الخطوات الجادة لتحقيق هذا سقط الخلاف، وتصبح العلاقة صحية بين الحاكم والمحكوم.

      >>>>>
    • .... لماذا لا تكون الوقفة مع النفس من خلال مشروع متكامل للاصلاح السياسي.. أساسه الحوار والوفاق والشراكة في الحكم والثروة والدفاع عن الوطن المهدد، فيه يتآخي العرب والأكراد مع غيرهما من الأقليات العرقية والدينية.. به تقوي الجبهة الداخلية ويتدعم صمود الشعب العراقي، بكل طوائفه وجماعاته، ويرتقي هذا المشروع بالسمو فوق الصغائر، بما يسمح باقرار كل طرف بخطئه واستعداده للصفح والتنازل، وقد يستوجب هذا اعتذارا ممن أخطأ، للتخفيف عن الآلام وتضميد الجراح والندوب التي تركتها المرحلة الماضية.

      وعلي هذا المشروع أن يستفيد من حالة الوعي القومي والصحوة العربية الراهنة، التي جعلت المواطن يكتشف عدوه الحقيقي، ويري أن تغيير نظام الحكم ليس من مهام القوي الخارجية، وأن مخطط العدوان علي العراق، هو الأساس، وما موضوع أسلحة الدمار الشامل، والتخلص من نظام الحكم إلا ذرائع تتخذ تبريرا للعدوان، فأسلحة الدمار الشامل مكدسة لدي الدولة الصهيونية، وليست لدي العراق، فبينما المطلوب هو عقاب صدام حسين، يكافأ شارون من الكونغرس الأمريكي، باهدائه القدس عاصمة لدولته الاستيطانية، مَنْ الأخطر علي البشرية أسلحة الدمار الشامل العراقية، غير الموجودة، أم القنابل النووية الرابضة في ترسانة تل أبيب؟ ومن هو الأخطر علي العرب والمسلمين والعالم العراق المستنزف المحاصر، أم الدولة الصهيونية، الطليقة، المدعومة من الولايات المتحدة، والمنظومة الغربية؟

      هذا الوعي العربي يري في اعتذار جاك سترو علنا، أنه ضمن نطاق المخطط الأمريكي البريطاني الصهيوني، فهو مكمل لقرار الكونغرس الأمريكي الخاص بالقدس، وتأثيره علي الموقف العربي والاسلامي، ويهدف إلي دق اسفين ليس بين العراق وإيران، بل بين العرب والفرس، ليبدو العرب هم العدو المشترك الذي يوحد بين الايرانيين والغرب، وقد يكون هذا الاعتذار مكسبا حققته الدبلوماسية الايرانية، لكنه قد يحوي في طياته شروطا تستثني إيران من محور الشر ، فتتوقف عن دعم حزب الله وتفك تحالفها مع سورية، حتي تتم تصفية الحساب مع العراق، ثم يستدار إليها، وإن كنا نستبعد ذلك، فمصدر قوة السياسة الايرانية هو وعيها بمصالحها الوطنية والاقليمية، واستيعابها لدروس تجاربها المريرة مع الغرب.

      العراق، الذي من المتوقع أن يقف وحده، عليه أن يقوي جبهته الداخلية، ليس عن طريق الاصلاح المستورد الذي يستهدف زرع نظام لا يقل نازية ولا صهيونية عن الادارة الأمريكية ذاتها، إنما عن طريق مثل هذا المشروع الوطني، وكما يقف الفلسطينيون وحدهم، واثقين من أن المستقبل مستقبلهم، فالأرض أرضهم، والنهر نهرهم، والبحر بحرهم، والسماء سماؤهم، فيراهنون علي أنفسهم بثقة كبيرة.. صنعها رصيد كبير من الكفاح الطويل، كشف لهم دوما أنهم أبناء أمة لم تتوقف عن المقاومة لحظة طوال تاريخها المديد، وأن بلادهم لم تكن يوما إلا مقبرة للغزاة، وهذا هو الزاد الذي يتزود به أصحاب الحق، والمؤمنون بالنصر القريب.)) انتهى