المكتبة الإسلامية

    • وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة
      صحيح أن الموضوع عميق ولكن أنا وضعته للإستفادة ولتكون مكتبة بمعنى الكلمة
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • سؤال أهل الذكر
      6 من محرم 1424هـ ، 9/3/2003 م

      الموضوع : الخشوع في الصلاة



      سؤال :

      نريد منكم أن تبينوا لنا حقيقة الخشوع ومعناه ؟

      الجواب :

      بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلّم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

      فإن الخشوع في الصلاة هو روحها ، إذ الصلاة بدونه هي بمثابة الجسم الذي خلا من الروح ، والجسم إن كان خالياً من الروح فإنه لا حراك له ولا إحساس له ولا أثر له ، ولذلك كانت صلاة كل أحد بحاجة إلى أن يكون فيها خاشعا ، ولذلك نيط الفلاح بالخشوع كما في قوله تبارك وتعالى ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون:1-2) ، وفي الحديث الذي أخرجه الإمام الربيع رحمه الله من رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام قال : لكل شيء عمود ، وعمود الدين الصلاة ، وعمود الصلاة الخشوع ، وأكرمكم عند الله أتقاكم .

      فإذاً لا بد للإنسان أن يكون خاشعا ، ما هو هذا الخشوع ؟

      الخشوع حقيقته أن يستحضر الإنسان عظمة المقام ، وأن يستحضر حقيقة المقال .

      فعظمة المقام أن يحس بأنه بين يدي الله تبارك تعالى يناجيه فيجب عليه في هذه الحالة أن يكون قد تجرد من أوزار هموم هذه الحياة الدنيا ، ومعنى ذلك أن يكون هذه الهموم قد حطها عنه جانبا ، فالتاجر لا يشتغل بتجارته ، والحارث لا يشتغل بحرثه ، وصاحب العمل الإداري لا يشتغل بعمله ، وصاحب أي مهمة في هذه الحياة الدنيا لا يشتغل بمهمته ، وإنما يقبل على ربه سبحانه وتعالى ، فكما يقبل في ظاهره بوجهه بحيث يتوجه إلى البيت الحرام ، يقبل في باطنه بقلبه بحيث يكون هذا القلب فارغاً من كل شغل آخر ما عدا ما هو مقبل عليه .

      كما أن عليه أيضاً أن يستحضر حقيقة المقال ، أي أن يكون ما يتحدث به في صلاته مما يأتي به من ذكر أو تلاوة يسبق معناه إلى ذهنه ، بحيث يكون لا يلفظ بقول إلا وقد سبق معنى هذا القول إلى ذهنه واستوعبه تماماً ، فعندما يمثل بين يدي الله تعالى ويدخل في صلاته بتكبيرة الإحرام ، عليه أن يستحضر معنى هذه التكبيرة لينسكب في نفسه شعور بأنه بين يدي الله تعالى الكبير المتعال ، وأن الكبرياء لله وحده ، فما له من الكبرياء شيء ، ولا يحق له أن ينازع ربه تبارك وتعالى كما جاء في الحديث القدسي : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني فيهما أدخلته النار ولا أبالي . فليس له أن ينازع ربه تبارك وتعالى شيئاً من صفاته ، ومن بين هذه الصفات صفة الكبرياء والعظمة ، ولئن كانت الكبرياء لله تعالى وحده فعليه أن يخضع وأن ينقاد وأن لا يتكبر على أحد من خلق الله ، فإن كان ممن أوتي في هذه الدنيا شيئاً من الوجاهة أو شيئاً من السلطة أو شيئاً من المال أو نحو ذلك مما يعده الناس مظهراً من مظاهر العظمة والكبرياء في هذه الحياة الدنيا فإن عليه أن يشعر أن ذلك كله لا يرفع من قدره إن هو تكبر على أحد من خلق الله ، فعليه أن يتصاغر وعليه أن يتطامن وعليه أن يدرك عظم الموقف الذي يقفه ، ولئن كان أيضاً على عكس ذلك كأن يكون فقيراً مزدرىً به فإنه بمجرد ما ينطق بهذه الكلمة كلمة الله أكبر يشعر بأن الكبرياء لله وهو بجانب تطامنه وتواضعه لله تبارك وتعالى ذي الكبرياء يحس بالاعتزاز بصلته بالله فلا يخضع إلا لله ، ولا يطأطأ رأسه إلا لجلاله سبحانه وتعالى ، ولا يحني ظهره إلا لكبريائه فيكون بين يدي الله تعالى عبداً خاضعاً ذليلاً ، وبين أيدي الناس سيداً رفيع القدر كريما لأنه اتصل بربه سبحانه وتعالى ، ولا يعني ذلك أن يتكبر على الناس ، ولكن أن يحس بين الناس بأن الكبرياء لله تعالى وحده والناس متساوية أقدامهم بين يديه عز وجل . وكذلك إن استعاذ بالله من الشيطان الرجيم عليه أن يستحضر ما معنى هذه الاستعاذة ، فمعنى أستعيذ ألجأ فإذاً عليه أن يلجأ بقبله ، وعليه أن يلجأ بعقله ، وعليه يلجأ بعمله قبل أن يكون هذا اللجوء مجرد قول من الأقوال ، ومعنى ذلك أن يحس من قلبه بأنه فار إلى ربه سبحانه من الشيطان الذي أقسم بعزة الله عز وجل انه ليضلنه ، وعليه أن يحرص على أن يكون عمله متفقاً ومنسجماً مع هذا الذي صدر منه ، كذلك عندما ينطق بعد ذلك بقول ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة:1) يشعر أن كل شيء لا يعتد به إلا إن كان لله ، فباسم الله يقرأ ، وباسم الله يصلي ، وبسام الله يأتي أي عمل من الأعمال ، لأن الأعمال يجب أن تكون لله ، ومع هذا عندما يأتي بقول الحق تعالى ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة:2) يشعر بالنعم العظيمة التي غمرته والتي لا يمكن أن يحصيها قط ، ولا يمكن لأحد أن يحصيها ، ولا يمكن للعالمين أن يحصوها هذه النعم هي من عند الله وحده فلذلك كان الحمد لله تعالى وحده ، ومع ذلك فالله تعالى متصف أنه رب العالمين ، إذ ربوبيته سبحانه وتعالى ليست محصورة في شأن هذا العبد وحده بل هي شاملة لجميع الكائنات فما من ذرة في الكون إلا وهي مغمورة بتربية الله تبارك وتعالى لها ، وهي مشمولة بنعمته تعالى عز وجل عليها ، فإذاً هذه الكائنات كلها هي مظاهر لربوبيته تبارك وتعالى من الذرات الدقيقة إلى المجرات الواسعة ، وهذا أمر يدعو الإنسان إلى أن يجف قلبه وترتعد فرائصه ويشعر بالقشعريرة تسري في كل عضو من أعضائه لأنه وقف بين هذا الرب العظيم الذي هو موصوف بهذا الشأن العظيم ، إلا أنه تفيض على نفسه الطمأنينة عندما يتلو قوله تعالى (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة:3) فهذه الربوبية وهذه العظمة لله تبارك وتعالى هي في الحقيقة ربوبية إحسان ، وهي عظمة مقرونة بهذا الإحسان العظيم الذي يحسنه على عباده . وعندما يتلو قوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة:4) يستشعر بالوقوف بين يدي الله تعالى في ذلك اليوم ، اليوم الذي يتخلى فيه كل شيء عنه ، ولا تبقى له صلة بأي كائن آخر إلا صلة التقوى وخوف الله تبارك وتعالى والعمل لذلك اليوم وهذا مما يحفزه إلى الاستعداد للقاء الله تعالى في ذلك اليوم . فإذا تلا بعد ذلك قوله سبحانه وتعالى ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5) شعر بأنه هو واحد من أولئك الذين يسبحون بحمد الله ويسجدون لجلال الله فالعبادة تقدّم إلى الله بصيغة جماعية والكل يعبد الله وحده ، إياك نعبد : أي لا نعبد إلا إياك ، فالعبادة الحقة لا تكون إلا لله ، فعليه أن يكون صادقاً في قوله هذا ، بحيث لا يتشبث بشيء مما يتنافى مع هذه العبادة الخالصة لوجه الله ، لا يتعلق بالأوهام ، ولا يتعلق بأي شيء مما يجعله بعيداً عن التوجه إلى الله ، فهو وإن عمل أي طاعة لأحد من الناس إنما يعملها في الحقيقة لله لأن الله تعالى أمر بتلك الطاعة ، ولا يطيع أحداً إلا بموجب ما أمر الله تعالى عز وجل من طاعته ، وكذلك الاستعانة ، الاستعانة بالله تعالى وحده ، لا يستعين بغير الله تعالى إنما يستعين بالله ، فكما يُفرد تعالى بالعبادة يُفرد سبحانه وتعالى أيضاً بالاستعانة ، فالاستعانة في الحقيقة إنما هي لله ، وما جعله الله تبارك وتعالى من وسائل للتعاون فيما بين الناس من مسائل للعون فذلك إنما هو في الحقيقة من باب الأخذ بالأسباب ، وعلى الإنسان أن لا يشتغل بالأسباب عن مسببها ، فعليه أن يلحظ مسبب الأسباب وهو يأخذ بهذه الأسباب ، فالاستعانة الحقيقية إنما هي بالله ، على أنه لا يحق لأي أحد أن يستعين بغير الله تعالى فيما لم يجعل الله التعاون فيه من سنن هذه الحياة ، فليس له أن يأتي إلى أي أحد ليقول له ارزقني ولداً مثلاً أو اجعلني من أهل السعادة أو اجعلني من الأبرار أو اجعل لي حظاً أو نحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله فإن ذلك من الشركيات ، ولئن كان ذلك يُمنع أن يكون بين الإنسان وبين الحي المتصرف الذي هو حسب مظهره قادر وعالم ومتصرف في شئونه فإنه يُعتبر ذلك أشد جرماً وأعظم إثماً وأوغل في الكفر عندما يكون بشيء لا حراك له ، بشيء لا يملك نفعاً ولا ضرا كأن يأتي مثلاً إلى قبر ليطلب صاحب القبر وهو رهين تحت أطباق التراب أن يقضي حاجته أو أن يرزقه شيئاً ما ، وكذلك عندما يأتي مثلاً إلى شجرة أو إلى حجرة أو إلى عين أو إلى أي شيء من هذا القبيل .

      فإذا قال بعد ذلك (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:6-7) شعر أنه بين طريقين ، طريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، وطريق الذين ضلوا وغضب الله عليهم بسبب ضلالهم وانحرافهم عن منهج الحق ، فعليه أن يسلك طريق أولئك وأن يجعلهم له وقدوة وأسوة ، وأن لا يزيغ عن الطريق الذي يبلغه رضوان الله تبارك وتعالى ، ويبلغه نعمة الله تعالى في الدار الآخرة ، وهكذا كل ما يتلوه المصلي في صلاته ، وكل ما يأتي به من تسبيح أو تكبير أو أي شيء من الأذكار إنما يُفيض مثل هذه المشاعر على نفسه ، وبهذا يكون هذا الإنسان خاشعاً حقا .



      سؤال :

      ما حكم الخشوع في الصلاة ، وهل هناك قدر معين بحيث لو نقص عنه كانت الصلاة باطلة ؟

      الجواب :

      نعم ، الخشوع لا بد منه في الصلاة لأنه روحها كما دل الحديث على أنه عمودها ، فالصلاة بدون خشوع لا يمكن أن يكون لها أي أثر ، الصلاة شُرعت لما شُرعت له ، هي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولكن صلاة غير الخاشع لا يمكن أن تنهى عن الفحشاء والمنكر ، الصلاة تقتلع من الإنسان صفات مذمومة كأنما هذه الصفات جُبل عليها الإنسان ، هذه الصلاة هي أهم عامل في اقتلاعها ، فإن الله تعالى يقول ( إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ) (المعارج:19-23)، فإذاً الصلاة هي أهم عامل في اقتلاع جذور هذه الصفات الذميمة من نفس الإنسان ، ولكن هذه الصلاة إنما هي صلاة الخاشع ، لا صلاة الذي يشتغل عن صلاته ، يقبل على غير ربه في صلاته ، ولئن كان انحراف القلب عن الله تبارك وتعالى في الصلاة يؤدي إلى أن تكون الصلاة غير صحيحة ، فإنه كذلك من الواضح أن يكون الاشتغال في الصلاة بالأعمال التي هي مجانبة للصلاة كأن يتلفت ذات اليمين وذات الشمال أو يرفع يديه إلى السماء مثلاً يشير إلى شيء ، أو أن يحاول أن يصلح ثيابه تارة ، أو أن ينظر إلى ساعته أو أن يفعل أي شيء ، يمارس أي عمل من الأعمال غير الأعمال المشروعة في الصلاة فإن هذه الأعمال هي منافية للخشوع ، الخشوع أن يكون الإنسان في صلاته لا يأتي إلا بالمشروع من الأعمال مع استحضار عظمة هذه الصلاة التي يمثل بها بين يدي الله تبارك وتعالى ، فهذا أمر لا بد ، أي لا بد من أن يمنع جميع الحركات عنه ، أي الحركات التي هي غير مشروعة في الصلاة ، لا بد من أن يمتنع عن هذه الحركات جميعاً ، ومع هذا أيضاً لا بد من أن يكون مستحضراً لصلاته بقدر ما يمكنه ، فليس له أن يرخي لفكره العنان من أجل أن يسرح ويفكر في كذا وفي كذا ، ومعنى ذلك أنه ليس له أن يجتنب الأفكار فإن اجتنب فكراً ما يكون في هذه حالته هذه قد أخل بصلاته لأنه أخل بالخشوع ، أما إن غلبته وساوس وغلبته أفكار فإنه عليه أن يقاومها ، وخير سبيل للمقاومة هو أن يكون كما قلت أن يحرص على أن يسبق المعنى إلى الذهن من اللفظ إلى اللسان .









      سؤال :

      ذكرتم بأن الإنسان إذا أراد أن يتخلص من الأفكار وحديث النفس في الصلاة عليه أن يسبق إلى المعنى قبل قراءة اللفظ ، لكن بعض الناس قد لا يحسنون تفسير الآيات أو فهمها وهذا الذي ذكرتموه إنما يتعلق بسورة الفاتحة فماذا عن السور الأخرى ، كيف يمكن للإنسان بالفعل أن يتخلص من هذه الوساوس ؟

      الجواب :

      على أي حال السور الأخرى أيضاً لا بد أن يكون فيها إما ذكر الله ، وإما أن يكون فيها أمر ، وإما أن يكون فيها نهي ، وإما أن تكون فيها مواعظ , وإما أن تكون فيها قصص أيضاً تدعو إلى الاعتبار والذكرى ، وإما أن يكون فيها امتنان ، هذا كله مما يجعل الإنسان يعايش هذا الذي يتلوه ، فعندما يتلو قصة فيها عبرة فإنه يستحضر في نفسه هذه العبرة ، عندما يتلو قصص الأمم السابقة وما مضى من خيرها وشرها وإيمانها وكفرها وصلاحها وفسادها فإنه يستشعر أنه لا بد من أن يقتدي بالصالحين ، وأن يكون من البررة ، كما أنه أيضاً يستشعر بأنه لا بد من أن تكون الغلبة بمشيئة الله والعاقبة للمتقين لأن الله تعالى يقول ( وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طـه: من الآية132) ، وكذلك عندما يتلو الآيات التي تتحدث عن نعم الله تعالى وعن آياته في الأنفس وفي الآفاق يتفاعل مع هذا الذي يتلوه فيكون بذلك من الخاشعين .



      سؤال :

      ذكرتم نقطة مهمة وهي أن بعض السور تحوي على قصص الأولين من أنبياء وغيرهم ، عندما يقرأ الإمام أو المصلي هذه القصص هل يمكن للإنسان أن يرسم خيالات ومشاهد معينة في الصلاة ؟

      الجواب :

      لا يتعمد ، لكن ما يرتسم في ذهنه بمجرد قراءة السورة أو قراءة القصة من السورة الكريمة يدعه وشأنه فإن ذلك هو الذي ينبغي . السورة نفسها ترسم المشهد .



      سؤال :

      بعض الناس يحاول أن يبعد التفكير في الدنيا وشؤونها بالتفكير في أهوال يوم القيامة وأهوال المحشر فيفكر عمداً في الصلاة في مشاهد يوم القيامة حتى يصرف التفكير في الدنيا .

      الجواب :

      الإنسان ينبغي أن لا يكون بعيداً عن جو الآية التي يتلوها أو التي يتلوها الإمام ويسمعها ، ينبغي أن يكون كذلك ، هذا مع استحضاره ليوم القيامة ، فإنه بدخوله في الصلاة يودع هذه الدنيا ، يترك هذه الدنيا ، فهو بهذا يستحضر توديع هذه الحياة الدنيا ، هو يتنقل من عمل إلى آخر وفي هذه الأعمال كلها يحس أنه بين يدي الله تعالى ، فهو قبل كل شيء يقف وهذه الوقفة وقفة خشوع وقفة وتواضع وقفة تذلل بين يدي الله سبحانه تعالى ، فهذه الوقفة كوقفة العبد أمام سيده يستحضر أنه بين يدي ملك الملوك سبحانه وتعالى ، فلذلك عليه أن يشعر بقدر هذه الوقفة وشأنها ، ثم كذلك الانتقال إلى الركوع ثم الانتقال إلى السجود ثم الانتقال بعد ذلك إلى القعود عندما يعقد في صلاته ، كل من ذلك إنما يستحضر أنه بين يدي الله ، هو في ركوعه يخضع لله وفي سجوده يتذلل بين يدي الله تعالى ويقترب منه ، ثم عندما يقعد يكون كأنما بعد أداء هذه المراسيم ، وبعد أداء هذه الأفعال المطلوبة منه كأنما أُذن له بأن يقعد وأن يتقدم بحاجته ولذلك يكون بعد التشهد الأخير الدعاء ، يدعو العبد ربه سبحانه وتعالى يستجير بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والممات ويدعو بما شاء الله من الدعاء الحسن ، بعد ذلك ينتقل إلى السلام ، والسلام خروج من الصلاة فكأنما ودع الدنيا ثم عاد إلى أهلها ، وعندما عاد إلى أهلها يسلم عليهم من جديد لأنه رجع من رحلة طويلة ، رحلة عرّجت به إلى السموات العلى وعايش فيها الملأ الأعلى وعاش مع الملائكة الذين هم يسجدون دائماً والذين يركعون دائماً والذين يقفون دائماً بين يدي الله بحيث شاركهم في أعمالهم هذه واستحضر أنه بين يدي الله الذي هو محيط بهذا الكون ومصرف لهذا الوجود ومقدر لكل شيء ، وبهذا بعد أداء ذلك كله يرجع إلى الدنيا فيسلّم على الناس تسليماً جديداً أو يسلّم على الخلق من الملائكة والناس تسليماً لأنه كان بين يدي الله ، كان غارقاً في شهوده بين يدي الله سبحانه وتعالى .



      سؤال :

      البعض يقول أن عدم الخشوع دلالة على ضعف الإيمان ، فما هي الأسباب المعينة على الخشوع ؟

      الجواب :

      على أي حال الناس يتفاوت إيمانهم بتفاوت خوفهم من الله تبارك وتعالى وإجلالهم لله عز وجل ، فلا ريب أن من كان لا يخشع في صلاته ليس هو من أهل الإيمان المطلوب ، الله تبارك وتعالى يقول ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الأنفال:2-3) هنا لا بد من أن نشير إلى نقطة ، الصلاة عندما يؤمر بها أو يثنى على أهلها لا تذكر الصلاة هكذا وحدها مجردة ، وإنما تذكر إقامة الصلاة ، إقام الصلاة ، يذكر إقام الصلاة ، الله تبارك وتعالى أثنى على الذين يقيمون الصلاة ، وأمر بإقام الصلاة ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) ( البقرة :43 ، البقرة 83 ، البقرة :110، النساء :77 ، النور : 56، المزمل: 20) ، لم يأت لفظ صلوا إلا في الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم ، أما الصلاة التي هي عبادة لله والتي هي صلة بين العباد وبين ربهم سبحانه وتعالى فإن الأمر بها إنما يكون بإقامتها ( وأقيموا الصلاة ) ، أو بالمحافظة عليها ، فإذاً الصلاة إنما يجب أن تقام ، ومعنى أن تقام أن يؤتى بها كالجسم المستقيم المعتدل ، إقامة الصلاة أن يأتي بها الإنسان مستقيمة كالجسم المستقيم ، أي يجعلها مستقيمة ليس بها نقص من أي ناحية ، لا من ناحية جسمها ولا من ناحية روحها ، أما الجسم فكما ذكرنا على الإنسان أن يكون مقبلاً على الله تعالى بوجهه ، بحيث لا يحرف وجهه ذات اليمين وذات الشمال ، لأنه باتجاهه إلى القبلة البيت الحرام هو متجه إلى ربه ، إذ ذلكم الاتجاه إنما هو رمز الاتجاه إلى الله ، لأن الله تبارك وتعالى أمره بالاتجاه إلى ذلك المكان فكان اتجاهه إلى هناك إنما هو في الحقيقة اتجاه إلى الله تبارك وتعالى الذي أمر به ، فهذا لا بد منه . فإن أخذ ينحرف ذات اليمين وذات الشمال بحيث يرمي بوجهه تارة إلى يمينه وتارة إلى شماله ، وتارة يرفعه إلى السماء وتارة يطأطأه إلى أسفل هذا غير متجه إلى ربه ، كذلك عندما يعبث بيديه تارة يرفعه يديه إلى السماء وتارة يشير بها إلى مكان آخر إلى اليمين أو إلى اليسار أو إلى أي جهة أخرى فإن ذلك مما ينافي الخشوع ، وكذلك عندما يكون تارة يعبث بثيابه وتارة يعبث بلحيته وتارة يعبث بعمامته برأسه وتارة يعبث بأعضائه الأخرى هذا كله من العبث الذي متنافٍ مع الخشوع ، وهذا الجسم هو الشكل الظاهر لا عبرة به وحده ما لم يكن فيه روحه ، وروح الصلاة الخشوع ، فإذاً الصلاة لا تقام إلا بالإتيان بها كاملة جسماً وروحا ، فهكذا الصلاة ، والإيمان الحق هو إيمان أولئك الذين يخشعون في صلاتهم لأن الله تعالى ناط الفلاح بالإيمان الذي يجعل صاحبه متصفاً بصفات أول هذه الصفات الخشوع في الصلاة عندما قال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون:1-2) .





      سؤال :

      هذا كله الذي ذكرتموه تبدده هذه الأيام أصوات الهواتف النقالة فما يكاد الإنسان يخشع في صلاته إلا ويسمع رنة من هنا أو هزة تحرك جسده من هناك ، فهل لكم أن تتحدثوا في هذا الموضوع .

      الجواب :

      نعم ، أمر الهواتف النقالة أمر مشكل ، أمر عظيم ، الناس عندما يأتون إلى المساجد قد يجدون إشارات على أبواب المساجد بأن عليهم أن يغلقوا هواتفهم النقالة ، وقد يجدون إعلانات كتب عليها أغلقوا الهواتف النقالة ، ومع ذلك لا يصيخون لشيء من ذلك سمعا ، بل يتركون هذه الهواتف وشأنها كما هي ، لا يفكرون أنهم مقبلون على الله تعالى ، على أن المساجد بيوت الله ، وبيوته يجب أن تجرد من كل شيء لا يتفق مع قدسيتها ، فالله تعالى يقول ) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (النور:36-37) ، هذه بيوت الله التي أذن الله فيها بما أذن ، وما لم يأذن به الله فهو محجور ، ولئن كانت الأحاديث دلت على أن ما يحتاج إليه الإنسان في أمر دنياه ليس له أن يتحدث به في المساجد ، فليس له أن ينشد عن ضالته في المسجد ، وليس له أن يتحدث عن أمر الأسواق والتجارة في المسجد ، هذا مما دلت عليه الأحاديث ، والنبي صلى الله عليه وسلّم شدّد في أمر نشدان الضوال في المسجد حتى أمر من صدر منه ذلك أن يقال له لا ردّ الله عليك ضالتك ، فكيف بما وراء ذلك ، كيف بهذه الأصوات الموسيقية التي تتردد في المساجد وكأنما الإنسان يحس بأنما هو في غير جو المسجد ، كأنما هو في جو كنسي من كثرة الموسيقى التي تتردد ، يسمع هاتفاً يؤدي نغماً موسيقياً بأسلوب معين ، ويسمع هاتفاً آخر يأتيه من قبله نغم بصوت آخر ، ويسمع هاتفاً ثالثاً أيضاً بنغم ثالث ، وكأنما أصبحت هذه المساجد ميداناً لاستعراض الأنغام الموسيقية ، هذا أمر لا يجوز شرعاً ، وعلى الناس أن يفكروا في ذلك .

      وأنا أعجب كيف يغفل هذا المصلي الذي يأتي إلى المسجد أن يغلق الهاتف النقال ؟ أنا سافرت بنفسي كثيراً في أنحاء مختلفة وبطائرات متنوعة ، ولم أسمع في يوم من الأيام في الطائرة هاتفاً نقالاً ، لأنهم جميعاً ينبهون بأن إغلاق الهواتف النقالة ضروري في الطائرات لئلا تشوش على الاتصالات ، فهنالك يحافظون على مصلحتهم الدنيوية ،وهي مصلحة هذه الطائرات ، يحافظون على سلامتهم في الدنيا ، ولا يحافظون على سلامتهم في العقبى ، عندما يأتون إلى مساجد الله هم أولى بأن يحترزوا ، وأولى بأن يغلقوا هواتفهم ، ولكن مع ذلك لا يبالون بذلك .

      على أن هذه الهواتف النقالة لا تشغل أصحابها فحسب ، فصاحب الهاتف عندما يسمع هذا الاتصال لا بد من أن يكون مشغولاً به من أين جاءه الاتصال ، ولا بد من أن يفكر كثيراً في قصد هذا المتصل لأي غرض اتصل به لا سيما التجار فإنهم مشغولون بتجارتهم ، وهم دائماً يحسبون حساباً للأرباح التي يحرزونها أو الأعمال التي يقومون بها ، فلذلك تشغلهم الهواتف النقالة ، وكذلك صاحب أي عمل من الأعمال يشغله عمله فإذا ما جاءه الهاتف النقال اشتغل بذلك وأصبح لا يفكر في أمر صلاته بقدر ما يفكر في مضمون هذا الاتصال ، ولكن مع ذلك لا ينحصر شر الهواتف في شغل هؤلاء عن صلاتهم فحسب بل هذه الهواتف تشغل المصلين لأن كثيراً منهم يمتعضون منها فيتألمون منها وأنا واحد منهم ، أنا إن سمعت هاتفاً في الصلاة أتأثر كثيراً لأنني أرى أن هؤلاء الذين يحملون هذه الهواتف ويتركونها شغالة غير مغلقة عندما يدخلون في المساجد إنما هم في الحقيقة يتعمدون أن يلهوا الناس عن الصلاة ، وأن يلهوهم عن ذكر الله فلذلك أتأثر بهذا ، فإذاً تنصب على هؤلاء اللعنات من كل جانب ، فمالهم ولهذا الأمر ، ما بالهم لا ينتبهون ، هذه مصيبة من المصائب نسأل الله تبارك وتعالى السلامة منها ، ونسأل الله أن يهدي هذه القلوب إلى الحق وإلى طريق مستقيم .





      سؤال :

      البعض بدلاً من أن يقفل هاتفه مطلقاً يتركه على نوع معين من الاستقبال وهو الهزاز أي يهتز الهاتف في جيبه وهذا ربما يؤثر في الذي يصلي بجنبه ، هل هذا جائز ؟

      الجواب :

      كل ما شغل عن الصلاة لا يجوز ، على الإنسان أن يقبل على ربه سبحانه وتعالى في صلاته وقد تجرد من كل شاغل يشغله عن ربه .



      سؤال :

      البعض يرن هاتفه في الصلاة ولكنه لا يلتفت إليه ولا يقوم بقفله نظراً إلى أن قفله سيغيب عليه الخشوع .

      الجواب :

      بئس ما يفعل ، وساء ما يصنع ، إنه في الحقيقة هو غير خاشع ، ولو كان خاشعاً لأهمه الخشوع من أول الأمر واشتغل بإغلاق الهاتف منذ إقباله على الصلاة بل منذ دخوله المسجد مراعاة لحرمة المسجد ، ولكنه يكذب أنه خاشع ، هؤلاء غير خاشعين ، وإنما هم يخادعون أنفسهم ويظنون أنهم يخادعون ربهم سبحانه وتعالى .



      سؤال :

      هل وضع اليد للتثاؤب في الصلاة ينافي الخشوع ؟

      الجواب :
      على كل حال التثاؤب يؤمر الإنسان أن يكافحه بحسب ما يمكن ، والحركة التي هي لمصلحة الصلاة لا تعتبر منافية للخشوع ، وبما أن مكافحة التثاؤب من مصلحة الصلاة فإنه لا يمنع ، لكن على أن يحرص الإنسان بأن يغلق فاه من غير أن يحرك يده إن أمكن ذلك ، وإن اضطر إلى تحريك يده فلا حرج .



      سؤال :
      بالنسبة للعطس ، البعض يعطس ويحمد الله سبحانه وتعالى .

      الجواب :

      العطاس لا مانع من أن يحمد الله من بعده ، وهذا مما جاء في السنة فقد روي أن قول من قال : ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً كان على أثر عطاس .



      سؤال :

      رنين جرس الساعات المعلقة على الحائط ورنين أيضاً الساعات الموجود على أيدي المصلين ، هل هذا يدخل ضمن الكلام على الهاتف النقال ؟

      الجواب :
      كل ما يشغل المصلين يجب أن يكافح ، وأنا أعجب لماذا تكون في المساجد ساعات ترن ، ينبغي أن تكون ساعات صامتة ، الناس ليسو بحاجة إلى أن يعدوا رنين الساعات وإنما هم بحاجة إلى أن يعرفوا الساعة من خلال نظرهم إلى عقاربها قبل دخولهم في الصلاة.



      سؤال :

      هناك صور نقلت عن بعض الخاشعين في الصلاة من أن أحدهم كان يصلي فانهدم جانب من المسجد فلم يشعر به ، وبعضهم مرت عليه طبول وزمور فلم يسمعها ، هل هذه حقيقة ، وهل هذا ممكن حقاً ؟

      الجواب :

      على أي حال الناس يختلفون في ذلك ، منهم من يكون إذا شغله شاغل لا يتلفت إلى أي شيء آخر ، ولا يمكن أن يحس بأي شيء آخر ، وهذا مما يقع كثيراً حتى عندما تجد بعضهم مشغولاً بأمر الدنيا عندما يشغله شاغل أنت تحدثه وأنت تكلمه وهو لا يتلفت إليك ولا يفهم ما يصدر منك ، فإذاً هؤلاء الذين هم أهل الله وخاصته وقد أكرمهم الله سبحانه وتعالى بما أكرمهم به من التعلق به عز وجل ، هؤلاء عندما يقبلون على صلاتهم يكونون كأنما خرجوا من هذه الدنيا ، ليسوا في هذه الدنيا قط ، فلا يلتفتون إلى أي صوت ، ولأجل هذا كثير منهم لا يستنكر منهم أن يشغله ما هم مقبلون عليه من أمر الصلاة ، وأن يشغلهم الخشوع في الصلاة عن سماع أي صوت كان من صوت طبول أو مزامير أو صوت قضة مسجد مثلاً يسقط أو صوت أي شيء آخر مما يقع ، بل روي عن بعضهم أنه أرادوا أن يجروا له عملية قبل وجود التخدير أن يقطعوا رجله فأمرهم أن يقطعوها عندما يكون في الصلاة لأنه لا يحس بشيء عندما يقبل على ربه سبحانه وتعالى ، هذه مواهب يهبها الله تبارك وتعالى من يشاء من عباده .



      سؤال :
      هناك تساؤلات حول هذا الموضوع نفسه ذكرتم بأن هذا ممكن ، وإنما يكون لبعض الناس الذين يخشعون خشوعاً تاماً ، نحن قرأنا في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلّم سمع صياح طفل فعجّل في الصلاة لأنه أمه ربما كانت تصلي خلفه .

      الجواب :

      النبي صلى الله عليه وسلّم أوسع الناس قلبا ، فهو مع إقباله المطلق على الله تبارك وتعالى يظل أيضاً مراعياً لحاجة الناس ولضرورات الناس ولأحوال الناس فلذلك مع هذا الإقبال المطلق ومع كونه أخشع الناس في الصلاة وأكثرهم استحضاراً للمقام يكون أيضاً هنالك من قبله ما يشغله من أمر الناس حتى لا ينفّر الناس عن الصلاة .



      سؤال:

      ذكرتم سماحة الشيخ في حديثكم عن حكم الهواتف النقالة ورنينها في الصلاة جملة مهمة ( يحافظون على سلامتهم في الدنيا بالنسبة للراكبين في الطائرة ولا يحافظون على سلامتهم في الأخرى ) هل هذا يشير إلى أن رنين الهاتف النقال في الصلاة يؤثر عليها من حيث الصحة والفساد ؟



      الجواب :

      نعم ، ما دام هذا الإنسان تعمّد أن يأتي بشاغل يشغله في صلاته فإن هذه الصلاة تتأثر بذلك لأنه تعمد أن يأتيه بشاغل ، وهذا الشاغل يتنافى مع قدسية الصلاة ، يشغله عن الخشوع ، بل نفس هذا الشغل من النوع الذي لا يجوز في المساجد كما ذكرنا موسيقي . حاجة موسيقية .



      سؤال :

      بعض الناس يبدأ في الصلاة لكنه لا يتذكر إلا وهو في قراءة السورة لا يدري هل كبر أم لم يكبر أي لم يخشع طوال تلك الفترة سواء تذكر أنه يقرا السورة .



      الجواب :

      على أي حال عليه أن يحرص بأن يدخل في الصلاة مستشعراً لها ، لأن تكبيرة الإحرام ل ابد من أن يستحضرها ، إذ بها يدخل في الصلاة ، وكيف يدخل في الصلاة وهو لم يكبر ؟ وكيف يدخل في الصلاة وهو لم يستشعر تكبيرة الإحرام ؟ فإن كان استشعر تكبيرة الإحرام ثم انصرف ذهنه بعد ذلك من غير أن يصرفه وإنما كان ذلك أمراً غير اختياري فعليه أن يحرص على مكابرة هذه الوساوس ومقاومتها هذه الأفكار وأن يستشعر عظم المقام ويواصل صلاته .



      سؤال :

      بعض الناس يصلي خلف الإمام فيستمع إلى قراءة السورة لكن يغيب ذهنه ويدخل في التفكير فلا يدري أي سورة قرأ الإمام فهل عندما يسلم الإمام يقوم بقضاء تلك السورة ؟

      الجواب :

      هذا قول قاله بعض أهل العلم لكن بما أننا لم نجد دليلاً عليه ، وهذا لم يتعمد إفلات ذهنه حتى يسرح في هذه الأفكار ، فإننا لا نرى مثل هذا ، نرى أنه يعذر ما دام هو يقاوم الوسوسة ويقاوم الأفكار بقدر استطاعته .



      سؤال :

      هل يدخل في العبث من يقوم بإصلاح غطاء رأسه مراراً لأنه لم يحكم ربطه ؟
      الجواب :

      نعم ، هو ليس له أن يقوم بذلك ، عليه أن يُعد نفسه للإقبال على ربه سبحانه وتعالى ولا يشتغل بمثل هذه الأعمال .



      سؤال :

      سمعت من يقول بأنه ورد في السنة أنه يجوز للإنسان ثلاث حركات في الصلاة .

      الجواب :

      على أي حال هذه الثلاث حركات وجدناها عند الفقهاء ، وثبوت ذلك في السنة الله أعلم به ، وقالوا هذه الثلاث الحركات إنما هي لمصلحته ، كأن يحس بالتهاب في مكان والالتهاب يشغله عن صلاته فله أن يحك ذلك المكان الملتهب بقدر ما يسكن التهابه لثلاث حركات لا زيادة على ذلك .



      سؤال :

      الأطباء في بعض الأحيان يحملون نداء فعندما يصلون يصدر ذلك النداء صوت دلالة على وجود مريض مضطر لا بد أن يحضروا فوراً ، فهل ذلك يؤثر على خشوعهم وعلى الصلاة ؟

      الجواب :
      إن كان ذلك أمراً ضرورياً بحيث فيه إنقاذ لحياة أحد من الناس ، أو فيه دفع ضراء عن أحد الناس بحيث إن الضرورة داعية لحضور الطبيب فهذه حالة مستثناة ، وأما بدون ذلك فلا .



      سؤال :

      كذلك الشرطة تواجههم نفس المشكلة ، يبقى الجهاز مشتغلا ًمعهم ؟

      الجواب :
      أما إذا كان لضرورة لا محيص عنها ، أي لأمر أمني أو لأمر خطر كحادث سير يقع فهذه من الضرورات . أما غير ذلك فلا .



      سؤال :

      في المسجد ساعة تصدر نغمات موسيقية قبل رنينها ، والناس تعارفوا عليها وربما لا يرضون أن تزال من هناك ، كيف يتعاملون مع هذه القضية .

      الجواب :

      هذه الساعة يجب أن تكون ساعة صامتة ، لا أن تكون ساعة فيها هذه الرنات التي تشغل الناس عن الصلاة .



      تمت الحلقة بحمد الله وتوفيقه
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • دروس من مسند الربيع ومدونة أبي غانم

      في فقه الصلاة (1)





      تعتبر الصلاة عمود الدين ورأسه بعد أركان الإيمان قال الله تعالى في وصف المؤمنين: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) وقال تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).



      وهي من الميثاق الذي طالب الله تعالى بها الأمم السابقة قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ).

      وكان تضييعها من أسباب الخسران المبين في الدنيا والآخرة قال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً) وقال: (ما سلككم في سقر* قالوا لم نك من المصلين)

      لذا كانت الصلاة الركن الذين يأتي مجاوراً لمفهوم الجملة وما يتعلق بتفسيرها الاعتقادي، لذا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم الصلاة للناس ولم يتركهم إلا وهي كاملة مستقرة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).



      هكذا صلى الله النبي صلى الله عليه وسلم:

      كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي خمس صلوات في اليوم والليلة، ويرى كل أحد نبي الأمة صلى الله عليه وسلم يصلي فيتعلمون منهم الصلاة (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهي عبادة تمارس كل يوم فرضاً ونفلاً؛ لذا كان المستبعد جداً بل من الممتنع أن تكون هنالك أمور أو صلوات معينة خص بها أناس دون آخرين.

      فعلى هذا تكون الصلاة وهيئتها مما نقل بالتواتر العملي، أي نقلها عبر العمل المتواصل جيلاً بعد جيل، لأنها ليست من الأمور التي تخفى على أحد.

      وقد مرت الصلاة بمراحل متعددة حتى استقرت بالكيفية التي نعرفها؛ شأنها شأن كثير من التشريعات التي أخذت حيزها الزمني حتى ترسخ في حياة الناس، جاء في المدونة ج1 ص47-48 :(سألت الربيع فقلت: أوَ أرد السلام على الرجل إذا سلّم عليّ وأنا في الصلاة؟.

      قال: لا؛ وكذلك قال أبو المؤرج، وروى لي عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلّم عليه أحد وهو في الصلاة رد عليه السلام، فسلم عليه رجل وهو يصلي فلم يرد عليه شيئاً، فظن الرجل أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منعه من رد السلام عليه سخطه له، فجلس الرجل حتى انصرف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله ونبيه من سخطهما، سلمت عليك يا نبي الله فلم ترد عليّ شيئاً، فقال عليه الصلاة والسلام: "إن في الصلاة لشغلاً"، قال أبو المؤرج: ومن أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ناسخ ومنسوخ، والقرآن قد نسخ بعضه بعضاً، وقد فعل النبي عليه الصلاة والسلام أشياء مثل هذا ورجع عنها)، ومن تلك الأمور:

      1. أن الصلاة كانت ركعتين فزيدت في الحضر وبقيت في السفر، كما دل على ذلك حديث السيدة عائشة رضي الله عنها.

      2. أن بعض صور الكلام لم تمنع ابتداء في الصلاة كرد السلام والحديث البسيط كما دلت على ذلك كثير من الأحاديث منها الحديث المعروف بحديث ذي اليدين في مسند الإمام الربيع، وكذا الحديث المشهور عنه صلى الله عليه وسلم: (إن صلاتنا هذه لا يصح فيها شيء من كلام الآدميين).

      ثم منعت كل هذه الأمور وصارت الصلاة إلى وضع الاستقرار وهي التي تناقلها الناس عملياً (قد أفلح المؤمنون*الذين هم في صلاتهم خاشعون).

      وكذا الحال بالنسبة للصلوات، فالصلوات الخمس علمت للجميع ومورست عملياً، وكذا السنن المؤكدة، علمت للناس وواظب النبي صلى الله عليه وسلم عليهن ورغب الناس في إتيانهن كالوتر وركعتي الفجر وصلاة العيد، وكذا الحال بالنسبة للصلوات المندوبة؛ التي رغب الناس فيهن وكانت درجة الترغيب والممارسة أقل من السنن المؤكدة، ووصل علم ذلك للجميع، فليست هناك صلوات يخص بها أناس دون آخرين، إنما هي مما يعلم للجميع.



      لذا فثبوت هيئات الصلاة وكذا الصلوات يجب أن يكون في أعلى درجات الثبوت العلمي، خاصة بعد دخول المسلمين في نفق الصراع السياسي الذي صبغ كثيراً من الأمور بطابعه المميز.



      دروس في الصلاة:

      من أوائل المدارس الإسلامية التي نشأت في القرن الأول الهجري المدرسة الجابرية، التي أرسى دعائمها عدد من فقهاء التابعين على رأسهم الإمام الكبير جابر بن زيد رضي الله عنه، وهذه المدرسة كان لها منهجها الخاص في التعامل مع النص باختلاف القضايا المطروحة، ومن الكتب التي دونت آراء منظري تلك المدرسة:

      - مسند الإمام الربيع بن حبيب

      - مدونة أبي غانم الخراساني، وهو تلميذ الربيع وابن عبدالعزيز وأبي المؤرج.

      - أصول الدينونة الصافية لعمروس بن فتح وهو تلميذ أبي غانم.



      وقضية هيئة الصلاة كانت من ضمن القضايا التي ناقشوها ووضعوا لها ضوابط واضحة ومحددة سواء في الثبوت أو الدلالة، ومن دراسة العديد من النصوص التي أثرت عنهم تبين لنا الآتي:

      1. هيئات الصلاة الأساسية والمتعلقة بهيكلها ودعامتها الأساسية يجب أن تثبت بالتواتر العملي كعدد الركعات وهيئة الركعة من قيام وركوع وسجود، وهذا القدر مما اتفقت الأمة عليه ومارسته عملياً.

      2. ما يتعلق بتفصيلات هذه الدعائم يجب أن يثبت بالسنن المجتمع عليها (=هي التي وصل علمها للجميع وإن كانت بطريق الآحاد) التي يدعمها عمل الأمة المتواصل.



      ومن خلال دراسة هيئة الصلاة المنقولة عنهم لم توجد بحسب البحث أي جزئية انفردوا بها عن غيرهم، بل وجد عند غيرهم الانفراد بكثير من القضايا التي تعد زيادة على الهيئة المعروفة للصلاة.

      ومن خلال الاستقراء للنصوص التي تؤيد هذا التحليل:

      1. خلو المسند والمدونة وهما معتمدهم في الحديث من روايات الحركة والكلام في الصلاة، بحيث رفضوا الروايات التي خالفت الأصل العملي في وجوب الخشوع في الصلاة، وهي الهيئة التي استقرت عليها الصلاة تحقيقاً لقول الله تبارك وتعالى: (قد أفلح المؤمنون*الذين هم في صلاتهم خاشعون).

      يقول في ذلك شيخنا القنوبي حفظه الله في برنامج سؤال أهل الذكر: (وهذه المسائل التي جاءت في السؤال لا يمكن أن يقال بأنها من المسائل التي تخفى على بعض العلماء أو بأنه رووها من قبل ولكنه قد عزبت عنهم فيما بعد؛ لأن هذه من المسائل التي تتكرر في سبعة عشر ركعة في اليوم الواحد، وذلك في الفرائض فضلاً عن السنن والنوافل فلا يمكن أن يدعي مدع بأنها قد عزبت عن حفظهم أو أنهم لم يشاهدوا الصحابة بأنهم كانوا يفعلون ذلك، مع أن بعضهم كالإمام جابر بن زيد رحمه الله ورضي عنه وأرضاه قد صلى مئات بل آلاف الصلوات مع صحابة رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعاش معهم فترة طويلة جداً لا يمكن أن يقال بأنه لم يشاهد ذلك).

      ومن أمثلة الروايات التي رفضت لم يقبلوها لمخالفتها هذا الأصل العملي:

      o ما روي عن عائشة أنها قالت ثم استفتحت الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعاً والباب في القبلة، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه أو عن يساره حتى فتح الباب ثم رجع إلى الصلاة.

      o عن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل وما أتى على آية عذاب إلا وقف وتعوذ.

      o روايات القنوت في الصلاة (=لعن الخصم السياسي أثناء الصلاة) لمخالفتها هذا الأصل العملي، ولكونها من كلام الآدميين الذي لا يصح في الصلاة، إنما هو الذكر والتسبيح وقراءة القرآن، وقد رووا ذلك عن فقهاء الصحابة كما في مسند الربيع (300) (301).

      o أيضاً ما روي من أدعية كثيرة في مواضع من الصلاة من مثل ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)، وسبب عدم قيام بنيان فقههم على تلك الروايات هو تعويلهم على الأصول العملية في الصلاة وفراغهم منها مبكراً، لذا تجد ما عندهم في الصلاة هي بعينها السنن المجتمع عليها، دون الحاجة للتفتيش عن روايات تحت ثلوج (سيبيريا) وبلاد (الاسكيمو).



      - وقد تحمل مثل هذه الروايات على تقدير صحتها على ما كان عليه الأمر قبل استقرار هيئة الصلاة، جاء في المدونة ج1 ص43: (سألت حاتم بن منصور: من أين أصلي سجدتي الوهم؟ فسره لي.

      قال: حدثني غير واحد ممن أثق به من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه يوماً فنسي بعض صلاته، فلما انصرف قال له بعضهم: يا نبي الله؛ لقد صليت بنا كذا وكذا أفحدث في الصلاة شيء أم أمرت فيها بشيء؟.

      قال: "أوَ قد فعلت؟" قالوا: نعم. قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: "أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، وإذا نسيت فذكروني".

      واستقبل القبلة بعد كلامهم إياه وكلامه إياهم، فصلى بهم ما كان نسي وبنى على ما كان صلى، ثم سجد سجدتي الوهم وهو قاعد، ولم يقرأ فيها ولم يركع، ولكنه حين فرغ منها تشهد وسلّم.

      وهما تسميان المرغمتين، وهم بإذن الله يصلحان ما كان قبلهما من السهو والنسيان.

      قال أبو المؤرج: هذا حديث منسوخ لا يؤخذ به، وقد وجب على من تكلم في صلاته أن يعيد الصلاة).



      2.تعويلهم في إثبات هيئات الصلاة على السنن المجتمع عليها والتي يدعمها عمل الأمة المتواصل، ولو فتش الباحث في الأصول المنقولة عنهم وما تته الأجيال من أعمالهم لوجد أنهم لم يجاوزا هذه القاعدة على الإطلاق، وهذا الأمر جلب عليهم نقمة من جاءوا من بعد من إخوانهم المسلمين ممن دونوا الأحاديث حيث درجوا على دمغهم (بإنكار السنة)، في حين أنهم كانوا أحرص الناس على (تنقية السنة) والذب عن حياضها.



      o جاء في المدونة ج1 ص26-27: (قال أبو المؤرج: أما الركوع فيقول: "سبحان ربي العظيم" وأما في السجود فيقول: "سبحان ربي الأعلى" فإذا سجدت فضع كفيك للسجود، وقل حين تطأطئ رأسك للسجود: "الله أكبر" وإذا رفعت رأسك فقل: "الله أكبر" وإذا كنت في أول ركعة تريد القيام فانهض قائماً حين ترفع رأسك من السجدة الأخيرة قبل أن تستوي جالساً، وإذا كانت الركعة الثانية فاجلس، وتشهد في كل ركعتين تجلس فيها من الصلاة المكتوبة أو التطوع)، وفي ج1 ص27:(مما سألتهم عنه وأخبرني من سألهم عنه: سألتهما: عن التكبير والقراءة والركوع والسجود. قال الربيع: حدثني أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم فيها، وإذا ركع كبر، وإذا طأطأ رأسه في السجود كبر، وإذا رفع رأسه من السجود كبر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا كله. قلت: أيقرأ في الأولى والعصر بشيء غير الفاتحة؟. قالوا جميعاً: لا؛ إلا بفاتحة الكتاب سراً فيما بينك وبين نفسك).

      o وجاء في أصول الدينونة الصافية ص91: (وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنن الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها وتشهدها. أول ما نفتتح بالتكبير ويقرأ في القيام بفاتحة الكتاب وحدها سراً في الأولى والعصر، وفي الثالثة من المغرب، والركعتين الأخيرتين من العشاء، ويقرأ في الركعتين الأولتين من المغرب سورة من القصار مع فاتحة الكتاب، وفي الأولتين من العشاء بسورة مع فاتحة الكتاب، ويستحب من ذلك ما يبلغ عشر آيات، وكذلك في الصبح).



      o وترون من هذه النصوص النقل للهيئة العملية للركوع والسجود والقراءة من واقع السنن المجتمع عليها مما (دعم بالعمل المتواصل من الأمة).



      o في المقابل تجد الروايات التي لم (يؤيدها العمل) وليست (من السنن المجتمع عليها) تقدم شكلاً مغايراً لهذا النقل العملي، من ذلك:

      1. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني.

      2. عن ابن عمر قال: قلت لبلال: كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا وبسط كفه.

      3. وعن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً (=أي يقعد بعد السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة، وهي ما عرفت بجلسة الاستراحة!).



      3. ما كان معبراً عن الهيئات المكملة لبنية الصلاة وهيكلها العام عولوا فيه على طرقهم الخاصة التي يثقون بها عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم:



      - جاء في مدونة أبي غانم ج1 ص91-92: (سألت أبا المؤرج وأبا سعيد عن صلاة الفطر والأضحى؟.

      قالوا جميعاً: يستفتح بتكبيرة الافتتاح، ثم يكبر أربع تكبيرات يوالي بينهن، ثم يقرأ ويكبر ويركع ويسجد، فإذا فرغ من قراءته الثانية كبر ثلاث تكبيرات، ثم يكبر التي يركع بها، ويركع ويسجد.

      قال أبو المؤرج: وهذا أحسن ما سمعت من أبي عبيدة، والذي كان عليه رأيه، وقد كان يجيز التكبير بتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، إنما يجعل الشفع أولا والوتر آخراً.

      قال: وإن كبرت بتسع فكبر في الأولى أربعاً وفي الآخرة خمساً، وإن كبرت إحدى عشرة فكبر أولاً ستاً ثم تستفتح القراءة، ثم تقرأ وتسجد، فإذا نهضت قائماً فاقرأ، فإذا فرغت من قراءتك فكبر خمساً.

      وإن كبرت ثلاث عشرة فكبر أولاً خمساً ثم تركع وتسجد، فإذا نهضت قائماً فاقرأ، فإذا فرغت من قراءتك فكبر خمساً، ثم تركع فإذا رفعت رأسك من الركوع فكبر ثلاثاً، ولا يكبر بعد الركوع إلا الذي يكبر بثلاث عشرة تكبيرة.

      قال أبو المؤرج: قال أبوعبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس: كل ما وصفت لك من هذا التكبير في صلاة الفطر والأضحى كله جائز على حال ما وصفت لك).

      o وكذا صلاة العيد من السنن المجتمع عليها، وأيضاً هيكلها العام من ركعتين تؤديان بتكابير معينة.

      o لكن اختلف الرواة في عدد التكبيرات، فلم يثبت لدى فقهاء المدونة الذين تلقوا السنة عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم عدد معين يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مع مواظبته صلى الله عليه وسلم عليها وحرص الناس على أدائها معه.

      o لذا عولوا على الروايات التي جاءت من طرقهم الموثوقة عن الصحابة رضي الله عنهم في عدد التكبيرات.



      - جاء في مسند الإمام الربيع (194) أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف ركعتين بركوع واحد في كل ركعة، وكذا جاء في مدونة أبي غانم ج1 ص 105-106: (قال حاتم بن منصور: حدثني من أثق به أن ابن النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم انكسفت الشمس قال أناس من الناس: إنما انكسفت الشمس لموت ابن النبي عليه الصلاة والسلام وتحدثوا في ذلك، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: "أيها الناس؛ إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت بشر، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فاذكروا الله وادعوه" ثم هبط وصلى بالناس ركعتين رفع فيهما صوته بالقراءة).

      o من المعلوم أن صلاة الكسوف من السنن المجتمع عليها، وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم بهيئة واحدة، لكن اضطربت فيها الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن قائل صلى بركوعين في كل ركعة، ومن قائل بثلاث ركوعات في كل ركعة، ومن قائل ومن قائل بأربعة في كل ركعة، ومن قائل بخمسة (=راجع نيل الأوطار ص 708-715 ط دار ابن حزم)، وفقهاء المدونة عولوا على طرقهم التي يثقون بها ورووا أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين كما هو شأن الصلاة المعهودة، يقول الشيخ السالمي في معارج الآمال ج12 ص53: (وإنما اختار أصحابنا الوجه الأول لما روى أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام قياماً طويلاً، فقرأ نحواً من سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد انجلت الشمس).





      (ملاحظة هامة: النقول من مدونة أبي غانم موثقة من طبعة وزارة التراث، لكن في هذه الطبعة سقط وأخطاء، لذا اعتمدنا على مخطوطة دار الكتب المصرية في ضبط النصوص).

      منقول من مكتبة الندوة العامة
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • [COLOR='DEB887']م[/COLOR][COLOR='DEB583']ح[/COLOR][COLOR='DDB27F']م[/COLOR][COLOR='DDAF7C']د[/COLOR][COLOR='DCAD78'] [/COLOR][COLOR='DCAA74']ص[/COLOR][COLOR='DBA770']ل[/COLOR][COLOR='DBA46C']ى[/COLOR][COLOR='DBA168'] [/COLOR][COLOR='DA9E65']ا[/COLOR][COLOR='DA9B61']ل[/COLOR][COLOR='D9985D']ل[/COLOR][COLOR='D99659']ه[/COLOR][COLOR='D89355'] [/COLOR][COLOR='D89052']ع[/COLOR][COLOR='D78D4E']ل[/COLOR][COLOR='D78A4A']ي[/COLOR][COLOR='D78746']ه[/COLOR][COLOR='D68442'] [/COLOR][COLOR='D6813E']و[/COLOR][COLOR='D57F3B']س[/COLOR][COLOR='D57C37']ل[/COLOR][COLOR='D47933']م[/COLOR][COLOR='D4762F'] [/COLOR][COLOR='D4732B']
      [/COLOR][COLOR='D37028']
      [/COLOR][COLOR='D36D24']
      [/COLOR][COLOR='D26A20']
      [/COLOR][COLOR='D1691E']م[/COLOR][COLOR='CF681F']ح[/COLOR][COLOR='CD671F']ر[/COLOR][COLOR='CC6620']ر[/COLOR][COLOR='CA6520'] [/COLOR][COLOR='C86421']ا[/COLOR][COLOR='C66422']ل[/COLOR][COLOR='C46322']إ[/COLOR][COLOR='C36223']ن[/COLOR][COLOR='C16123']س[/COLOR][COLOR='BF6024']ا[/COLOR][COLOR='BD5F24']ن[/COLOR][COLOR='BB5F25'] [/COLOR][COLOR='B95E25']و[/COLOR][COLOR='B85D26']ا[/COLOR][COLOR='B65C26']ل[/COLOR][COLOR='B45B27']ز[/COLOR][COLOR='B25A28']م[/COLOR][COLOR='B05A28']ا[/COLOR][COLOR='AF5929']ن[/COLOR][COLOR='AD5829'] [/COLOR][COLOR='AB572A']و[/COLOR][COLOR='A9562A']ا[/COLOR][COLOR='A7552B']ل[/COLOR][COLOR='A5552B']م[/COLOR][COLOR='A4542C']ك[/COLOR][COLOR='A2532C']ا[/COLOR][COLOR='A0522D']ن[/COLOR]
      [WEB]http://alnadwa.net/malshar/2/mohamad.htm[/WEB]
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • هو العلامة المحقق والشاعر المفلق أبو مسلم ناصر بن سالم بن عُديم بن صالح بن محمد بن عبدالله بن محمد البهلاني الرواحي العماني . ينحدر من سلسلة كريمة المحتد عريقة النسب كلهم أهل علم وفضل وشرف . حيث إن جده عبدالله بن محمد البهلاني كان قاضياً في أيام دولة اليعاربة على وادي محرم . كما أن أباه الشيخ سالم بن عُديم البهلاني كان قاضياً للإمام عزان بن قيس رضي الله عنه




      ترجمة الإمام أبو مسلم



      هو العلامة المحقق والشاعر المفلق أبو مسلم ناصر بن سالم بن عُديم بن صالح بن محمد بن عبدالله بن محمد البهلاني الرواحي العماني . ينحدر من سلسلة كريمة المحتد عريقة النسب كلهم أهل علم وفضل وشرف . حيث إن جده عبدالله بن محمد البهلاني كان قاضياً في أيام دولة اليعاربة على وادي محرم . كما أن أباه الشيخ سالم بن عُديم البهلاني كان قاضياً للإمام عزان بن قيس رضي الله عنه . الذي استولى على زمام الحكـم فـي عُـــمان سنـة (1285 ـ 1287هـ) .




      مولده ونشأته وأعماله :


      ولد الإمام أبو مسلم سنة (1273هـ) حسب رواية ابن أخيه الكاتب الأديب سالم بن سليمان البهلان الذي صحب عمه ولازمه طويلاً وكتب عنه شعره . كما أن هناك رواية أخرى تقول إنه ولد سنة (1277هـ) وصاحبها ابن الإمام (مهنا بن ناصر البهلاني) ، على أننا نرجح رواية ابن أخيه ، ونستفيد ذلك من ملازمة الإمام لشيخ أحمد بن سعيد الخليلي رحمهما الله .


      أما مكان ولادته ففي قرية (محرم) . موطن أبائه وأجداده وعشيرته ويبعد وادي محرم الذي أضيف إلى هذه القرية عن العاصمة مسقط حوالي (150 كيلو متراً) . ويشمل وادي محرم على العديد من القرى أكبرها محرم وهي القرية التي فتح فيها الإمام أبو مسلم عينه على هذا الوجود .


      ولقد كانت عناية الإمام أبو مسلم رحمه الله بطلب العلم منذ صغره ، حيث درس على يد الشيخ الفاضل / محمد بن سليم الرواحي الذي انتقل فيما بعد إلى قرية (البلة) من أعمال ولاية (بركا) بالباطنة الشريط الساحلي من عُــمان .


      وكان زميله في الدراسة الشيخ العالم الورع أحمد بن سعيد بن خلفان الخليلي رضي الله عنه الذي أشار إليه بقوله في قصيدته النونية المشهورة :


      أرتاحُ فيها إلى خِلُ فيبهرُني صدق وقصد ومعروف وإحسانُ

      فحال حُكمُ النوى بيني وبينهمُ هُنا تيقنـتُ أن الدهـر خـوانُ


      وكانا صديقين متلازمين حتى شاء الله أن يغادر الإمام أبو مسلم إلى شرق إفريقيا ـ زنجبار ـ وكان سفره إليها سنة (1295هـ) في زمن السلطان برغش بن سعيد بن سلطان سلطان زنجبار ، حيث كان والده سالم بن عديم البهلاني قاضياً للسلطان المذكور في زنجبار بعد انتهاء دولة الإمام عزان بن قيس في عُمان .



      بقي الإمام أبو مسلم في زنجبار خمس سنـوات ثـم رجع إلى عُــمان سنـة (1300هـ) ، وعاد إليها مرة ثانية سنة (1305هـ) ، وهي عودته الأخيرة حيث بقي هنالك حتى وافته المنية .


      أقام في زنجبار وألقى عصا الترحال بها . وعاش في كنف حكامها الذين أحاطوه بالرعاية التامة وأولوه العناية الكاملة . وذلك في عهد السلطان حمد بن ثويني ومن بعده من سلاطين زنجبار .


      وفي ذلك الجو الذي يسوده مناخ من التقدير والاحترام ، وفي تلك الربوع الهادئة وتحت سماء تلك المدينة الوادعة ـ مدينة زنجبار ـ انكب الإمام أبو مسلم على المطالعة وقراءة نفائس الكتب الفقهية والأدبية . فكان الكتاب أستاذه الثاني وجليسه المفضل . حتى نبغ في العربية وفي الشعر والأدب وفي العلوم الشرعية .
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • [COLOR='00BFFF']أ[/COLOR][COLOR='02BCFE']ت[/COLOR][COLOR='05B9FD']م[/COLOR][COLOR='07B6FC']ن[/COLOR][COLOR='09B3FB']ى[/COLOR][COLOR='0CB0FA'] [/COLOR][COLOR='0EADF9']أ[/COLOR][COLOR='10AAF8']ن[/COLOR][COLOR='13A6F6'] [/COLOR][COLOR='15A3F5']ت[/COLOR][COLOR='17A0F4']ك[/COLOR][COLOR='1A9DF3']و[/COLOR][COLOR='1C9AF2']ن[/COLOR][COLOR='1E97F1']و[/COLOR][COLOR='2194F0']ا[/COLOR][COLOR='2391EF'] [/COLOR][COLOR='258EEE']ا[/COLOR][COLOR='278BED']س[/COLOR][COLOR='2A88EC']ت[/COLOR][COLOR='2C85EB']ف[/COLOR][COLOR='2E82EA']د[/COLOR][COLOR='317FE9']ت[/COLOR][COLOR='337BE7']و[/COLOR][COLOR='3578E6']ا[/COLOR][COLOR='3875E5'] [/COLOR][COLOR='3A72E4']و[/COLOR][COLOR='3C6FE3']ت[/COLOR][COLOR='3F6CE2']س[/COLOR][COLOR='4169E1']ت[/COLOR][COLOR='3F65E2']ف[/COLOR][COLOR='3C62E3']ي[/COLOR][COLOR='3A5EE4']د[/COLOR][COLOR='385AE5']و[/COLOR][COLOR='3556E6']ا[/COLOR][COLOR='3353E7'] [/COLOR][COLOR='314FE9']إ[/COLOR][COLOR='2E4BEA']ن[/COLOR][COLOR='2C47EB'] [/COLOR][COLOR='2A44EC']ش[/COLOR][COLOR='2740ED']ا[/COLOR][COLOR='253CEE']ء[/COLOR][COLOR='2338EF'] [/COLOR][COLOR='2135F0']ا[/COLOR][COLOR='1E31F1']ل[/COLOR][COLOR='1C2DF2']ل[/COLOR][COLOR='1A29F3']ه[/COLOR][COLOR='1726F4'] [/COLOR][COLOR='1522F5']م[/COLOR][COLOR='131EF6']ن[/COLOR][COLOR='101AF8'] [/COLOR][COLOR='0E16F9']ا[/COLOR][COLOR='0C13FA']ل[/COLOR][COLOR='090FFB']م[/COLOR][COLOR='070BFC']ك[/COLOR][COLOR='0508FD']ت[/COLOR][COLOR='0204FE']ب[/COLOR][COLOR='0000FF']ة[/COLOR]
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • الزائر الاخير


      الحمد لله الذي خلق آدم من تراب، والصلاة والسلام على من أنار الله به البصائر والألباب، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه إلى يوم الموعد والمآب... و بعد:

      أخي الحبيب: هل تعلم من هو الزائر الأخير؟ وهل تعلم ماذا يريد من زيارتك ولقائك؟ وأي شيء يطلب منك؟

      إنه لم يأت طمعاً في شيء من مالك.. أو لمشاركتك طعامك وشرابك.. أو للاستعانة بك على قضاء دين.. أو شفاعة لدى أحد.. أو تمرير معاملة عجز عنها.

      لقد جاء هذا الزائر إليك في مهمة محدودة وقضية معينة.. لا تستطيع أنت ولا أهلك وعشيرتك، بل ولا أهل الأرض جميعاً أن يردوه دون إنجازها وتحقيقها.

      ثم إنك وإن سكنت القصور العالية، وتحصنت بالحصون المنيعة والبروج المشيدة.. وتمتعت بالحراس والحجاب، لا تستطيع منعه من الدخول إليك، والاجتماع بك، وتصفية حسابه معك!!

      إنه لا يحتاج - كي يدخل عليك - إلى أبواب أو استئذان ولا إلى أخذ موعد مسبق قبل المجيء والإتيان، بل يأتي إليك في أي وقت وعلى أي حال؛ حال شغلك أو فراغك.. صحتك أو مرضك.. غناك أو فقرك.. سفرك أو إقامتك.

      وهذا الزائر - أخي الحبيب - ليس له قلب يرق بحيث تؤثر فيه كلماتك وبكاؤك، أو ربما صراخك وتوسلاتك، وليس في مقدوره أن يمهلك مهلة تراجع فيها حساباتك، وتنظر في أمرك!!

      وهو كذلك لا يقبل هدية ولا رشوة، لأن أموال الدنيا كلها لا تساوي عنده شيئاً، ولا ترده عما جاء من أجله.

      إنه يريدك أنت.. لا شيء غيرك.. يريدك كلك لا بعضك.. يريد إفناءك والقضاء عليك.. يريد مصرعك وقبض روحك.. وإهلاك نفسك.. وإماتة بدنك.


      إنه ملك موت!!

      قال تعالى: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون [السجدة:11]. وقال تعالى: حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون [الأنعام:61].


      قطار العمر

      أخي الحبيب: ألا تعلم أن زيارة ملك الموت شيء محتوم، وقدر سابق معلوم، مهما طال بك العمر أو قصر؟

      ألا تعلم أننا جميعاً مسافرون في هذه الدار.. ويوشك المسافر أن يصل إلى غايته ويحط رحله؟

      ألا تعلم أن دورة الحياة أوشكت على التوقف.. وأن قطار العمر قد قرب من مرحلته الأخيرة؟

      سمع بعض الصالحين بكاء على ميت فقال: يا عجباً من قوم مسافرين يبكون على مسافر قد بلغ منزله!!

      أخي:

      ما زلت مذ صورت في سفر *** وستنقغمي وسينقضي السفر! ماذا تقول وأنت في غصص *** ماذا تقول وأنت تحتضر؟ ماذا تقول وقد وضعت على *** ظهر السرير وأنت تبتدر؟ ماذا تقول وأنت في جدث *** ماذا تقول وفوقك المدر؟ ماذا تقول وقد لحقت بما *** يجري عليه الريح والمطر؟

      أعيذك - أخي الحبيب - أن تكون من الذين: إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم [محمد:27]، أو من: الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون، فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين [النحل:28-29].

      أخي الحبيب: أما تعلم أن بزيارة ملك الموت لك ينتهي عمرك، وينقطع عملك، وتطوى صحائف أعمالك؟

      أما تعلم أنك لا تستطيع بعد زيارته اكتساب حسنة واحدة.. لا تستطيع صلاة ركعتين.. لا تستطيع قراءة آية واحدة من كتاب الله.. لا تستطيع التسبيح أو التحميد أو التهليل أو التكبير أو الاستغفار ولو مرة واحدة.. لا تستطيع صيام يوم أو التصدق بشيء ولو كان يسيرا.. لا تستطيع الحج أو الاعتمار.. ولا بذل معروف بسيط للقريب أو الجار.. فقد مضى زمن العمل، وبقي الحساب والمجازاة على الإحسان والزلل حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربي ارجعون، لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون [المؤمنون:99-100].

      فيا أخي: أين استعدادك للقاء ملك الموت؟.. أين استعدادك لما بعده من أهوال.. في القبر.. وعند السؤال.. وعند الحشر.. والنشر.. والحساب.. والميزان.. وعند تطاير الصحف.. والمرور على الصراط.. والوقوف بين يدي الجبار جل وعلا؟!.

      عن عدي بن حاتم قال: قال النبي : { ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة } [متفق عليه].

      أخي:

      إلى كم ذا التراخي والتمادي *** وحادي الموت بالأرواخ حادي فلو كنا جمادا لا تعظنا *** ولكنا أشد من الجماد تنادينا المنية كل وقت *** وما نصغي إلى قول المنادى وأنفاس النفوس إلى انتقاص *** ولكن الذنوب إلى ازدياد إذا ما الزرع قارنه اصفرار *** فلس دواؤه غير الحصاد


      الزائر الأخير

      ذكر الإمام ابن القيم في كتابه "عدة الصابرين" عن يزيد بن ميسرة قال: كان رجل ممن مضى جمع مالاً فأوعى، ثم أقبل على نفسه وهو في أهله فقال: أنعم سنين!! فأتاه ملك الموت فقرع الباب في صورة مسكين، فخرجوا إليه فقال: ادعوا لي صاحب الدار. فقالوا: يخرج سيدنا إلى مثلك؟! ثم مكث قليلاً. ثم عاد فقرع الباب وصنع مثل ذلك وقال: أخبروه أني ملك الموت. فلما سمع سيدهم قعد فزعاً، وقال: لينوا له الكلام. قالوا: ما تريد غير سيدنا بارك الله فيك؟ قال: لا. فدخل عليه فقال: قم فأوص ما كنت موصياً فإني قابض نفسك قبل أن أخرج. قال: فصرخ أهله وبكوا. ثم قال: افتحوا الصناديق، وافتحوا أوعية المال. ففتحوها جميعا، فأقبل على المال يلعنه ويسبه يقول: لعنت من مال، أنت الذي أنسيتني ربي، وشغلتني عن العمل لآخرتي حتى بلغني أجلي.

      فتكلم المال فقال: لا تسبني! ألم تكن وضيعاً في أعين الناس فرفعتك؟ ألم ير عليك من أثري؟ أما كنت تحضر مجالس الملوك والسادة فتدخل، ويحضر عباد الله الصالحون فلا يدخلون؟ ألم تكن تخطب بنات الملوك والسادة فتنكح، ويخطب عباد الله الصالحون فلا ينكحون؟ ألم تكن تنفقني في سبيل الخبث فلا أتعاصى؟ ولو أنفقتني في سبيل الله لم أتعاص عليك.. أنت ألوم مني، إنما خلقت أنا وأنتم يا بني آدم من تراب، فمنطلق ببر، ومنطلق بإثم.. هكذا يقول المال فاحذروا.

      فيا أخي الحبيب: حاسب نفسك في خلوتك، وتفكر في سرعة انقراض مدتك، واعمل بجد واجتهاد في زمان فراغك لوقت حاجتك وشدتك، وتدبر قبل الفعل ما يملى في صحيفتك، فأين الذي جمعته من الأموال؟ أأنقذك من البلى والأهوال؟ كلا بل تتركه إلى من لا يحمدك، وتقدم بأوزار على من لا يعذرك.

      فلا تكن أخي ممن قيل فيه:

      ومنتظرللموت في كل لحظة *** يشيد ويبني دائماً ويحصن له حين تبلوه حقيقة موقن *** وأعماله أعمال من ليس يوقن عيان كإنكار وكالجهل علمه *** بمذهبه في كل ما يتيقن


      كيف نستقبل الزائر الأخير؟

      إخي الحبيب: ويستقبل الزائر الأخير:

      1- بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

      2- بالمحافطة على الصلوات الخمس في أوقاتها في المساجد جماعة مع المسلمين مع تحري الخشوع فيها والتفكير في معانيها، وصلاة المرأة في بيتها أفضل.

      3- بإخراج الزكاة المفروضة في أوقاتها وحسب مقاديرها وصفاتها الشرعية.

      4- بصوم رمضان إيماناً واحتساباً.

      5- بالحج المبرور فإنه ليس له ثواب إلا الجنة، وعمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي .

      6- بأداء النوافل وهي ما زاد على الفرائض من الصلوات والزكوات والصيام والحج، قال تعالى في الحديث القدسي: { ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه }.

      7- بالمبادرة إلى التوبة النصوح من كل المعاصي والمنكرات، وبعقد العزم على تعمير الأوقات بكثرة الاستغفار والذكر وأنواع الطاعات.

      8- بالإخلاص لله تعالى وترك الرياء في كل أمر كما قال لسبحانه: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الذين حنفاء [البينة:5].

      9- بحب الله ورسوله ، ولا يتم ذلك إلا باتباع النبي محمد كما قال سبحانه: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم [آل عمران:31].

      10- بالحب في الله والبغض في الله، والموالاة في الله والمعاداة في الله، وهذا يقتضي محبة المؤمنين وإن بعدوا، وبغض الكافرين وإن قربوا.

      وكل محبة في الله تبقى ** على الحالين من فرج وضيق وكل محبة فيما سواه *** فكالحلفاء في لهب الحريق

      11- بالخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، وهذا حقيقة التقوى.

      12- بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والمراقبة لله تعالى في السر والعلن، والرجاء لما عنده من الأفضال والمنن.

      13- بحسن التوكل على الله عز وجل لقوله تعالى: وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين [المائدة:23].

      14- بطلب الكلم النافع والسعي في نشره وتعليمه لقوله تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات [المجادلة:11]، وقوله سبحانه: لتبيننه للناس ولا تكتمونة [آل عمران:187].

      15- بتعظيم القرآن المجيد بتعلمه وتعليمه، وحفظ حدوده وأحكامه، وعلم حلاله وحرامه، لقول النبي صين: { خيركم من تعلم القران وعلمه } [واه البخاري].

      16- بالجهاد في سبيل الله، والمرابطة في سبيله، والثبات للعدو وترك الفرار من الزحف لقوله : { لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف } [متفق عليه].

      17- بحفظ اللسان عن المحرمات كالكذب والغيبة والنميمة والسب واللعن والفحش من القول والغناء. قال النبي : { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت } [متفق عليه].

      18- بالوفاء بالعهود، وأداء الأمانات إلى أهلها، وترك الخيانة والغدر، قال تعالى: أوفوا بالعقود [المائدة:1]، وقال: فليؤد الذي اؤتمن أمانته [البقرة:283].

      19- بترك الزنا وشرب الخمر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والظلم والسرقة وأكل أموال الناس بالباطل، وأكل الربا، وأكل ما لا يستحقه شرعا. قال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن [الأعراف:33].

      20- بوجوب التورع في المطاعم والمشارب واجتناب ما لا يحل منها، قال سبحانه: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب [المائدة:3].

      21- ببر الوالدين وصلة الأرحام، وزيارة الإخوان والصبر على أذاهم، وبذل المعروف للقريب والبعيد. قال : { من كان فى حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامه } [متفق عليه].

      22- بزيارة المرضى والقبور وتشييع الجنائز، فإن ذلك يذكر بالآخرة، ويزهد في الدنيا.

      23- بترك الملابس والأزياء المحرمة، كالحرير والذهب والإسبال للرجال، أو استعمال الأواني المصنوعة من الذهب والفضة في الأكل والشرب، فكل ذلك محرم.

      23- بالتزام النساء الحجاب الشرعي الكامل الساتر، الذي لا يصف ولا يشف، ولا يدعو إلى النظر والفتنة، وتجنب التشبه بالكافرات في ملابسهن التي ما صنعت إلا لأجل الفتنة وإيقاظ الغرائز واستدعاء الشهوة.

      24- بالإقتصاد في النفقة، والمحافظة على النعمة، وترك التبذير، قال تعالى: ولا تبذر تبذيرا [الإسراء:26]، ونهى النبي عن إضاعة المال [متفق عليه].

      25- بترك الغل والحسد والعداوة والبغضاء والوقيعة في أعراض المسلمين والمسلمات بغير حق. قال : { المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه } [رواه مسلم].

      26- بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى سالاًآ في ذلك سبيل الحكمة والموعظة الحسنة.

      27- بالعدل بين الناس، والتعاون على البر والتقوى، لقوله تعالى: وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى [الأنعام:152]، وقوله: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [المائدة:2].

      28- بالتزام مكارم الأخلاق، من التواضع والرحمة والحلم والحياء ولين الجانب وكظم الغيظ والكرم، وترك الكبر والغرور والأشر والبطر وغير ذلك.

      29- بأداء حقوق الأولاد والزوجات على الوجه الأكمل، وتعليمهم من أمور دينهم ما يحتاجون إليه. قال تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة [التحريم:6].

      30- برد السلام وإلقائه، وتشميت العاطس، وإكرام الضيف والجار، والستر على أصحاب المعاصي ما استطاع، قال : { من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة } [متفق عليه].

      31- بالزهد في الدنيا وقصر الأمل قبل بلوغ الأجل. قال : { إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ما تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء } [رواه مسلم].

      32- بالغيرة على الأعراض، وغض البصر عن النظر إلى المحرمات في الطرقات أو عبر شاشات التلفاز والقنوات الفضائية.

      33- بالإعراض عن اللغو واللهو واللعب، والأخذ بمعالي الأمور وترك سفسافها، قال تعالى: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه [ص:55].

      34- بمحبة أصحاب النبي والبراءة من بغضهم أو سبهم. قال : { من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } [رواه الطبراني وحسنه الألباني].

      35- بالإصلاح بين الناس، وتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين حتى لا تتسع هوة الخلاف والفرقة. قال تعالى: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم [الحجرات:10].

      36- بترك إتيان الكهان والمنجمين والسحرة والعرافين ونحوهم، قال : { من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد } [رواه أحمد وأبو داود والترمذي].

      37- بطاعة المرأة لزوجها وحفظه في ماله وولده وفراشه. قال : { إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت } [رواه ابن حبان وصححه الألبا ني].

      38- بترك الإبتداع في الدين أو الدعوة إلى الباطل والضلال، لقول النبي : { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } [تفق عليه].

      39- بترك النساء وصل شعورهن بشعر آخر، وتركهن الوشم، والنمص، وتفليج الأسنان ووشرها. قال : { لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة } [متفق عليه]، وعن عبدالله بن مسعود قال: { لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله } [رواه مسلم].

      40- بترك التجسس على المسلمين والكشف عن عوراتهم وأذيتهم. قال النبي : { يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحة ولو في جوف رحله } [رواه الترمذي وصححه الألباني].

      وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
    • ونجد في ما كان من النبي ما يدعونا إلى التأسي به ، فالنبي – صلى الله عليه وسلم - ربى جيلا على الحق،على التضحية ، على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كانوا شبابا مضحين بكل راحتهم وبكل ما يملكون في هذه الحياة





      الإصلاح بين الناس

      محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ألقاها بولاية سمائل

      يوم الخميس 4/ جمادى الأول /1424هـ / 5/7/2003م
      بسم الله الرحمن الرحيم


      الحمد لله حق حمده ،حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيد ه ، لا حد لغايته ولا أمد لنهايته ،يفوق حمد الحامدين ويربو على شكر الشاكرين ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، خلق فسوى وقدر فهدى وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ، أرسله الله هاديا وبشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح الأمة وكشف الله به الغمة ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ،أما بعد :

      فبتحية الإسلام أحييكم أيها الإخوة الكرام فالسلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته ،هذا ، وإنه لمن دواعي الغبطة والانبهاج أن يجمعنا الله تبارك تعالى في هذا اليوم المبارك بكم في هذا البلد الطيب وفي هذا المكان العريق ، لأجل أن نتدارس ما يشغلنا جميعا ، وما يدعونا إلى البحث عن حبل المشكلة وعن الوصول إلى ما فيه خيرنا وسعادتنا بمشيئة الله سبحانه وتعالى .

      لا ريب أن الإنسان خلقه الله سبحانه وتعالى خلقا سويا ، وجعل هذا الجنس البشري جنسا متميزا بما آتاه الله سبحانه وتعالى من مواهب ، وما أسبغه عليه من نعم ، وما خصه به من خصائص ، ومن بين هذه الخصائص : أنه سبحانه وتعالى جعله كائنا اجتماعيا ، فالإنسان يعمل في إطار المجتمع ، لذلك كان بحاجة إلى ما يحفظ هذا النظام الذي يربط بينه وبين مجتمعه ليظل في إطار هذا المجتمع آخذا منه المنفعة التي تعود بالخير على الجميع ومن حيث أن الإسلام دين الفطرة فقد قال سبحانه وتعالى " فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " الروم ( 30 ) ، كان الإسلام متميزا بمراعاة هذا الجانب ولذلك كانت تعاليمه جميعا تصب في هذا المصب وتؤدي إلى انتظام شمل الناس مما يحفظ وحدتهم وتآلفهم وترابطهم، وقبل كل شيء نرى أن الله سبحانه وتعالى يدعوا إلى اتحاد عباده كما يدعوهم إلى توحيده، فهو عز وجل يقول " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ " آل عمران ( 102،101) .


      من أجل ذلك شرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لاستمرار الوحدة بين عباد الله سبحانه ، إذ كل واحد بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يرعى حقوق الآخرين كما يرعى حق نفسه ويحرص على مصلحتهم كما يحرص على مصلحة نفسه ، ويحفظ جميع ما يتعلق بشؤونهم كما يحفظ ما يتعلق بشان نفسه ، وهذا واضح في هذا السياق الذي يأمر الله سبحانه وتعالى فيه عباده بالوحدة ، إذ جاء قوله عز وجل " وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " آل عمران (104) .


      جاء ذلك مكتنفا بامتنان الله سبحانه وتعالى على عباده إذ جمع شملهم بعد تفرقهم وبين تحذيرهم من التفرق وذلك مسبوق بقوله تعالى " وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " آل عمران (103) وما جاء بعد هذا الأمر بان تكون فيها امة تدعوا إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر والتحذير من التفرق وذلك في قوله " وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " آل عمران (105) .


      والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لاستمرار التوالي بين عباد الله المؤمنين ، بحيث يتولى بعضهم بعضا ويرعى بعضهم مصالح بعض ، فالله سبحانه وتعالى يقول " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " آل عمران (71 ) جعل الله هذه الموالاة بين المؤمنين والمؤمنات سببها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة رسوله- صلى الله عليه وسلم- في كل ما أمرا به وفي كل ما نهيا عنه، و نجد أن عقيدة الإسلام عقيدة تدعو إلى الاتحاد ، فالناس كلهم عباد الله والله سبحانه وتعالى فضل بين هؤلاء وهؤلاء بتقواه فلذلك أنزل لهم ما يدعوهم إلى الوحدة وما يحفظ لهم هذه الوحدة وحذرهم من كل ما يدعوا إلى الفرقة، فالله سبحانه وتعالى حذر فيما حذر عباده أن ينصتوا إلى الكاشحين الذين يحرصون على إشاعة الفتنة وبثها بين الناس وبث النميمة بينهم فالله تعالى يقول : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " الحجرات (6) ثم إنه سبحانه وتعالى في هذا السياق يحذر الناس من أن يثبتوا الأمر إذا بدأت بادرة الفتنة تظهر بين الناس بل عليهم أن يطفئوا هذه الفتنة وأن ينتزعوا فتيلها ، مما يؤلف بين هذه القلوب فالله تعالى يقول :" وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " الحجرات (9) ، ولأجل هذا جاء التحذير من كل ما يثير النعرات بين الناس حتى يكون هنالك التشتت والتشرذم فيما بينهم ، فلذلك قال الله إثر ذلك يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " الحجرات (11) .


      نهى الله سبحانه وتعالى عن سخرية المؤمنين بعضهم من بعض : بحيث لا يسخر رجال من رجال ولا تسخر نساء من نساء فلعل المسخور منه خير من الساخر ، و حذر الله مما حذر منه ثم اتبع ذلك بقوله تعالى " يأيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم " هكذا ، يحذر الله المؤمنين من الوقوع في أسباب الضغينة والأحقاد من سؤ الظنون ومن غيرها ، من الغيبة والاحتقار وكل ما يؤدي إلى التفرق والاختلاف .


      ثم إنه سبحانه وتعالى يتبع ذلك بيان أن الناس كلهم ينحدرون من أصل واحد ، ينحدرون من أب واحد ومن أم واحدة فعليهم أن يرعوا ذلك وألا يختلفوا ويتشتتوا لأجل الانتساب إلى القبائل أو لأجل الانتساب إلى الشعوب أو لأجل الانتساب إلى أي شيء يفرق بين طائفة وطائفة ، وذلك قوله تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " الحجرات (13) .
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • بسم الله الرحمن الرحيم
      وبارك الله فيكم على تشجيعكم المستمر وامدادي بالحوافز للأمام
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • السجود في الشـرع أن يهـوي إلـى السجـود قصـدا فيضـع جبهتـه و أنفـه إلى الأرض مع الكفيـن و الركبتيـن و أصابع القدمين .




      في ما لا تقوم الصلاة إلا به


      الدرس الأول


      قال الشيخ عامر : اعلم أن الصلاة و جميع وظائف الدين لا تقوم و لا يصح لها ثوابها إلا بأربعة أشيـاء و هي : العلم و العمل و النية و الورع.
      أحدهما : أن يعلم بوجوب الصلاة ، و أنه مأمور بها ، و ذلك أن يعلم الصلاة التي قام إليها ، أعني أن يفرز كل واحدة من الصلوات الخمس في وقتها عند حضور فعلها. و الدليل على هذا قوله تعالى : ( أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة ) ، و الله تعالى لا يتعبدنا بمجهول.
      الثانـي : أن يعلم بوجوب الثواب على فصل الصلاة. و الدليل قوله تعالى : ( و من يطع الله و رسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ).
      الثالـث : أن يعلم كيف يمتثل الصلاة بوظائفها ، أعني فرائضها و سننها و جميع نواقصها.
      و أما على قول من لا يشترط العلم فليس عليه شئ ، و الله أعلم. قال : و أما العمل فهو ينقسم أيضا إلى ثلاثة أقسام :
      أحدهما : أن يعمل كما أمر و كما وجب عليه و على ما وجب عليه أن يعلم.
      الثانـي : أن يرجـو في عملها ما عنـد الله ، و ذلك أن ضد الرجاء الإياس فمن لم يرج ما عند الله آيس : ( و لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ).
      الثالـث : أن يخاف في تركها عقاب الله ن و ذلك أيضا ضد الأمن فمن لم يخف أمن ( و لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ).
      قال : و أما النية فهي أن يتحرى مرضاة الآمر و طاعة الله ن و ذلك أن ينوي بفعله الصلاة أداء الفرض و طاعة الله عز و جل ، لأنه واجب عليه ، مأمور به ، و يتقرب بفعله إلى الله عز و جل. و التقرب طلب المنزلية عند الله ، لأن الله وعد المؤمنين على فعلهم الطاعة و الجنة ، و الله أعلم.
      و الدليل على وجوب النية قوله تعالى : ( و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) و الإخلاص هو النية لله ، و هو أن يخلص عمله من جميع الشوائب ، و يخلصه لله عز و جل ، و الله أعلم.
      قال : و أما الورع فهو أن يتورع عن جميع محارم الله و عن جميع ما نهى عن العمل في حال الصلاة.
      كـــــــــــــــــــــــــــــــن مــ الله ــع ولا تبــــــــالي
      :):)
    • كاتب الرسالة الأصلية : ورد المنى
      بسم الله الرحمن الرحيم
      وبارك الله فيكم على تشجيعكم المستمر وامدادي بالحوافز للأمام


      [TABLE='width:70%;'][CELL='filter: glow(color=burlywood,strength=5);']

      بارك الله فيك على تنويعك لمواضيع المكتبة ، وبالنسبة لنا نحن فأنا أرى أنك وكالعادة سابقةالى نشر الخير والوعي بيننا جميعا دون حاجة لتشجيع منا والى الامام دائما .
      [/CELL][/TABLE]