فتاوى الصيام للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي

    • فتاوى الصيام للشيخ سعيد بن مبروك القنوبي

      أولا : كيفية استقبال الشهر الكريم


      س:
      تسأل عن الحدود التي يسلكها المسلم في رمضان في مشاهدة التلفاز.


      ج:
      على كل حال؛ ينبغي في السؤال أن يُسأَل عن الحدود التي ينبغي للمسلم أن يسلكها في كل وقت من الأوقات، وذلك لأنّ الإنسان يجب عليه أن يطيع مولاه-سبحانه وتعالى-في أيّ وقت من الأوقات ويجب عليه أن يبتعد عن ما نهى عنه الله-تبارك وتعالى-في كتابه أو على لسان رسوله-صلى الله عليه وسلم-في أيّ وقت من الأوقات .. نعم كما أنّ الحسنات تُضاعَف في شهر رمضان فإنّ السيئاتأيضا تكون أعظم في هذا الشهر الكريم، ولكن ليس معنى ذلك أنه يُباح للإنسان أن يَنظر أو أن يَستمع إلى ما حرّمه الله-تبارك وتعالى-في غير شهر رمضان وأنه يُمنع من ذلك في هذا الشهر فقط، وكذلك كثير من الناس يسألون عن صحة صيامهم إذا فعلوا شيئا من المحرمات .. هل الصيام صحيح أو فاسد ؟ وطبعا جدير بالمسلم أن يَبحث عن صحة صيامه وفساده ولكن أيضا يَجدُر به أن يَبحث عن الحلال والحرام فيبتعد عن ما حرّمه الله-تبارك وتعالى-ولو كان ذلك لا يَنقض الصيام، فهل إذا قيل له: " إنّ صيامه صحيح " يمكن أن يَرتكب تلك المعصية ؟! فلماذا هو يبحث عن صحة صيامه ؟! أليس من أجل أن يمتثل أمر الله-سبحانه وتعالى-ومن أجل أن يفوز في يوم القيامة بدخول الجنة ؟! وإذا كان الأمر كذلك فكذلك المعاصي إذا كانت كبيرة من كبائر الذنوب فإنها-والعياذ بالله تبارك وتعالى-تُخلِّد صاحبها في نار جهنم إذا كان لم يتب إلى الله-تبارك وتعالى-منها، فإذن ينبغي للإنسان أن يسأل عن المحرمات-ماذا يَحرم عليه وماذا يجوز له-سواء كان ذلك في هذا الشهر الكريم أو في غيره، وأن يبتعد عن كل معصية سواء كان ذلك في هذا الشهر أو في غيره وسواء كانت تنقض الصيام أو كانت لا تنقضه.
      أما بالنسبة إلى ما يجوز لها ولغيرها طبعا أن يستمعوا إليه وأن ينظروا إليه في مثل هذه الآلات فإنّ هذه الآلة في حقيقة الواقع لا تحلّل حراما ولا تحرّم حلالا، فما جاز للإنسان أن يَنظر إليه في غير هذه الآلة فيجوز له أن ينظر إليه في هذه الآلة، وما جاز له أن يَستمع إليه في غير هذه الآلة فإنه يجوز له أن يستمع إليه في مثل هذه الآلات، وما لم يَجز فإنه لا يجوز له أن يستمع إليه إذا عُرِض في هذه الآلات، فالصور المحرَّمة والأغاني المحرَّمة وما شابه ذلك .. كل هذه الأمور لا يجوز الاستماع إليها أو النظر إليها في غير هذه الآلة، وكذلك يقال في مثل هذه الآلة .. هذا باختصار شديد؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق .



      ثانيا : أحكام وقت الإمساك و نية الصوم :

      س:
      هل الصائم يعقد النية قبل الصيام كأن ينوي أن يصوم ثلاثين يوما-مثلا-أم أنّ لكل يوم نيته ؟


      ج:
      أوّلا : النية المعتبرة هي النية القلبية، وليس بحاجة إلى التلفظ بنحو: " اللهم نويت أن أصوم " أو ما شابه ذلك مما يذكره كثير من الناس وإن كان موجودا في بعض الكتب فإنّ ذلك مما لا أصل له في سنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولم يكن-أيضا-معهودا عند السلف رضوان الله-تبارك وتعالى-عليهم، وإنما النية المعتبرة هي النية القلبية كما قلتُ.
      ثم إنّ العلماء قد اختلفوا في شهر رمضان هل كل يوم فريضة مستقلة بذاتها أم أنّ الشهر كله فريضة واحدة ؟ والقول بأنّ كل يوم فريضة مستقلة بذاتها هو القول الصحيح، لأدلة متعدّدة .
      وبناء على هذا الخلاف اختلف العلماء في وجوب تجديد النية لكل يوم:
      فمن قال بأنّ رمضان فريضة واحدة قال: تجزي النية الواحدة.
      ومن قال بأنه فرائض متعدّدة اختلفوا في ذلك:
      فذهب بعضهم إلى أنه لابد من النية لصيام كل يوم.
      وذهبت طائفة منهم إلى أنّ ذلك لا يشترط، بل إذا نوى الإنسان أن يصوم شهر رمضان في الليلة الأولى فإنّ ذلك يجزيه اللهم إلا إذا أفطر بسبب عذر شرعي-كمرض أو سفر أو ما شابه ذلك من الأعذار التي تبيح ترك الصيام-فإنه في هذه الحالة عند من يريد أن يصوم مرة أخرى فإنه يطالب بالنية في ذلك الوقت؛ وهذا القول هو القول الصحيح؛ فمن نوى أن يصوم في الليلة الأولى .. نوى أن يصوم شهر رمضان فإنّ ذلك يجزيه إلا أنه إذا أفطر فإنه يطالب بالإتيان بالنية مرة أخرى .. هذا ما يظهر لي؛ والله-تعالى-أعلم.
    • س:
      أسرة صَحَت للسحور والأذان يؤذّن فلكي تدرك نفسها قامت بتناول وجبة السحور والأذان يؤذّن، فماذا عليها؟


      ج:
      الله المستعان؛ إذا كان المؤذّن يؤذّن بعد طلوع الفجر فإنه لا يجوز لأحد أن يأكل بعد ذلك، وذلك لأنّ الله-تبارك وتعالى-حدّد وقت الصوم بطلوع الفجر، وهكذا جاء في السنّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، فإذا طلع الفجر فلا يجوز لأحد أن يأكل أو يشرب أو أن يستعمل شيئا من المفطّرات المعلومة.
      نعم جاء حديث مرويّ عن رسول الله-صلى الله وسلم وبارك عليه-أنّ من كان في يده شيء من الطعام-أو الشراب بالطبع-فإنّ له أن يأكل، ولكن هذا الحديث وإن جاء من طرق متعدّدة وادعى بعضهم أنه يصل إلى درجة الحسن أو الصحيح بمجموع تلك الطرق فإنه في حقيقة الواقع معارِض لكتاب الله-تبارك وتعالى-ولسنّة رسوله-صلى الله وسلم وبارك عليه-الصحيحة الثابتة ثبوتا أوضح من شمس الظهيرة، وما كان معارِضا لكتاب الله ولسنّة رسوله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فإنه لابد من أن يُحكم ببطلانه وأنه لا يثبت عن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-بحال من الأحوال اللهم إلا إذا كان ذلك الدليل سابقا على نزول الكتاب أو السنّة الصحيحة، وهذا الحديث ليس من ذلك القبيل فهو في حقيقة الواقع حديث باطل لا يصح ولا عبرة بتعدد طرقه، وكثير من المحدثين من المتأخرين يحكمون بصحة بعض الأحاديث نظرا إلى وجود بعض الطرق لذلك الحديث ولكن في حقيقة الواقع لابد من أن ينظر إلى بقية الشروط المشترطة لصحة الحديث ومن أهم تلك الشروط عدم الشذوذ وعدم العلّة التي تقدح في صحة ذلك الحديث المروي، وإذا كان يُحكم بشذوذ الحديث وعدم ثبوته بمجرد مخالفة الراوي ولو كان ثقة لمن هو أوثق منه فلابد من أن يُحكم بكذبه إذا خالف الكتاب العزيز وخالف السنّة الصحيحة الثابتة المشهورة بل التي تكاد تصل إلى حدّ التواتر، ولا حاجة للبحث في تواترها وعدم ذلك لأنّ دلالة القرآن واضحة جليّة وإن كنتُ لا أقول بالإطلاق في القضية التي ذكرتُها سابقا وهي أنّ الحديث إذا خالف راويه الثقة لمن هو أوثق منه أنه يُحكم بشذوذ رواية الثقة .. لا أقول بالإطلاق في ذلك، ولذلك موضع آخر إن شاء الله تبارك وتعالى، ولكن الذي يعنيني في هذه القضية أنّ هذا الحديث يُحكم ببطلانه وعدم ثبوته عن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولو جاء من سبع أو من ثمان طرق، فإنّ تلك الطرق لا عبرة بها مع هذه المخالفة الصريحة الواضحة الجليّة التي لا تخفى .. نعم يمكن أن يقال بعذر من أكل أو شرب وفي يده الطعام أو الشراب في حالة سماع الأذان.. يمكن أن يقال بعذره من الكفارة، وذلك لأنّ الكفارات تُدرأ كالحدود بالشبهات على الرأي الصحيح، فمن وقع في ذلك وكان يعرف هذا الأمر فإنه لا يحكم عليه بالكفارة وإنما يقال بوجوب التوبة عليه ووجوب القضاء عليه-أيضا-فهؤلاء لا أظن أنهم يعرفون هذا الحديث أو أنهم سمعوا به وإنما هو التهور بعينه، فإذا كانوا لم يعتمدوا على مثل هذاالحديث الواهي الباطل فلابد من القول بوجوب التوبة والكفارة مع القضاء عليهم، وأما إذا كانوا يحتجون بمثل هذه الشبهة فإنه يمكن أن يقال: إنّ شبهة الجهل مع الاعتماد على هذا الحديث الموضوع الواهي تدرأ عنهم الكفارة؛ وهذا الذي يمكن أن أقوله باختصار، وإذا كانوا يريدون أن يوضحوا هذا السؤال فبإمكانهم أن يتصلوا مرة أخرى وسنجيب عليه على حسب التفصيل الذي يفصلونه في سؤالهم؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم, "وجوابي منصبّ على تقدير أنّ المؤذّن قد أذّن بعد طلوع الفجر .. أي عند انشقاق الفجر، وأما إذا كان قد قدّم الأذان فلا عبرة بذلك، إذ إنّ العبرة بطلوع الفجر لا بالأذان، ولكن الأصل في المؤذّنين أنهم لا يؤذّنون إلا بعد طلوع الفجر.. أي عند طلوع الفجر ولاسيما في شهر رمضان ثم إنه يمكن أن يعتمد على التقاويم، والمعتمد عليه هو طلوع الفجر لا تلك الفترة التي تقدّم على الفجر فإنه في التقويم هنالك فترة قبل طلوع الفجر يقال بأنها فترة إمساك أو ما شابه ذلك ولا أصل لذلك في سنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل ينبغي للإنسان إذا أراد أن يأكل أو أن يشرب أن يأكل وأن يشرب حتى يطلع الفجر، ولا عبرة بتلك الفترة التي تذكر في التقاويم، إذ إنها مخالفة لهدي النبي صلى الله وسلم وبارك عليه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


      س:
      هل يمكن أن تُعتبَر كاحتياط؟


      ج:
      إذا كان التقويم صحيحا الذي فيه ذكر طلوع الفجر فلا عبرة بمثل هذا الاحتياط، لأنّ الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-حثّنا على تأخير السحور .. هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان بلال-رضي الله تعالى عنه-يقدّم الأذان حتى يقوم الناس من أجل السحور، ثم إنّ ابن أمّ مكتوم-رضي الله تعالى عنه-كان يؤذّن بعد طلوع الفجر.. أي عند تحقق طلوع الفجر أو بمجرد طلوع الفجر .. أذكر هذه العبارات حتى لا يلتبس الأمر على بعض الناس، فما قال لهم الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-احتاطوا بمجرد أذان بلال أو ما شابه ذلك .. كلا, والخير كل الخير-كما قلتُ-في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
      وبمناسبة ذكر الحديث السابق الذي صحّحه من صحّحه فإنني أحثّ الناس على عدم التعجّل في اتباع تصحيحات كثير من الناس وتحسيناتهم، فإنّ كثيرا من الناس لا ينظرون إلى متون الأحاديث وإنما يكتفون بالأسانيد؛ كما أنني-أيضا-أحثّ أولئك الذين يتعجّلون في ردّ الأحاديث بمجرد مخالفتها لبعض الآيات أو لبعض الأحاديث بحسب زعمهم، وأتوا بسبب عدم فقههم في كتاب الله تعالى وفي سنّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فليس كل حديث يظهر في بداية الأمر أنه مخالف لكتاب الله أو لسنّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحكم بكذبه ووضعه .. كلا، بل لابد من النظر في ذلك جيدا، ولا يتمكن من ذلك إلا الراسخون في العلم، فتكذيب حديث ثابت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ليس بالأمر الهيّن، والحكم بثبوت حديث عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وهو لا يثبت عنه ليس بالأمر السهل، فهذه الأمور لابد من أن يحكم فيها أولئك الراسخون في علم الأصول وفي علم الحديث مع معرفة كبيرة بعلم الفقه بعد التأنّي والتمحيص والبحث، وكثير من الناس-كما قلتُ-أخذوا يفرّطون في مثل هذه الأمور ويحكمون بعجلة شديدة.. يحكمون بثبوت الأحاديث وبعضهم بعدم ثبوتها من غير التروّي والنظر والتمحيص، وكثير منهم همّتهم تحقيق الكتب ويستعجلون في ذلك كثيرا جدا ويحكمون بثبوت أو بعدم ثبوت بعض الأحاديث مع أنّ الواقع بخلاف ذلك، فحديث رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ليس بالأمر السهل .. يُحكم بصحته أو بثبوته مع أنه قد يكون بخلاف ذلك .. نعم التصحيح والتضعيف حكم ظني، ومهما فعل الإنسان لابد من أن يقع في بعض أحكامه الخطأ ولكن نسبة الخطأ تختلف بين خطأ العالم الذي يحكم بحجة نيّرة وبين خطإ بعض الناس كما هو معلوم، ولا أريد أن أطيل في هذه القضية فإنّ ذلك مما لا تتسع له هذه العجالة، وله وقت آخر بمشيئة الله تبارك وتعالى؛ والله-تعالى-أعلم.


      س:
      السحور في الساعة الثانية عشر ليلا، هل يتنافى ذلك مع الخيرية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تزال أمّتي بخير ما أخّروا السحور وعجّلوا الفطور ) .. عندما يتسحر الإنسان في الساعة الثانية عشر ليلا؟


      ج:
      لا, هذا الأمر مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فهدي النبي-صلى الله وسلم وبارك عليه-هو تأخير السحور وتقديم الفطور، وكثير من الناس يظنون أنّ الفضل في تأخير الفطور وفي تقريب السحور، والواقع أنّ الفضل في فعل ما أمر به النبي صلى الله وسلم وبارك عليه، فالرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد حثّ على تأخير السحور وعلى تقديم الفطور، وكان يواظب هو-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-على ذلك، فلا ينبغي لأحد أن يؤخّر الفطور ولا أن يقدّم السحور، وليعلم علما يقينيّا بأنه لا فضل له في ذلك، وإنما الفضل كل الفضل في فعل ما أمر به النبي صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.
    • ثالثا : ما يثبت به الصوم


      س:
      بعد أيام قليلة سيتحرى الناس رؤية هلال شهر رمضان المبارك ويستنفرون في ذلك كل جهودهم، فهل لكم من كلمة توجهونها إلى الناس تحثهم على أهمية تحري الرؤية؟


      ج:
      إنه مما لا يخفى أنّ الشهور العربية تترتب عليها أحكام متعددة في شرع الله تبارك وتعالى، بعضها يتعلق بالزكاة وبعضها يتعلق بالصيام وكذا بالحج والبيوع وشؤون الأسرة وما شابه ذلك، وقد قصّر كثير من الناس في زماننا هذا فإنهم لا يهتمون بمسألة تحري الهلال، بل يتكل كل واحد على غيره من غير أن ينظر في الليلة التي يُتوقَّع بأن يُرى فيها الهلال، والذي ينبغي في هذه القضية أن يَنظر الناس ولاسيما من يمكنه أن يرى الهلال في تلك الليلة بلا فرق بين شهر رمضان وغيره من بقية الشهور، وذلك لأنّ أحكاما كثيرة تتعلق بذلك كما قلتُ، ولا بأس من التذكير ببعضها نظرا إلى أنّ كثيرا من الناس يَجهلون كثيرا من هذه الأحكام. فمن جملة هذه الأحكام صيام شهر رمضان المبارك، وذلك لأنّ الله-تبارك وتعالى-قد علّق الصيام على رؤية الهلال أو على إكمال شعبان ثلاثين يوما، فإذا قصّر الناس في مسألة ترائي الهلال فإنه قد تثبت الرؤية ولا يَرى الهلالَ أحدٌ وفي ذلك خطر عظيم لا يخفى على أحد. وكذلك يتعلق بذلك عيد الفطر المبارك. ويتعلق بذلك صلاة العيد فإنها واجبة على رأي بعض أهل العلم على الأعيان، وواجبة على الكفاية على رأي طائفة منهم، وسنّة مؤكّدة على رأي طائفة من أهل العلم، ولا شك أنّ النبي-صلى الله عليه وسلم-قد واظب عليها بعد أن شُرِعت طيلة حياته، وواظب عليها المسلمون في عصره وبعد ذلك، ولا ينبغي لأحد أن يُفرِّط في أمرها وهكذا بالنسبة إلى شهر الحج فإنه تُشرَع في اليوم العاشر صلاة عيد الأضحى المبارك. وكذلك يَحرم صيام يومي العيدين، أي صيام عيد الفطر المبارك وصيام عيد الأضحى المبارك وكذلك يَحرم صيام أيام التشريق أو يُكره على خلاف بين أهل العلم في هذه القضية، والأكثرون على الكراهة. وكذلك يَحرم صيام يوم الشك على أصحّ الأقوال وأرجحها وكذلك من الأحكام المهمّة التي تتعلق بذلك الوقوفُ بعرَفة، فإنه يكون في اليوم التاسع من ذي الحجة، ولا يصح تقديمه على ذلك، كما أنه لا يصح تأخيره أيضا. وكذلك ما جاء من فضل الأيام العشْر-أي التسع الأولى مع اليوم العاشر-من ذي الحجة، وذلك لأنّ العمل في هذه الأيام أفضل من غيرها من سائر العام، كما ثبت ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنه يُشرَع للإنسان أن يُكثر في هذه العشر باستثناء العاشر طبعا في الصيام .. أن يكثر من الصيام ومن الأعمال الصالحة، أما الصيام فهو مخصوص بالتسع الأولى وخاصة في اليوم التاسع من ذي الحجة، وأما بالنسبة للأعمال الصالحة فإنه ينبغي الإكثار في العشْر جميعا. وكذلك بالنسبة إلى الزكاة، فإنّ الإنسان يُؤقِّت لأمواله يوما محدّدا وقد يزيد المال في ذلك اليوم وقد يَنقص فإذا لم يُعرَف اليوم الحقيقي للشهر فقد يَزيد المال في اليوم الذي تجب فيه الزكاة أو يَنقص المال وهو لا يَعرف ذلك ثم لا يؤدي الواجب الشرعي عليه في مسألة الزكاة. وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأحكام المتعلِّقة بالعِدَدِ، وذلك كعِدَّة المرأة التي تُوفي زوجها، فإنّ المتوفى عنها زوجها تعتدّ أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت غير حامل، وإذا وقع خلل في الشهر فإنها قد تزيد وقد تنقص وقد يتزوجها زوج وهي لا زالت في العِدَّة، وهكذا بالنسبة إلى عِدَّة المطلَّقة إذا كانت غير بالغة أو كانت ممن لم يَحِضْنَ لِكِبَرِ سِنِّها أو لغير ذلك من الأمور المبيَّنة في الفقه. وهكذا بالنسبة إلى الظِّهار والإيلاء، إلى غير ذلك من الأحكام التي يطول المقام بذكرها. فهذه الأحكام-وغيرُها كثير-تتعلق بالأشهر القمرية فينبغي لذلك ولغيره أن يُنتبه لهذه القضية، وألاّ يُقَصَّر في مثل هذه المسألة. وكثير من الناس يَعتنون بشهر رمضان وبشهر شوال ولكنهم لا يَعتنون ببقية الأشهر وقد يقع الخطأ في شهر رجب مثلا أو في شهر شعبان وبسبب ذلك الخطأ يقع الخطأ في شهر رمضان، فإنه قد يقع خطأ مثلا في شهر شعبان .. يُعَد بأنه قد دخل قبل أو بعد ثم لم يُر الهلال أو لا ينظر الناس إلى الهلال ظنا منهم بأنّ الوقت لم يَحِنْ بعدُ والأمر بعكس ذلك، فإذن لابد من الاهتمام بمثل هذه المسائل؛ ونسأل الله-تبارك وتعالى-أن يُوفِّق الجميع لما فيه الخير.


      س:
      هل من رأى الهلال ثم قَصَّر في الاتصال باللجنة التي أُعِدَّت لاستطلاع الهلال يُعدُّ آثما؟


      ج:
      إذا رأى الهلال وتأكَّد من ذلك فلابد من أن يَتّصل باللجنة, وإن كان لا يمكنه ذلك فلابد من أن يَتّصل بالقاضي الذي في منطقته بل ذلك أولى، لأنّ اللجنة قد لا تعرف عن ذلك الشخص هل هو من العدول الذين يُقبل قولهم في ذلك أو ليس من أولئك ، فإذا تأخّر عن ذلك مع قدرته على ذلك فإنه آثم والعياذ بالله تبارك وتعالى؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


      س:
      البعض يشك في نفسه من أنّ الرؤية ثبتت حقيقة إلا أنّ اللجنة-مثلا-لم يصلها خبرها فهو يشك ويقول: " إنّ البلد الفلاني قد صاموا فلماذا لا أصوم معهم ؟! " فيصوم استنادا على الشك الذي يوجد في نفسه؟


      ج:
      على كل حال؛ إذا كانت قد ثبتت الرؤية-قد رأى هو نفسه الهلال أو قد رآه من يثق بدينه .. أي من تُعتبَر رؤيته شرعا-فنعم يجب عليه هو وعلى غيره أن يصوم. ولكن هنالك نقطة مهمّة لابد من التنبيه عليها-وقد أطلتُ الكلام عليها في العام الماضي ولذلك لا أرى داعيا من الإطالة عليها في هذه الليلة-وهي قضية اختلاف المطالع, فقد تثبت الرؤية في بعض البلدان بشهادة شهود معتبَرين شرعا ولكن تلك البلدة أو تلك القرية تختلف مطالعها عن بلادنا هذه فنحن لا نقدح في صيامهم ونقول على من كان في ذلك المكان إذا كانت الرؤية قد ثبتت حقّا وصدقا يجب عليهم الصيام, أما من تختلف مطالعه عن مطالعهم فليس له أن يصوم بصيامهم، وقد جاء في الحديث عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ما يدل على ذلك، وقد أطلتُ في ذلك في العام الماضي ولا أرى داعيا الآن من الإطالة، فإذن هذا هو صيام الشكّ الذي تكلّمنا فيه سابقا، وليس له أن يصوم بصيام قرية أو بلدة بعيدة تختلف مطالعها عن مطالع بلده، وإلا فإنه يكون قد صام الصوم المنهي عنه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.

      س:
      إذن فلا داعي لمثل هذا الشك؟


      ج:
      أي نعم، لا داعي لمثل ذلك.
    • رابعا : أحكام الصوم المستحب والمكروه والمحرم.


      س:
      ما هو الصيام المحرم والمكروه والمستحب ؟


      ج:
      قد رُويت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أحاديث كثيرة تدل على ندبية صيام بعض الأيام وعلى تحريم وكراهة صيام بعض الأيام الأخرى، والمقام لا يَسمح بأن أذكر تلك الأحاديث التي رُويت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ...(1) بأنّ الوقت لا يَسمح بذلك كما أشرتُ.
      1) الصوم الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم


      صيام ستة أيام من شوال(2):

      فثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-الأمر بصيام ستة أيام مِن شوال، وهو حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
      وقد قَدح بعض العلماء فيه ولكنّ ذلك ليس بشيء، إذ إنهم لم يأتوا بعلة تَقدح في صحّة هذا الحديث، فهو حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبذلك يَتبيّن بأنّ كراهةَ من كَرهَ صيام هذه الأيام سواء كان ذلك بعد العيد مباشرة أو كان في أثناء الشهر ولو كان متأخرا ليس بشيء.
      ومَن شاء أن يصوم هذه الأيام متفرِّقة فله ومَن شاء أن يصومها متتابِعة فله، إذ إنه لم يَثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ما يدل على أنه لابد مِن تتابُعها، والحديث الذي جاء عنه الذي يدل على تتابعها لا يثبت عنه لضعف إسناده.


      صيام يوم عرفة :

      وكذلك ثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-الأمر بصيام يوم عَرَفَة-وبيّن صلى الله عليه وعلى آله وسلم فضلَهوأنه يُكَفِّرُ سنتين سنة قبله وسنة بعده-وهذا خاص بِمَن لم يكن واقفا بعَرَفَة، وأما مَن كان وافقا بعَرَفَة فإنه لا يُشرَع له الصيام، لأنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لم يَصم ذلك اليوم عندما كان واقفا بعَرَفَة.
      وقد جاء عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-حديث يدل على النهي عن صيامه لِمَن كان واقفا بعَرَفَة ولكنّ ذلك الحديث لا يَصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأنّ في إسناده مجهولا، فالنهي عن صيامه لا يَصح ولكنّ الإنسان ينبغي له أن يَقتدي بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
      وجاء حديث فيه الأمر بصيام آخر يوم مِن ذي الحجة وأول يوم(3) مِن شهر المحرم ولكنّ هذا الحديث لا يَثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو حديث موضوع، وقد ذَكَر ذلك الوضّاع بأنّ هذا الصيام(4) يُكَفِّرُ خمسين سنة وهو-كما قلتُ-باطل لا يَثبت ..



      صيام شهر المحرم :

      نعم ثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-الأمر بصيام شهر المحرم، فالحديث الدال على صيام شهر المحرم ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويَدخل اليومُ الأول في ضِمن هذا الفضْل الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا بدلالة ذلك الحديث الموضوع.

      صيام يوم عاشوراء :

      وأفضل الصيام في شهر المحرم هو صوم اليوم العاشر، وهو المعروف بصوم يوم عاشوراء، فقد ثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أنه كان يَصومه بل ثبت عنه أنه أمر بصيامه وأنه يُكَفِّرُ سنة قبله.
      والأفضل أن يصومه مع اليوم التاسع وإن اقتصر عليه فله ثوابه بمشيئة الله تبارك وتعالى.
      وقد جاء حديث في النهي عن صيامه مفرَدا والأمر بصيامه مع يومٍ قبله أو مع يومٍ بعده ولكنّ ذلك الحديث لا يَثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأنّ في إسناده ضعيفا ومجهولا، فقول مَن قال بأنّ الأكمل بأن يَصومه الإنسان مع يومٍ قبله ومع يومٍ بعده لم أجد ما يدل عليه.
      وإنما ثبت الحديث بفضْل صيامه مع يومٍ قبله وثبت-أيضا-الأمر بصيامه مفرَدا.
      وقد جاء في رواية أنّ يومَ عاشوراء هو اليوم التاسع ولكنّه حديث ضعيف بل باطل لا يَثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    • صيام أغلب شعبان(5) :

      وثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أنه كان يَصوم شهر شعبان .. جاء في بعض الروايات أنه كان يصوم شهر شعبان، وجاء في بعضها ما يدل أنه كان يصوم أغلب شعبان، وهذه الرواية هي الرواية الصحيحة، لِما ثبت مِن النهي عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-عن تَقدُّم رمضان بِصوم يوم أو يومين، فالرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كان يُواظِب على صيام أغلب شعبان، والرواية الأخرى محمولة على الغالِب.
      وجاءت رواية فيها الأمر بصيام الخامس عشر مِن شعبان ولكنّ هذه الرواية باطلة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
      وجاء في رواية أخرى أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن صيام النصف مِن شعبان-وقد حَمَلها بعض العلماء على اليوم الخامس عشر، وحملها بعضهم على النصف الثاني مِن شعبان لِمَن كان يَشُقُّ عليه ذلك، وحملها بعض العلماء على مَن ابتدأ الصوم مِن منتصف شهر شعبان وهذا بناء على ثبوت هذه الرواية كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء-ولكنّ هذه الرواية لا تَثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-على الصحيح-كما هو مذهب جماعة كبيرة مِن أهل العلم.(6)

      حكم صيام يوم التروية والعشر الأول من ذي الحجة :

      وجاءت رواية عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فيها فضْل صيامِ يومِ التروية، ولم يَثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أنه صامه في الحج، أما بالنسبة إلى غير الحج فجاءت بعض الروايات أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كان يَصوم العشْر ولكنّ الرواية الصحيحة فيها أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يَكن يَصوم ذلك .. نعم جاء أنّ العمل الصالح في العشْر أفضل مِن غيرها، وأما رواية يوم التروية فإنها رواية باطلة لا تَثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأنّ في إسنادها كذابا وفي إسنادها-أيضا-مجهول ولكنّ الحمْل على ذلك الكذاب الذي هو الكلبي المشهور بالكذب.

      حكم صيام يوم النيروز :

      وجاء-أيضا-الأمر بصيام يوم النيروز وأنه يَعدل سنتين وهي رواية باطلة، جاءت مِن طريق وفي إسنادها مجاهيل، ومِن طريق أخرى وفي إسنادها كذاب وهو سعيد بن مَيْسَرَة، فالحقّ بأنّ ذلك لم يَثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

      صيام يومي الاثنين والخميس :

      وجاء-أيضا-أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يَصوم يوم الاثنين ويوم الخميس والرواية بذلك ثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
      وجاءت رواية أخرى فيها أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصوم السبت والأحد والاثنين مِن شهر وكان يصوم الثلاثاء والأربعاء والخميس مِن الشهر الذي يليه ولكنّ هذه الرواية لا تَثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل الثابت أنه كان يَصوم الاثنين والخميس.
      وجاءت هنالك روايات تدل على صيام بعض الأيام ولكنّ ذلك لا يَثبت، فالثابت هو ما ذكرتُه على حسب ما يَحضرني الآن.


      صيام أيام البيض :

      والصيام-أيضا-الذي أمر به النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم، صيام ثلاثة أيام مِن كل شهر وهي أيام الليالي البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر مِن كل شهر إلا الثالث عشر مِن شهر ذي الحجة فإنّ ذلك مكروه، لثبوت النهي عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-عن صيام أيام التشريق.
    • ثانيا : الصيام المحرم :

      صيام يوم العيدين :

      وأما الصيام المحرم فهو صيام يوم العيدين باتفاق أهل العلم، وقد ثبت النهي بذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

      صيام يوم الشك(7) :

      وكذلك صوم يوم الشك على مذهب طائفة مِن أهل العلم، وقد جاء النهي عن ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد اختلف العلماء في صوم يوم الشك بعد اتفاقهم على تحريم صيام يومي العيد .. أي عيد الفطر وعيد الأضحى:
      فذهبت طائفة إلى تحريم صيام يوم الشك. وذهبت طائفة إلى كراهة صيامه.
      وذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى استحباب صيامه. وذهبت أخرى إلى التخيير في صيامه.
      -وهنالك مذاهب كثيرة أخرى في صيام يوم الشك-
      ومِن العلماء مَن قال بوجوب صيامه في حالة الغيم. ومنهم مَن قال باستحباب صيامه في حالة الغيم.
      والصواب أنه منهي عن صيامه سواء كان ذلك في غيم أو كان ذلك في غيره.


      صيام أيام التشريق :

      ومِن الأيام التي ثبت النهي عن صيامها أيام التشريق، وقد اختلف العلماء في هذا النهي:
      حملته طائفة على التحريم. وحملته طائفة أخرى على الكراهة.
      والقول بالكراهة هو الذي ذهب إليه الأكثرون ولكن لا ينبغي لأحد أن يَصوم ذلك حتى على القول بالكراهة، وهذا أمر واضح .. نعم ثبت خلاف بين أهل العلم في صيام أيام التشريق بالنسبة لِمَن لم يَجد الهدي أي بالنسبة للمتمتع والقارن على قول مَن يقول بأنّ القارن عليه هدي .. اختلف العلماء في هل يُشرَع لهما الصيام في هذه الأيام أو لا ؟
      ذهبت طائفة إلى مشروعية ذلك، واحتجوا برواية مروية عن السيدة عائشة-رضي الله تعالى عنها-وهي محتمِلةٌ للرفع وللوقف، وقد جاء مِن طريق أخرى التنصيص على أنها مرفوعة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولكنّ هذه الرواية التي هي نصّ في الرفع لا تَثبت، لأنها جاءت مِن طريق لا تَصح، وإنما الصحيحة هي الرواية الأولى ولكنها محتمِلة للرفع وللوقف، ولِمناقشة ذلك موضع آخر بمشيئة الله تبارك وتعالى.


      صيام يوم الجمعة :

      ومِن الصيام المكروه صيام يوم الجمعة وهذه الكراهة مقيَّدة بِمَن لم يصم قبله يوما ولا بعده يوما-كما جاء ذلك في الحديث الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أما مَن صام قبله يوما أو صام بعده يوما فلا كراهة في ذلك.وقد اختلف العلماء في صيام يوم الجمعة إذا صادف يوم عرفة أو يوم عاشوراء مثلا:
      ذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى مشروعية صيامه، لأجل أنه يوم عرفة أو لأجل أنه يوم عاشوراء.
      وذهبت طائفة مِن أهل العلم إلى كراهته، لأجل النهي عن صيام يوم الجمعة.
      والأفضل للإنسان أن يصوم يوما قبل يوم عاشوراء-وهو التاسع-وإن لم يفعل ذلك فينبغي له أن يصوم الحادي عشر لأجل الخروج مِن هذا الخلاف وكذلك أن يصوم اليوم الثامن مِن شهر ذي الحجة لأجل الخروج مِن هذا الخلاف ولكن مَن لم يصم ذلك ولاسيما بالنسبة إلى يوم عرفة إذا فاته ذلك مثلا هل يُشرَع له أن يصوم أو لا ؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم، والذي يَظهر لي أنّ صيامه مشروع .. هذا هو الصواب، وتقرير ذلك يَحتاج إلى وقت ولعلنا نتكلم على ذلك في مناسبة أخرى بمشيئة الله لأنه سيُصادِف على احتمال قوي في هذه السنة .. يوم عرفة سيُصادِف يوم الجمعة فلعلنا نتعرض لذلك بمشيئة الله قبل هذا اليوم، ولكنّ الصحيح-كما قلتُ-هو قول مَن قال بصيامه، والمستحَب بأن يُخرِج الإنسان نفسه مِن مثل هذه الخلافات ولاسيما مع قوة تعارض الأدلة فيها.


      صيام يوم السبت :

      وجاء حديث عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فيه النهي عن صيام يوم السبت وقد ذهب بعض الناس إلى كراهة ذلك بل شدّد بعضهم فقال بتحريم صيامه وهذا ليس بشيء فالحديث لا يصح عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-على الصحيح، وذهب بعضهم إلى أنه منسوخ، والقول بعدم صحته هو الصحيح، ولا عبرة بقوة الأسانيد مع نكارة المتن وهي نكارة واضحة.

      صيام بعض أيام الأسبوع غير الاثنين والخميس :

      وجاءت أحاديث فيها النهي عن صيام بعض أيام الأسبوع أو فيها الأمر بصيام بعض أيام الأسبوع الأخرى وكل ذلك لم يَثبت إلا ما ذكرتُه سابقا مِن فعل النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في صيام يوم الاثنين ويوم الخميس وأنّ ذلك مطلوب، وأما بالنسبة إلى بقية الأيام باستثناء يوم الجمعة فللإنسان أن يصوم إن شاء وأن يُفطِر إن شاء.

      صيام شهر رجب (8):

      وكذلك جاءت أحاديث كثيرة جدا فيها بيان فضْل صيام شهر رجب ولكنّ تلك الأحاديث لا تَثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما بيّن ذلك جماعة كبيرة مِن أهل العلم، وفي ذلك يقول الإمام نور الدين-رحمه الله تعالى-في "جوهر النظام":
      لكنها-يعني تلك الأحاديث-ضعيفة الإسناد
      وبعضهم بِوضعها يُنادي(9)
      فالأحاديث الدالة على مشروعية صيام شهر رجب لم يَثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمَن صام هذا الشهر فهو كغيره، للإنسان أن يصوم مِن غير أن يَعتقِد أنّ صيامه ثابت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وله أن يفطر .. نعم مَن كان لا يستطيع أن يصوم شهر رجب وشهر شعبان مثلا فينبغي له أن يُقدِّم شهر شعبان لثبوت ذلك عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وليَترُك صيام شهر رجب، لأنّ ذلك لم يَثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-بل لا ينبغي لأحد أن يصوم شهر رجب بأكمله لِما جاء مِن النهي عن صيام ذلك.


      صيام يوم الإسراء والمعراج ويوم مولد النبي الكريم :

      وكثير مِن الناس يَسأل عن صيام السابع والعشرين مِن شهر رجب وعن صيام الثاني عشر مِن شهر ربيع الأول لأنّ الأول فيه الإسراء والمعراج والثاني يُصادِف مولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
      وقبل كل شيء أريد أن أبيِّن أنه لم يأت دليل يدل على أنّ ليلة الإسراء كانت ليلة السابع والعشرين مِن شهر رجب ولا أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-وُلِدَ في اليوم الثاني عشر مِن شهر ربيع الأول، وقد اختلف العلماء اختلافا كثيرا في هاتين القضيتين ولم يأت أحد بدليل يمكن التعويل عليه، فأولا هذا لم يَثبت .. أي لا دليل على أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أُسْرِيَ به في ليلة السابع والعشرين مِن رجب ولا على أنه ولد في اليوم الثاني عشر مِن ربيع الأول، ثم إنه لم يَثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولا عن أحد مِن صحابته أنهم كانوا يصومون ذلك، فالأفضل تركُ ذلك مخافةَ أن يَعتقِد بعض الناس بعد مدة مِن الزمن بأنّ ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد بيَّنتُ كثيرا مِن الأيام التي كان يصومها النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أو أنه أمر بصيامها أو أنه بيَّن فضْل صيامها فليُواظِب الإنسان على ذلك فإنّ في ذلك خيرا كثيرا، وإن كانت لديه قدرة على الصيام فليصم يوما وليفطر يوما، كما كان نبي الله-تعالى-داؤود-عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا-يصوم، فمَن كانت له قوة فليصم ذلك، أما أن يأتي بأمر لم يَثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ويُخشى بأن يَعتقِد الناس بفعله بأنه ثابت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فهذا مما لا ينبغي.
      وكذلك جاء حديث فيه فضْل صيام الأشهر الحُرُم ولكنّ في إسناده مجهولا فهو لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. نعم ثبت الأمر بصيام شهر المحرم كما ذكرتُ
      وكذلك جاء حديث فيه فضْل صيام الخميس والجمعة مِن كل شهر محرم وأنّ صيام ذلك يَعدل عبادة تسعمائة سنة ولكنّ هذا باطل موضوع ومخترع مصنوع كما هو ظاهر مِن متنه وفي إسناده كذاب؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم، وأكتفي بالاقتصار على ما ذكرتُه هنا ولعلّ شيئا فاتني مِن ذلك لكن هذا ما يَحضرني الآن؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.
    • خامسا: أحكام نواقض الصيام :

      س:
      ما حكم أخذ الدم من الصائم وكذلك أعطاؤه هو لشخص آخر ؟


      ج:
      إن أخذ الدم من الإنسان وهو صائم أسواء كان ذلك للفحص أو لغيره مما اختلف فيه أهل العلم وذلك بناء على اختلافهم في الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحجامة فإن طائفة كبيرة من أهل العلم قالوا بإفطار الحاجم والمحجوم واستدلوا على ذلك بأدلة متعددة مروية عن النبي صلوات الله وسلامه عليه حتى أدّعى بعض أهل العلم أنها بلغت مبلغ التواتر وإن كان بعضهم أدّعى أنّ ذلك لم يثبت عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه لضعف تلك الروايات والصواب إن تلك الروايات ثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكنها منسوخة ولا أرى أن أطيل المقام بذكر تلك الروايات ومالها وما عليها وذكر الروايات الناسخة لها ولكننّى أرى أن هذا الرأي وهو القول بالنسخ هو الذي ينبغي أن يؤخذ به لأنه هو الذي يؤيده الحديث الثابت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه وفيه دلالة واضحة على النسخ وذهب بعضهم إلى أن الحجامة تفطر الصائم وأما أخذ الدم للفحص أو نحو ذلك فلا وذلك أن ذلك قليل جداً ولأن الضرورة تقتضيه وهذا فيه نظر أن لو قلنا أن الحجامة تنقض الصيام وذلك لأنه لا فرق بين الأمرين إلا إذا قيل إنه بالنسبة إلى الحجامة يُحكم بالنقص لأن المريض يضعف بذلك ولكنّ هذه العلة عليلة إذ إنه لا مدخل للضعف وغيره فإذا تمكن الإنسان من مواصلة صيامه فإن صيامه يعتبر صحيحاً ولو أصابه شيء من الضعف إذن إما أن نقول بالنقض مطلقاً أو لا نقول بالنقض وبما أنه لا حاجة إلى القول بأن ذلك لا يقال عليه أنه ناقض لأجل الضرورة إذ إن من اضطر إلى ذلك لو كان ذلك ناقضاً لقيل إنه له أن يفطر ثم بعد ذلك يقوم بقضاء ذلك اليوم أما أن يقال إنها لا تفطر لأجل الضرورة فهذا كلام غريب جداً وقد علمتم بأن الرأي الراجح لدي هو أن الحجامة لا تفطر الصائم وعليه كذلك أقول إن من أخذ الدم لا يفطر الصائم نعم من استطاع أن يحتاط لأمر دينه وأن يخرج نفسه من الخلاف فإن ذلك أولى أما الجواز فقد علمتم القول الراجح في هذه المسألة وأما بالنسبة إلى أعطاء الصائم الدم فإن ذلك ناقض فإذا وُضع دم لإنسان بأن كان مضطراً إلى ذلك فإن ذلك ينقض الصيام ولابد له من القضاء ولكنه يباح ذلك إذا كان مضطراً إليه لأنه مريض والمريض له أن يفطر كما هو معلوم من الأدلة على ذلك فيباح له الإفطار من أجل هذه العلة .


      س:
      حكم الريق والبلغم هل يفطرا ؟


      ج:
      أما الريق فلا يفطر نعم لا ينبغي للإنسان أن يجمعه في فيه وإن كان بعض العلماء قد نص وإن جمعه فلا شيء عليه في ذلك ولكن كما ذكرت لا ينبغي ذلك أما النقض فالريق لا ينقض وأما بالنسبة إلى النخامة فإن استطاع الإنسان أن يخرجها وتهاون بذلك فإنها تنقض الصيام وعليه التوبة وعليه الإعادة أما إذا لم يستطع أن يقوم بإخراجها فلا يكلف فوق طاقته وأريد بالاستطاعة أن لا يتمكن الإنسان من ذلك بأن تغلبه النخامة فتدخل في حلقه وإلى جوفه أما إذا كان ذلك من باب الاستحياء أو كان ذلك في الصلاة مثلا أو ما شابه ذلك فذلك مما لا يصح بإمكانه في الصلاة أن يقوم بإخراجها مثلا بورق أو حتى في ثوبه في حالات الضرورة لأنها ناقضة للصلاة وناقضة للصيام أما إذا لم يتمكن رأساً بأن غلبته ولم يستطع أن يخرجها فذلك ضرورة والله تبارك وتعالى أعلم .


      س:
      ماذا على الصائم إذا تقيأ من غير عمد في نهار رمضان ؟


      ج:
      إذا تقيأ من غير أن يتسبب في ذلك ولم يقم بإرجاع شيء من ذلك القيء إلى جوفه فإن صيامه صحيح نعم إذا رجع شيء من ذلك القيء إلى الجوف غلبة أي لم يستطع الإنسان أن يمسكه فإن صيامه أيضاً أما إذا تسبب الإنسان في القيء فإن صيامه باطل وعليه أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى وأن يعيد ذلك اليوم وذلك مثلا إذا أحسَّ الإنسان بغثيان وأخرج ذلك بطريق العمد فإنه يفطر بذلك وعليه أن يتوب إلى الله تعالى وفطره هذا لا يسوغ له أن يستمر على الإفطار بل لابد له أن يمسك اللهم إلا إذا كان ذلك بسبب المرض إذا كان تقيأ بسبب المرض واضطر إلى ذلك فإنه لا بأس بذلك وإذا شاء أن يمكث بعد ذلك على إفطاره بسبب مرضه فذلك أيضاً لا بأس لأنه أفطر بسبب المرض ولكن عليه بعد ذلك أن يعيد ذلك اليوم كما قلت . والله تبارك وتعالى أعلم .


      س:
      البخاخ الذي يُستخدم لِضيق النَّفَس؟


      ج:
      البخاخ اختلَفت فيه كلمة أهل العلم من المعاصرين، أما المتقدمون فلا كلام لَهم فيه إذ إنه لم يكن موجودا في تلك العصور، أما المعاصرون في وقتنا هذا فقد اختلَفوا في ذلك: منهم مَن ذهب إلى أنه يُفطِّر ومَن استعملَه في نَهار شهر رمضان وهو صائم فإنّ صيامَه يَفسُد بِذلك وعليه أن يُعِيد ذلك الصيام إذا كان يستطيع على الإعادة أما إذا كان لا يستطيع فإنه يُطعم عن كل يوم مسكينا. ومنهم من ذهب إلى أنه لا يُفطِّر، فلا يضر ذلك من صنعه فصيامه يكون صحيحا بإذن الله على رأي هؤلاء. ومنهم من توسَّط فذهب إلى أنه يواصل صيامه ومع ذلك يُطعم مسكينا، ولا شك بأن هذا أحوط وأسلم لأن الجزم في هذه القضية ليس بالأمر اليسير والقول بأن هذا الشيء يفطِّر أو أنه لا يفطِّر أو أنه حرام أو أنه حلال .. واجب أو مندوب أو ما شابه ذلك .. لابد للإنسان أن يكون لديه دليل يصلح للاستدلال حتى يقول بِمُقْتَضَاه، وهذه القضية من الأمور التي فيها شيء من الاشتباه، فلذلك ذهب من ذهب من أهل العلم إلى التوقف في هذه القضية والقول بالاحتياط فيها، فالسلامة أن يواصل صيامه وأن يطعم مسكينا إذا استعمله، أما إذا كان يستطيع أن يتفاداه لأن الحاجة تختلف تارة يكون مضطرا إليه وتارة لا يكون مضطرا إليه.. تكون به حاجة ولكن يُمكنه أن يتركه لوقت الإفطار فلا شك أنه لا ينبغي له أن يستعمله احتياطا للدِّين وخروجا من خلاف أهل العلم .. نعم إذا كان يَحتاج إليه في أيام قليلة جدا فلا شك أنه إذا أعاد تلك الأيام واحتاط لأمر دينه فهو أولى له وأسلم، وعليه إذا قضى تلك الأيام فإنه لا إطعام عليه كما هو واضح؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.

      س:
      الحبة التي يتناولُها مريض القلب ؟(10).


      ج:
      في الحقيقة هذه تكلم فيها غير واحد ومنهم من يشدِّد في ذلك ومنهم من لا يشدِّد في أمرها، وأرى بأنَّها بِحاجة إلى دراسة فنظرة إلى ميسرة.


      س :
      امرأة بدأت صيام ثلاثة أيام بعد نية نوتها لذلك ولكنها في اليوم الثالث شعرت بشيء يخرج منها وحسبت أنه حيض فتركت الصيام لكنه بعد ذلك اختفى وبعد ثلاثة أيام جاءها مرّة أخرى، هل يعدّ ذلك حيضا؟


      ج:
      لا, ذلك المتقدّم ليس من الحيض، وبما أنه جاء واستمرّت عدّة أيام بعد ذلك جاء الحيض هذا ليس من الحيض وإن كنتُ أودّ من هذه المرأة بأن تصف ذلك الدم الذي جاءها من قبل فإنّ للعلماء خلافا في هذه القضية فلو وصفت ذلك الدم لكان ذلك أولى، أما الذي عليه الأكثر فإنّ ذلك ليس من الحيض في شيء أعني الدّم المتقدّم.


      س:
      هي أفطرت إذن لهذا الشيء، فهل تقضي ذلك اليوم؟


      ج:
      أفطرته .. إذا كان ذلك من رمضان .. نعم عليها القضاء وعليها أن تتوب إلى الله-تبارك وتعالى-إن أكلت بعد أن توقّف ولكن الظاهر أنها أفطرت وهي تظن أنّ ذلك حيض وبما أنها فعلت ذلك فلا شيء عليها بمشيئة الله-تبارك وتعالى-ولكن-كما قلتُ-كنتُ أودّ منها وينبغي إن أمكنها أن تتّصل ولو في غير هذه الجلسة حتى تصف ذلك الدم.


      س:
      هي حددت أنّ صيامها لم يكن في رمضان ؟


      ج:
      إذا كان ذلك في غير رمضان ولم يكن نذرا ولا كفارة يمين ولا قضاء لرمضان فلا شيء عليها، لأنّ من دخل في صوم نفل فالصحيح أنه لا يجب عليه قضاؤه ولو أفطر من دون عذر، فكيف وهي قد أفطرت وتظنّ أنها حائض.


      س:
      كيف نتعامل مع المدرسات اللواتي لا يتحجبن ؟ وخاصة في رمضان.


      ج:
      الله المستعان؛ يجب على الإنسان أن يَجتنب معاصي الله- تبارك وتعالى- في رمضان وفي غير رمضان، فإنّ غضّ البصر مأمور به في رمضان وفي غير رمضان، نعم المعاصي تتضاعف في مثل هذا الشهر الكريم كما أنّ الحسنات تُضاعف فيه، فعلى الإنسان أن يَغضّ بصره سواء كان طالبا أو كان غير طالب وسواء كانت تلك المرأة تدرسه أو لا، فعلى هذا الطالب وغيره أن يَغضّ بصره في هذا الشهر الكريم وفي غيره وألاّ يَنظر إلى مثل هذه المرأة التي ابتُلي بالدراسة معها؛ والله-تبارك وتعالى-المستعان.


      س:
      امرأة تغتسل من الحيض في رمضان الكريم وأذّن عليها أذان الفجر وهي لا تزال تغتسل، كيف يكون صيامها في تلك الحالة .. هل تنوي مباشرة أو ماذا تصنع؟

      ج:
      نعم, تنوي الصوم من ذلك الوقت، وليس لها أن تؤخّر، فهذا التأخير لا يصحّ أبدا، فإن كانت نوت من ذلك الوقت فصيامها صحيح.


      س:
      حتى ولو لم تكمل الغسل؟


      ج:
      إذا كانت قد أخّرت ذلك لعذر فلا شيء عليها، بأن طهرت في ذلك الوقت أو كانت نائمة وتظنّ أنها ستقوم من قبل ثم أخذها النوم ولم تدر إلا قبيل طلوع الفجر، ولكن القضية هي أنّ المؤذّن إذا كان قد أخذ في الأذان والفجر قد طلع وهي لم تنو ففي المسألة مخاطرة شديدة، فينبغي لها أن تقضي ذلك اليوم بل إنّ ذلك يمكن أن يقال بوجوبه .. أي بوجوب القضاء عليها، لأنه قد مضى وقت من طلوع الفجر ولم تكن هي ناوية للصوم، فأرى أنه عليها أن تتوب إلى الله- تعالى- وأن تقضي ذلك اليوم بسبب عدم نيتها؛ والله أعلم.
    • س:
      جدتها كبيرة في السن وتحتاج في تغيير ملابسها إلى أن تستعين ببعض الأشخاص سواء كانوا ذكورا أم إناثا، فهل يؤثر ذلك على صيامهم عندما يبدلون لها ملابسها؟


      ج:
      أما الذكور فليس لهم أن يصنعوا لها ذلك وأما الإناث فنظرا لوجود الضرورة فإنه يجوز لهنّ ذلك في حالة الصيام وفي غير حالة الصيام بشرط ألاّ ينظرن إلى العورة وألاّ يلمسن العورة-أيضا-إلا بوجود حائل، فمع وجود الحائل ومع عدم النظر فإنّ ذلك يجوز لهذه الضرورة؛ والله-تعالى-أعلم.


      س:
      إذا كان الشخص يتوضأ وفي يده دهن وعند المضمضة أحسّ بطعم ذلك الدهن في فمه وهو صائم، هل يؤثر ذلك على صيامه؟


      ج:
      لا يؤثر ذلك على الصيام إذا كان لم يبتلع شيئا من ذلك في جوفه؛ والله أعلم.


      س:
      كثير من النساء يسألن عن استخدام الدهن وما يسمى بـ " الكْريم " أثناء الصيام، فهل يضر صيامهن؟


      ج:
      لا, لا يضر ذلك.


      س:
      شخص توضأ للصلاة وبقي في فمه ريق اختلط بماء الوضوء, ماذا يصنع بذلك الريق ؟ هل له أن يبلعه؟


      ج:
      أما الريق فلا يضر، وأما إذا كان مختلطا بشيء آخر-كالماء أو الدم-فإنه لابد من أن يخرج ذلك حتى لا يبقى شيء من الماء في فمه؛ والله أعلم.


      س:
      ما حكم استخدام العطور النفاثَة بالنسبة للصائم ؟


      ج:
      إذا كان يصل شيء منها إلى الجوف بواسطة الفم أو الأنف فليس له ذلك، أما إذا كان لا يصل شَيْء مِن ذلك فَلَه ذلك، وكذا يقال في البخور أيضا، فإذن ينبغي أن يَحْذَر من أن يصل شيء من ذلك البخور أو من تلك العطور إلى جوفه بواسطة الأنف-كما قلت-أو بواسطة الفم؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


      س:
      شخص استيقظ في نهار رمضان وهو على جنابة، فإذا سارع بالاغتسال هل له أن يكمل الصيام ؟ وإذا لم يغتسل .. أهمل الاغتسال ؟


      ج:
      أما إذا سارع فصيامه صحيح، وأما إذا لم يسارع فعليه أن يتوب إلى ربه وأن يقوم بقضاء ذلك اليوم الذي وقع منه هذا الأمر فيه؛ والله-تعالى-أعلم.


      س:
      مداعبة الرجل لامرأته في نهار رمضان والحديث معها بكلام الحب والعطف وما شابه ذلك، هل يضر ذلك الصيام ؟


      ج:
      ثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أنه كان يقبّل أزواجه وهو صائم، فإذا كان الإنسان لا يخشى على نفسه فلا مانع من ذلك، أما إذا كان يخشى على نفسه من التقبيل أو من مثل هذه الكلمات من أن يتسبّب ذلك في الإنزال أو في الانتصاب الذي يكون سببا في الإنزال أو في الإمذاء على أقل تقدير .. أي بأن تتحرك شهوته إذا داعب أو تكلم بمثل هذه الكلمات فهذه الأمور على الإنسان أن يبتعد عنها.


      حكم الاستياك بالمعجون في نهار رمضان :

      س:
      ما حكم الإستياك بالمعجون المعروف في نهار رمضان ؟ وإذا كان بالفرشاة وحدها فما الحكم ؟


      ج:
      اختلف العلماء في السواك بالأراك للصائم ، فقال قوم بجوازه ، وقال آخرون بالمنع من ذلك ، وقال آخرون باستحبابه ، وفصل آخرون بين اليابس والرطب ، فقالوا بالمنع بالنسبة للرطب ، والجواز لليابس، وفرق آخرون بين النصف الأول من النهار وبين النصف الثاني من النهار ، فقالوا بالجواز في الأول والمنع في الثاني ، والقول الراجح الجواز لأدلة لا أظن هنالك حاجة لذكرها الآن .
      وأما بالنسبة للمعاجين فالأحسن والأولى والأفضل – إن لم نقل بالمنع- الترك ، وذلك لأنها سريعة الذوبان فيخشى على هذا الصائم من ألا يتمكن من أن يحفظ من دخوله شيء من هذا المعجون إلى داخل جوفه ، وبالتالي في ذلك مخاطرة ، فيجب ترك ذلك أو ينبغي ترك ذلك ، وأما بالنسبة للفرشاة من غير معجون فلا مانع من ذلك ، والله أعلم .


      حكم صوم من لعن أخاه المسلم :

      س:
      ما حكم من لعن أخاه المسلم في نهار رمضان بدون عذر ، هل يبطل صومه ؟ وماذا عليه ؟


      ج:
      إذا لعن المسلم المسلم سواء في شهر رمضان أو في غير فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب والعياذ بالله ، وذلك لأن المؤمن ليس بلعّان ولا شتّام كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز لأحد أن يشتم أو يلعن أو يحتقر أخاه المسلم بنص الكتاب وبنص السنة الصحيحة وبإجماع الأمة المحمدية ، لكن إذا كان في الصوم فإن الأمر يشتد ويمكن أن يقال بأن صومه منهدم ، فيجب عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يعيد ذلك اليوم ، والله أعلم .
    • سادسا: أحكام القضاء والكفارة

      س:
      هل أيامُ القضاءِ لَها مِن الثوابِ ما لِشهرِ رمضان ؟ فالمرأة-مثلا-التي تَعترِضُها دورتُهَا الشهرية في رمضان ثُم تَقضِي هذه الأيام .. مِن حيثُ الفضل والأجر والثواب، هل حكمُها كحكمِ رمضان ؟


      ج:
      على كل حال؛ نَحن نَعْلَمُ أنَّ الصيام في شهرِ رمضان تارةً يَجِب على الإنسان وتارةً يَحْرُم عليه وتارةً يَجُوز له الصيام ويَجُوز له الإفطار وتارةً يَكون الأفضل هذا وتارة يَكون ذاك.
      أما الواجِب فإنَّه على مَن كان في وطنِه وليس له عذرٌ شرعي يُسَوِّغ له الإفطار فهذا يَحْرُمُ في حقِّه تركُ الصيام ويَحْرُم في حقِّه الإفطار كما هو واضِح، وإذا أفطر-والعياذ بالله تبارك وتعالى-في حَضرِه مِن غير عذرٍ شرعي فإنه يَجِب عليه:
      أن يَتوب إلى ربه وأن يرجع إليه قبل فوات الأوان.
      وأن يَقْضِيَ تلك الأيام التي أفطرها.
      وإن كان أفطر بِالوطء فإنَّ عليه أن يكفِّر كفارة مغلظة وهي:
      أن يَعْتِقَ رقبة مؤمنة ولابد مِنْ شرط الإيـمَان على الصحيح الراجح عندنا.
      وإن لَم يستطع .. أي لَم يَجد رقبة يَقوم بِعِتْقِهَا فإنه يَجِب عليه أن يَصوم شهرين متتابعَيْن.
      فإن لَم يستطع فعليه أن يُطعم ستين مسكينا على الترتيب-على الصحيح-لا على التخيِير، لأنّ هذا هو الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم .والرواية التي جاءتْ بِالتخيير فإنَّها مِن باب الرواية بالمعنى، بينما الروايةُ الأخرى هي الواضِحة التي ينبغي الاعتمادُ عليها بل ولا يَصِحّ العدول عنها، ولا أُرِيدُ بِقولِي: " لا يَصِحّ العدول عنها " أنه لا يُوجَد في ذلك الخلاف أو أنَّنَا نَجْعَل المسألةَ مِن بابِ مسائلِ الدِّين .. كلاّ، المسألة مِن مسائلِ الرأي والخلافُ فيها موجودٌ مِن عصرٍ بعيد، ولكنَّنِي أُرِيدُ بِذلك الراجِح الذي ثبتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم .
      أما إذا كان الإفطارُ بِغيرِ الوطءِ فلِلعلماءِ خلافٌ في وجوبِ الكفارة أما البَدَل والتوبة فلابُدَّ مِنهما:
      1-قيل بوجوب الكفارة عليه، لانتهاك حُرْمَةِ هذا الشهرِ المبارك.
      2-وقيل بعدم وجوب الكفارة عليه.
      والقولُ الأوّل لا شَكَّ أنَّه قولٌ قوي وهو أحوط وأسلم.
      والحالة التي يَحْرُمُ فيها الصيام على المرأةِ: في حالةِ النِّفَاس وفي حالة الحيض، فيَحْرُمُ عليهما الصيام ويَجِب عليهما القضاءُ بِإجماعِ الأمّة وبِنَصِّ السنّة الصحيحةِ الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يَجُوزُ لِلحائضِ أن تَصُوم وكذلك بالنسبةِ إلى النفساء وكذلك لا يَجُوز لَهما الإتيانُ بِالصلاةِ ولكن الفرقُ أنَّهُما لا تُؤْمَرَانِ بِقضاءِ الصلاةِ بِخِلاف الصوم كما ثبتَ ذلك في السنّة عن النبي صلى الله عليه وسلم بل وليس لَهما أن يَقُومَا بِقَضَاءِ الصلاة، وذلك مِنَ الممنوعات، لأنَّ ذلك مُخَالِف لِهَدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم .
      أما الذي يَجُوز له الإفطار فالمريض والمسافر و-كذلك-الشيخ الكبير والمرأة العجوز و-كذلك-المرأة الحامل والمرأة المُرْضِع إذا خافتا على نَفْسَيْهِمَا أو على ولدَيْهِمَا أو على الكُل، فَفِي هذه الحالات يَجوز الإفطار بل قد يَجِب في بعضِ الحالات، فالمريض إذا اشْتَدَّ به المرض وخاف على نَفْسِه فليس له هَاهُنَا الصيام بل عليه أن يُفْطِر، وهكذا المسافر إذا شَقَّ عليه ذلك وخاف مِن الهلاك أو مِمَّا يُقَرِّبُه مِن الهلاك فكذلك ليس له أن يَصُوم، وهكذا بالنسبة إلى البَقِيَّة الباقية التي ذكرناها سابقا، ولِلعلماء في ذلك تفصيلاتٌ لا داعي لِذِكْرِها الآن.
      أما بِالنسبةِ إلى القضاء فكما قلنا بعضُ الناس يَجِبُ عليهم القضاء، فالمسافر والمريض الذي يُمْكِنُهُ القضاءُ وهكذا بالنسبة إلى الحامل والمرضع على الصحيح الراجح فيهما .. أعني في الحامل والمرضع .. هؤلاء يَجِب عليهم القضاء.
      ولا شك بِأنَّ لِرمضان مَزِيَّة عظيمة ولكن-أيضا-بِمشيئة الله-تبارك وتعالى-في حالةِ القضاءِ يَنَالُون الفَضْل العظيم، لأنَّهم أفطروا في رمضان إِمَّا بسبب يُوجِب عليهم ذلك أو بسبب يُبِيحُ لَهم ذلك، ولا يُمكن أَنْ نقول: " إنَّ صيامهم أقَل مِن صيام شهر رمضان " وإن كنتُ لا أُحِب الخوضَ في مثلِ هذه القضايا .. الذي نُرِيد أن نُثْبِتَه بِأنَّ هؤلاء مشروعٌ لَهم الإفطار إمَّا على طريقِ الإيـجاب أو على طريقِ النَّدْب ويَجب عليهم القضاء فلا داعي لِتطويلِ هذه المسألة بِأنَّ هذا أفضل أو ليس بِأفضل .. نعم هل الأفضل لِلمسافِر
      1- أن يُفْطِر
      2- أو الأفضل له أن يَصوم في شهر رمضان ؟ هذا فيه خلافٌ كبير بيْن أهل العلم ..
      3- أو الأفْضَل الأيسر في حَقِّه ؟ ولا شَكَّ بِأنَّ هذا الرأي رَأْيٌ وَجِيه، فإن كان الأيْسَر في حقِّه الصيام فلا شَكَّ أنَّ الأوْلى له الصيام وإن كان الأيْسَر في حقِّه الفِطْر وقد يَحْصُل على مَشَقَّة .. وطبعا ليست بِالـمَشَقَّة البَسِيطَة أو السَّهْلَة أو ما شابه ذلك، إذ لابد مِن مِثْلِ هذه الـمَشَقَّةِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ مشقّةٍ كبيرة فالأفضل له الصيام مِنْ نواحٍ مُتَعَدِّدَة؛ والله ولي التوفيق.


      س:
      قد يَكون أَفطرَ في أوَّل رمضان أو في وسطه أو في آخِره، فهل في القضاء يَلْزمُه أن يَصومَ ما أَفطرَه مُتَفَرِّقا أن يَصومَه مُتتابِعا ؟


      ج:
      مسألةُ تَتَابُعِ القضاءِ مُختلَفٌ فيها بيْن أهلِ العلم منذ زمنٍ بعيد:
      مِن العلماء مَن ذهب إلى وجوبِ التَّتَابعِ في القضاءِ إلا مَنْ شَقَّ عليه ولَم يَسْتَطِع على ذلك.
      وبعضُ العلماء ذهب إلى أنه يَجُوز في القضاء الفَصْل .. يَجُوز لِلإنسان أن يصومَ يوما وأن يُفطِرَ يوما وهكذا .. المهم أن يُكْمِلَ العِدَّة التي عليه ولا ينظر إلى التتابع وإلى عدمه، فإذا كان إنسانٌ قد أَفطَرَ ستّة أيام أو سبعة أيام المهم أن يَقضِي تلك الأيام سواء أتى بِها متتابِعة أو أنه أتى بِبعضِها ثُم أَفطَر ثُم أتى بِالبقيةِ الباقية وهكذا .. الحاصل المهم أن يُحْصِي العِدَّة.
      وقد اسْتَدَلَّ كلّ فريقٍ بِأدِلّة، وليس هنالك دليلٌ واضِح في هذه القضية، إذ إنَّ كلّ ما اسْتَدَل بِه مَنْ قال بِوجوبِ التَّتَابع وبعدم وجوبِ ذلك مِن الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يَثْبُتُ عنه صلوات الله وسلامه عليه على التحقيق، وبيان ذلك يَتَّسِع بِه المقال.
      واستدَلَّ القائلون بِالتَّتَابع-أيضا-بِقراءةٍ شَاذَّةٍ تُنْسَبُ إلى السيدةِ عائشة-رضي الله تعالى عنها-وقد نُسِبَتْ إلى غيرِها، ولكن الاحتِكام بِالقراءاتِ الشاذَّة لَنَا فيه نَظَرٌ لا دَاعِي لِذِكْرِه الآن، ثم إنَّ تلك القراءةَ على تَقْدِيرِهَا قد نُسخَتْ وما دامتْ منسوخة فإنّ الأصلَ أنَّ الحكمَ يُنْسَخُ بِِنَسْخِ اللَّفْظ إلا إذا دَلَّ دليلٌ على بقاءِ الحكم بعدَ نَسْخِ الأصلِ، وليس لدينا ذلك الدليلُ في هذه القضية.
      وقَاسُوا ذلك-أيضا-على صيامِ شهرِ رمضان المبارَك فإنَّه مُتَتَابِع، وهذا القياس فيه ما فيه كما لا يَخْفى، ذلك أنّ رمضان يَجِب التتابُع فيه لا لأجْلِ وجوبِ التتابُع نفسِه ولكن لأنَّ رمضان يَجِب صيامُه مِنْ أوَّلِه إلى آخِرِه إلا لِعذرٍ شرعي كما هو معلوم .. ذلك لأمرٍ آخَر وليس لأجْلِ التَّتَابع ذَاتِه، فإذن هذا القياس فيه ما فيه.
      و-على كل حال-لاشَكَّ أنَّ الإنسان الأوْلى لَه أن يُخْرِج نفسَه مِن الخلافِ في هذه القضية، ولكن لو جاءنا شخصٌ وقال بِأنَّه قَضَى ما عليه مِنْ شهرِ رمضان ولكنَّه لَم يُتَابِع بَيْن القضاء سَوَاء أَفطَرَ بعضَ الأيام في أوَّلِ الشهر والبعض الآخَر في وَسَطِه أو في نِهايتِه أو ما شابه ذلك أو أنه أَفْطَرَهَا في وَقْتٍ واحِد فإننا نقول له: " على الصحيح عندنا إنَّ صيامَك صحيح " ولكن الخروج مِن الخلاف-كما قلتُ-في هذه المسألةِ حسنٌ جِدا، ثم إنَّ في ذلك مُبَادَرَة لِفِعْلِ الخيْر، والإنسان لا يَدرِي متى يَأتِيه الموت، فما مِن لَحظةٍ مِنْ لحظاتِ حياتِه إلا ويُمْكِن أن يُفَاجِئَه الموت، فإذا بادَرَ بِالإتيانِ بِهذه الأيام فإنَّه قد أدَّى ما عليهِ بِحمدِ الله-تبارك وتعالى-وإن كنّا لا نستطِيع أن نُضَيِّق عليه، لأنَّنَا لو قلنا بِوجوبِ الفورية لَقلنا: " إنّ الإنسان يَجِب عليه أن يَصوم في اليوم الثاني مِن شهرِ شوال وأن يَقْضِيَ ما عليه إلا إذا كان هنالك عذرٌ يَمْنَعُهُ مِن الصيام أو يُبِيحُ له-على أقلِّ تقدير-الإفطار ".
      فإذن خلاصةُ ما في المسألةِ: العلماءُ اختلَفوا في هذه المسألةِ على ثلاثةِ أقوال:

      1-منهم مَن قال: يَجب التتابع وهو شرطٌ في ذلك، فمَن كانت عليه-مثلا-خمسةُ أيام وصام يوميْن ثُمَّ أَفطَر لِغيْرِ عذرٍ شرعي يُبِيحُ له ذلك فإنَّه يُطالَبُ بِإعادةِ الخمسةِ الأيَّام معًا.

      2-ومنهم مَن قال: هو واجب ولكنه ليس بِشرْط، فإذا أَفطَر يَكون آثِما ولكن صيامُه الماضي صحيح، فعليه في هذا المثال أن يَأتِي بِالثلاثة الباقية وليس عليه أن يُعِيدَ اليوميْن الماضييْن ولكنه آثِم يَجِب عليه أن يَتوب إلى الله.

      3-وبعضُ العلماء ذهب إلى أنه لا يُحْكَم بِإثْمِه وليس عليه أن يُعِيدَ ما مضى مِن الأيام بل عليه أن يَأتِي بِالبقيةِ الباقية ولكنه مع ذلك يَسْتَحْسِنُون له أن يُتابِع بيْن الأيام خُرُوجا مِن عُهْدَةِ الخلاف و-أيضا-لأنّ في ذلك مبادَرة إلى الخيْر ومسارَعة إليه وفي ذلك مِنَ الفضْل ما لا يَخْفَى.
      فنحن نَحُثُّ الناس على التَّتَابُع خروجا مِن عهدةِ الخلاف ومع ذلك لا نَقْوَى على القولِ بِإبْطَالِ صِيَامِهِم الماضي أن لَوْ قَضَوا على سبيلِ التفريق لأننا لا نَمْلِكُ الدليلَ الذي يَدُلّ على وجوبِ التَّتَابُع في ذلك، ثُم إنّ هذا في مَن كان قادِرا أما مَن كان لا يَقْدِر على ذلك أو يَشُقُّ عليه فلا بأس عليه بِمشيئة الله ولا حرج، والله-تبارك وتعالى-أعلم.


      س:
      والدتُه صامتْ خمسة عشر يوما فقط ثُم مرضتْ فأفطرتْ يوميْن معهم في المنْزِل ثُم نُقِلَتْ إلى العِنَايَة وبقيتْ على إفطارِها حتى اليوم التاسع والعشرين توفيتْ ظهرا، ما هي الأيام التي يَلْزَمُ قَضَاؤُهَا عَنْها ؟


      ج:
      لا شيءَ عليها ولا عليهم بِمشيئة الله تبارك وتعالى.


      س:
      رجل أجرى عملية قلب ولا يستطيع الصيام الآن ولكن ينتظر الشفاء ؟


      ج:
      أوّلا:
      نتمنى له الشفاء العاجل ... الله-تبارك وتعالى-له ذلك ولغيره مِن عبادِ الله-تبارك وتعالى-المسلمين .

      وثانيا:
      نعم له أن يفطر ويقضي بعد ذلك ما دام يستطيع القضاء وليس له أن يكتفي بالإطعام .. بل لا إطعام عليه فالآن يفطر ولا بأس عليه والحمد لله-تبارك وتعالى-وبعد ذلك عندما يرى من نفسه أنَّه يستطيع أن يقوم بقضاء تلك الأيام فليقْضِهَا؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.

    • س:
      مَن كانت عليه أيام قضاء أو كان عليه يوم واحد، هل له أن يصوم يوم الثلاثين مِن شعبان ؟


      ج:
      حقيقة .. ينبغي لِلإنسان أن يبادر إلى الخير وأن يسارع إليه ومن العجب أن يترك العبد القضاء لمدة طويلة من الزمن إلى أن يصل إلى اليوم الثلاثين من شهر شعبان ولا يدري هل سيكون حقا ذلك اليوم هو هذا أو أن هذا اليوم سيكون من شهر رمضان فيأتي يسأل الواحد في اليوم التاسع والعشرين-مثلا-هل أصوم غدا .. أي أفطرت يوما هل أصوم غدا أو لا ؟! طيب إذا كان اليوم الآتي من شهر رمضان فماذا عسى أن تصنع ؟! نعم إذا كان قد نسي ذلك ولم يتذكر إلا في ذلك اليوم أو في تلك الليلة فالأمر يَختلف أما أن يتعمد أن يترك ذلك حتى ذلك الوقت فهذا لا ينبغي لِمن يَخاف الله تبارك وتعالى، أما الصيام في هذا اليوم بنية القضاء فلا مانع منه إذ إن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-إنما نهى عن التطوع المطلق أو مَخافة أن يريد الذي يصوم في ذلك اليوم أن يَحتاط بزعمه لشهر رمضان أو ما شابه ذلك فَنُهِي عن الصيام في ذلك الوقت ..نَهى الرسول-صلى الله عليه وسلم-عن تقدم شهر رمضان بيوم أو يومين، أمَّا من كان يصوم قضاء أو كان يصوم كفارة مغلظة أو مُرسلة أو كان يصوم نذرا أو كان قد تَعَوَّد أن يصوم في يوم من الأيام كيوم الخميس أو يوم الإثنين أو ما شابه ذلك وصادف ذلك اليوم يوم الثلاثين أو يوم الشك فصامه بنية صيام القضاء أو بنية صيام الكفارة أو النذر أو بنية صيام يوم مسنون قد اعتاد على صيامه فلا مانع من ذلك كما ثبت ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّما ننهى-كما قلت-عن المخاطرة بِحيث إن الإنسان لا يدري هل سيدخل شهر رمضان أو لا يدخل في ذلك اليوم فإن دخل شهر رمضان فإنه لن يتمكَّن من الإتيان بصوم البَدَل وإن لَم يدخل ففي هذه الحالة سيصوم اليوم الذي لَم يأت به من قبل. وكذلك أريد أن أنبه إلى أن من يريد أن يصوم كفارة مغلظة .. مثلابسبب قتله لِمؤمن خطأ أو بسبب ظهار أو بسبب انتهاك لِحرمة صوم شهر رمضان المباركفإنه ينبغي له إذا أراد أن يصوم في شهر شوال وذي القعدة ينبغي له أن يصوم بعد عيدرمضان مباشرة .. في اليوم الثاني أو الثالث أو الرابع أو ما شابه ذلك من شهر شوالمَخافة أن يأتي العيد-أعنِي عيد الحج-ولَم يَتَمَكَّن هو من إتْمام صيام الكفارة،فمثلا إذا شرع في الصيام في اليوم العاشر أو الحادي عشر أو الثاني عشر أو بعد ذلكوقد يَحدث حتى لو شرع في صيام التاسع من شهر شوال لأنَّه في هذه الحالة قد يُخاطر .. لا يدري هل سيكون شهر شوال ثلاثين يوما أو لا فينبغي أن يصوم قبل ذلك لأنه إذاأتى العيد ولَم يُكمل الشهرين فماذا عسى أن يصنع ؟ صيام يوم العيد لا يَجوز بِحالمن الأحوال، فمعنى ذلك أنَّه سيفطر ولابد فهل بعد ذلك سيقضي الشهرين معا وقد يكونصام شهرا وخمسة وعشرين يوما أو أنه سيواصل ؟ من المعروف أن لأهل العلم في ذلكاختلافا، والقول الذي ذهبت إليه طائفة من المحققين وهو الصحيح أنَّه ينهدم صومهلأنه خاطر بنفسه متعمدا وليس كالمريض الذي اضطر للإفطار ولا حول له ولا قوة علىإتْمام الصيام فذلك يُرخص له في الإفطار وبعد ذلك يواصل بعد أن يَمن الله-تباركوتعالى-عليه بالشفاء أما هذا قد خاطر هو نفسه بذلك وعليه أن يعيد الصيام من أوله،فينبغي الانتباه لذلك لأن كثيرا من الناس يأتون في أيام العشر من ذي الحجة يسألون " ماذا نصنع في اليوم العاشر ؟ " بل و " ماذا نصنع في الحادي عشر والثاني عشر والثالثعشر ؟ " والجواب بأن من صنع ذلك عليه أن يأتي بالصيام من أوله لأن صيامه قدانْهَدَم هذا هو الرأي الذي عليه غير واحد من المحققين وهو الصحيح عندي؛والله-تبارك وتعالى-أعلم.


      س:
      امرأة كانت مريضة في شهر رمضان الكريم بالشلل النصفي وتركت من صيامه ستة عشر يوما وبعد مرور سنين تقول هي أنها لم تقض تلك الأيام ويقول أبناؤها بأنها قضت تلك الأيام فصارت في خلاف مع أبنائها هم يقولون بأنك قد قضيت وهي تقول بأنني لم أقض .. متشككة، فماذا تصنع في هذه الحالة؟


      ج:
      الأصل أنّ الإنسان مخاطَب بنفسه فإذا كان يَذْكُر أنه لم يصم فإنه لابد من أن يصوم ذلك إذا كان يتمكن من الصيام أو يفتدي إذا كان يتمكن من الفدية، فإذا كانت هذه المرأة متيقّنة بأنها لم تصم تلك الأيام فلابد من القضاء إذا كانت تتمكن من القضاء أو لابد من الإطعام إذا كانت تتمكن من الإطعام، وأولئك الأولاد يمكن أنهم رأوها صائمة وهي قد صامت نفلا أو ما شابه ذلك فإن كانت هي متيقّنة من نفسها فلابد من ذلك .. نعم إذا كانت ذاكرتها ضعيفة والأولاد متيقّنون بأنها قد صامت الفريضة بأن كانت أخبرتهم لا أنهم شاهدوها صائمة أو أنها أخبرتهم بأنها صائمة أو ما شابه ذلك .. أقول: إن كانت ذاكرتها ضعيفة والأولاد متيقّنون من ذلك بأنها صامت القضاء لا أنها كانت مجرد صائمة فإنّ ذلك يجزيها بمشيئة الله، فالعبرة من تيقّنها وذاكرتها؛ والله أعلم.


      س:
      إذا كان المسلم لا يستطيع الصوم بسبب مرض ولا يستطيع القضاء في وقت لاحق، فهل عليه الكفارة عن كل يوم ؟ وما حكم إخراج هذه الكفارة، هل تخرج يوميا أم يجزيه أن يخرجها في بداية الشهر دفعة واحدة بشراء مؤونة رمضان لأسرة فقيرة أو عدد من الأسر ؟


      ج:
      من لم يستطع الصيام ولم يستطع القضاء أو كان في ظنه أنه لا يستطيع أن يقوم بالقضاء بعدُ بأن كان مريضا مرضا لا يرجو الشفاء منه بحسب الظاهر فإنّ عليه أن يُطعِم عن كل يوم مسكينا، والأصل أنّ الإنسان يطعم لذلك اليوم .. أي يطعم عن كل يوم أو أنه يؤخر حتى ينتهي الشهر، والأفضل أن يُقدِّم فيطعم عن اليوم الفلاني ولكن قد تكون هنالك مشقة بأن يطعم عن كل يوم يوم أي أن يقوم بالإطعام عن اليوم الأول فيه والثاني وهكذا، فبإمكانه أن يطعم عن كل عشرة أيام في وقت واحد أو عن الشهر في وقت واحد، ولكنّ الإنسان لا يدري إلى متى يبقى في هذه الحياة والأصل أنه بعد موته لا يُكلَّف بشيء فهو لا يدري هل سيبلغ إلى نهاية رمضان ويجب عليه في ذلك الحال أن يطعم عن الشهر كله أو لا، ثم إنّ الأصل في الوجوب أن يكون بعد كل يوم، لا أن يطعم الإنسان في بداية الشهر، لأنّ اليوم الثاني لم يجب عليه بعد، وإنما وجب عليه الإطعام عن اليوم الأول وهكذا، فإذا أخرج قبل اليوم الثاني مثلا فإنه يكون قد أخرج قبل وجوب الإطعام عن ذلك اليوم عليه، فالأصل أنه يؤخر، إما أن يطعم عن كل يوم أو عن كل عشرة أو خمسة أو أن يطعم في نهاية الشهر ولكن لابد من أن يَذكر ذلك في وصيته إذا كان لم يطعم عن الأيام الماضية، مخافة أن يَفجأه الموت ويظن الناس أنه قد أطعم، فإذا وجدوا ذلك في وصيته فإنهم سيعلمون بأنه لم يطعم عن الأيام الماضية وسينفذون عنه ذلك بمشيئة الله؛ والله أعلم.


      س:
      امرأة لَم تقض ما أفطرت من رمضان الماضي حتى دخل رمضان الحاضر، ماذا يلزمها ؟ (11).


      ج:
      على كل حال من لَم يقض شيئا من شهر رمضان المبارك سواء كان الشهر كله أو لَم يقْضِ بعض الأيام التي أفطرها بسبب يبيح له ذلك كالمرض أو السفر أو كانت المرأة حاملا ويشُق عليها الصيام أو كانت مرضعة ويشق عليها الصيام .. كانت ترضع طفلها-مثلا-ويشُق عليها ذلك أو يؤَثِّر على طفلها أو أن ذلك وقع-والعياذ بالله تبارك وتعالى- بسبب انتهاك لِحرمة هذا الشهر عليه أن يقضي إذا استطاع قبل أن يدخل شهر رمضان من السَّنة التي تلي تلك السنة التي أفطر فيها، وإذا لَم يقض فلا يَخلو من أحد أمرين اثنَيْن:
      1ـ إما أن يكون معذورا بأن كان مريضا أوما شابه ذلك مِنَ الأعذار التي تُبِيح لَه أن يؤخِّر ذلك.
      2 ـ أو يكون مُنْتَهِكا. فإن كان معذورا بأن كان مريضا أو نسي ذلك أو ما شابه ذلك فلا عليه إلا القضاء عندما يستطيع عليه، أمَّا إذا كان منتهكا فإنه عليه أن يتوب إلى الله- تبارك وتعالى- وعليه القضاء واختلفوا في وجوب الكفارة: منهم من قال عليه أن يكفِّر وذلك بأن يطعم مسكينا زيادة على القضاء .. بعض الناس يظنون أنه يكتفي بالإطعام وليس الأمر كذلك .. لابد من القضاء وإنَّما الخلاف في الإطعام. وبعض العلماء قال لا إطعام عليه. ومن حيث التَّرجيح الراجح عدم وجوب الإطعام مع القضاء وأن القضاء يُجزي مع التوبة إلى الله تبارك وتعالى، ولا شك أن الاحتياط في الإطعام لأن من أطعم فقد احتاط وخرج من خلاف أهل العلم ولكن من لَم يُطعم لا شيء عليه فالصيام مع التوبة يُجزيه .. هذا إذا كان لَم ينتهك الصيام، أما إذا أفطر متعمدا من غير عذر فتجب عليه الكفارة مع القضاء كما هو مبسوط في موضعه. هذا وأما بالنسبة إلى الصلوات إذا ترك إنسان صلوات كثيرة جدا-مثلا-ولم يقضها فالحديث الذي رُوي عن الرسول-صلى الله عليه وسلم-بأنه يقضي تلك الصلوات في آخر جمعة من شهر رمضان فهو حديث باطل موضوع عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن قرأ لفظه-وسنتكلم عليه في مناسبة قادمة بمشيئة الله عندما يكون الوقت قريبا مِن ذلك اليوم-فإنه ينادي عليه بالوضع مهما كان هذا الشخص جاهلا بأحكام شرع الله-تبارك وتعالى-وإنما الناس يسألون عنه لأنَّهم وجدوا جزءا منه في بعض الكتب ولكنهم لو وجدوه بتمامه لعرفوا أنه موضوع حقا(12) ؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.


      س:
      شخص عمل كبيرةً في نَهارِ رمضان وهو في خارِج الوطن .. في سفرِه، هل تَجِب عليه الكفارة كالذي في داخِل وطنِه ؟


      ج:
      هل هو كان صائِما في ذلك الوقت ؟


      س:
      يبدو هذا مِن سؤالِه.


      ج:
      لا أدري ماذا يُرِيد بِالكبيرة .. إن كانتْ هذه الكبيرة-مثلا-قد زَنَى-والعياذ بالله تبارك وتعالى-أو أنه-أيضا-وَطِئَ زَوْجَتَه في نَهَارِ رَمَضان فالوَطْءُ وإن كان جائِزا حلالا إذا وَطِئَ الإنسان زَوْجَه أو سُرِّيَّتَهُ ولكن في وقتِ الصيام .. إذا كانا صائمَيْنِ فَذَلِك مِنَ كَبَائِر الذنوب أو أَكَلَ أو شَربَ كذلك، أما بِالنسبةِ إلى غيرِ ذلك مِن الكبائِر التي قد يَقَع فيها الإنسان-نَسألُ الله السلامةَ مِن ذلك-مثلا الغيبة والنميمة والكذب وما شابه ذلك فهذه-على الصحيح عندنا-لا تَجِب فيها الكفارة، وإنما تَجِبُ الكفارة في الوَطْءِ، و-كذلك-تَجب الكفارة في الاستمناءِ على رأيِ الأكثريةِ الكاثرة مِن أهلِ العلم، وكذلك تَجب-على رأيِ كثيرٍ مِن أهل العلم-في الأكلِ والشربِ .. هذا بِالنسبة إلى مَنْ كان في وطنه، أما بِالنسبةِ إلى المسافِر فلِلعلماءِ خلافٌ هل تَجِب عليهِ الكفارةُ أو لا تَجِب عليه الكفارةُ إذا عَمل ما يَتَنَافَى مع الصيامِ مِما تَجِب فيه الكفارةُ أن لو كان في وطنه ؟
      قيل: لا تَجِب عليه الكفارةُ، نظرا إلى أنه يَجوز له في الأصلِ أن يُفطِر.
      وقيل: تَجِب عليه الكفارةُ، لأنه قد التزَمَ بِالصيامِ وما دام قد اختارَ أن يُصبِحَ صائما فعليهِ أن يَلتزِم بِما التزَمَ بِه.
      و-على كل حال-أنا لا أقوى على القولِ بِإيـجَابِ الكفارة ولكنَّنِي أقولُ: عليه أن يَتوبَ إلى اللهِ-تبارك وتعالى-اللهم إلا إذا كان نَوَى الإفطارَ بِذلك فالمسافِر له أن يُفْطِر بِذلك اللهم إلا إذا كانتْ تلك الزوجة مُوَاطِنَة في ذلك المكان فليس له أن يَطَأَهَا لأنها مِمَّن يَجب(13) عليه الصيام أما إذا كانتْ مسافِرة مثله أو كانت مُفْطِرَة بِمُفْطِرٍ مُسَوِّغٍ لَها الإفطار فلا بأسَ بِذلك والحاصل هو لا كفارةَ عليهِ على الرأيِ الراجِحِ عندِي؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.
    • سابعا : أحكام السفر بالنسبة للصيام :


      س:
      مَن أراد أن يسافر وأراد أن يصبح مفطرا في هذا السفر، هل يلزم أن يَخرج من وطنه قبل أن يطلع عليه الفجر في وطنه؟


      ج:
      هذه المسألة فيها كلام طويل، أما مِن بيته فلابد وإنَّما الخروج من حدود الوطن أو مِن أميال الوطن ففيه خلاف بين أهل العلم، ولا شك أن الأحوط والأسلم للإنسان أَنْ يُخْرِج نفسه مِن دائرة خلاف أهل العلم ولاسيما عندما يكون الدَّلِيل في ذلك مِن الأمور المختلف فيها بين أهل العلم هل هو صحيح أو سقيم أو عندما تكون الدلالة قد اختلف العلماء فيها هل يصِح الاعتماد عليها أو لا ؟، فهذه المسالة فيها خلاف بين أهل العلم:
      منهم من يقول إنه لابد من أن يَخرج من أميال الوطن. ومنهم من يُرَخِّصُ إذا خرج من عمران البلد. فإذا أخذ بالثاني فلا حرج عليه-بِمشيئة الله تبارك وتعالى-على رأي طائفة كبيرة جدا من أهل العلم ولكن إذا احتاط فلا شك أنَّ فيه سلامة.


      س:
      ولكن إذا كان سفره في منتصف النهار .. إذا خرج ماذا يصنع خارج الوطن إلى منتصف النهار مِن قبل زوال الشمس؟


      ج:
      ما دام كذلك هذا يصوم في هذا اليوم .. هل يُمكن أن يصبح مفطرا في بيته ؟! .. هذا مِما لا يَسُوغ، لكن إذا اضطر بعد ذلك للإفطار عندما يَخرج فالأمر يَختلف: بعض العلماء يقول من أصبح صائما في بيته فليس له أن يفطر بعد ذلك في السفر اللهم إلا إذا شَقَّ عليه جدا بأن أصبح كالمريض فهنالك يُفْطِر لِعِلَّة أخرى .. إذا بَلَغ به الحال إلى هذا الحال أما إذا لَم يبلغ به الأمر إلى ذلك الحد فليس له أن يفطر بسبب السفر. ومنهم من يُرَخِّص في ذلك. ولا شك أن الاحتياط في الأخذ بالقول الأول وإن كُنَّا لا نقوى على الجزم بترجيح ذلك.


      س:
      نحن طلبة نقيم خارج السلطنة وسوف يطل علينا شهر رمضان المبارك ونحن حيث نقيم ونود السؤال فيما لو صام أهل هذا البلد يوم الثلاثاء وتأخر الصوم في عُمان إلى يوم الأربعاء وكان يراودنا شك في أنّ الشهر قد ثبت برؤية شرعية في البلد الذي نقيم فيه علما بأنهم إذا صاموا يوم الثلاثاء فإنّ شعبان عندهم سيكون تسعة وعشرين يوما.


      ج:
      إذا ثبتت الرؤية في تلك البلاد فإنهم يؤمرون بالصيام إن شاؤوا لأنهم هم في حالة السفر والصيام لا يجب على المسافر .. يجوز له الصيام ويجوز له أن يُؤخِّر حتى يَرجع إلى بلده، فإن ثبتت الرؤية في تلك البلاد فإنه لهم أن يصوموا ولهم أن يفطروا بسبب سفرهم، أما إذا كانت تلك البلاد لا تَعتبر الرؤية أو أنها تتساهل في ذلك فإنه لا عبرة بما عندهم، إذ العبرة بالرؤية، كما ثبت ذلك عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، فمن يتساهل في أمر الرؤية لا يؤخذ بكلامه، فإذن العبرة بالثبوت أو عدمه؛ والله أعلم.


      س :
      رجل أراد السفر في شهر رمضان وبيّت النية على أنه إذا طلع عليه الفجر وهو في وطنه يصبح صائما وإن خرج من وطنه قبل طلوع الفجر يصبح مفطرا فخرج من وطنه بعد طلوع الفجر ماذا يلزمه؟


      ج :
      إذا خرج من وطنه وهو صائم وأتم صيامه على ذلك فلا شيء عليه وأما إذا أفطر بعد خروجه فعليه قضاء ذلك اليوم وفي وجوب الكفارة خلاف بين العلماء والراجح عدم الوجوب وألزمه بعضهم التوبة وينبغي له أن يتوب إلى ربه تبارك وتعالى إن لم يكن على طريق الوجوب فعلى طريق الندب والله أعلم
    • ثامنا : أحكام المرض المبيح للإفطار:

      س:
      ما هُوَ ضَابِط المرض الذي يُمْكِن أن يُفْطِر الصائم بسببه ؟(14).


      ج:
      للعلماء في هذه المسألة خلاف شهير طويل عريض: ومنهم من شدَّدَ في ذلك جدا. ومنهم مَن تَسَاهَلَ في ذلك جدا. والوسط هو الذي ينبغي أن يُسلَكَ فإذا كان المريض يَجد في نفسه مَشَقَّة إذا صام ويُصِيبُه بسبَبِ ذلك الضرر أو يَخشى أن يتأخَّر شِفاؤه من مرض أصابه أو ما شابه ذلك فلَه أن يفطر، وأما إذا كان لا يتأثَّر بذلك فليس له أن يفطر، أما التشدُّد والتعنُّت الذي ذَكَرَه بعضهم فهذا مِمَّا لا ينبغي أن يُصار إليه، فإذن ينظر الإنسان في أمره فإن وَجَد مشَقَّة وعَنَتا في الصيام أو أخبره الطبيب الذي يَثِقُ به بسبب مَعْرِفَته لذلك الداء ولو كان كافرا على رأي بعض أهل العلم ويَحْتَجُّون على ذلك بِما وقع للنبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وصاحبه أبي بكر الصديق-رضي الله تبارك وتعالى عنه-عندما خرجا مِن مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في هجرتِهما الشريفة فإن الذي كان دَلِيلا للطريق كان كافرا ولكنه لَم يكن مُتَّهَما على الإسلام، فإذا كان الإنسان لا يَجد مسلما يثق به وَوَجَد كافرا واطمَأَنَّ إليه ولم يَخش منه الغش فله أن يأخذ بكلامه فإذا كان يُمْكِن أن يَطُولَ المرض أو يزيد أو ما شابه ذلك إذا صام فله أن يفطر أيضا؛ والله أعلم.


      س:
      ما قولكم في المريض بمرض فقر الدم الشديد ويحتاج إلى نقل دم شهريا وصادف نقل الدم شهر رمضان، فهل نقل الدم إلى المريض يُفطِّره؟


      ج:
      نعم يُفطِّر، فإذا كان يستطيع أن يبقى إلى الليل ويُنقَل إليه الدم في الليل فذلك هو المطلوب، وإن كان مضطرا ولا يمكن أن يُنقَل إليه الدم إلا في النهار-لسبب أو لآخر-فإن كان في سفر فلا حرج عليه، وإن كان في الوطن فإذا كان مضطرا-كما قلتُ-فإنه يباح له ذلك لأجل الضرورة وعليه أن يُبدِل ذلك بعد شهر رمضان؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.


      س:
      عنده ولد عمره سبعة عشر عاما لكنه مصاب بمرض فقر الدم-شفاه الله-ولعل هذا المرض يحتاج إلى علاج مستمر، كيف يكون صيامه في هذه الحالة؟


      ج:
      الله أعلم؛ إذا كان يستطيع أن يصوم في هذا الوقت أو أن يقوم بقضاء ذلك ولو بعد سنوات فلا يعذر من الصيام، وأما إذا كان لا يمكنه أن يصوم في هذا الوقت ولا أن يقوم بقضاء ذلك بعد مدة ولو بعد سنوات فعليه أن يطعم عن كل يوم مسكينا إذا كان يقدر على ذلك وإلا سقط عنه التكليف بالصيام وبالإطعام؛ والله أعلم.
    • تاسعا :أحكام عامة :


      س:
      الحديث النَّاهِي للمَرأة عن الصيام بدون إِذْن زوجها هل يشمل ما تقْضِيه المرأة من الواجبات؟


      ج:
      هو في حقيقة الواقع هذا في النَّفْل وليس في الفرائض، لكن مع ذلك ينبغي للمرأة أن تسأل زوجها أو أن تُخْبِر زوجها وتستشيره في وقت القضاء فقد يكون الزوج مضطرا إلى عدم صِيام زوجته .. مثلا إذا أرادت أن تقضي في شوال أو ما شابه ذلك، فإذا أمكنها أن تقضي في وقت يصوم فيه زوجها شيئا مِن القضاء أو من النَّفل أو ما شابه ذلك فذلك هو الأولى كما كانت أمهات المؤمنين يَصْنَعْن فقد كن يقضين ما أفطرنه من شهر رمضان في شهر شعبان عندما كان يتَنَفَّل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى أقل حال ينبغي لَها أن تستأذنه في ذلك .. من حيث الوجوب هو واجب وليس لَه أن يعارضها في ذلك وإنَّما القضية في التوقيت متى تقضي فالأمر مُوَسَّع فيه فلتَقْضِ عندما يكون الوقت مناسبا لزوجها، ولا شك أنَّ الزوج يقوم بالتنَفل في بعض الأحيان إذا كان فيه شيء مِنَ الخير ولا يترك العام يَمُر عليه هكذا مِن غير أن يصوم شيئا من الأيام الفاضلة التي كان يصوم فيها النبي-صلى الله عليه وسلم-أو أنَّه حثَّ على صيامها وبيَّن الفضل العظيم الذي يَحصل عليه من يصوم تلك الأيام؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. أما بالنسبة إلى النذر والكفارة أو ما شابه ذلك فليس للزوج أن يَعْتَرض عليها ولكنني أريد أن أنبه إلى أنه لا ينبغي للإنسان أن يقوم بالنذر كُلَّما أراد أن يَحصل له شيء .. هذا النذر مَنْهِي عنه إذا كان يُعَلِّق .. " اللهم إذا حصل لي كذا " أو " وقع لي كذا " مثلا" تَوظَّف " أو " حصل ابني على وظيفة " أو " تزوَّج " أو " شُفِيَ من كذا " هذا النذر لا ينبغي أبدا بل هو مَنْهِي عنه، لكن لو نذره شخص فإنه يَجب عليه فإن كان مُقَيَّدا بوقت فليس للزوج أن يَعْتَرِض أبدا وإن كان غير مقَيَّد فينبغي أن يكون شيء هنالك من التفاهم على الوقت الذي يقع فيه الصيام، ولا شك بأنَّ البيوت التي تُبْنَى على التفاهم في هذه القضية وفي غيرها مِن القضايا تعيش عيشة هَنِيَّة مستقرة بِخلاف ما عندما يكون هنالك تَوَتُّر وشقاق وخلاف في بعض القضايا .. قد تكون الزوجة هي المحقة ولكن قد يتنازل الإنسان في بعض الأمور إن لَم تَكن هنُالك معصية لله-تبارك وتعالى-أمَّا عندما تكون معصية فلا طاعة لِمخلوق في معصية الله؛ والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا مُحمد وعلى آله وصحبه


      س:
      الأطفال الذين يرغبون في الصيام، ما هو سن التكليف الشرعي ؟ ومِن متى يُمكن أو يُعوَّد هؤلاء الأطفال؟


      ج:
      أما التكليف فلا يكلَّفون بذلك إذ إن قَلَمَ التكليف مرفوع عنهم بنص الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فَمَتَى بَلَغَ الإنسان فهو يُكلف في ذلك الوقت إذا كان عاقلا، أما قبل ذلك فهو لا يُكلَّف بشيء مِن الأحكام الشرعية .. هذا إذا قُلْنَا إن التكليف خاص بالواجب أو قلنا هو يدخل فيه المندوب وقلنا إن الصيام لا يُندَب في حقهم، وفي الكل كلام طويل عريض، لكن الذي نقوله: لا وجوب عليهم باتفاق الأمة قاطبة، أما متى ينبغي أن يُعوَّد الطفل على ذلك فقد جاء حديث عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-يُحدِّد الوقت الذي يُعلم فيه الأطفال الصلاة : (علموه لسبع واضربوهم لعشر) وهذا الحديث قد اختلف العلماء في حكمه: منهم من ذهب إلى أنه ضعيف وعليه فإنه لا يُمكن الاعتماد عليه لا في الصلاة ولا في غيرها. ومنهم من حَسَّنَه بِمجموع طرقه وهو الذي سلكته طائفة كبيرة جدا من أهل العلم، وعليه فإن الطفل ينبغي أن يُؤمر بالصلاة لسبع، أما بالنسبة إلى الصيام فإذا كان يستطيع عليه إذا كان في هذا العمر فحسن أن يُعلَّم ذلك فيه أما إذا كان لا يَقوى عليه .. لأن الأطفال يختلفون .. تختلف بُنْيَةُ الطفل منهم من يقوى على الصيام في ذلك الوقت ومنهم لا يقوى عليه وأيضا الزمان يختلف فقد يكون الصيام في وقت الشتاء والأمر فيه يسير وقد يكون في وقت الصيف والحر فيه شديد والنهار أيضا طويل ولا يقوى عليه وأيضا يختلف من حيث المكان فقد تكون سبل الراحة متوفرة لذلك الطفل فلا يُعَانِي مشقة من الصيام وقد يكون الأمر بخلاف ذلك ويُعانِي مشقة وعنتا إذا صام فلا ينبغي أن يُشدَّد على أولئك الأطفال الذين لا يَقْوَوْن عليه، فالحاصل أنَّه ينبغي لولي أمر الطفل أن يَنظر في أمره فإن رآه يستطيع على ذلك من غير مشقة عليه فيأمره بذلك، وإن رأى أنه لا يقوى عليه فإنه لا يُكلفه على ذلك، فإذا كان لا يستطيع في سن السَّبْع-مثلا-فيمكن أن يأمره بَعد ذلك في السَّنة العاشرة أو ما شابه ذلك، والحاصل أنه ينبغي له أن يُدَرِّبه قبل سن البلوغ .. في العاشرة أو ما شابه ذلك حتى يتعوَّد عليه لأنه إذا تعوَّد عليه كان سهلا عليه أن يصوم بعد ذلك أما إذا لَم يصم قبل البلوغ فقد ينفر من ذلك كما هو الحال عند بعض الناس، فإذن هذا الأمر يتعلق بولي الأمر .. ينظر في حال أولئك الأطفال الذين معه فقد يأمر هذا في هذا السن وقد يأمر ذلك في السن الفلاني، وغالبا ما يكون أبناء العشر قادرين على الصيام، على أنه إذا شرع الصبي في الصيام ولَم يستطع أن يُكمل الصيام فلا يُكلف بإكمال صيام الشهر بل ولا يكلف بإكمال ذلك اليوم الذي شرع في صيامه إذا رأى مشقة فليأكل ولا شيء عليه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم
    • عاشرا : أحكام خاصة بليلة القدر :


      س:
      ليلة القَدْر، هل هي مِن غروب الشمس أو أنها ... ؟


      ج:
      على كل حال؛ الله-تبارك وتعالى-يَقول: { سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [ سورة القَدْر، الآية: 5 ] فالأمر واضح بِالنسبة إلى النهاية، ولكن بِالنسبة إلى البداية فيه شيءٌ مِن الغموض ولكن عندما قال: { هِيَ } فيمكن أن تكون مِن بداية الليل، و-على كل حال-ينبغي لِلإنسان أن يَقوم تلك الليلة وأن يُكثِر مِن ذِكْر الله-تبارك وتعالى-ومِن الابتهالِ إليه بِقلبٍ خاشِع مع عملٍ صالح و-طبعا-ذلك لا يُمكِن أن يَتحقّق منه الإنسان إذا قام ليلةً محدَّدة وإنما يَقوم سائرَ الشهر وهي الأغلب أن تكون في العشْر الأواخِر وخاصّةً في الأوتارِ منه أما أن نَجزِم بأنها مِن أولِ الليل ليس عندنا ذلك الدليل الواضح ولكن قوله: { هِيَ } يمكن أن يَكون مِن بداية الليلة و-كما قلتُ-ينبغي لِلإنسان أن يُكثِر مِن ذِكر الله ومِن قيامِ هذه الليلة وهي نَظُنُّ ظنّا قويا-كما جاء في الحديثِ عن النبي صلى الله عليه وسلم -بِأنها في العشرِ الأواخِر وخاصّةً في الأوتارِ منها؛ والله ولي التوفيق.


      س:
      ذكرتُم أنّه تستدرك ليلة القَدْر في أوتار الشهر الكريم، فهل أوتار العشر الأيام الأخيرة أو أوتار الشهر كاملة ؟


      ج:
      أوتار العشْر الأخيرَة.


      س:
      العشْر الأخيرَة فقط ؟


      ج:
      نعم.

      س:
      ليلةُ القَدْر، هل هي ليلة واحدة تَدور حول العالَم وهنا يَظهَر إشكال لديه في مسألةِ أنّ الأوتار تَختلِف .. قد يَكون هذه الليلة وِتر في بلد بينما هي ليست كذلك في بلد آخَر ؟


      ج:
      عل كل حال؛ يُمكِن أن تَتعدَّد بِتعدُّد البلدان وفضلُ الله عظيم .. نَحن نَعلَم أنّ القرآن نَزَل في ليلةِ القَدْر وتلك ليلةٌ واحِدَة وليستْ بِليالي متعدِّدة .. هي ليلةٌ واحِدَة ولكن نظرا لاختلافِ اليومِ أو الليلةِ مِن بلادٍ إلى بلادٍ أخرى-كما هو ثابت لا شك فيه-فإنّ ذلك يُمكِن أن يَتعدَّد بِتعدُّدِ البلدان ويُمكِن أمرٌ آخَر فالحاصِل أن نَجزِم بِذلك جزما مِمّا لا نقوى عليه لأننا نَعلَم بِأنّ القرآن نَزَل على النبي صلى الله عليه وسلم في ليلةِ القَدْر وهي ليلةٌ واحِدَة وليستْ في الموضِع الفلاني متقدِّمة عن تلك الليلة في ذلك الموضع أو هي متأخِّرة عن ذلك الموضِع، فالحاصِل الفضْل عظيم وليَقُم الإنسان هذه الليالي-كما قلنا-وعسى الله-تبارك وتعالى-أن يُوفِّقَه لِهذه الليلة، و-حقيقة-الجزم بِأنها متعدِّدة جَزَمَ بِِه بعضُ أهل العلم وأرى السلامة أن نَكِلَ أمرَ ذلك إلى الله تبارك وتعالى.
    • س:
      هل تَختصّ هذه الليلة .. ليلة السابع والعشرين مِن رمضان بِشيءٍ مِن الأحكام أو النوافل أو السّنَن بِحيث تُميَّز عن غيرِها ؟


      ج:
      إنّ هذه الليلة المباركَة مِن ليالي شهرِ رمضان المبارَك، وقد ثبتَ عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم-ما يَدلّ على فضْلِ قيامِ هذا الشهرِ المبارَك، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: ( مَن قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تَقدَّم مِن ذنبِه )، وجاء عنه صلوات الله وسلامه عليه ما يَدلّ على فضْلِ هذا الشهرِ الكريم-في غيرِ هذا الحديثِ-الكثيرُ الطيِّب، فهذه الليلة ليلةٌ مِن هذا الشهرِ المبارَك الذي يُؤمَر بِقيامِه، كما أنها ليلةٌ مِن ليالي العشْر الأخيرَة مِن شهرِ رمضان وهي أفضلُ مِن سائرِ ليالِي هذا الشهرِ المبارَك، و-أيضا-هي مِن أوْتارِ هذه العشْر.
      والرسولُ صلى الله عليه وسلم كان يَقومُ الليل في سائرِ العام حتى تَتفطَّر قَدَمَاه، وتَسأَلُه السيدةُ عائشة-زوجُهُ الكرِيمة رضي الله تعالى عنها-عن ذلك مع أنه قدْ غُفِرَ لَه صلوات الله وسلامه عليه ما تَقدَّمَ مِن ذنبِه وما تَأخَّر فيَقول: ( أفلا أكونُ عبْدا شكورا ؟! )، وكان يَخُصُّ هذا الشهر-أيضا-بِأكثرَ مِن غيرِه مِن العبادات، كما أنه صلوات الله وسلامه عليه كان يَقومُ في العشْرِ الأواخِر أكثر مِن غيرها، وكان يَعتكِف صلوات الله وسلامه عليه في هذه العشْرِ الأواخِر مِن أجْل أن يَتفرّغ لِلعبادة ومِن أجْل أن يُصادِفَ تلك الليلة العظيمة التي ذَكَرَها الله في كتابِه العزيز في موضعين (15) بل وردتْ سورة بِكاملها فيها وهي قوله تبارك وتعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْر } [ سورة القَدْر، الآية: 1 ] إلى آخِر السورة(16)، فهذه الليلة مَظنّة لأن تَكونَ فيها ليلةُ القَدْر لأنها مِن أَوْتارِ العشْرِ الأواخِر ولكن ليلة القَدْر ليستْ بِمنحصِرة في هذه الليلة .. يُمكِن أن تَكونَ فيها ويُمكِن أن تَكونَ في غيرِها مِن سائرِ الليالي العشْر ولاسيما في أوْتارِها، فلا يُمكِن أن يَجزِم أحدٌ بِأنها في هذه السنَة في هذه الليلة أو أنها في سائر الأعوام في هذه الليلة، إذ لا دليلَ يَخصُّ هذه الليلة دون غيرِها، وما وَرَدَ في ذلك ففيه مِن النظر ما فيه، فهي كغيرِها مُحتمِلَة، أما أن نَجزِم بِذلك-كما يَجزِم الكثرةُ الكاثِرة مِن العوام-فهذا مِمّا لا يَنبغِي، لأنّ الأمْرَ مُحتمِل وما دام الأمْرُ مُحتمِلا وليس عليه دليلٌ واضِحٌ لا غموضَ فيه فليس لأحدٍ أن يَجزِم بِذلك ولكن يَنبغي لِلإنسانِ أن يُكثِرَ مِن قيامِ الليل ولاسيما في شهرِ رمضان المبارَك ولاسيما في العشْرِ الأواخِر ولاسيما في الأوتارِ منه.
      أما ما جاء مِن تَخصِيصِ هذه الليلة بِصلاةٍ خاصّةٍ بِها فإنّ ذلك لا يَثبتُ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن رواه مَن رواه فتلك الرواية مِن الضَّعفِ بِمكان بل هي مِن الرواياتِ الموضوعاتِ المصنوعاتِ، فإذن هنالك فرقٌ بيْن إحياءِ هذه الليلة كغيرِها مِن ليالي شهرِ رمضان وخاصّة في هذه الليالي المبارَكة وهي الليالِي العشْر وخاصّة الأوتار-كما قلتُ-وبيْن أن نُخصِّص هذه الليلة بِعبادةٍ خاصّة مِن دون غيرِها مِن سائرِ هذه الليالي .. يَنبغي أن يُتفطَّن لِهذا جيدا.
      و-كذلك-ما جاء مِن تَخصِيص بعضِ الليالي مِن سائرِ العام بِبعضِ الصلوات فذلك لم يَثبتْ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وقد جاءتْ صلواتٌ متعدِّدة كثيرة في ليالي متعدِّدة مِن سائرِ العام-وسنُنبِّه عليها في مناسبةٍ أخرى بِمشيئة الله تعالى-لكنّ تلك الروايات لا تَثبت.
      ومِن أشهرِ ما اشتهَر عند العوام:

      1- ما جاء مِن قيامِ ليلتَي العيد .. أي ليلةِ عيدِ شهرِ رمضان المبارَك وهي الليلةُ الأولى مِن شهر شوال والليلة العاشِرة مِن شهرِ ذي الحجّة وهي ليلةُ العِيد فذلك لم يَثبتْ فيه شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهما كغيرِهما مِن سائرِ ليالِي العام .. مَن كان مُعتادا على العبادة في ليالِي العام فيَصنَع فيهما ما يَصنَع في غيرِهما-ولابد لِلمسلِم أن يَعتادَ على العبادةِ في ليالِي العام وإن كان يَخصُّ بعضَ الليالي كليالِي شهرِ رمضان المبارَك بِالعبادةِ أكثرَ مِن غيرِها-أما مَن لم يَكن كذلك فلا يَنبغي لَه أن يَخصَّ هاتيْن الليلتيْن بِشيءٍ مِن العباداتِ دون غيرِهما، وما جاء في تَخصيصِهما بِشيء فذلك لم يَثبتْ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وما جاء عن بعضِ العلماء فذلك مِمّا لا حُجّة فيه.

      2- وكذلك ما جاء في أوّلِ جمعةٍ مِن ليالِي شهرِ رجب وهي ما تُعرَف بِصلاةِ الرغائِب فالحديثُ الوارِد في ذلك موضوعٌ لا يَثبتْ عن النبي صلى الله عليه وسلم بِحالٍ، ولا يَنبغي الاعتناءُ بِها، فهذه الصلاة مِن الصلواتِ المبتدَعة التي يَنبغي التحذيرُ منها، لا الإتيان بِها.

      3- و هكذا ما جاء مِن الصلاةِ في الليلة الخامسة عشرة مِن شهرِ شعبان فإنه لم يَثبتْ في فضْلِ هذه الصلاة ولا في فضْلِ هذه الليلة شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

      4- وهكذا بِالنسبةِ إلى سائِرِ ليالِي العام لم يَثبتْ فيها شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم .
      و- على كل حال- يَنبغِي لِلناس أن يَتفقّهوا في أُمورِ دِينِهم وأن يَعْتَنُوا بِكتابِ ربِّهم وبِسنّة نبيِّهم صلوات الله وسلامه عليه .. أن يَعْتَنُوا بِكتابِ ربِّهم تلاوةً وحفظا وفهما لِمعانِيه و-كذلك-أن يَعْتَنُوا بِسنّةِ نبيِّهم صلى الله عليه وسلم حفظا لَها وتَميِيزا بيْن صحيحِها وسقيمِها وغَثِّها وسَمِينِها ولا شك أنّ كلَّ ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيح وإنما نَقصد بِالصحيحِ والضعيف ما نُسِبَ إليه صلوات الله وسلامه عليه، و-كذلك-بِأن يَتفقّهوا في سُنّتِه صلوات الله وسلامه عليه وأن يَعمَلوا بِما جاء فيها .. ما كان واجِبا أو مندوبا وألاّ يُفرِّطوا في شيءٍ مِن ذلك قدْرَ استطاعتِهم، ويَنبغِي لِطلبةِ العلم أن يَكونوا في مُقدِّمة الرَّكْب .. أن يَعتنُوا بِكلِّ ما جاء في كتابِ الله وفي سُنّةِ رسولِه-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-عملا وتَبليغا لِلناس بِالأسلوبِ الحسنِ اللائق مِن غيرِ تَنفِيرٍ أو تَشدُّد أو تَعنيفٍ لِغيرِهم وما شابه ذلك إذا وَجَدوا أحدًا يُخالِف حديثا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وقد ذكرنا أكثر مِن مرّة أنّ السلَف-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-يَعتنون بِالسنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أَيَّما عِناية، فالصحابة-وهم سادَة السلَف-إذا سمعوا شيئا عن النبي صلى الله عليه وسلم تَسابَقوا في تطبيقِه وفي تبليغِه .. ما كانوا يُبادِرون بِالسؤال: " هل هذا واجِب فنأتِي بِه أو سنّة فنتهاون بِها ؟ " .. كلاّ، وإن كانوا يُفرِّقون بيْن الواجِب والمندوب بِالطَّبْع لكن ما كانوا يَتساهلُون بِالسّنَن، وطلبةُ العلم يَنبغي لَهم أن يَكونوا-كما قلتُ-في المقدِّمة، فما يَذكرُه العلماء مِن أنّ العلم أفضلُ مِن غيرِه لا يَقصِدون بِذلك أن يَتساهَلَ الطلبةُ أو غيرُهم بِالسّنَن الثابِتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم -الذي غَفَرَ الله له ما تَقدَّم مِن ذنبِه وما تَأخَّر وقد كان مُشتغِلا بِتبليغِ دعوةِ الله-تبارك وتعالى-في الأرض وكان يُجاهِدُ في سبيل الله -كان يَقوم الليل حتّى تَتفطَّر قدماه الشرِيفتان وكان يُواظِبُ على النوافِل في حَضَرِه وفي سَفَرِه في صِحّتِه وفي مرضِه في ليلِه ونهارِه كما ثبت عنه ذلك صلوات الله وسلامه عليه، وهكذا ثبتَ عن صحابتِه الكرام، فالعلم مِن أفضلِ الأعمال بعدَ فرائضِ الله-تبارك وتعالى-ولكن لابد مِن أن يَكونَ معه الإتيان بِالنوافل مِن صلاةٍ وصيامٍ وصدقةٍ إلى غيْرِ ذلك مِمّا جاء في كتابِ الله الحثُّ عليه أو في سنّةِ رسولِه صلوات الله وسلامه عليه .. لابد مِن أن نَفهَمَ هذا، أما أن يَشتغِلَ الطالِب بِالقراءةِ في الكتب ويُهمِل النوافِل فهذا مِمّا لم يَفعلْه أحدٌ مِن أهلِ العلم مِن الصالِحين، وهكذا ما أرادُوه عندما ذَكَرُوا ما ذَكَرُوه مِن فضْلِ العلم وتَقدِيمه على غيْرِه .. لابد مِن التَّنَبُّهِ لِهذا، ويَكفِي أنه قد جاء عن النبي e ما جاء كما ذكرنا ذلك في مقدّمة هذه الدروس(17).
      وقد سألني أحدُ السائلين(18) عن الحديثِ الثابتِ عن النبي صلى الله عليه وسلم على حسب ما قرَّره بعضُ أهل العلم(19) أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذَكَر فيمَن يُحافِظُ على السّنَن: ( لا يَزال عبدي يَتقرَّبُ إلَيَّ بِالنوافِل حتى أُحِبَّه فإن أَحْبَبْتُه كنتُ سَمْعَه الذي يَسْمَعُ بِه ) إلى آخِرِ الحديثِ المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم .. سألني عن معنى هذا الحديث وكنتُ أَظُنُّ الوقتَ قد انتَهى في تلك الليلة فوعدتُه بِأن أُجِيبَ في مناسبةٍ أخرى ولكن كنتُ أُرِيدُ أن أُطِيلَ في ذلك ولكن الأسئلة الكثيرة التي تَتعلَّق بِهذا الشهرِ الكريم كما نرى فأَكتفِي بِجوابٍ مُختصَرٍ عن هذا الحديث وهو فيه كفاية بِمشيئةِ الله تبارك وتعالى:
      فالعلماء قد اختلَفوا في هذا الحديث:

      1- منهم مَن قال: إنّ مَن وَصَلَ إلى هذه المرتبةِ العالية فإنه يُراقِبُ الله-تبارك وتعالى-في كلِّ دقيقةٍ وجليلة وفي كلِّ صغيرةٍ وكبيرة فهو لا يَستمِع إلا إلى ما يُرضِي الله-تبارك وتعالى-ولا يَنظُر إلا إلى ما يُرضِي الله-تبارك وتعالى-ولا يَبْطِشُ إلا بِما يُرضِي الله-تبارك وتعالى-ولا يَمشِي إلا إلى ما يُرضِي الله-تبارك وتعالى-وهكذا في بقيةِ الجوارِح فهو لا يَنطِقُ إلا بِما يُرضِي الله تبارك وتعالى.

      2- وبعضُ أهلِ العلم قال: إنّ مَن وَصَلَ إلى هذه المرتبةِ العالية فإنّ الله-تبارك وتعالى-يُوفِّقُه ويَأخُذ بِيَدِه فيُوَفِّقُه لأن يَستمِع إلى ما يُرضِيه سبحانه وتعالى ولا يَلتفِتُ إلى غيرِه وهكذا بِالنسبةِ إلى بقيةِ الأشياءِ المذكورةِ في الحديث؛ ولا شك بِأنّ هذا هو الأقرب إلى الصواب، ولا أَظُنُّ أنّ أصحابَ القول الأوّل إلا أنهم يَرمون إلى هذا المعنى.
      فمَن وَاظَبَ على هذه النوافِل-فالرّسولُ صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يَزال ) ولم يَقُل: " إذا فَعَل " أو ما شابه ذلك فمعنى ذلك أنه يُواظِب على هذه النوافل-فإنه يَصِلُ بِمشيئة الله-تبارك وتعالى-إلى هذه المنزلةِ العاليةِ الرفيعةِ التي يَنبغِي لِكلِّ مسلِمٍ أن يَسعى إليها قدْرَ طاقتِه.
      فنسألُ الله-تبارك وتعالى-أن يُوفِّقَنا وأن يُوَفِّقَ سائرَ المسلِمين لِلعملِ بِما يُرضِيه سبحانه وتعالى وأن يَأخذَ بِأيدِيهم لِما يُحبُّه تبارك وتعالى، وإذا عَملَ المسلِمون بِما في كتابِ الله-تبارك وتعالى-وفي سنّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم بعد معرفةِ الثابتِ الصحيحِ منها مِن غيرِه ونَظَروا في كلامِ أهلِ العلم على معاني الآياتِ القرآنية والأحاديثِ النبوية ولم يَلتفِتوا إلى قولِ أيِّ أحدٍ بعد ذلك-مع إجلالِهم واحترامِهم لأهلِ العلم-فإنهم في ذلك اليوم بِمشيئةِ الله سبحانه وتعالى سيَعرِفون مَنزِلَتهم بيْن الأمم لا على حسبِ هذا الحال الذي نُشاهِدُ عليه المسلِمين حيثُ إنّهم-ولِلأسفِ الشديد-صارُوا في مُؤخِّرَةِ الرَّكْب وما ذلك إلا لإهمالِهم لِكتابِ ربِّهم وسنّةِ نبيِّهم صلوات الله وسلامه عليه .. نَسألُه سبحانه أن يُوفِّقَنا لِلعملِ بِالكتابِ والسنّة وأن يَأخذَ بِأيدِينا لِما يُحبُّه تبارك وتعالى ويَرضاه؛ والله ولي التوفيق.
    • س:
      ما هو الراجِح في علاماتِ ليلةِ القدر ؟ وهل يَجوز إخبار الأصحاب بِهذا إذا تَبيّنَتْ له ؟


      ج:
      أما الإخبار فلا مانع لكن-في الحقيقة-تأتينا الأخبار في يومِ العِيد أو بعدَه متضارِبَة متناقِضَة .. تَصِل في بعضِ الأحيان إلى خمسةِ أخبار منهم مَن يَقول كانتْ في الليلة الفلانية ومنهم مَن يَقول كانتْ في الليلة الفلانية ومنهم مَن يَقول كانتْ في الليلة الفلانية ثم لِماذا الإنسان يَقوم بِالإخبار ؟! فإذا كان يَخشى على نفسِه أن يَقَعَ في شيءٍ مِن الغرور أو ما شابه ذلك بِأنّ له منزلة أو ما شابه ذلك ففي الحقيقة في هذا ما فيه ولا شك بِأنه عليه أن يَبتعِد منه، أما إذا كان يُخبِر أصحابَه وهو واثِق مِن نفسِه بِأنه لن يَقَعَ في شيءٍ مِن ذلك فهذا لا بأس .. قد أخبَر بِه بعضُ أهلِ العلم لكن-كما قلتُ-بعضُ الناس يَظنّ ظنا بِأنّ هذه الليلة هي ليلة القدر أو ما شابه ذلك وليس الأمر كذلك إذ لا يُمكِن أن تَأتِي في سنةٍ واحدة في موضعٍ واحد-أي في منطقة واحدة-أكثر مِن مرّة .. يعني لا يُمكِن أن تَكونَ في هذه الليلة وفي الليلة الثانية في هذه المنطقة أما أن يَكونَ ذلك بِاعتبار مناطق فكما أشرتُ إليه بِالأمس (20) السلامة في التوقّف .. للعلماء كلامٌ طويل عريض عند اختلاف المناطق .. مثلا تَكون هذه الليلة ليلة كذا في المنطقة الفلانية وتكون ليلة كذا في المنطقة الفلانية .. هل تَكون مثلا ليلة القدر في هذه المنطقة هذه الليلة وتكون غدا في المنطقة(21) الفلانية أو تكون في ليلة واحدة وعليه تكون عند بعضهم شفعا وعند بعضهم وترا ؟ بعضهم يَقول بِهذا بل بعضهم يَقول: " هي في ليلة واحدة على حسب المكان الذي نزل فيه الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مكة المكرمة "، وعند غيرهم يَكون ذلك هو وقت الإجابة حتى لو كان ذلك في النهار في بعضِ الأماكن البعيدة التي يَكون وقت الليل في مكة المكرمة عندهم نهارا، و-على كل حال-المسألة فيها مِن الكلام ما فيها، ونحن قلنا(22): إنّ الإنسان يَنبغِي له أن يُواظِب على قيامِ شهر رمضان ولاسيما في العشرِ الأواخِر على أنّ العلماء قد اختلَفوا متى الوتر .. هل يَكون في ليلةِ الحادي والعشرين والثالث والعشرين والخامس والعشرين وهكذا أو يَختلِف بِحسب الاختلاف بيْن الشهور إذا كان الشهر تسعة وعشرين ليلة أو كان ثلاثين ليلة ؟ في ذلك كلامٌ طويل عريض، وبعضُ هذه الأقوال ليس لها دليل قوي يُمكِن الاعتماد عليه فالسّلامة في عدمِ الخوْض في ذلك وأن نَكِلَ الأمْر إلى الله تبارك وتعالى .. نَحن نَجزِم بِليلةِ القدْر ونُرجِّح-على حسبِ ما يَظهَر لَنا-بِأنَّها في شهرِ رمضان المبارَك وأنَّها في العشرِ الأواخِر منه ولاسيما الأوتار كما جاء في بعضِ الروايات الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنّها ليستْ مِن بابِ المقطوعِ بِه فلا نَقطَع عُذْرَ مَن خالَف ذلك ولا نَعتقِد ذلك وإنما نَظنّ ظنا، فإذن يَنبغي لَنا هذا وهو أن نُواظِب على القيامِ مع الاحتساب كما جاءَ في الحديث: ( قام رمضان ) والرواية الأخرى: ( ليلة القدر إيمانا واحتسابا ) .. نَفعَل ذلك ونَرجو الله-تبارك وتعالى-مِنْ أن يُوفِّقَنا لِلأجْر والثواب على أَنَّ-أيضا-العلماء اختلَفوا هل يَحصُل على هذا الثواب مَن عَلِمَ بِهذه الليلة أو أنه يَحصُل على ذلك مَنْ قام هذه الليلة سواء ظهرتْ له شيءٌ مِن العلامات أو لَم يَظهَر له شيءٌ مِن ذلك ؟ هذا خلافٌ طويل عريض ولذلك لا أرى داعيا لِلبحثِ في بعضِ هذه القضايا التي ليس لَها دليل قاطِع كما أشرتُ في قضية هل يَكون في المنطقة الفلانية في ليلة كذا أو في ليلة كذا أو ما شابه ذلك ؟ فقلنا: هذا السلامةُ في عدمِ التَّطَرق إليه وأن نَكِلَ أمرَ ذلك إلى الله-تبارك وتعالى، وقد أشرتُ إلى ذلك إشارة بِالأمس(23) -ولكن مهما كان هذه الليلة فيها فضلٌ عظيم كما جاء ذلك في القرآن الكريم .. وصفها الله-تبارك وتعالى-بِأنّها ليلة مباركة وهي ليلة القدر-خلافا لِمن يَزعم بِأنَّها ليلة الخامس عشر مِن شعبان-وأيضا أُنزِل في هذه الليلة-وهي ليلة القدر-سورة بِكَامِلِهَا(24) وقال تَفْخِيما لِشأنِها: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } [ سورة القدر، الآية: 2 ] ثم قال: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ... } [ سورة القدر، الآية: 3 ومِن الآية: 4 ] .. على كل حال أيضا؛ أطال بعضُ العلماء الكلامَ على الروح والمرادِ بِالروح ولا أرى داعِيا لِتَطْوِيل الكلام بِذلك ما دام ليس هنالك دليلٌ قاطِع على تلك الأقوال .. قد يَظُنّ الإنسان بعضَ الأمور لكن أن يَجْزِم بِذلك ففيه مِنَ الصعوبة ما فيه، ثُمَّ الله سبحانه وتعالى قال: { ... هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [ سورة القدر، من الآية: 5 ]، فهي-والحمد لله تبارك وتعالى-إذا قام الإنسان لَيْلَة مِن الليل سَيَحْصُل على هذا الثواب على الرأيِ الراجِح بِأنه رآها أو لَم يرها-أي رأى شيئا مِن علاماتِها أو لم يَرَ شيئا مِن تلك العلامات-ما دام قام هذه الليلة إيـمَانا واحتسابا حتى أنّ بعضَ العلماء قال: " مَن صلّى المغرب والعشاء في هذه الليلة فقد يَحصُل على هذا الثواب " ولكن-حقيقة-في هذا الكلام ما فيه، ذلك لأنّ المسلِم لابد مِنْ أَنْ يُؤدِّي هاتيْن الصلاتيْن ومعنى ذلك أنه أتى بِهذا القيام إن كان هذا هو المقصود، وقد يَقولون بِأنه إذا أتى بِهما على حَسْبِ ما هو مطلوبٌ شرعا، ونقول: المؤمن مطالَب بِذلك، فنحن لا نَقوى على هذا القول ولكن نَقول بِأنّ الظاهِر أنه لابد مِن القيام المعروف ولا أَقصِد بِالقيام المعروف هو التراويح أو ما شابه ذلك .. كَلاّ وإنَّما قيام هذه الليلة ومِن مؤمِن مُحْتَسِب لِلثوابِ مِن عندِ الله تبارك وتعالى.
      وعلى كل حال؛ الأوقاتُ تارةً يَكون الوقتُ بِكاملِه وهذا هو الظاهِر مِن الآية القرآنية وتارةً تَكون ساعة الإجابة قصيرة في وقتٍ مُحدّد وتارةً يَكون الوقتُ طويلا وإن لَم يَكن اليوم كامِلا، فليلةُ القدرِ الظاهِر أنَّها مِن أوّلِها إلى آخِرِها، أما آخِر الليلة فالأمر واضِح وأما مِن أوَّلِها فذلك هو الظاهِر لأنه قال: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ } بِالنسبة إلى بعضِ الأوقات يَكون الوقتُ قصِيرا كالساعة التي فيها الإجابةُ في يومِ الجمعة والبعضُ يَكون وَسَطا كيومِ عَرَفَة فإنه يَكون مِن زوالِ الشمس على الرأي الراجِح الذي يَدُلّ لَهُ الدليل وعليه-أيضا-جمهور الأمّة.
      أما العلامات فقد ذَكَرُوا لِذلك علاماتٍ مُتَعَدِّدَة منها ما يَكونُ بعدَ وقتِها .. أي بعدَ طلوع الشمس، ومنها ما يَكونُ في الليل.
      وأما ما يَذكُرُه كثيرٌ مِن العوام بِأنّ بعضَ المخلوقات تَنْقَلِب رأسا على عَقِب فَعُرُوقُ الأشجار تَكونُ الأعلى والأطراف تَكون في الأسفل وأنَّ الإنسان لو أَخَذَ شيئا مِن شجرة يَتَحَوَّل إلى ذَهَب .. إلى غيرِ ذلك فهذا باطِل وهُرَاء لا قيمةَ لَه.
      ولكن-على كل حال-بعضُ العلماء يَقول: تَكون تلك الليلة وَسَطا ليس فيها شيءٌ مِن البَرْد ولا مِِن الـحَر وقد يَشْعُرُ الإنسان فيها بِشيءٍ مِن السكينة وهكذا ما يُرَى في صبيحةِ ذلك اليوم مِن الشمس بِأنه ليس لَها شُعَاعٌ قوِي .. إلى غير ذلك مِنَ العلامات التي يَحتاج أن نَذكُرَها ونَذكُرَ ما لَها وما عليها ولكن-على كل حال-الإنسانُ قد يَشْعُر بِشيءٍ مِن الطمأنينة والراحة وذلك ظاهِرٌ مِن حديثِ السيدة عائشة-رضي الله تعالى عنها-عندما سألتْ الرسول صلى الله عليه وسلم بِماذا تَدعو إذا هي رأتْ ليلة القدر، فمعنى ذلك بِأنّ الإنسان يُحِسّ بِشيءٍ وإلا كيف تَرَاها السيدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-ولا تُحس بِشيءٍ ؟! قد يَشعُر بِذلك في مَنَامِه وقد يَشعُر بِذلك في يَقَظَتِه وقد لا يَشعُر-كما قلتُ ويَنالُ الثواب الجزيل، و-على كُلٍ-أَرشَدَ النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة لأن تَدْعُوَ بِقوله: ( اللهم إنّك عَفُوٌ تُحِب العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ) فلْيُكثِر الإنسانُ مِن هذا الدعاء في هذه الليالي المبارَكة شَعَرَ بِذلك أو لَم يَشعُر ولْيُكْثِر-أيضا-مِنْ قولِ: " ربنا آتِنا في الدنيا حسنة وفي الآخِرة حسنة وقِنا عذابَ النار "، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يُكْثِر مِن هذا الدعاء، وكذلك: " اللهم إنّي أَسألُك العفوَ والعافية في الدنيا والآخِرة "، و-كذلك-يُكْثِر من دُعَاءِ يونس عليه السلام الذي جاءَ في القرآن الكريم: { ... لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [ سورة الأنبياء، من الآية: 87 ] .. إلى غيرِ ذلك مِن الأدعية، وليُكْثِر مِنَ الدعاءِ بِالنّصْرِ لِلإسلامِ والمسلِمين؛ نَسألُ الله-تبارك وتعالى-أن يُوَفِّقَ المسلِمين جميعا لِما فيه الخيْر وأن يَنْصُرَ الإسلامَ نَصْرا مُؤَزَّرا وما ذلك عليه بِعزيز؛ والله أعلم.
    • الحادي عشر : أحكام الاعتكاف

      س:
      ما حكم الاعتكاف ؟


      ج:
      إنّ الاعتكاف سنّة ثابتة عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقد ورد عنه-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أنه كان يَعتكِف في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، كما أنه اعتكف-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في بعض الأحيان في العشرين الأخيرة من شهر رمضان أيضا، وقد ثبت-أيضا-عن بعض الصحابة-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-أنهم اعتكفوا مع النبي صلوات الله وسلامه عليه، كما جاء ذلك في حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله تعالى عنه-عند البخاري وعند غيره، وثبت-أيضا-عن أمهات المؤمنين-رضي الله تبارك وتعالى عنهن-أنهنّ اعتكفن بعد وفاة النبي صلوات الله وسلامه عليه، كما أنّ بعضهنّ شَرَع في الاعتكاف مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي هذا دلالة واضحة وحجّة نيِّرة على مشروعية الاعتكاف، وأنه سنّة ثابتة عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، بل مشروعيته أيضا تؤخذ من كتاب الله-تبارك وتعالى-في قوله : { ... وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد ... } [ سورة البقرة، من الآية: 187 ]، و-كذلك-يُؤخذ ذلك من قوله I في قوله لعبده وخليله ورسوله إبراهيم عليه السلام : { ... وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }(25) [ سورة البقرة، من الآية: 125 ]، وهذا أمر متّفَق عليه بين الأمّة الإسلامية قاطبة، وقد حكى الاتفاق-أو الإجماع-على ذلك غيرُ واحد من المتقدِّمين والمتأخِّرين، لا داعي لذِكر أسمائهم.
      وما رُوي عن الإمام مالك أنه قال بكراهة ذلك فلا أظنّه يصحّ عنه إلا إذا قُيِّد ذلك بِقَيْد من القيود، أو كما قيل بأنّه يُحمَل على صفة من الصفات، كما ذَكر ذلك الحافظ ابن حجر وغيره، وقد ذَكر بعض العلماء مَحامِل لذلك وأكثرُ تلك المحامل مردود، ولا أرى فائدة من ذِكر ذلك ما دام الاعتكاف ثابتا ثبوتا لا شك فيه، ولا أظنّ أنّ ذلك-كما قلتُ-يُخالِف في ذلك إلا إذا كان ذلك لمَحمَل من المحامِل ومع ذلك فيه ما فيه.
      هذا بالنسبة إلى شهر رمضان المبارك.
      وذهب بعضهم إلى أنّه سنّة في العَشر الأواخر من رمضان وأما في غير ذلك فليس بسنّة وإنما هو جائز.
      وقيل: إنه في شهر رمضان سنّة-كما قلتُ وفي غيره جائز.
      وقيل: إنه سنّة مطلقا في شهر رمضان وفي غير رمضان.
      ولاشك أنّ القول بسنيّة ذلك هو القول القويّ، وإن كان في رمضان أفضلُ وآكَد، لِمواظبة النبي-صلوات الله وسلامه عليه-وكثير من صحابته رضوان الله-تعالى-عليهم.
      وما قيل: " إنه لم يَعتكِف أحد من الصحابة " مردود، لِما ذكرتُه ولغير ذلك من الروايات الكثيرة المروية عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
      وينبغي للإنسان مِن قبلِ أن يُطلِق على بعض الأمور بأنها لم تَثبت عن النبي e أو عن غيره مما رُوي ذلك عنهم يَنبغي له أن يَتحرَّز وأن يَبحَث أشدّ البحث وألاّ يُطلِق الكلام على عَواهِنِه فيذكر بأنّ الشيء الفلاني لم يَرِد عن الصحابي الفلاني أو عن أحد من الصحابة مع أنّ ذلك مذكور في كتب كثيرة، وقد ذكرتُ أنّ ذلك مروي عن بعض الصحابة في الصحيحين وفي غيرهما من كتب الرواية.
      وذهب بعض العلماء إلى أنه مشروع إلاّ في حقّ المرأة الشابّة؛ وهذا-أيضا-ليس بشيء.
      فالقول الصحيح هو قول من قال إنّ ذلك مسنون ولاسيما في شهر رمضان المبارك وأنّ الأفضل أن يُحافَظ عليه في العشر الأخيرة من رمضان ومن أمكنه-أيضا-أن يَعتكِف في العشرين الأخيرة منه فذلك حسن؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.
    • س:
      هل لهذا الاعتكاف شروط معيّنة ؟


      ج:
      أوّلا: كثير من الناس يَسألون عن فضل الاعتكاف، وأنا أريد أن أنبّه إلى أنه لم يَرِد حديث صحيح ثابت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-يدل على فضل الاعتكاف، فكل ما روي من الأحاديث القولية ففيها ما فيها من كلام، وإنما الثابت في ذلك فعل النبي-صلوات الله وسلامه عليه-ومواظبته عليه في العشر الأخيرة، حتى أنه صلوات الله وسلامه عليه جاء عنه أنه كان إذا لم يَتمكن من الاعتكاف في العشر الأخيرة .. أنه كان يَعتكِف العشرين الأخيرة من شهر رمضان من السنة الآتية، وكذلك عندما خرج من الاعتكاف عندما دخلت أزواجه-صلوات الله وسلامه عليه، ورضوان الله عليهن-في الاعتكاف .. عندما خرج في العشر الأخيرة من رمضان قضى ذلك، وإن كان ذلك القضاء-على مذهب طائفة كبيرة من أهل العلم، وهو الظاهر عندي-ليس على طريق الوجوب، وإنما هو على طريق الاستحباب.
      أقول: في فعله صلوات الله وسلامه عليه ما يدل على فضل الاعتكاف، و-أيضا-من المعلوم أنّ لِلعشر الأخيرة من شهر رمضان من الفضل ما لها، ولذكر الله-تبارك وتعالى-وتلاوة القرآن من الفضل ما لا يخفى، كما جاء ذلك في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-ثبوتا لا شك فيه، ومن المعلوم أنّ أكثر ما يُحافِظ عليه المعتكِف هو الأذكار مع قراءة كتاب الله تبارك وتعالى، فمن كانت له القدرة فلا ينبغي له أن يُفرِّط في ذلك، ولا يَغترَّ بقول كثير من أهل العلم بأنّ ذلك لم يَثبُت عن الصحابة، فقد قدّمنا بأنّه ثابت عن الصحابة، بل هو ثابت عن سيّد الصحابة وسيّد كل الخلق صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك لا ينبغي له أن يَغترَّ بما ذكره أهل العلم مِن أنه لم يَأت حديث صحيح في فضل الاعتكاف، فإنّ معنى ذلك بأنه لم يَأت حديث قولي، وينبغي لِلإنسان أن يَعلم اصطلاحات أهل العلم عندما يجد عبارة أو كلاما لبعضهم أو لهم جميعا .. لابد مِن أن يَعرِف ذلك المصطلح الذي يَعْنُونَه، وإلا فلا يُمكن أن يقال بعدم فضل الاعتكاف مع مواظبة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه كما ذكرتُ
      وأما شروطه فله شروط متعدِّدة، منها ما هو متّفَق عليه بين أهل العلم، ومنها ما هو مختلَف فيه.
      فمن تلك الشروط: الإسلام، وهذا الشرط شرطُ صِحّة، وهو شرطٌ في كل العبادات، وإذا وجدنا اشتراط الإسلام فمعنى ذلك أنه لا يَصحّ من الكافر شيء من العبادات رأسا، فإذا قيل باشتراط ذلك في بعض العبادات الواجبة-كالحج والصلاة والصيام والزكاة-فمعنى ذلك أنّ ذلك لا يَصحّ، لا أنه لا يُخاطَب بذلك، بل هو مخاطَب بذلك، على أصحّ الأقوال وأشهرها، وهو الذي تدلّ له الأدلة الكثيرة من كتاب الله تبارك وتعالى، والاعتكاف وإن لم يكن واجبا ولكنه أيضا لا يَصحّ إلاّ من مسلم، فلو اعتكف كافر فذلك لا يَصح، بل لابد من أن يَدخل أوّلا في الإسلام وأن يَلتزم بشرع الله-تبارك وتعالى-وبعد ذلك إن شاء أن يَعتكف فليعتكف، فهذا هو المقصود من شرط الإسلام عندما يَذكره العلماء ولاسيما في الأمور الواجبة.
      ومن ذلك: العقل، فلا يَصحّ الاعتكاف مِن مجنون ولا مِن سَكران ولا مِن مُغمَى عليه، فلو اعتكف مجنون أو سكران أو مغمى عليه فلا ثواب له، بل لا يَصح ذلك منه.
      نعم إذا دخل شخص في الاعتكاف وأصابه الإغماء بعد ذلك بعد أن طلع الفجر:
      1-فإنّ طائفة من أهل العلم يَقولون: " إنّ اعتكافه لذلك اليوم صحيح ".
      2-وإن كان بعضهم يَرى خلاف ذلك.
      ولكنّ القول الأول قالت به طائفة كبيرة من أهل العلم، وله وجه قوي في النظر.
      ومن ذلك: التمييز، فالصبي إذا كان غَير مميّز فإنه لا يَصحّ منه، والتمييز بالنسبة إلى الصبيان يَختلِف من طفل إلى طفل، فلا يُمكن أن يُحدّ ذلك بسنة معيّنة، وإنما ذلك يَدور على من كان يَفهم الخطاب ويَستطيع الجواب ويَفقه معنى ذلك فتَصحّ منه النية، فمَن كان كذلك فهو الذي يَصحّ منه، وهو الذي يُقال عنه بأنه مميّز.
      ومن ذلك: النية، إذ لا يَصحّ عمل من الأعمال إلا بنيّة إذا كان ذلك العمل يَتعلّق بمثل هذه العبادات، نعم إذا كان ذلك يَتعلّق بطهارة-أو ما شابه ذلك-وكانت الطهارة لثوب وليست لجسد فإنّ تلك النجاسة تَزول ولو لم تكن هنالك نية على أصحّ الأقوال وأشهرها، أما مثل هذه العبادات فلابد لها من النية، فالنية-إذن-شرط لصحّة الاعتكاف.
      ومن ذلك: الصوم، فإنّ طائفة كبيرة من أهل العلم ذهبت إلى أنّ الصيام شرط في صحّة الاعتكاف، وأنّ اعتكاف من لم يَصُم ليس بصحيح بل لا ينبغي أن يُسمّى ذلك اعتكافا؛ وهذا هو قول طائفة-كما قلتُ-من أهل العلم، وهو مروي عن طائفة من الصحابة رضوان الله-تعالى-عليهم، فقد روي عن السيدة عائشة، وروي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله-تبارك وتعالى-عنهم، وهو مذهب أصحابنا وإن كان هنالك ما يُفهَم من كلام بعضهم بأنه قد ذهب بعض الأصحاب إلى عدم اشتراط ذلك ولكنّ القول المشهور المنصور عندهم هو اشتراط الصوم لصحّة الاعتكاف(26) ، وهو قول الإمام مالك، وعليه جمهور أصحابه، وخالف منهم ابن لُبابة، فقال بعدم اشتراط الصيام في الاعتكاف، وهو قول بعض الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد وعن إسحاق، ورَجَّح ذلك ابن تيمية وابن القيم من المتأخِّرين، وهو قول الثوري والليث والحسن بن حي.
      نعم ذكرنا أنّ طائفة كبيرة من أهل العلم ذهبت إلى اشتراط الصيام في الاعتكاف وأنّ الاعتكاف لا يَصحّ إلا به، وذكرنا مجموعة من أولئك العلماء الأعلام الذين ذهبوا إلى اشتراط ذلك، وهنالك بقية أخرى لا بأس بذكر طائفة منهم، فمِمّن ذهب إلى ذلك من أهل العلم النّخعي والشّعبي، وذهب إلى ذلك نافع والقاسم بن محمد والأوزاعي والزهري، وطائفة من التابعين، وقيل: " إنه المذهب القديم للإمام الشافعي "، و-كذلك-ذهبت إلى ذلك الحنفية في الصوم(27) الواجب، ويُفهَم من بعضهم-أيضا-أنّ طائفة منهم يَشترِطون ذلك حتى في غير الصوم(28) الواجب، فهذه جماعة كبيرة جدا ممن ذهبوا إلى اشترط الصيام، فلا يُمكن أن يَدّعي مدّعٍ بعد ذلك بِأنّ مذهبا معيّنا هو الذي يَشترِط الصيام بخلاف بقية الأمّة، فهذه جماعة كبيرة من الأمّة الإسلامية من الصحابة والتابعين ومن أتباع المذاهب الأخرى قد ذهبت إلى ذلك، ولهذا الرأي أدلة كثيرة جدا، ولكنّ الوقت أرى أنه لا يَسمَح بذلك، ويكفي من ذلك أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لم يَعتكِف إلاّ في العشر الأواخر من رمضان وهو لا شكّ ولا ريب بأنه كان صائما، أما ما جاء مِن اعتكافه بعد ذلك فإننا وإن كنّا لا نقوى على الجزم بأنه قد صام إلا أنه أيضا ليس هنالك دليل آخر يَدلّ على عدم صيامه صلوات الله وسلامه عليه، والروايات مختلِفة .. جاء في بعض الروايات أنه اعتكف في العشر الأوائل، وفي بعضها أنه اعتكف في الأواخر، وفي بعضها بأنه اعتكف في رمضان من غير أن تُحدِّد الرواية بأنّ ذلك جاء في الأول أو في الآخر، فمع هذا الاحتمال لا يُمكِن أن يَحتج بذلك مُحتَج على عدم شرطية الصيام في الاعتكاف، و-أيضا-نجد المولى-تبارك وتعالى-قد ذَكر الاعتكاف في معرض ذِكره للصيام(29) وفي ذلك إشارة واضحة إلى أنّ الاعتكاف لا يكون إلا بالصيام، ومِن المعلوم أنه لم يأت دليل واحد يدل على عدم اشتراط الصيام، وكل ما روي من الأحاديث التي فيها مشروعية ذلك من دون الصيام أحاديث لا تَثبت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه.
      هذا ومن الشروط التي لابد منها في الاعتكاف: أن يكون المعتكِف طاهرا من الحدث الأكبر، فلا يَصحّ الاعتكاف مِن الجنب ولا مِن الحائض ولا مِن النفساء .. هذا هو القول المشهور عند الأمّة الإسلامية، وهو الحق الذي لا ريب فيه .. نعم إذا كان الإنسان معتكِفا وأصابته جنابة فإنه يُؤمَر بالاغتسال مباشَرة ولا يُؤثِّر ذلك في اعتكافه ولا في صيامه.
      والدليل على اشتراط ذلك أنّ الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد والجنب والحائض والنفساء كلهم منهيون عن دخول المسجد-وعند بعضهم مَنهيون عن المكث فيه-ومن المعلوم بأنّ من أهم الشروط في الاعتكاف هو أن يكون في مسجد من المساجد، كما سيأتي بمشيئة الله تبارك وتعالى.
      وكذلك-أيضا-قد رجّحنا أنّ الاعتكاف لا يكون إلا بالصيام ومِن المعلوم المتقرِّر أنّ الصيام لا يَصح مع الحيض والنفاس بل الحائض والنفساء يَحرم عليهما الصيام كما هو معلوم.
      أما الجنب فقد اختلف العلماء في صيامه .. أي هل يصح الصيام مع الجنابة أو لا ؟ والقول الصحيح الذي يَدل له الحديث الصحيح الثابت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-أنّ من أصبح جنبا أصبح مفطرا، كما جاء ذلك عند الإمام الربيع رحمه الله، وجاء عند غيره من أئمة المحدثين.
      وأما ما جاء مِن أنه صلوات الله وسلامه عليه أصبح وهو جنب وهو صائم فذلك الحديث يُعارِضه هذا الحديث وإذا تعارض حديثان أحدهما يقتضي التحريم والثاني يقتضي الإباحة فإنه يُقدَّم الدليل الذي يَدل على التحريم على الدليل الدال على الإباحة، فالظاهر أنّ فعله صلوات الله وسلامه عليه كان متقدِّما على حديثه الذي جاء فيه أنّ من أصبح جنبا أصبح مفطرا.
      والقول بأنّ ذلك على الاستحباب مردود لأنّ الحديث يَدل دلالة واضحة لا غموض فيها بأنّ من أصبح جنبا أصبح مفطرا(30) ولا يمكن أن يُؤخذ من ذلك أنّ ذلك على الاستحباب-أو ما شابه ذلك-لأنه نصّ صريح على أنه أصبح مفطرا.
      والقول-أيضا-بأنه منسوخ-أو ما شابه ذلك-مخالِف للواقع، لأنّ الأصل أن يكون هذا المتأخِّر هو الناسخ، ومَن ادّعى خلاف ذلك فعليه الدليل.
      ولولا أنّ الوقت لا يَتسع للإطالة لأطلتُ في هذه القضية، نظرا إلى أنّ كثرة كاثرة من أهل العلم يَرون خلاف ذلك، ولعلنا نجيب عن ذلك في مناسبة أخرى بمشيئة الله تبارك وتعالى.
      ومن الشروط التي لابد منها في الاعتكاف بل هو الشرط الأساسي بل هو الركن الذي لابد منه: اللّبْث في المسجد، إذ لا يَصحّ الاعتكاف إلاّ في مسجد من المساجد؛ وقد اختلف العلماء في المسجد الذي يَصحّ فيه الاعتكاف:
      ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه يَصحّ في كل مسجد من المساجد سواء كانت تُقام فيه الجمعة أو لا وسواء كانت تُقام فيه الجماعة أو لا.
      وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه لا يَصحّ إلا في المسجد الذي تُقام فيه الجماعة وإن كانت لا تُقام فيه الجمعة.
      وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه لابد مِن أن يكون في مسجد تُقام فيه الجمعة إذا كان الاعتكاف يَستمرّ إلى يوم الجمعة، أما من أراد أن يَعتكِف ستّة أيام وابتدأ الاعتكاف من ليلة السبت مثلا وسيَخرُج قبل يوم الجمعة .. أي أنه لن يَكون معتكِفا في يوم الجمعة فإنه لا يُشترَط أن يكون في مسجد تُقام فيه الجمعة حتى على رأي هؤلاء.
      وذهبت طائفة قليلة جدا إلى أنه لا يَصحّ إلا في أحد المساجد الثلاثة .. أي المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى؛ وهو قول ضعيف جدا، وإن احتجّ له بعضهم برواية تُروى عن حذيفة-رضي الله تبارك وتعالى عنه-فإنّ تلك الرواية-على الصحيح-موقوفة، وليست بِمتّصلة عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، ووَصْل من وَصَلَها يُعتبَر من باب الشاذّ على القول الصحيح الراجح، وإن احتجّ بعض المتأخِّرين لهذا القول وحاول الانتصار له فإنه لم يُوفَّق إلى الصواب عندنا أي على ما نرى؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.

    • هذا وممّا ذكرناه أنه لابد مِن أن يَكون في المسجد، فإذا اعتكف في مسجد لا تُقام فيه الجمعة فإنه لابد مِن أن يَخرج إلى الجمعة.
      وبعض العلماء ذهب إلى أنّ ذلك لا يَصحّ كما قلتُ.
      ولكنّ الرأي الصحيح أنه يَصحّ منه ذلك إذا كانت الجمعة تَجب عليه، أما إذا كانت الجمعة لا تَجب عليه فإنه لا يَخرج إليها.
      وقد اختلف العلماء في وقت الخروج إلى الجمعة:
      ذهب بعضهم إلى أنه لا يَخرج إليها إلا قُبَيْل النداء لها بحيث إنه عندما يَصل إلى السجد يُصلي أربع ركعات وبعد ذلك تُقام الجمعة وإذا انتهى من الجمعة ومن السنّة البَعْدِية فإنه يَرجع إلى المسجد الذي يَعتكِف فيه.
      وذهب بعضهم إلى أنه يُسنّ له بأن يَخرج من المسجد الذي يَعتكِف فيه في الوقت الأفضل، كما جاء في الحديث عن النبي صلوات الله وسلامه عليه .. أي يُسنّ له البكور إلى صلاة الجمعة.
      وذهب بعضهم إلى أنّ ذلك جائز ولا يُمكن أن يُوصف بالسنّة في حقّه، لأنّ السنّة في حقّه-على رأي هؤلاء-أن يَمكث في المسجد الذي يَعتكِف فيه.
      هذا ما يتعلّق بالخروج إلى الجمعة على وجه الاختصار.
      ويُستثنى من وقت اللّبث في المسجد ما تدعو الحاجة إليه:
      وذلك كقضاء حاجة الإنسان فإنّ هذا مُستثنى باتّفاق الأمّة الإسلامية قاطبة، إذ لا يُمكن للإنسان أن يَقضي حاجته في المسجد، بل لابد مِن أن يَذهب إلى مكان آخر خارج المسجد ولكن إذا كانت هنالك دورات مياه بالقرب من المسجد فإنه يَقضي حاجته فيها، وليس له أن يذهب إلى بيته على الصحيح، أما إذا لم يَكن هنالك مكان لقضاء الحاجة فإنه يَذهب إلى بيته للضرورة، وإذا كان لديه بيتان أحدهما أقرب من الآخر فإنه ليس له أن يَذهب إلى البيت الأبعد، بل عليه أن يَقضي حاجته في البيت الأقرب، وفي هذا الزمان-بحمد الله تبارك وتعالى-مواضع قضاء الحاجة متوافرة بالقرب من المساجد.
      وكذلك بالنسبة إلى الأكل:
      ذهب بعض العلماء إلى أنه إذا كان يَجد من يأتيه بِأكله وشرابه إلى المسجد فإنه ليس له أن يَذهب إلى البيت، وهذا هو الذي ذهب إليه الجمهور.
      وذهب بعضهم إلى أنه يَجوز له ولو كان يجد من يأتي إليه بذلك.
      وذهب بعضهم إلى أنه إن كان يَستحيِي بِأن يَأكل في المسجد فذلك له، وإلا فلا.
      وأقول: إن وَجد مَن يَأتي إليه بذلك(31) فإنه لا يُرخَّص له بالخروج من المسجد، ولا عبرة بالاستحياء هاهنا فإنه بِإمكانه أن يَذهب إلى جهة من جهات المسجد ويأكل فيها.
      وهكذا لا يَجوز للإنسان أن يَخرج إلا لمثل هذه الحالات الضرورية القصوى:
      وذلك-أيضا-كالاغتسال الذي لابد منه أو الذي تَدعو إليه الضرورة، وأما ماعدا ذلك من الخروج الذي يَخرجه كثير من الناس وإن رَخَّص فيه من رَخَّص من أهل العلم فإنه يَنبغي أن يُشدَّد فيه-ولستُ الآن بِحاجة إلى ذِكر تلك الأمور-وإن كان يُمكن أن يُرخَّص في بعضها إذا كانت هنالك ضرورة ماسّة.
      وذلك-مثلا-كمَن مات له قريب يَلي هو الصلاة عليه ودفنَه:
      فإنّ بعض أهل لعلم يُرخِّص في ذلك.
      وبعضهم يذهب إلى أنّ اعتكافه يَفسد.
      والقول بالترخيص إذا كان هو الذي يَلي ذلك ولا يوجد أحد آخر يقوم بذلك فإنّ له وجها.
      وكذلك بالنسبة إلى زيارة المريض إذا كان قريبا له إذا كان يَمرّ عليه عند رجوعه من اغتساله أو من قضاء حاجته فيُرخَّص فيه بشرط ألاّ يَجلس بل يُسلِّم وهو مار في طريقه، أما إذا كان لم يَخرج لقضاء حاجة ضرورية فإنه لا يُرخَّص له في الخروج من أجل ذلك، وكذلك إذا كان ذلك الطريق في ناحية أخرى فإنه لا يُرخَّص له في ذلك، لأنّ كلَّ ذلك يَتنافى مع معنى الاعتكاف.
      و-كذلك-كثير من الناس يَسألون من أنهم يُريدون الاعتكاف ولكنّهم يَخرجون إلى العمل ثم يَرجعون بعد الرجوع من عملهم وهكذا بالنسبة إلى طلبة العلم فإنّ بعضا منهم يريد أن يَخرج إلى الدراسة ثم يَرجع إلى معتكَفه، وأقول: إنّ ذلك يتنافى مع الاعتكاف.
      وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ الإنسان إذا اشترط عند اعتكافه بِأنه يَخرج لكذا ويَخرج لكذا فإنّ ذلك له، وأخذوا ذلك مِن الاشتراط في الحج، فإنّ الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-رَخَّص في مَن يَخاف ألاّ يَتمكّن من إتمام مناسك الحج أن يَشترط بأنه يحل في الموضع الذي لا يَتمكّن من مواصلة الحج فيه، ولكنّ بين القضيتين فرقا شاسعا كما لا يَخفى، فإنّ ذلك الشخص لا يَتمكن من مواصلة الحج وأما هذا فإنه متمكّن من ذلك وإنما يَذهب لقضاء حاجة.
      نعم يُمكن أن يُرخَّص في الاشتراط لمن خاف مِن مرض يُداهِمه أو ما شابه ذلك فإنه يَشترط بِأنه إذا لم يَتمكّن من الاعتكاف بسبب مرض أو مرض قريب أو موته بأنه سيَخرج من ذلك الاعتكاف، وهذا كله فيما يَتعلّق باعتكاف النفل.
      أما بالنسبة إلى الاعتكاف الواجب-أيضا-إذا اشترط فيه فيجري فيه ما ذكرناه مِن الخلاف في الاشتراط وعدمه، ولكنّ القول بالاشتراط قول ضعيف جدا إلا فيما يَتعلّق بما ذكرتُه من خوف مرض أو مرض قريب يقوم هو بشؤونه أو ما شابه ذلك.هذا ومن الجدير بِالذِّكر أنّ مِن أهمّ الأمور التي يَجتنبها المعتكِف مباشَرة النساء، فلا يَجوز له وطء النساء كما أنه-أيضا-لا يَجوز له أن يَفعل شيئا من مُقدِّمات الوطء، فهذا أمر مهمّ، ولم أذكره من قبلُ في الشروط لأنّ ذلك مِن مُفسدات الاعتكاف، ولكن نظرا إلى ضيق الوقت وأنه لا يُمكن أن نُجيب عن ذلك بِجواب مُستقِل فإنه يُمكن أن نقول: إنّ مِن شروط ذلك ألاّ يَطأ الإنسان ولا يَفعل شيئا من مُقدٍّمات الوطء؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.
    • س:
      رجل مريض بالشلل أو لا يستطيع أن يَعتكف في المسجد، فهل له أن يَعتكف في بيته ؟ وهل للمرأة-أيضا-أن تَعتكف في بيتها دون المسجد ؟


      ج:
      أما الرجل فليس له أن يَعتكِف في بيته، لأنّ الله-تبارك وتعالى-يقول كما قدَّمنا [ ص1 ]: { ... وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد ... } [ سورة البقرة، من الآية: 187 ]، ويقول: { ... وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }(32) [ سورة البقرة، من الآية: 125 ]، فالرجل لا يَجوز له بحال من الأحوال أن يَعتكِف في غير المساجد، بِإجماع الأمّة الإسلامية قاطبة.
      وأما المرأة فإنّ أهل العلم اختلفوا فيها:
      ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنّ المرأة يَجوز لها أن تَعتكِف في مسجد بيتها .. أي في المكان الذي خَصّصته للصلاة في بيتها؛ وهذا القول هو مذهب الأحناف، وهو قول طائفة كبيرة من أصحابنا رضوان الله-تبارك وتعالى-عليهم.
      وذهبت طائفة من أهل العلم-وهو مذهب الأكثرين-إلى أنّ المرأة-أيضا-تَعتكِف في المساجد، وليس لها أن تَعتكِف في مسجد بيتها أبدا؛ وهذا القول هو القول الأقوى فيما يظهر لي، لأنه لا يُوجد هنالك دليل أبدا يَدلّ على أنّ المرأة تَعتكِف في بيتها، وقد ثبت أنّ نساء النبي-صلوات الله وسلامه عليه-قد اعتكَفن في مسجده الشريف في حياته وبعد حياته .. شَرعن في الاعتكاف في مسجده الشريف ويَصحّ القول بِأنهنّ اعتكَفن في مسجده وكذلك اعتكفن بعد ذلك في مسجده، ولم يَأت دليل يَدلّ على خلاف ذلك.
      لا يُقال: " إنّ هذا الأحاديث تدل على مشروعية الاعتكاف في المساجد، ولا تَدلّ على أنه لا يَصحّ الاعتكاف في غير المسجد "، لأننا نقول: إنه يُؤخذ من ذلك بالإضافة إلى الآيتين الكريمتين، مع ملاحظة ما ذكرناه بِأنه لم يَصح حديث قط ولا دليل آخر يَدلّ على مشروعية اعتكاف المرأة في بيتها.
      أما ما استدلوا به مِن فضل صلاة المرأة في مسجد بيتها على فضل صلاتها في مسجد الجماعة فذلك في الصلاة، ولا يُمكن أن يُؤخذ منه-بِحالٍ-جوازُ الاعتكاف بالنسبة للمرأة في البيت؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم. (33).


      س:
      هل يصح الاعتكاف في مصلّى صغير لا تُقام فيه الصلوات الخمس ؟


      ج:
      عندما يَعتكِف الإنسان فإنّه يَعتكِف من أجل حصول الأجر العظيم والثواب من عند الله-تبارك وتعالى-الذي يَحصل عليه الإنسان بِاعتكافه في المسجد ومواظبته على الطاعات من صلاة وصيام وذكرٍ وقراءةٍ لِكتابِ الله- تبارك وتعالى-و مِن ذلك المواظبةُ والمحافظةُ على الصلاة في الجماعة، فإذا كان هذا المسجد لا تُقام فيه الجماعة:
      فإنّ طائفة كبيرة من أهل العلم تقول: لا يَصحّ ذلك.
      وبعضهم وإن كان يقول بِصحّة ذلك ولكنّه يَرى الأوْلى ألاّ يكون في ذلك، لأنّ في ذلك مدعاة لترك صلاة الجماعة، وهذا مما لا ينبغي أبدا، إذ إنّ صلاة الجماعة-على الرأي الشهير-فريضة على كل فرد من الأفراد إذا كان يستطيع أن يَسعى إليها .. أي لم يَمنعه من ذلك مانع من مرض أو خوف.
      أما بالنسبة إلى المصليات فإنّ لأهل العلم كلاما هل تُلحَق بالمساجد أو لا ؟ وهنالك طائفة كبيرة تقول بأنها لا تُعطى أحكام المساجد؛ وعلى هذا الرأي لا يَصحّ الاعتكافُ فيها البتّة.


      س:
      هل يُستحبّ للناس أن يَعتكفوا جماعيا ؟


      ج:
      لا أدري ما المراد بالاعتكاف الجماعي، فإن كان يريد السائل-أو غيره-بأن يَسأل عن طائفة مِن الناس تَعتكِف في المسجد مع مواظبتها على الطاعات من صلاة وذكر ودعاء وقراءةٍ لِكتابِ الله-تبارك وتعالى-فلا مانع من ذلك، إذ لا يُمكِن أن يٌقال-بحال من الأحوال-أنّ كلّ إنسانٍ يَعتكِف في مسجد مستقل وإذا أراد شخص آخر أن يَعتكِف فلابد مِن أن يَعتكِف في مسجد آخر، وقد قدَّمنا أنّ الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قد اعتكف في المسجد وشَرعت بعض أزواجه في الاعتكاف معه، وأنه اعتكف هو وجماعة من أصحابه-أيضا-في المسجد، فهذا دليل واضح على أنه يَصحّ الاعتكافُ مِن جماعة في مسجد من المساجد، بل ولو لم يَأت ذلك فإنّ جَواز ذلك أمر واضح، لا يَحتاج إلى إقامة برهان؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم
    • الهوامش :


      1-وقع هنا-للأسف-انقطاع في الشريط لخلل أثناء تسجيله من التلفزيون، ويبدو أنه غير مؤثّر في جواب الشيخ.

      2- وسئل فضيلته عن بعض أحكام صيام الأيام الستة وهي كالتالي :


      س:
      صِيَام سِتَّة أيام مِن شَوَّال، هل يَلْزَم أن تَكون هذه الأيام مُتَتَابِعة أو أنَّه يصِحُّ تفرِيقُها ؟


      ج:
      إنَّ صِيامَ سِتةِ أيَّامٍ مِن شوال ثبت في سُنَّة النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وقد نَصَّ على ثبوت هذه السُّنَّة طائفةٌ كبيرة جدا مِن العلماء، وقد صحَّحَت الحديثَ الوارِد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك جماعةٌ كبيرة مِن أهل العلم، والقولُ بِمشروعيةِ صيام هذه الأيام-كَمَا أشَرْتُ-هو مذهبُ جُمْهور الأمَّة، والحديثُ الوارِد بِذلك لا شَكَّ أنَّه صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
      وقد ذَكر ابن دِحْيَة بِأنَّ هذا الحديثَ لا يَصِح عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر كلاما لا قيمة له، وقد توَلَّى الردّ عليه العلاّمة الحافظ العَلائي وذكر أغلب الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وقد أَجَادَ في أغلب ما ذَكَره وإن كانتْ قد وقعتْ له بعضُ الأخطاء في ذلك ولكنَّ جوابَه في الجملة مِن حيثُ ما يَتعلّق بِهذه القضية .. أي مِن حيث الصيام صحيحٌ لا غُبَارَ عليه وإن كانتْ لنا مناقشاتٌ حول ذلك في بعضِ الأمور الأخرى التي لا تَتَعَلَّق بِهذه الجزئية.
      فإذن صيامُ هذه الأيام مَشْرُوعٌ بِنَصِّ السُّنَّة، ولا ينبغي لأحد يَقْدِر على ذلك أن يُفرِّط فيه، لِما جاء مِن الأجر العظيم والثواب الجزيل في صيامِ هذه الأيام.
      والحديثُ لَم يَتَعَرَّض لتَتَابع هذه الأيام ولِعَدَم تتابعها وإنَّما جاء بِمشروعيةِ صيامِ هذه الأيام، و-كما أشرتُ-جُمهور الأمّة على ذلك.
      وبعضُ العلماء ذهب إلى أنّ ذلك لا يَنبغِي، ولَم يَأتوا بِشيءٍ يُمكن الاعتمادُ عليه، وإنَّما لَم يَثبُت لديهم هذا الحديث، لِكَوْنِهم لَم يَطَّلِعوا على الطُّرُق الصحيحة، ونظرا لِذلك قالوا بِما قالوه.
      وذكرنا أكثر مِنْ مَرَّة أنَّ الإنسان مهما أُوتِيَ مِن العلم لا يُمكنه أن يُحِيطَ بِسُنَّة رسولِ الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-عِلْمًا، فما مِن عالِم مِن العلماء إلا وقد خَفِيَت عَليه بعضُ السنن، ومَن قامتْ عليه الحجة بِذلك فلا يَنبغِي له أن يَلْتَفِت إلى أيِّ قَوْلٍ يُخالِف السنّة وإن جَلَََّتْ منْزِلةُ قائله بل ذلك القائل الذي قال بِخلاف تلك السنّة نَعْلَمُ مِنْ حاله بِأنَّهُ لَو اطَّلَع على تلك السنّة مِنْ طريقٍ تَقومُ بِها الحجّة لَكَان مِن أسرعِ الناس أخذاً بِذلك.
      على أنَّ بعضَ العلماء إنَّما قال بِأنَّ ذلك لا يَنبغِي إذا كان ذلك مُتَّصِلا بِشهرِ رمضان أما إذا صام بعدَ مُدَّة في شهر شوال فلا بأس بِذلك.
      والصحيح-كما قلنا-أنَّه لا مانع مِن أن يَصومَ تلك الأيام ولو بعدَ العِيد مباشَرة لأنه قد فَصَلَ بين رمضان[1] وبَيْنَ صيام هذه الستّة الأيام بِيَوْمِ الفِطْر، فإنّ صيامَه مَمْنُوعٌ بِإجْمَاع الأمّة الإسلامية ونَصِّ السنّةِ الـمُحَمَّدِية على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام.
      فَإِذَن ما رَاعَاهُ أولئك العلماء في هذه القضيةِ خَرَجْنا منه بِحمدِ الله-تبارك وتعالى-بِفِطْر يومِ العِيد، فلا اتّصال بيْن هذه الأيام وبيْن شهرِ رمضان المبارك.
      أما مِنْ ناحية التَّتَابُع وعدم التَّتَابُع فكما قلتُ السُّنَّة لَم تُفَصِّل في ذلك، وما دامتْ لَم تُفصِّل في ذلك فلِلإنسانِ أن يُتَابِعَ بيْن هذه الأيام وله-أيضا-أن يصُومَ يوما وأن يُفْطِرَ يوما أو أَنْ يَصُوم يوما ويُفْطِر يومَيْن أو ثلاثة أو أربعة أو أن يَصوم يومَيْن أو ثلاثة ثُم يُفْطِر يوما أو يومَيْن أو ما شابه ذلك .. إِنْ تابع فذلك خيْر لأنَّه مِنْ باب المسابقَة إلى الفَضْل والخيْر، والإنسانُ لا يَملِك مِنْ حياتِه شيئا فلا يَدرِي إلى متى سَيَعِيشُ في هذه الدنيا الفانِية، ولكن إن أراد أن يُؤَخِّر فلا بأس عليه بِمشيئة الله تبارك وتعالى .. المهم أن يَصومَ هذه الأيام في هذا الشهر وله الأجرُ والثواب بِمشيئة الله تبارك وتعالى.
      وقد ذَكَرْنَا أكثر مِن مَرَّة[1] أنه قد ثبتتْ سُنَنٌ متَعَدِّدَة في مشروعيةِ صيامِ بعضِ الأيام مِنَ السَّنَة وأظُنّ أنَّ طائفةً مِن المستمعِين الأفاضل قد استمَعوا إلى تلك الأجوبة وعَرَفُوا مِن خلالِها تلك الأيام التي يُشْرَعُ صيامُها، فيَنبغي لِلإنسان ألاّ يُفرِّط في الصيامِ المندوب الذي كان يَأتِي بِه النبي صلى الله عليه وسلم أو أنه حَثَّ عليه أو بيَّن فضلَه وعظيمَ منزلتِه؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.


      س:
      مَن كانت عليه أيام قضاء وقد تكون ستّة أيام فيُرِيد أن يَصومَ هذه الستّة الأيام و-أيضا-يَنوي معها صيام الستّة مِن شوال ؟


      ج:
      يعني هل يَصوم ستّةَ أيام فقط وتكون قضاءً وفي الوقت نفسه تكون نفلا ؟

      س:
      نعم.

      ج:
      لا .. هذا لا يُمْكِن، إنْ أراد أن يَصوم الكُل فَلْيَصُمْ الفريضة سِتَّة أيام إنْ كانت عليه ستّة أيام أو سبعة أو خَمسة أو بِحَسْبِ الأَيَّام التي عليه ويَصوم ستّة أيام مِنْ شوال، أمَّا أنْ يَجْمع بينهما في نِيَّةٍ واحدة بِحيث تَكون هذه الأيام تُجْزِيهِ عن قضاءِ شهرِ رمضان وتُجْزِيه عن الستّة الأيام المشروع صيامها فهذا مِمَّا لا يَصِح.
      إنَّما ذلك في بعضِ الأمور التي لا تُشْرَع لذاتِها .. مثلا لَوْ أراد الإنسان أن يُصلِّي ركعتين ويَنْوِي بِهِما الضُّحَى مثلا دَخَلَ المسجد وصَلَّى رَكعتَيْن فتُجزيه هاتَان الركعتان عن تَحية المسجد، لأنّ تَحيةَ المسجد ليستْ مَقْصُودَة لِذاتِها وإنَّما المهم ألاّ يَجلِس الإنسان إلا بعدَ أن يَأتِيَ بِركعتيْن فإذا صلّى فريضة أو نافلة أو سُنَّة أو ما شابه ذلك فلا بأس بعد ذلك مِن الجلوس ولا شيءَ عليه ويَكون قد أدّى ما شُرِعَ في حَقِّه بِمشيئة الله تبارك وتعالى، وكذلك لو أتى بِأكثر مِن ركعتين .. لو أتى بِأربع ركعات .. مثلا صَلَّى فريضةَ العشاء أو فريضةَ الظهر أو العصر أو ما شابه ذلك قبلَ أن يَجْلِس فلا بأس عليه، وإنَّما لا يُجْزِيهِ أن لو صَلَّى ركعةً واحدة على رأيِ مَن يَقول بِالتَّنَفُّل بِالركعة الواحدة ونَحن لا نرى ذلك أبدا وإنَّما لابُدَّ مِن أن يُصلِّيَ ركعتيْن على أقلِّ تقدير .. نعم يُمْكِنُ أنْ يُوتِرَ بِركعةٍ واحدة أما أنْ يَتَنَفَّل بِركعةٍ واحدة فهذا مِمَّا لَم يَرِد في السُّنَّة وإن قال بِه مَنْ قال مِنْ أهل العلم، فإنّ أقوالَهُم تلك تَفْتَقِرُ إلى الدليل ولا يُمْكِن أن تُنْصَبَ دليلا يُعْتَمَدُ عليه؛ والله ولي التوفيق.


      س:
      مَن أراد أن يَصوم هذه الستّة ويُوَزِّعها على الاثنين والخميس والأيام البِيض، هل له ذلك بِهذه النية ؟


      ج:
      لا مَانِع .. مُمْكِن أنْ يَصوم ستّةَ أيام .. يَصوم-مثلا-يَوْمَ الإثنين والخميس أو يَصوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر .. لا مانع مِن ذلك بِمشيئةِ الله تبارك وتعالى.


      س:
      هل يُقدَّم القضاء أو النَّفْل بِالنسبة لِلستّة أيام مِن شوال ؟


      ج:
      على كل حال؛ ذهب بعضُ أهل العلم إلى أنَّ الإنسان إذا أراد الفضْل الوارد في صيامِ هذه الست فإنَّه أوَّلاً عليه أنْ يَقضِي رمضان .. طبعا إن كان عليه هنالك قضاء، لأنَّه إن لَم يقْضِ لا يَصْدُقُ في حَقِّه أنَّه صام رمضان والحديث يقول: ( مَن صام رمضان ثُم أتْبَعَهُ بِستٍّ مِن شوال ) فمَن لَم يَقْضِ بعضَ الأيام مِنْ شهرِ رمضان لا يَصْدُقُ عليه هذا الحديث عند هؤلاء العلماء الذين قالوا بِهذا الرأي.
      وذهبت طائفة مِنْ أهل العلم إلى أنَّه يَحْصُلُ على ذلك بِمَشيئة الله-تعالى-ولَوْ كانت هنالك بعضُ الأيام قد أَفْطَرَها في شهرِ رمضان ولَم يَقُمْ بِقضائها بَعْد، ذلك لأنَّه ثبت مِن طريقِ السيدة عائشة-رضي الله تعالى عنها-أنَّها كانت تقضِي ما عليها مِن شهرِ رمضان في شهرِ شعبان لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يَصوم أغْلَبَ هذا الشهر، وقالوا: " مِنَ المسْتَبْعَد جِدا أن تَتْرك السيدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-صيامَ النفل في هذه المدّة بِحيث إنَّها لا تَصوم إلا شهر رمضان فقط مع أنَّها سَمعتْ الفضل العظيم مِن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في صيامِ هذه الأيام وفي غيرها مِن الأيام التي وَرَدَ الفضل في صيامها "، ولا شَكَّ بِأنّ هذا الرأيَ رأيٌ وجيه ولكن مَنْ أخذ بِالرأيِ الأوّل فإنَّه أَخَذَ بِأمرٍ مُتَّفَق عليه بيْن أهل العلم ويَصْدُقُ عليه الحديثُ بِاتّفاقِهم جَميعا بينما هذا الأمر فيه مِنَ الاحتمال ما فيه، فإنَّنَا وإن كنّا نَرَى أنَّ هذا القول مِن القوّة بِمكان ولكنَّنَا لا نستطيع أَنْ نَقْطَعَ بِه لِوُرُودِ الاحتمال كما لا يَخفى؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.


      س:
      مَن لم يَصم الست مِن شوال إلى هذا الوقت [ 8 شوال ]، هل له أن يصوم ؟


      ج:
      نعم له أن يصوم، لأنّ الوقت لا زال باقيا؛ والله-تعالى-أعلم

    • 3-. قال الشيخ: " صوم " بدلا مِن " يوم " وهو سبق لسان

      4- قال الشيخ: " الحديث " بدلا مِن " الصيام " وهو سبق لسان.

      5- وفي سؤال مشابه له نصه كالتالي :


      س:
      ما حكم صيام شهر شعبان ؟


      ج:
      قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتا أوضحَ مِن شمس الظهيرة أنه كان يَصوم في شهر شعبان، وشهرةُ ذلك تُغني عن الإطالةِ بِذِكْرِ مَن رواه، وقد نَصّتْ على ذلك كلمةُ أهل العلم وإن اختلفوا في السببِ الذي كان يَدعو النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-لِصيامِ هذا الشهر، ولهم في ذلك أقوالٌ متعدِّدة ولم أَجِدْ حديثا صحيحا ثابتا يَدلّ على واحدٍ مِن تلك الأقوال، وذِكْرُ تلكَ الأحاديث التي استدلّ بِها القائلون على تلك الأقوال يَطولُ بِه المقام، وليستْ مِن ورائه فائدةٌ كبيرة، إذ إنها-كما قلتُ-لا يَثبتُ منها شيء وإن ادّعى بعضهم ثبوتَ واحدٍ مِن تلك الأحاديث.
      فبعضُ العلماء ذهب إلى أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-كان يَشتغِلُ عن صيامِ ثلاثةِ أيامٍ مِن كلِّ شهر بِالجهادِ أو بِغيْرِه وكان يَجمَعُ تلكَ الأيام فيَصومُها صلوات الله وسلامه عليه في شهرِ شعبان، وعلى هذا مَن لم يَشتغِل عن تلك الأيام فإنه لا يُسَنُّ في حقِّه أن يَصومَ هذا الشهر، ولكن هذا مبني على حديثٍ ضعيف-كما أشرتُ-فلا يُمكن أن يُعتمَدَ عليه.
      وقيل: إنه صلوات الله وسلامه عليه كان يَصومُ في هذا الشهر أكثرَ مِن غيْرِه مراعاةً لأزواجه-رضوان الله عليهن-إذ إنّهن كُنَّ يَصُمْنَ في هذا الشهر قضاءَ شهرِ رمضان، والواقعُ يَدلّ على عكسِ هذا تماما.
      وقيل بغيْرِ هذه الأقوال مِمّا يَطولُ ذِكْرُه، ولا دليل على ذلك.
      والظاهرُ لي بِأنّ صيامَ هذا الشهرِ سنّةٌ عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولم يَصُمْه صلوات الله وسلامه عليه مراعاةً لأمرٍ آخَر حتى يُقال إنّ ذلك ليس مِن السنَن المقصودة عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-وإنما يَصومُه مَن وَقَعَ له كما وَقَعَ لِلنبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أما مَن لم يَقَعْ له كَمِثلِ ما وَقَعَ لِلنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يَبقى كبقيةِ الأشهر الأخرى .. الصحيح أنّ ذلك مشروعٌ في هذا الشهر، وتلكَ الأقوال التي قالوها لا دليلَ على شيءٍ منها على أنّ بعضَها يَدلّ على أنّ ذلك مقصودٌ منه صلوات الله وسلامه عليه وأنه سنّةٌ ثابتة عنه.
      والحاصل أنه لا يَنبغي التفريطُ في صيامِ هذا الشهر وأنه سنّةٌ ثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا يَلزمنا أن نعرف لماذا خَصَّهُ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أكثرَ مِن غيْرِه مِن بقيةِ الشهور فإنّ الله-تبارك وتعالى-يَجعلُ الفضْل في ما شاءه مِن الشهورِ والأيام والليالي فإذا اطّلَعْنا على الحكمة فبِها وإلاّ فعلينا أن نَتَّبِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وإن لم نَعْلَم الحكمة التي شُرِعَ مِن أجْلِها ذلك الصيام أو تلك الصلاة أو تلك العبادة التي كان يَتَعَبَّدُ بِها النبي-صلوات الله وسلامه عليه-أو أنه أَمَرَنا بِها.
      وقد جاءَ في الحديثِ مِن طريقِ السيدة عائشة-رضي الله تعالى عنها-أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يَصومُ شهرَ شعبان كلَّه، وجاءَ في بعضها: " كان يَصومُ شهرَ شعبانَ كلَّه إلاّ قليلا منه "، وقد اختلَف العلماء في ذلك:

      1- منهم مَن ذهب إلى أنه صلوات الله وسلامه عليه كان في بعض السنوات يَصومُ شهرَ شعبان كلَّه وكان في بعضها يَصومُ بعضَه، فتُحمَل الرواية التي فيها أنه كان يَصومُ بعضَه على بعضِ السنوات وتُحمَل الأخرى على السنوات الأخرى.

      2- وذهب بعضهم إلى أنه كان صلوات الله وسلامه عليه يَصومُ أوّلا بعضَ شعبان ثم بعدَ ذلك كان يَصومُ الشهرَ كلَّه، وتُحمَل الرواياتُ-أيضا-على هذا.

      3- وذهب بعضهم إلى أنه صلوات الله وسلامه عليه كان يَصومُ مِن أوّلِ الشهر في بعض الأحيان وكان يَصومُ في منتصفِ الشهر وكان يَصومُ في أواخِر الشهر فما كان صلوات الله وسلامه عليه يَخصُّ وقتا مِن هذا الشهر بل كان يَصومُ تارةً في أوّلِه وتارةً في وسطِه وتارةً في أواخرِ الشهر، وعلى ذلك تُحمَل الروايات.

      4- وذهب بعضهم إلى أنه-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كان يَصومُ أغلبَ الشهر، وإطلاقُ الكل على الأغلب مِن بابِ المجاز؛ وهذا هو الرأي الذي أذهبُ إليه، فإنه قد ثبتَ مِن طريقِ السيدة عائشة-رضي الله تعالى عنها-التي رَوَتْ هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ما استكملَ صيامَ شهرٍ قطّ إلاّ شهرَ رمضان، وفي هذا دلالةٌ واضحة على أنه صلوات الله وسلامه عليه ما كان يَصومُ الشهرَ كلَّه وإنما كان يَصومُ أغلبَ الشهرِ، وتقريرُ ذلك يَطول وفي هذا كفايةٌ إن شاء الله تبارك وتعالى.


      6- وقد سئل فضيلته عن حكم صيام النصف من شعبان في أسئلة أخرى منها :

      س:
      ذكرتم في حلقة ماضية حديثا ورد في النهي عن صيام ما بعد النصف من شعبان .. الرجاء توضيح جوابكم أكثر.


      ج:
      نعم قلتُ: إنه قد ورد في ذلك حديث مروي عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ونحن نعلم أنّ ما روي عن النبي-صلى الله عليه وسلم-منه الصحيح ومنه الحسن ومنه الضعيف، أو بعبارة أخرى منه الصحيح المقبول ومنه الباطل المردود، وهذا الحديث-الذي تشير أنت إليه الآن وذكرناه في تلك الليلة-حديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومادام هذا الحديث غير ثابت عنه-صلوات الله وسلامه عليه-فإنه لا يترتب عليه شيء من الأحكام الشرعية، وقد ثبت عنالنبي-صلى الله عليه وسلم-ما يخالف ذلك، حيث إنه قد ثبت عنه-صلوات الله وسلامه عليه-أنه كان يصوم شهر شعبان أو-كما في بعض الروايات-كان يصوم أغلبه، فإذن ينبغي للإنسان أن يُكثِر من الصيام في شهر شعبان ولو كان ذلك بعد الخامس عشر منه-ولا ينبغي له أن يلتفت إلى ذلك الحديث الباطل المنكَر الذي لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم-وإنما يتوقف عن الصيام إذا بقي يوم أو يومان من شهر شعبان إلا إذا كان يصوم قضاء أو كفارة أو نذرا أو كان يصوم صياما قد اعتاد أن يصومه؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم


      س:
      هناك من سمع أو قرأ بأنّه ورد نهي عن الصيام بعد نصف شهر شعبان، فهل يُنهى عن الصيام بعد نصف شهر شعبان ؟


      ج:
      نعم رُوي حديث عن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فيه النهي عن صيام النفل إذا انتصف شهر شعبان .. روى هذا الحديث جماعة من أئمة الحديث، منهم عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي في " الكبرى " وأبو داود والترمذي والدارمي وابن ماجة وابن حبان وتَمّام في فوائده والعُقَيْلي في " الضعفاء " وابن عَدِي في " الكامل "، وقد اختلف العلماء في ثبوت هذا الحديث:
      منهم من قال بثبوته، وممن حكم بثبوته الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي في " شرح معاني الآثار " وابن عبد البر وابن حزم وابن عساكر، وجماعة ومنهم من حكم بنُكارَته أو شُذوذِه، وممن صنع ذلك عبد الرحمن بن مهدي وابن معين وأحمد وأبو زُرْعَة الرّازي وابن رَجَب، وجماعة؛ وهو الذي أذهب إليه، فأرى أنّ هذا الحديث شاذّ على أحسن الأحوال، لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لمعارضته لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-من طريق صحيح ثابت لا خلاف بين أهل العلم في ثبوته-من أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصوم شهر شعبان أو كان يصوم أكثر شهر شعبان، فصلوات الله وسلامه عليه كان يصوم أكثر شهر شعبان. والذين قالوا بثبوت هذا الحديث اختلفوا في معناه:
      منهم من ذهب إلى أنه يُنهى عن صيام اليوم السادس عشر فقط، وهذا هو الذي ذهب إليه ابن حزم. ومنهم من ذهب إلى أنّ هذا النهي ينطبق على من صامه من أجل مراعاة رمضان. ومنهم من ذهب إلى أنّ ذلك ينطبق على من كان يُضعِفه الصيام عن صيام شهر رمضان. ولكنّ الحديث-كما قلتُ-لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو من طريق ضعيفة، تكلم بعض أهل العلم فيها، وتقوية راويها في حقيقة الواقع لا تفيد، أوّلا أنّ ذلك الراوي مختلَف فيه بين أهل العلم، وثانيا أنّ صحة الإسناد-على تقدير صحة الإسناد-لا تكفي للحكم على الحديث بالثبوت بل لابد من توافر بعض الشروط الأخرى ومن جملتها عدم الشذوذ والعِلّة، والحديث ها هنا شاذٌّ مُعَلّ، لمخالفته للصحيح الثابت من فِعل رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، على أنّ ذلك الراوي فيه كلام كما قلتُ. فإذن لا مانع من الصيام في هذا الشهر، بل ينبغي للإنسان أن يصوم فيه اقتداء بالنبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ولما فيه من الفضل، ولا شك أنّ ما يفعله الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فيه خير كثير، و: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة )) [ سورة الأحزاب، من الآية: 21 ] .. نعم من كان يُضعِفه الصيام عن شهر رمضان فيظن أنه إذا صام هذا الشهر يمكن أن يَضعُف عن صيام شهر رمضان وربما يضطر إلى الإفطار فإنه لا ينبغي له الإكثار من الصيام في هذا الشهر مراعاةً لشهر رمضان، لأنّ الصيام فيه واجب بخلاف هذا، والإنسان طبيب نفسه في مثل هذه الأمور؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.

    • 7 - جاءت أسئلة مشابهة تبين حكم صيام يوم الشك من ذلك :

      س:
      ربما توجد لدى بعض الناس درجة من الشك في ثبوت الهلال أو عدمه فيكلِّف نفسه صوم ذلك اليوم اعتقادا على أنه يُفرَض عليه أن يصومه؟


      ج:
      على كل حال؛ هذا خطأ كبير, لا ينبغي للإنسان أن يَلتفت إلى الشكوك، والرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-قد قطع الأمر في هذه المسألة، وقد جاء عن عمّار-رضي الله تبارك وتعالى عنه-أنه قال: " من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهو حديث صحيح، روته جماعة من أئمة الحديث، فقد رواه النسائي وأبو داود والترمذي والدارمي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والطحاوي في " شرح المعاني "، ورواه-أيضا-الدارقطني والحاكم والبيهقي، وهو حديث صحيح ثابت كما قلتُ، وهو وإن كان موقوفا في الظاهر لكنه في حكم المرفوع؛ فمن صام هذا اليوم فهو عاص لله-تبارك وتعالى-ولرسوله بنصّ هذا الحديث الثابت؛ وقد جاء في الربيع مرسَلا النهي عن صوم يوم الشك؛ وقد جاء-أيضا-في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا تَقَدَّموا رمضان بصوم يوم أو يومين )، والحديث صحيح ثابت، فقد رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي والدارمي وابن ماجة والشافعي في مسنده وابن أبي شيبة وعبد الرزاق وابن حبان والبيهقي، وجماعة، فهذا الحديث فيه نهي عن تقدُّم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا من كان يصوم صياما واجبا عليه-كصوم كفارة أو صوم قضاء لشهر رمضان المبارك أو صوم نذر-أو كان يصادف ذلك صوما مندوبا-كأن يكون يصوم يوما ويفطر يوما فصادف ذلك اليومُ اليومَ الذي يصوم فيه أو كان يصوم يوم الاثنين أو يوم الخميس لثبوت سنّة في فضل صيامهما فصادف ذلك اليومُ يومَ الخميس أو يومَ الاثنين-فإنه يصوم ذلك، ولا يكون داخلا في النهي بنصّ الحديث الصحيح، وهو الذي ذهبت إليه طائفة من أهل العلم, فالحديث نصّ في النهي والأصل في النهي أن يُحمَل على التحريم، كما ذهب إلى ذلك جمهور الأمّة، لأدلة متعددة مبسوطة في موضعها؛ وكذلك جاء من طريق أبي سعيد الخذري-رضي الله تعالى عنه-عند الإمام الحافظ الحجّة الربيع بن حبيب رحمه الله تبارك وتعالى-أنّ النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: ( لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه )، فالحديث فيه نهي عن الصيام حتى تثبت الرؤية والنهي- كما قلتُ - يدل على التحريم؛ وقد جاء-أيضا-مثل ذلك من طريق ابن عمر-رضي الله تعالى عنهما-ومن طريق أبي هريرة، عند البخاري ومسلم، فقد جاء عند الإمام البخاري من طريق ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: ( فإن غمّ عليكم فأكملوا العِدَّة ثلاثين) وجاء عند مسلم: ( فاقدُروا له ثلاثين )، وجاء من طريق أبي هريرة عند الإمام البخاري: ( فإن غبي عليكم فأكملوا عِدّة شعبان ثلاثين ) وجاء عند مسلم ( فإن غمِّي عليكم فأكملوا ثلاثين )، إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي يطول بها المقام، ففيها دلالة واضحة، لأنّ في بعضها النهي عن الصيام والنهي يدل على التحريم، وفي بعضها الأمر بإكمال شعبان ثلاثين والأمر يدل على الوجوب ما لم تصرفه قرينة ولا قرينة هاهنا، ولذلك نرى أنّ قول من قال بتحريم صيام يوم الشك .. نرى أنّ هذا القول هو القول الصحيح، وهو الذي ذهبت إليه طائفة كبيرة من أهل العلم. وإن كان بعض العلماء ذهب إلى كراهة ذلك ومع ذلك - أيضا- لا ينبغي لأحد أن يصومه، لأنّ الله- تبارك وتعالى- لا يُتقرَّب إليه بالمكروه. ومنهم من ذهب إلى إباحة ذلك؛ وذلك مخالِف لنصّ السنّة. ومنهم من قال بندبية صيام ذلك. ومنهم من قال بوجوبه قطعا. ومنهم من قال بوجوبه ظنّا. ومنهم من قال بوجوبه على طريق الاحتياط. ومنهم من قال بغير ذلك من الأقوال الساقطة التي لا داعي إلى ذكرها هذا إذا كان في السماء غيم أو قَتَر .. أي كان هنالك سحاب أو غبار يمنعان من رؤية الهلال، والحقّ أنه إذا غُمّ أو غَبِي ولم تُمكِن رؤيته بسبب السحاب أو الغبار أو ما شابه ذلك من الموانع أنه لا يُصام، للنصوص الصحيحة الثابتة. وأما ما جاء في بعض الروايات من قوله: ( فاقدُروا ) فإنّ معنى ذلك "اقدروا ثلاثين "، كما جاء في الروايات المصرِّحة .. إذا جاءت رواية مجملة وأخرى مصرِّحة بذلك فإنّ المجمل يُرَدُّ إلى المبيّن، على أنه حتى لو لم تأت هذه الرواية المصرِّحة بذلك فإنه لابد من أن يُحمَل على ذلك، ولِبسط ذلك موضع آخر, فالحق الحقيق بالقبول أنّ صيام يوم الشك حرام، ويليه في القوّة قول من قال بالكراهة والله-تبارك وتعالى كما قلتُ-لا يُعبَد بالمكروه، فلا ينبغي لأحد أن يَحتاط أمثال هذه الاحتياطات الباطلة المخالِفة لسنّة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-الواضحة وضوحا أوضح من شمس الظهيرة. ونحن نرى أنّ الرسول-صلى الله عليه وسلم-يَقطع على أهل الشكوك شكوكهم في كثير من الأحوال، فقد ثبت في السنّة أنّ من كان يصلي وظنّ أنه قد خرج منه ريح أنه لا يَخرج من صلاته تلك إلا إذا تيقّن ذلك بأن شمّ رائحة ذلك الريح أو سمع صوته، أما إذا كان الأمر بخلاف ذلك فلا، فمثل هذه الشكوك التي يَدّعي كثير من الناس بأنها احتياطات هي من باب الاحتياطات الباردة، فالاحتياط عندما تتعادل الأدلة .. هنالك يمكن للإنسان أن يحتاط، أما إذا كانت الأدلة واضحة كوضوح الشمس في الظهيرة فلا ينبغي أن يُلتفَت إلى ذلك. ومن المعلوم أننا نجد كثيرا من الأقوال تُنسَب إلى بعض الأئمة وفي حقيقة الواقع تلك الأقوال لا تثبت عن أولئك الأئمة، لأنها جاءت من بعض الطرق التي لا تصلح للاستشهاد بها, ثم إنّ ما ثبت عنهم أو عن غيرهم فإنّ الفيصل في مثل هذه القضايا الحجّة، والحجّة لا تكون إلا من كتاب الله أو من سنّة رسوله-صلى الله عليه وسلم-الصحيحة الثابتة عنه أو ما يَرجع إليهما بوجه من الوجوه المعتبَرة، أما أقوال أهل العلم وإن جَلَّت منازلهم فإنها يُحتَج لها ولا يُحتَج بها، وإن كان ذلك لا يعني القدح في أهل العلم، فينبغي للإنسان أن يُبجِّل أولئك العلماء وأن يَبحث لهم عن احتمال ولو كان أوهى من خيوط العنكبوت، إذ لا يُمكن لعالم من العلماء أن يُخالِف سنّة صحيحة ثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-بالهوى، وإنما قد يُخالِف ذلك لعدم ثبوت تلك السنّة عنده أو لعدم إطلاعه عليها أو ما شابه ذلك، فنبحث له عن العذر في تلك المخالَفة ولكن لا يجوز لنا أن نُتابِعه على ذلك القول؛ والله-تبارك وتعالى- أعلم.


      س:
      متى بالتحديد يوم الشك؟ هل التاسع والعشرون من شعبان أم يوم ثلاثين من شعبان، حتى يتجنب الناس صومه؟


      ج:
      على كل حال؛ بالنسبة إلى يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم تثبت .. إن لم تثبت الرؤية فذلك اليوم هو يوم الشك، أما بالنسبة إلى يوم التاسع والعشرين فهو ليس بيوم شك، لأنه من شعبان، كما هو واضح، ولكن-كما قلتُ-جاء في الحديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ( لا تَقَدَّموا رمضان بصوم يوم أو يومين ) إلا- طبعا- من كان يصوم صياما واجبا عليه أو صادف ذلك عادة كمن كان يصوم يوما ويفطر يوما أو-أيضا-صادف ذلك يوم الاثنين أو يوم الخميس وكان من عادته يصوم ذلك اليوم أما أن يصومه على جهة الاحتياط أو لا فذلك مما يُنهى عنه، فإذن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان ولكن النهي ثبت عن تَقدُّم رمضان بصيام يوم أو يومين كما في الحديث؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.
    • س:
      نظرا لأنّ الناس في هذا الأسبوع سيستقبلون شهر رمضان الكريم بإذن الله-سبحانه وتعالى-والكل متلهف لاستقباله يسأل الكثيرون عن صيام يوم الشك إذا ما صادف مثل ذلك اليوم، ماحكمه؟


      ج:
      إنّ العلماء قد اختلفوا في صوم يوم الشك، ولهم في ذلك أقوال متعددة:
      ذهب بعض العلماء إلى تحريم صومه، لنهي النبي-صلوات الله وسلامه عليه-عن ذلك، فقد روى الإمام الحافظ الحجة من طريق أبي عبيدة عن جابر بن زيد- رضي الله تعالى عنهم- أنّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-نهى عن صيام يوم الشك، وروى الأربعة وغيرهم عن عمار بن ياسر-رضي الله تبارك وتعالى عنه-قال: " من صام اليوم الذي يُشَك فيه فقد عصى أبا القاسم " صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فالحديث الأول فيه نهي النبي-صلوات الله وسلامه عليه- عن ذلك، وحقيقة النهي أنه يدل على التحريم ما لم تصرفه قرينة، كما هو مذهب جمهور الأمّة، والحديث الثاني الذي جاء من طريق عمار بن ياسر-رضي الله تعالى عنه-نسب فيه-رضوان الله تعالى عليه-من صام يوم الشك إلى معصية رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وذلك لا يكون إلا بارتكاب محجور. وذهبت طائفة من أهل العلم إلى القول بكراهة ذلك. وذكرت طائفة من أهل العلم أنه يُنهى عن صيامه من غير أن يصرحوا بتحريم أو كراهة، وهذا هو الذي يسلكه كثير من السلف فإنهم عندما يجدون نهيا عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-يجتنبون ذلك الذي نهى عنه صلوات الله وسلامه عليه ويذكرون أنه منهي عنه من غير أن يصرحوا بتحريم أو كراهة مخافة الوقوع في المحظور، ثم إنه من المعلوم المتقرر عند العلماء قاطبة أنّ الله- تبارك وتعالى- لا يُعبَد بما نهى عنه أو نهى عنه رسوله صلوات الله وسلامه عليه، فلا ينبغي لأحد أن يَعبُد الله-تبارك وتعالى-بشيء قد نُهِي عنه سواء كان ذلك على طريق التحريم أو طريق الكراهة، ولكن الناس في هذا الزمان وللأسف الشديد يَسألون من أول وهلة هل هذا النهي للتحريم أو هو للكراهة ؟ .. وأعني بهم البعض ولا أريد الكل .. أقول: لا يبالي كثير من الناس بارتكاب المكروهات، ونحن وإن كنا نفرِّق بين الواجب والمندوب ونفرِّق بين الحرام والمكروه إلا أننا نقول إنه لا ينبغي للإنسان أن يفرِّط في المندوبات كما أنه لا ينبغي لأحد أن يرتكب شيئا نهى عنه الله- تبارك وتعالى- أو نهى عنه رسوله صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك قلتُ: إنّ السلف كانوا يَحكمون بالنهي في كثير من الأمور ويزجرون عن ذلك ولو كان ذلك النهي للكراهة لا غير.
    • وذهب بعض العلماء إلى التخيير بين صيامه وبين إفطاره. وذهب بعضهم إلى القول بندبية ذلك. وهذان القولان من الضعف بمكان إذ إنّ أقل أحوال النهي أن يُحمَل على الكراهة، أما أن يقال بإباحة شيء أو بالتخيير بينه وبين غيره مع أنه قد نُهي عنه فهذا مما لا ينبغي أن يُلتفَت إليه، على أنه يُمكِن أن يُحمَل ما ذُكِر عن هؤلاء بأنّ ذلك محمول في حالة ثانية سيأتي الكلام عليها لا أنّ ذلك على مطلق الأقوال، ولكنّ كثيرا من الناس عندما يَجدون كلاما مطلقا يَحملون ذلك الكلام على الإطلاق مع أنه يُراد به التقييد، وهكذا في حالة العموم وفي حالة الخصوص، ويلتبِس الأمر بعد ذلك على كثير من الناس فلا يُفرِّقون بين العام وبين الخاص وبين المطلق والمقيّد في مثل هذه الأمور، وإلا لا يمكن أن يقول أحد بندبية مثل هذا الأمر أو بالتخيير بينه وبين غيره مع أنه منهي عنه كما ذكرنا. وهذا كله إذا لم يكن هنالك غيم أو قَتَر . وأما في حالة وجود غيم أو في حالة وجود شيء يَمنع من رؤية الهلال-كالغبار الشديد أو ما شابه ذلك-فإنّ بعض أهل العلم ذهبوا أيضا إلى تحريم صيامه، لما ذكرناه من النهي ولما سيأتي ذكره بمشيئة الله تبارك وتعالى. وذهب بعضهم إلى الكراهة أيضا. وذهب بعضهم إلى القول بالنهي من غير تصريح بتحريم أو كراهة. وذهب بعضهم إلى التخيير. وذهب بعضهم إلى الإباحة وهي الأقوال التي ذكرناها سابقا. وذهب بعض أهل العلم إلى القول بوجوب صومه؛ وهو مروي عن الإمام أحمد كما نص على ذلك غير واحد من أتباعه، وذهب إليه أكثر أصحابه من المتقدمين، وذهبت إلى ذلك-أيضا-طائفة من المتأخرين من الحنابلة؛ واختلفوا هل هذا الوجوب على طريق الجزم أو على طريق الاحتمال: ذهب بعضهم إلى أنه يُجزَم بوجوب صيامه. وذهب بعضهم إلى الظن وعدم الجزم. وذَكَر ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الهادي وصاحب " الفروع " أنّ ذلك لا يَثبُت عن الإمام أحمد .. أعني القول بوجوب صيامه على طريق الجزم، بل بعضهم ذهب أيضا إلى عدم ثبوت ذلك عنه حتى على طريق الظن. وهذا القول رواه جماعة عن طائفة كبيرة من الصحابة والتابعين، ولا يصح ذلك عن أحد من صحابة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، كما أنني لم أجد ذلك ثابتا عن أحد من التابعين رضوان الله-تعالى-عليهم، وإنما جاءت روايات متعددة عن الصحابة تدل على شيء من ذلك ولكنّ أغلب تلك الروايات لا يَثبُت عن أحد من أولئك الصحابة الذين روي عنهم. ومن المعروف أنه لابد من معرفة الأسانيد حتى فيما نسب إلى الصحابة، ولكنّ كثيرا من الناس يتساهلون في نسبة الأقوال إلى هؤلاء الصحابة-رضوان الله تعالى عليهم-مع أنّ كثيرا من الأقوال التي تُنسَب إليهم لا تَثبُت عن كثير منهم سواء كان ذلك في هذه المسألة أو في غيرها فلابد من التثبت في مثل هذه القضايا نعم جاء عن بعض الصحابة-رضوان الله تعالى عليهم-أنه كان يصوم، ولكن لا يمكن أن يُحمَل ذلك على طريق الوجوب، بل القرائن تدل على خلاف ذلك. وذهب بعضهم إلى أنه إن صامه الإمام وأمر به فإنه يُصام وإلا فلا. وذهب بعضهم إلى أنه يصومه الخاصة دون غيرهموالمراد بالخاصة من يتمكن من المحافظة على نيته .. أي يجزم بالنية ولا يتردد في ذلك أما من يتردد في النية فلا. وذهب بعضهم إلى أنه يصومه المفتي والقاضي ويمكن أن يحمل ذلك-أيضا-على غيرهم من أهل العلم؛ ولا دليل على هذا بل هو من الضعف بمكان. وذهب بعضهم إلى أنه يُصام إلى أن تأتي الأخبار .. أي يصومه الناس حتى يأتي الناس من كل مكان لاحتمال أن يكون أحد من تلك الأطراف قد رآه؛ وهذا لا حاجة إليه في هذا الزمان مع توفر الوسائل مع ضعف هذا القول. والقول الصواب في هذه القضية أنه لا يمكن أن يقال بندبيته ولا بالتخيير بينه وبين غيره فضلا من أن يقال بوجوب ذلك على سبيل الظن أو سبيل اليقين، إذ ليس هنالك دليل يدل على ندبية ذلك أو التخيير بينه وبين غيره-كما قلتُ-فضلا عن الوجوب، بل الذي ينبغي أن يُجزَم به هو القول بالنهي عن صيامه، ويَحتاج إلى شيء من النظر الجزم بالتحريم أو بالكراهة، وإن كان القول بالتحريم هو الأصوب، ولكنّ السلامة هي في اتباع أولئك السلف الذين نهوا عن صيامه، كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من غير أن نتعرّض لجزم بهذا أو بهذا .. نعم الرواية المروية عن عمّار-رضوان الله تبارك وتعالى عليه-تدل على التحريم إلا أنّ أهل العلم اختلفوا فيها هل هي مرفوعة أو موقوفة، ولفظها على الصحيح موقوف ولكنها محمولة على الرفع إلا أنها محتمِلة للكراهة وإن كان احتمالا فيه شيء من النظر وذلك لاحتمال أن يكون عمّار-رضي الله تعالى عنه- سمِع النهي من النبي- صلوات الله وسلامه عليه-ولم يسمَع التحريم فحمَله على التحريم مع احتمال الكراهة، والقول بالتحريم-كما قلتُ-هو الأقوى، وذلك لهذه الرواية، ولأنّ التحريم هو الأصل في النهي، ثم إنّ هنالك روايات فيها النهي من غير هاتين الروايتين اللتين ذكرتُهما، فمن ذلك أنّ النبي-صلوات الله وسلامه عليه-نهى عن تقدم شهر رمضان بصوم يوم ولا يومين، ومنها أيضا .. نهى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الصيام حتى تثبت الرؤية أو يكتمل العَدد، فهذه الأدلة تدل على أنه لا يمكن أن يقال بالإباحة فضلا من أن يقال بالندب وفضلا من أن يقال بالوجوب. أما ما استدل به الذين قالوا بالوجوب فهو لا دليل فيه، وذلك أنهم استدلوا ببعض الروايات المحتمِلة ومن المعلوم أنه لا يصار إلى مثل هذه الاحتمالات مع وجود أدلة صريحة واضحة كل الوضوح تدل على خلاف ذلك، فالمتشابه لابد من أن يُحمَل على المحكَم، والمجمَل لابد من أن يحمل على المبيّن، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يُعارَض بين مجمل وبين مبيّن ولا بين متشابه ولا بين محكم، فالنبي- صلوات الله وسلامه عليه- قد نهى عن تقدم شهر رمضان بيوم أو يومين، كما ثبت ذلك عنه صلوات الله وسلامه عليه، وأيضا قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( الشهر تسع وعشرون ليلة ) وبيّن بعد ذلك- صلوات الله وسلامه عليه- أنه إذا لم تثبت رؤية الهلال أنه لابد من إكمال الشهر فقال: ( فأتموا ثلاثين) ، كما جاء ذلك عند البخاري من طريق ابن عمر رضي الله تعالى عنه: ( فلا تصوموا حتى تروه فإن غُمَّ عليكم فأتموا ثلاثين )، فهذه الرواية صريحة كل الصراحة في أنه إذا لم تثبت الرؤية أنه لابد من إتمام الثلاثين، وحمْلُ من حمَلها على هلال شوال فيه ما فيه كما هو ظاهر، فالرواية شاملة لكل شهر من الشهور، ثم إنه لابد من أن يقال بدخول هلال شهر رمضان من طريق الأوْلى فإنه قال: ( فلا تصوموا حتى تروه ) .. أي حتى تروا هلال شهر رمضان، وكذلك جاء من طريق أبي هريرة عند البخاري: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين ) والرواية صحيحة إلا ما جاء فيها من ذكر " شعبان " فإنّ التصريح بشعبان مُدرَج على الصحيح، كما ذهب إلى ذلك ابن الجوزي، وهو الذي ذهب إليه-أيضا-الحافظ ابن حجر، وذكر الإسماعيلي بأنه محتمِل، وهذا هو الصواب إلا أنّ القرائن تدل على ذلك أو على أقل تقدير تدل على أنه شامل لكل شهر، كما جاء ذلك في رواية عند الإمام مسلم، وكذلك جاء من طريق السيدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-أنّ الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كان يتحرى هلال شهر شعبان أكثر من تحريه لغيره فإن رأى هلال رمضان وإلا أكمل العدّة، والحديث صحيح، كما نصّ على ذلك غير واحد من أهل العلم، منهم الدارقطني والنووي وابن عبد الهادي والحافظ ابن حجر، وقد رواه أبو داوود والنسائي في " الكبرى " وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم، وغيرهم، وكذلك جاء من طريق ابن عباس-رضي الله تبارك وتعالى عنهما- عند جماعة من أئمة الحديث، منهم النسائي وأبو داوود وأحمد وابن أبي شيبة وعبد الرزاق وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم، وكذلك رواه أحمد، ورواه الشافعي، ورواه طائفة أخرى من أئمة الحديث، ورواه مالك إلا أنه منقطع عنده، وقد أعلّه بعضهم برواية سِماك عن عِكرمة فإنها رواية ضعيفة، ولكنه لم يَنفرد بذلك، إذ إنه قد توبِع، وكذلك لا يُعَل بعدم اتصال الإسناد عند مالك فإنه متصل عند غيره، فرواية ابن عباس-رضي الله تعالى عنهما-تدل دلالة واضحة أنه لابد من إكمال الشهر ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ) وقد جاء ذلك-أيضا-من طريق حذيفة رضي الله-تعالى-عنه، وقد صحح ذلك النووي وغيره، وهي رواية صحيحة، ولا عبرة بإعلال ابن الجوزي لها، فإنه قد أخطأ الصواب، وعلى كل حال الروايات في ذلك كثيرة ويشد بعضها بعضا. أما ما ذكره من قال بالوجوب من رواية: ( فاقدُروا له ) فإنّ هذه الرواية لا دليل فيها على ما ذهبوا إليه، إذ إنّ الإمام مسلما قد بيّن في روايته من أنّ الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ( اقدروا له ثلاثين ) فالرواية وإن كانت محتملة إلا أنّ هذه الرواية عند الإمام مسلم تُصرِّح بالمراد، ثم إنّ هذه الرواية تتفق مع بقية الروايات الأخرى، وهي من المحكَم بخلاف بقية الروايات فإنها من المجمَل المتشابه، فلابد من ردّ تلك الروايات إلى هذه الرواية، ولابد من الأخذ بهذه الروايات المحكَمة، وبذلك تتفق الروايات وتَسلَم من الاضطراب، ومن المعلوم من أنّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد صرّح بلفظ واحد ولم يصرّح بكل هذه الألفاظ فلا يمكن أن تُحمَل هذه الرواية على كذا وهذه الرواية على كذا، كما حاول بعض العلماء من حمل رواية: ( فاقدروا ) على من كان له علم بالفلَك بخلاف من لم يكن عالما بذلك، فلا يمكن أن تحمل هذه الروايات على ذلك، لأن مَخرَجها متحِد وإذا اتحد المخرج فلابد من أن يكون النبي صلوات الله وسلامه عليه قد نطق بلفظ واحد وبقية الألفاظ تكون من باب الرواية بالمعنى فيبحث عن اللفظ الذي قاله النبي-صلوات الله وسلامه عليه-أو تتفق المعاني عليه ويؤخذ به، وقد رأيتم بأنّ المراد برواية: ( فاقدروا ) " اجعلوا شهر شعبان ثلاثين "، وهذه الرواية تتفق مع بقية الروايات الأخرى. ويتبيّن أنّ القول الصواب هو قول من قال بالنهي عن صيام يوم الشك. أما من قال بأنه يصومه من كان يتمكن من العزم الأكيد، فهذا لا دليل عليه، بل الصواب أنّ من صامه بنية رمضان فإنه لا ينفعه ذلك، ويجب عليه أن يقوم بعد ذلك بإعادته بل عليه أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى، لأنه وافق ما نهى عنه النبي صلوات الله وسلامه عليه، وهذه المسألة تحتاج إلى بسط كثير جدا- فإنّ طائفة من أهل العلم قد أفردوها بكتب متعددة- وذلك لا يمكن في مثل هذه الأوقات المختصرة؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.

    • 8- وسئل فضيلته عن صيام شهر رجب في أسئلة أخرى نصها كالتالي :

      س:
      نحنالآن في شهر رجب والناس-في الحقيقة-علق في أذهانهم أنّ شهر رجب شهر يستحب صيامه وتستحب-أيضا-العمرة فيه ولذلك نجد كثيرا من الناس يصومون هذا الشهر ويذهبون-كذلك-إلى العمرة ليسجزافا وإنما تبركا بهذا الشهر الكريم، فهل وردت أحاديث تؤكد استحباب الصيام والأعمال الصالحة في رجب ؟


      ج:
      إنه لم يثبت عن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-شيء من الأحاديث في مشروعية صيام رجب، وقد وردت أحاديث كثيرة جدا تدل على مشروعية ذلك ولكنها لا تثبت عن النبيصلوات الله وسلامه عليه، كما بيّن ذلك صَيارِفة هذا العلم ونُقّاده، إذ إنه من المعلوم المتفق عليه بين العلماء قاطبة أنّ الأحاديث التي تروى عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-ليست جميعا صحيحة ثابتة، وإنما منها الصحيح، ومنها الضعيف، ومنها-أيضا-الحسن؛ وبعض العلماء يجعلونها تنقسم إلى قسمين إلى صحيح وضعيف، فيَدخل الحسن في دائرة الضعيف؛ ولا إشكال في ذلك، لأنّ مقصود هؤلاء أنّ الحديث منه ما يحتج به ومنه ما لا يحتج به، ومثل هذه الأمور لا مشاحة فيها، إلا أنّ المشهور الذي اصطلح عليه الجمهور هو أنّ الأحاديث تنقسم إلى الأقسام الثلاثة المذكورة.
      والأحاديث التي وردت في صيام رجب لا تصل إلى درجة المقبول، بل هي من باب الضعيف بل هي من باب الضعيف الذي اشتدّ ضعفه، فأغلبها موضوع مُخترَع مصنوع، ومنها الضعيف جدا؛ وقد تكلم على ذلك العلماء كثيرا، ولستُ بحاجة إلى ذكر شيء من ذلك، وقد نصّ على ذلك الإمام نور الدين-رحمه الله تبارك وتعالى-في " جوهر النظام "، حيث قال-رحمه الله تبارك وتعالى-عن هذه الأحاديث:
      لكنها ضعيفة الإسناد
      وبعضهم بِوضعها يُنادي[1]
      نعم، قوّى بعض العلماء حديثا ورد في فضل صيام الأشهر الحرم-ورجب منها كما هو معلوم- ولكنّ ذلك الحديث-في حقيقة الواقع-لا يثبت-أيضا-عند التحقيق، لأنّ في إسناده مجهولا، وما كان كذلك لا يمكن أن يُحكَم بثبوته عن النبي صلوات الله وسلامه عليه.
      فإذن تلك الأحاديث هي من باب الضعيف الذي لا يمكن أن يرتقي إلى درجة الحجية حتى بمجموع طرقه.
      ومن هنا نقول: إنه لا ينبغي لأحد أن يصوم هذا الشهر إذا كان يعتقد بأنه ثابت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وأما أن يصومه-أو أن يصوم شيئا منه-لعموم فضل الصيام فذلك مما لا إشكال فيه.
      فهناك إذن أمران:
      الأمر الذي يُنهى عنه هو أن يعتقد بعض الناس بأنه ثابت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه.
      والثاني: أن يفعل ذلك بعض الناس بنية الحصول على فضل الصيام، لأنّ للصيام فضلا سواء كان في رجب أو كان في غيره ..نعم هو أفضل في بعض الشهور الأخرى، فالأفضل أن يصوم الإنسان في شهر شعبان إلى غير ذلك من الأيام-التي سنتكلم عليها في مناسبة أخرى، وقد تكلمنا عليها في العام الماضي أيضا[1]-ولكن بمناسبة قدوم شهر شعبان الذي هو يلي هذا الشهر، فإنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-كان يصوم أغلبهذا الشهر، وجاء في بعض الروايات أنه كان يصوم الشهر كله ولكنّ هذه الرواية الثانية محمولة على الأغلب، فالأفضل أن يصوم الإنسان شعبان، وإن شاء أن يصوم شيئا من شهر رجب من غير أن يعتقد بأنه ثابت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فلا إشكال.
      فإذن الذي يُنبِّه عليه أهل العلم هو عدم اعتقاد ثبوت صيام هذا الشهر عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، إذ إنه-كما قدمتُ-لم يثبت عنه حديث قولي ولا فعلي.
      هذا وقد استحب بعض العلماء صيام اليوم السابع والعشرين لظنّهم بأنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-قد أُسرِي به في ليلة السابع والعشرين، ونحن نقطع بالإسراء لنصّ الله-تبارك وتعالى-على ذلك في سورة الإسراء[1]، وكذلك أشار القرآن الكريم إشارة واضحة جلية إلى المعراج في سورة النجم[1]، وهنالك أحاديث كثيرة جدا جدا تدل على ذلك، فنحن وإن قطعنا بالإسراء ولكننا لا يمكن أن نقطع بأنه قد وقع في هذه الليلة؛ والعلماء قد اختلفوا كثيرا في الليلة وفي الشهر وفي السَّنة التي وقع فيها الإسراء والمعراج، على أنه لو كان قد وقع في هذه الليلة فإنه لا دليل يدل على مشروعية الصيام في اليوم الذي يليها، إذ لم يثبت ذلك عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، بل ولم يثبت عن أحد من صحابته رضوان الله-تبارك وتعالى-عليهم.
      فإذن الأفضل ألاّ يصام ذلك اليوم مخافة أن يعتقد بعض العوام بأنّ ذلك ثابت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه.
      فكثير من الأمور قد فعلها بعض العلماء على جهة الاستحباب وفعلها بعض العلماء من غير قصدٍ لأن تكون موافَقة لمناسبة من المناسبات ولكنّ بعض الجهلة ظنّوا بعد ذلك بأنّ هذه الأمور ثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-لفعل بعض أهل العلم لها أو لسكوت أهل العلم عن بعض الذين يفعلون ذلك.
      فإذن خلاصة ما في الأمر أنه لم يرد حديث ثابت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-في صوم شهر رجب، فمن صامه لا شيء عليه بشرط ألاّ يعتقد أنه ثابت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، أما أهل العلم فإن امتنعوا لفترة من الزمن عن ذلك مخافة أن يَعتقد بعض العوام بأنّ ذلك ثابت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-وفعلوا ذلك في الأشهر التي ثبت صيامها أو صيام بعض أيامها فذلك حسن وإن بيّنوا ذلك وصاموا بعض الأيام من غير أن يعتقدوا؛ وهذا معلوم، إذ لا يمكن أن يعتقد عالِم بثبوت شيء من هذه الأحاديث .. نعم نقَلَها بعض الفقهاء في كتبهم ولكنهم لم يشترطوا أن يَرووا فيها الثابت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-بل يروون فيها ما صح وما لم يصح ولا شك أنّ الأفضل أن يَقتصر العالِم عند كلامه عن المسائل الشرعية على الأحاديث الثابتة عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-وذلك-بالطبع-بحسب ظنّه، إذ إنّ أنظار أهل العلم تختلف في ثبوت بعض الأحاديث، فبعض العلماء يرى أنها ثابتة عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وبعض العلماء يرى أنها لم تثبت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه؛ ولا ينبغي لأحد أن يُعنِّف أحدا إذا ظنّ أنّ الحديث الفلاني ثابت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وإن كان ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص لا يرون ثبوت ذلك، لأنّ هذه المسائل من المسائل الظنية، والمسائل الظنية لا يمكن أن يُعنَّف فيها أحد، لأنه لا يمكن أن يَقطع أحد بثبوت ما يراه أو بضعف ما يراه، فما من حديث إذا لم يصل إلى درجة المقطوع بهأي بثبوته أو بعدم ثبوته إلا ويمكن أن يَتطرق إليه الضعف كما أنه يمكن أن يَتطرق إليه احتمال الصحة، ولكنّ الإنسان متعبَّد بحسب ظنّه، فإذا ظنّ أنّ هذا الحديث ثابت أخذ به في الأمور الظنية، أما بالنسبة إلى الأمور القطعية فتلك لها أمر آخر، إذ إنه لا يمكن أن يَعتقد الإنسان أمرا من الأمور إلا بدليل اجتمع فيه قطعية المتن وقطعية الثبوت، أما إذا تَخلَّف واحد من الأمرين فلا.
      وأما بالنسبة إلى العمرة فقد جاء في فضلها-أيضا-أحاديث عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وأما أنها في شهر رجب بالخصوص فلم يثبت في ذلك شيء، وما جاء عن ابن عمر-رضي الله تبارك وتعالى عنهما-مِن أنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-قد اعتمر في شهر رجب فذلك وَهْم منه رضوان الله-تبارك وتعالى-عليه، وقد ردّته عليه السيدة عائشة-رضي الله تبارك وتعالى عنها-وذكرَت بأنّ ابن عمر-رضي الله تعالى عنهما-قد اعتمر مع النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في كل عمراته التي اعتمرها-صلوات الله وسلامه عليه-ولم يكن شيء من ذلك في شهر رجب؛ وكذلك لم يأت شيء في فضل ذلك من الأحاديث القولية؛ فمن اعتمر في ذلك من غير أن يَعتقد بأنّ ذلك ثابت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-فلا شيء عليه، أما أن يعتقد ثبوت ذلك فهذا مما لا ينبغي؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.


      س:
      الآن ربما بدأ عدد من الناس صيام شهر رجب ويعتقدون في حال صيامهم أنّ فيه فضلا كبيرا وأجرا عظيما نظرا للأحاديث التي قرؤوها، في هذه الحالة الآن بعد أن علِموا الحكم هل يلزمهم إتمام النية التي بنوا عليها صيامهم أم عليهم أن يتوقّفوا نظرا لأنهم بنوا نيتهم هذه على أحاديث ضعيفة ؟


      ج:
      هنالك أمران:
      الأول: أن يكون بعض الناس قد نَذَر ذلكأي نذر أن يصوم شهر رجب أو عددا من الأيام من هذا الشهر، وعلى هذا أن يُكمِل تلك الأيام .. أي لابد من أن يقوم بصيام هذه الأيام، لأنه يجب على الإنسان أن يقوم بوفاء النذر إذا لم يكن ذلك النذر في معصية الله تبارك تعالى .. هذا إذا كان مستطيعا عليه، فما دام مستطيعا على الوفاء به ولم يكن هذا النذر نذرَ معصية فيجب عليه أن يقوم بإتمام ذلك.
      وأما إذا كان ذلك لم يكن من هذا الباب وإنما نوى الإنسان ذلك فلا يجب عليه أن يقوم بإكمال ذلك، فإن شاء أن يصوم فالصيام فيه خير كثير ولكن-كما قلتُ-من غير أن يَعتقد بأنّ هذا ثابت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-في هذا الشهر بخصوصه؛ فالإنسان إذا أراد أن يصوم عددا من الأيام من هذا الشهر فلا إشكال فالصيام فيه خير كثير، ولكنه إذا كان لا يستطيع أن يصوم إلا في هذا الشهر-مثلا-وسيفطر شهر شعبان فنقول له: إنّ الأفضل له أن يفطر في هذه الأيام وأن يصوم ما أراد في شهر شعبان[1]، لثبوت ذلك عن النبي صلوات الله وسلامه عليه:
      والمصطفى أكثرُ ما يصوم
      في شهر شعبان وذَا معلوم[1]
      كما ثبت ذلك في السنّة عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، فنحن-كما قلتُ-لا نمنع من صيام هذا الشهر، وإنما نقول: إنه لم يثبت شيء فيه، فمن صام فليصم على أنه كغيره من سائر الأشهر التي لم يثبت فيها شيء من الفضل بعينها وإنما ثبت فضل الصيام في الجملة.
      ومن لم يستطع إلا أن يصوم أياما قليلة فليصم تلك الأيام التي ثبت الفضل فيها، أما من استطاع أن يصوم أكثر من ذلك فإن شاء أن يصوم في هذا الشهر فليصم وإن شاء أن يصوم في غيره فليفعل؛ والله-تبارك وتعالى-أعلم.
    • س:
      إذا كان الذي يصلي بهم الجماعة ممن يرون صيام رجب ويصرون على ذلك، فهل تجوز الصلاة خلفه ؟


      ج:
      نعم، تجوز الصلاة خلفه، فهو لم يرتكب أمرا محجورا .. أي لم يرتكب أمرا مُحرَّما .. غاية ما في الأمر أنّ الإنسان-كما قلنا-ينبغي له أن يعرف ما ثبت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-وما لم يثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه، وأن يُطبِّق الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ ونحن ذكرنا بأنّ الصيام مندوب في الجملة إن لم يخالف دليلا ثابتا في سنّة النبي صلوات الله وسلامه عليه .. أي عندما نستثني تلك الأيام التي ثبت النهي عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-عن صيامها سواء كان ذلك النهي يقتضي التحريم أو أنه كان يقتضي الكراهة؛ وأما شهر رجب فإنه لم يثبت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-أنه نهى عن صيامه؛وإنما قلنا: إنّ الإنسان لا ينبغي له إذا كان مشهورا بين الناس أن يُظهِر ذلك مخافة أن يَعتقد العوام بأنّ ذلك ثابت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-فيعتقد الواحد ما لم يثبت بأنه ثابت عن النبيصلوات الله وسلامه عليه، فهذا الشخص لم يرتكب حراما وإنما-اعتقد هذا الاعتقادعلى أنني لا أظن بأنه اعتقد اعتقادا جازما وإنما-ظنّ على أنه قد قوّى بعض العلماء حديثا جاء عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-في صيام الأشهر الحرم وذكروا بأنّ هذا الحديث يصل إلى درجة الحَسَن .. فإذا كان هذا الشخص يقلِّد أولئك الذين يقولون بثبوت هذا الحديث عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه، ونحن وإن كنّا نُضعِّفه ولكنّ ذلك لا يصل إلى درجة القطع بل هو من باب التّضعيف الظني، لأنه لا يمكن لأحد أن يَقطع بِكذِب حديث إلاّ إذا خالف دليلا قاطعا ولم يمكن أن يُجمع بينه وبين ذلك الدليل القاطع بوجه من وجوه الجمع المعلومة-فإذن هذا الإنسان نقول له بأنه لم يثبت عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-شيء في ذلك، وأنّ الأفضل له أن يصوم تلك الأيام التي ثبت الفضل في صيامها بنصوص صريحة ثابتة عن النبيصلوات الله وسلامه عليه، وإن شاء بعد ذلك أن يصوم شيئا من رجب أو من غيره من الأشهر التي لم يَرد فيها فضل عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-من حيث الخصوص استنادا إلى بعض العمومات الدالة على فضل الصيام في الجملة فلا شيء عليه بمشيئة الله تبارك وتعالى.
      والبدعة-على القول الصحيح-تنقسم إلى أقسام، فليست كلها محرَّمة، وما يدعيه كثير من الناس مِن أنّ كل ما لم يَرِد عن النبي-صلوات الله وسلامه عليهأو ما شابه ذلك-مِن الأمور التي يَحرم فعلها فهذا مما لم يصح، فنحن إذا نظرنا إلى السنّة فإننا نجد الأدلة واضحة تدل على فعل بعض الأمور وإن لم يأمر بها النبي-صلوات الله وسلامه عليه-أو أنه لم يفعلها، فهنالك أحاديث كنتُ أود أن أنبه عليها ولكنّ الوقت لا يُسعِف لذلك-كما يشير إلى ذلك الأخ حفظه الله تبارك وتعالى-فأرجئ ذلك إلى مناسبة أخرى-بمشيئة الله تبارك وتعالى-وقد علّقتُ بتعليق حسن على ذلك في مقدمة الجزء الثالث من " الطوفان "، فمن شاء ذلك فليرجع إليه، وهذا الذي ذكرتُه هو الذي ذهب إليه جمهور الأمّة، كما ذكرتُ ذلك في الموضع المشار إليه؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.


      س:
      شهر رجب، هل يصل صيامه إلى حد الكراهة ؟


      ج:
      لا .. لا يصل إلى حد الكراهة .. من أراد أن يَحكم بوجوب أمر أو بحرمته أو كراهته أو ما شابه ذلك من الأحكام فلابد من أن يَستنِد إلى آية قرآنية أو حديث ثابت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-أو ما يرجع إليهما بوجه من وجوه الدلالة المعروفة؛ وليس هنالك حديث يدل على كراهة ذلك، بل العكس الأدلة تدل على فضل الصيام في الجملة وإنما-قلنا-يُشدَّد على الاعتقاد بثبوت ذلك، إذ إنّ بعض العوام يعتقدون ثبوت بعض الأمور، بل يصل الأمر ببعضهم إلى أن يعتقد وجوب أمر من الأمور وهو لا يصل إلى ذلك، فهذا الذي نُنبِّه عليه ونُشدِّد فيه، أما أن يصوم الإنسان في شهر رجب أو في غيره فهذا مما لا يمكن أن يقال بحرمته ولا بكراهته ولا أن يُشدَّد فيه بل يُنبَّه ذلك الشخص بأنّ هذا الصيام فيه خير كثير ولكن اِعرف ما هو الذي ثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-وما لم يثبت، ثم نُبيِّن للناس ما هي الأيام التي ثبت صيامها وأنه ينبغي للإنسان أن يُقدِّمها على غيرها إذا كان يريد أن يَقتصِر على أيام معدودة، وبعد ذلك إن شاء أن يصوم بعد ذلك فلا بأس بشرط ألاّ يَعتقد أنّ ذلك ثابت؛ واللهوليالتوفيق


      9ـ الإمام نور الدين السالمي، جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام، كتاب: الصوم، باب: أقسام الصوم إلى واجب وغيره، فصل: الصوم المستحب.


      10 ـ السؤال كما ورد في المكالمة:
      " الحبة التي يعطيها الطبيب لمريض القلب يضعها مع الضرورة تَحت اللسان هل هي جائزة أملا ؟

      11 ـ وفي سؤال مشابه لفضيلته نصه :


      س:
      شخص أخر قضاء رمضاء حتى دخل رمضان من السنة المقبلة ماذا عليه ؟


      ج:
      أولاً نقول - أن هذا الإنسان لا يخلوا من أحد أمرين في تأخيره أما أن يكون أخره بسبب عذر مثلا نسيان أفطر يوما من رمضان بسبب عذر ثم لم يتذكر ذلك حتى دخل رمضان من السنة الآتية فهذا إنسان ناسي ولا يكلف الله الناسي حتى يتذكر فهو معذور بمشيئة الله تبارك وتعالى وعليه أن يقضي ذلك بعد أن ينتهي من صيام رمضان وينتهي يوم العيد .
      أو يكون معذوراً بعذر شرعي من مرض أو سفر يكون في سفره حتى دخل رمضان أو يكون مريضاً حتى دخل رمضان، ولم يتمكن من قضاء الحاصل أن يكون معذور بعذر شرعي مقبول، أو يكون ليس له عذر وإنما التهاون والإهمال، فإذا كان معذوراً فقد بينت لكم حكمه، وإن كان متهاوناً متساهلاً في أمره فعليه أن يتوب إلى ربه وأن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى وعليه أيضاً أن يقضي ذلك اليوم الذي تركه .
      ثم أن أهل العلم بعد ذلك أي بعد التوبة والقضاء، اختلفوا فيما يلزمه، بعضهم قال لا يلزمه شيء إلا ما ذكرناه من التوبة وقضاء ذلك اليوم وهذا القول هو القول الصحيح عندي إذ لم أجد دليلاً يدل على وجوب الكفارة عليه وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه عليه زيادة على التوبة والقضاء أن يطعم مسكيناً إن كان فرط في يوم يطعم مسكيناً أو فرط في يومين يطعم مسكينين وهكذا وقلتُ القول الأول هو الصحيح ولكن إذا أطعم هو اطعام وشيء بسيط وهو احتياط بل هو خروج من الخلاف .


      12 ـ وهذا جوابا للسؤالالذي قال فيه صاحبه في المكالمة: [ قرأتُ في كتيب ' فائدة: عن رسول الله-صلى اللهعليه وسلم-أنه قال: ' مَن فاته صلاة في عمره ولم يُحْصِهَا فليقم في آخر جمعة منرمضان وليصل أربع ركعات بتشهد واحد '، فما صحة هذا الكلام ؟ '

      13 ـ قال الشيخ: " لا يجب " والظاهر أنه سبق لسان.

      14 ـ وفي سؤال مشابه نصه كالتالي :


      س:
      ما حد المرض الذي يبيح الإفطار؟


      ج:
      اختلف العلماء اختلافا كثيرا في المرض الذي يبيح الإفطار: فمنهم من شدد في ذلك كثيرا. ومنهم من تساهل فيه كثيرا. والصواب الوسط فمن كان يضره الصيام.. لا يتمكن من الصيام .. يتسبب له في ضرر .. في عدم الشفاء من ذلك المرض أو في بطئ الشفاء من ذلك المرض فله أن يفطر، أما من كان لا يضره الصيام ولا يؤثر عليه كثيرا فإنه يؤمر بالصيام، فإذن العبرة بالضرر؛ والله-تعالى-أعلم.


      15 ـ قال الله تعالى: { حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ سورة الدخان، الآيات: 1-6 ].
      وقال الشيخ عند الجواب على السؤال 9 مِن حلقة 27 رمضان 1425هـ ( يوافقه 10 نوفمبر 2004م ):
      " هذه الليلة فيها فضلٌ عظيم كما جاء ذلك في القرآن الكريم .. وصفها الله-تبارك وتعالى-بِأنّها ليلة مباركة وهي ليلة القدر-خلافا لِمن يَزعم بِأنَّها ليلة الخامس عشر مِن شعبان-وأيضا أُنزِل في هذه الليلة-وهي ليلة القدر-سورة بِكَامِلِهَا وقال تَفْخِيما لِشأنِها: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ } [ سورة القدر، الآية: 2 ] ثم قال: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ... } [ سورة القدر، الآية: 3 ومِن الآية: 4 ] ".

      16 ـ { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [ سورة القدر ].

      17 ـ عند الجواب على السؤال 1 مِن حلقة 12 رمضان 1425هـ ( يوافقه 27 أكتوبر 2004م ).

      18 ـ السؤال 9 مِن حلقة 24 رمضان 1425هـ ( يوافقه 08 نوفمبر 2004م ).

    • 19ـ قال الشيخ عند الجواب على السؤال 1 مِن حلقة 12 رمضان 1425هـ ( يوافقه 27 أكتوبر 2004م ): " جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: ( مَن عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تَقرَّب إلي عبدي بشيء أفضل مِمّا افترضتُه عليه، وما يزال عبدي يَتقرَّب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإن أحببتُه كنتُ سَمعَه الذي يَسمع به، وبصرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يَبطِش بها، ورِجلَه التي يَمشي بها، وإن سألني ... ) إلى آخر الحديث، وهو وإن كان قد تكلم فيه بعض العلماء إلا أنه قد جاء مِن طرق أخرى يَشدّ بعضها بعضا فيَرتقي بذلك الحديث إلى درجة القَبول .. هذا الذي نراه في هذا الحديث ".

      20 ـ عند الجواب على السؤال 9 مِن حلقة 26 رمضان 1425هـ ( يوافقه 10 نوفمبر 2004م ).

      21 ـ قال الشيخ: " الليلة " بدلا مِن " المنطقة " والظاهر أنه سبق لسان.

      22 ـ عند الجواب على السؤال 1 مِن حلقة 26 رمضان 1425هـ ( يوافقه 10 نوفمبر 2004م ).

      23 ـ عند الجواب على السؤال 9 مِن حلقة 26 رمضان 1425هـ ( يوافقه 10 نوفمبر 2004م ).

      24 ـ { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [ سورة القدر ].

      25 ـ الظاهر أنّ الشيخ قصد أن يأتي بهذه الآية بدلا من الآية التي أتى بها في التسجيل وهي: { ... وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [ سورة الحج، من الآية: 26 ] مع ملاحظة أنّ الشيخ وقع له سبق لسان في قراءتها، إذ قرأها: " ... وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والعاكفين وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ".

      26 ـ قال الشيخ: " اشتراط الاعتكاف " بدلا من " اشتراط الصوم في صحة الاعتكاف " وهو سبق لسان.

      27 ـ لعل الشيخ قصد أن يقول: " الاعتكاف " بدلا من " الصوم "، فليُتأمّل.

      28 ـ لعل الشيخ قصد أن يقول: " الاعتكاف " بدلا من " الصوم "، فليُتأمّل.

      29 ـ { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ... } [ سورة البقرة، من الآية: 187 ].

      30 ـ أُبدِل قول الشيخ: " بأنّه أصبح مفطرا " بهذه العبارة " بأنّ من أصبح جنبا أصبح مفطرا " وذلك للإيضاح أكثر.


      31 ـ " س:
      هل هناك مِن بأس في استعمال الهاتف النقّال في المسجد وخاصّة بالنسبة للمعتكِف حيث سمعنا أنّ الاتصال عبارة عن معاملة مالية بين المتّصل والشركة ؟ وهل يُؤثِّر على الاعتكاف خاصة أنّ مَن يَستعمِله يَرغَب في الاتصال بِأهله لطلب الطعام وغيره من الطلبات التي قد يَحتاجها الإنسان في حالة اعتكافه أو وجوده بالمسجد ؟


      ج:
      قبل الإجابة على هذا السؤال أنا أريد أن أنبّه الإخوة المستمعين إلى ما يَجب من احترام المسجد .. كثيرا ما نكون صافِّين في الصلاة متوجِّهين إلى الله-تعالى-وإذا بِهذه الهواتف النقّالة تُزعِجنا من هنا ومن هناك وكأنّنا في مكان فيه ضوضاء وجَلَبَة، وبعض هذه الهواتف فيها أصوات موسيقية وكأنما في حَلْبَة موسيقية نَسمع فيها الكثير الكثير من الأصوات الموسيقية كأننا خارج الصلاة .. هذا أمر يُزعِج المصلّين .. لا ينبغي أن يَفعله الناس .. ما لهؤلاء الناس وهم يَأتون إلى بيوت الله-سبحانه-يَأتون بهذه الهواتف النقّالة وهي مفتوحة ويَتركونها كذلك لِتُزعِج الناس وتَشْغَلَهُم عن الصلاة ؟!مع أنّ في الصلاة شُغْلاً، لأنّ صلاة الإنسان تعني إقباله على ربّه وتَركه همومَ الدنيا وتَركه لِجميع مشاغل النفس، لأنّ صلاته إقبال على عالَم آخر .. على عالَم القُدُس .. على مخاطبةِ الله-تبارك وتعالى-وحده، ولكن-مع الأسف الشديد-هؤلاء الذين لا يُقَدِّرون للصلاة قيمتها ولا يَعرفون منزلتها عند الله لا يبالون بهذا .. هذا أمر يَجِب أن يَتنبَّهوا له.
      أما إن كان مُجرَّد طلب حاجة من غير أن يَتركَ الهاتف شغّالاً لِيُزْعِج الناس في المسجد فلا مانع منه، أما أن يَعقِد الصفقات مع هذا أوهذا وهو في المسجد فذلك غيرُ جائز، وإنما يَتحدَّث في الهاتف في غير أوقات الصلاة بِقدر ضرورته فحسب، ولا مانع مِن هذا، لأنّ الضرورة تُقدَّر بِقَدَرها.


      س:
      بعض الناس ربما يغفل عن إغلاق هاتفه فيصيح وهوفي الصلاة ثم يقوم بقفله، هل هذه الحركة تؤثّر على الصلاة؟


      ج:
      حقيقة الأمر؛ هذادليل الإهمال، ودليل عدم المبالاة بِحقّ الصلاة .. أنا قلتُ يجب أن يُقال في حقِّ هؤلاء بِأنهم عليهم أن يُغلِقوا هواتفهم وعليهم أن يعيدوا صلاتهم،لأنهم مِن أوّل الأمر هم مهمِلون لِلواجب .. غيرُ مبالِين بِحقِّ الصلاة
      .

      س:
      والبعض يَجعله هزّازا فعندما يأتيه اتصال يَهتزّ جزء من جسده، فهل هذا-أيضا-يؤثّر على الصلاة ؟


      ج:
      إن كان يَشْغَله، ويَذهب بِفِكره عن الصلاة فلا ريب أنّ ذلك ممنوع شرعا.
      "الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، برنامج " سؤال أهل الذكر " من تلفزيون سلطنة عُمان، حلقة 25 رمضان 1423هـ ( 1 ديسمبر 2002م ).

      32 ـ الظاهر أنّ الشيخ قصد أن يأتي بهذه الآية بدلا من الآية التي أتى بها في التسجيل وهي: { ... وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [ سورة الحج، من الآية: 26 ] مع ملاحظة أنّ الشيخ وقع له سبق لسان في قراءتها، إذ قرأها: " ... وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والعاكفين وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ".


      33 ـ " س:
      هل يصح الاعتكاف في البيت في حال وجود العذر وإذا لم يكن هناك مسجد قريب ؟


      ج:
      أما الرجل فليس له أن يعتكف في البيت بظاهر الكتاب وصحيح السنّة وإجماع الأمّة الإسلامية قاطبة، لأنّ الله-تبارك وتعالى-يقول: { ... وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد ... } [ سورة البقرة، من الآية: 187 ] فالرجل ليس له أن يعتكف بحال من الأحوال في بيته أو في أيّ بيت من البيوت.
      وأما بالنسبة إلى المرأة فقد ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه لها أن تعتكف في مسجد بيتها .. أي في المكان الذي خصصته للصلاة في بيتها.
      وذهب جمهور الأمّة إلى أنه ليس لها ذلك، بل إذا أرادت الاعتكاف فلابد من أن يكون ذلك في المسجد؛ وهذا القول هو القول الصحيح، إذ إنني لم أجد رواية صحيحة تدل على مشروعية الاعتكاف للمرأة في غير المسجد؛ وأما ما استند إليه القائلون بذلك من الاحتجاج بحديث فضل صلاتها في بيتها فذلك خاص بالصلاة والاعتكاف حكمه يختلف عن حكم الصلاة؛ والله أعلم. "
      الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي، برنامج " سؤال أهل الذكر " من تلفزيون سلطنة عُمان، حلقة 16 رمضان 1423هـ ( 22 نوفمبر 2002م ).



      المصدر :
      waleman.com/modules.php?n...C7%E1%C3%E6%E1




      ترقبوا بإذن الله ((الموسوعة الكبرى في فتاوى الصوم)) لسماحة الشيخ الجليل أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله
      فإلى ذلك الحين أستودعكم الله


    • بارك الله فيك
      || و بـَحْرٌ لـآ يَنْتِهِي [SIZE=1]شَج ـَنُه .’ْ}
      ***
      .. [ يَآوَطَنْ .. فُرقَآكـ شَجَنْ ] ~ْ [SIZE=1]|| اللّهُمَّ إنِّي مَغْلُوبٌ فـ إنْتَصِر ||
      [SIZE=1]