ذات المنديل الأبيض

    • ذات المنديل الأبيض

      فتشت فى دروب المدينة كلها.. ولم اعثر لها على أثر .. تفحصت فى كل الصور، فى كل الوجوه .. كل الصور نيجاتيف.. فيلم لم يتم تحميضه بعد.. تحملني قطعة من الكاوتشوك ومقعد من الكاوتشوك و بالطو واقي من المطر .. يحيطني هواء مغلف بنواتج احتراق .الكاوتش.. و احتراقات أخرى كثيرة

      أصوات جديدة علي الساحة.. آلات نحاسية صفراء .. تنفس .. فحيح .. غطيط ، بشر مصاب بداء الجذور المتناثرة والمعزولة والمحاطة بسوائل حمضية.. أشياء ضمنية الأجراس متدثرة في عباءة رومانية قديمة
      صوتها لا ينفذ إلى شغاف القلوب .. الأصوات الناعمة الرقيقة الحالمة تتألم في زحمة الخشونة والعفونة .. أشياء تصيب الجن الأزرق بالكآبة.. أغنى أغنيه تعنى كلماتها ان الندم لا يفيد ولا العتاب، دعاني ماسح الآحذية علي الجالس على قارعة الطريق مفترشا .أشياؤه ..زجاجات حمراء وسوداء، قطع قماش قديمة مطوية بعناية، صناعة يابانية
      وضعت حذائي على الصندوق
      ورنيش أمريكي معتبر .. قالها بينما كانت الفرشاة تمر في حركة مكوكية لأزاله الترسبات لم تفلح فى اول الأمر.. ماء الغسيل نفذ إلى الترسبات فكك أوصالها، انظر يميني وعلى يساري، لم تستقر عيني علي شيء معين تسربت خاصية التركيز
      طابور طويل يريد مسح أحذيته .. يأس من الانتظار.. تسرب فى العتمة .. "أناس افتقدت "الصبر
      هل تبحث عن شيء -
      بل ابحث فى هروب الأشياء الجميلة -
      العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة، والزفير الحار يطرد الهواء الملطف -
      أنت تحتل الرصيف و أصحاب المعاطف الشفافة يحتللن النواصي، والخنازير تحتل البيوت والآوبئة تحتل الآجساد والتكنولوجيا تحتل العالم ، ثم أشار في خفية إشارة خبيثة تدل على جنوني ثم قال
      هل تحب ان تغير لون حذاءك؟ -
      لا.. أريدها هى -
      من ؟ -
      صاحبة المنديل الأبيض -
      فهمتك هذة الأشياء تساعدنا فى هذا العصر على ضبط الإيقاع ، ولكن لماذا لا تكون صاحبة المنديل الأحمر؟
      مسألة أذواق -
      عليك أذن ان تجتاز عدة شوارع، ثم تدلف إلى اليمين ، مخترقا الشارع .. ثم ترتد إلى - الخلف بضع خطوات وتقف مترددا، ثم تتجه إلى اليسار سوف تجد ميدانا صغيرا أدخل في أحد شوارعة.. سوف تجد أمامك مبنى رخامى، ستشعر هنا بالبرودة، فى الخلف ستجد المكان الذي تبحث عنه
      وصفك سهل ومريح.. يجعلني أدور حول نفسي وحول العالم، "ضحكنا نحن الاثنين .. ومضيت" -
      سرت على هدى الوصف فى جو حار.. خانق.. وبين جدران رطبة نبتت فيها الطحالب والملصقات الملونة تنزع سمت العينين لتحيلها إلى أعين زجاجية
      صور مفرغة من المعنى ولكنها ليست مفرغة من المغزى.
      المغزى مقصود، صورا تسحبك على رمال ناعمة حتى تغرق، لكنة غرق جميل.. لذيذ، غرق فى الأرداف والنهود العارية المتدلية.. البيضاء والسوداء كقطع الثلج وقطع العاج والأفواه المنتفخة الفاغرة المتلهفة للمص والامتصاص
      سرت على بركان يرفعني إلى أعلى ثم يقذفني إلى اسفل، ينتصر علي تارة .. ثم يولى مدبرا ينغبش فى نخاعي .. كل الحواس تجمعت فى حاسة النظر والخطى فى السير وراء الجسد و أصبحت قدرة الحذاء اللامع النظيف مائة حصان
      انزلقت إلى بركة من الماء المتجمد .. تجمعت كل قوى التخيل حينما لمحتها بين أشياء كثيرة متراكمة ومتراكبة أسرعت الخطى خلفها بحذاء زلق .. شعرت بأني فى فسحة روحانية.. التقيت فيها بروحها الطيبة وهى تنفض عن ذاتها أثار الامتزاج وتنفصل عن ذوبانها بالتبخر
      أبحرت فى عينها بمجاديف متكسرة كأني ابحث عن مرفأ النجاة .. كانت المواني متعددة تركن فيها القلوب المصابة بسهام الحب ، بسهام أل
      اصبح للجسد طغيان هائل .. استبد واستحكم .. حدث التضخم تكسرت الأشياء على صفحة المياه الصافية
      تسلل الليل و أضيئه الأنوار الصناعية وانسحبت الأضواء الطبيعية .. و أضيئه اللافتة على باب المتجر الرخامي ، تجمعت الهوام حول المصباح افترست دفء المصباح ، تكومت ،تكورت، التصقت، بالت، تبرزت، حجبت الرؤيا
      دخلت إلى المتجر.. الهواء بارد.. أزال اثر الحرارة من الجسد. بعض أنواع الإضاءة المتسلطة لإيضاح الأشياء الكامنة فى سكون الانكسار انسابت أصوات الموسيقي المختلفة ، مقاطع من بعض أغنيات .. كلمات خفيفة على الأسماع.. ثقيلة على أوتار الأعصاب .تمسح ما كتب على الشرائط الأصلية فى أحضان التفتح الوردي

      قصدت الفتى الجالس خلف فاترينة الزجاج .. يجلس على كرسي مطاطي اسود يرتدى ملابس سوداء رقبته محاطة بمنديل احمر.. يمضغ لبانة فى تشهى وميوعة
      طرقعتها تحت أضراسه أصابتني بالقرف سألته "عندك "
      لم يتركني أتم السؤال وقال
      كل ما تريد .. من أي لون .. من آي جنس -
      لم اصدق أنى سوف اعثر عليها وتجولت ببصري على الأرفف دون ان أعيرة أي اهتمام أو استمع إلى لغة عرضة الخليعة التي أشعرتني بالرغبة فى التبرز، ظن أنني أفكر فيه وعاش فى الحلم حتى النخاع واستبدت به عوامل الشبق وقال فى صوت أنثي
      المحل بمن فيه تحت رغبتك -
      قلت ببرود .. أنا ليست لي رغبة فى أي شيء .. تقلص فى مكانة وقال -
      ماذا تريد إذا ؟ -
      أريد ذات المنديل الأبيض -
      وأنا أريد الجلوس على ليلة حمراء .. هل مازال هناك من يبحث عن ذات الرداء الأبيض- .. هل يستطيع أحد مجاراتها فى هذا الوقت .. لا أحد يملك القدرة الآن على ترويضها -
      باستطاعتي أيها الأخنث ان أروضها -
      أنت إذا من سلالة الفلاحين.. تفضل سيجارة دخنها باستمتاع حتى ابحث لك عن طلبك -
      لكنى لا أدخن -
      ستجد المتعة فى التدخين وسوف تساعدك على قتل الوقت -
      إنها تساعد على قتل كل الأشياء وتساعد على اتساع خرم الأوزون -
      أنت تعشق إذا الخروم الضيقة أيها الفلاح الفصيح -
      "ومضى يبحث عن ضالتي وسط الركام"
      لابد للحداثة ان تجد العائل الوسيط .. تبدأ أولا فى تدمير جهاز المناعة إذا كانت حداثة من هذا النوع الذى نراه من حولنا، السيجارة لغم من النوع الذى يصيب بالدوار ويضع الإنسان فى بؤرة الإعصار ليدور كالمغزل وتلتف حوله الخيوط حتى تمنع وصول الدم إلى بؤرة الشعور الحقيقي ليجرب الرقص فى حالة عرى.
      التصقت اللبانة فى النعل الكاوتشوك ، شعرت أنى ملتصق بالأرض أحاول التخلص فى فتور ، كل شيء مطاطي يربطني ، انزلقت إلى هوة الحيوانية .. اضحك .. أعرى أعضائي فى معرض بلا ستار، أصبحت سهل القيادة .. اقتادني وهو يمضغ اللبانة ويتكلم فى ميوعة.. ويسأل فى خلاعة لماذا صاحبة المنديل الأبيض؟ لماذا لا تكون مر جريتا،انطونيلا .لوليتا، مادونا
      العناكب استلمت طرف الخيوط وبدأت فى التسلق حتى وصلت إلى قمة الرأس
      الروح الشفافة الغائصة فى هذا الظلام تنذر وتحذر .. تحاول ان تتحين اللحظة الفاصلة
      والرغبة المدمرة قوية تمزج السواد بالشفافية وأوامرها تدفعني إلى صراع يحتاج إلى إرادة ، وخبرة
      صاحبة العباءة السوداء ناصعة البياض.. اللحم رجراج مغرى .. والنهود ترقص على أصوات موسيقى سحرية
      وذئاب تعوي بداخلي .. تنوعت الغلالات أمامي .. والجلود.. والعناصر.. والأيدي ممتدة فى ترحيب.. تفضل.. تقدم ..اشرب.. تمتع .. انزع ورقه التين،وألوان الجذب والأغراء أصبحت قوية
      انفتحت الأفواه وسالت المواد اللزجة واصبح الانزلاق سهل .. ازداد التصاق النعل بالأرض .. تضاءل الأمل وعلت صيحات السباب والاتهام.. نظرت إلى الخلف، وجدت هناك على .البعد صاحبة المنديل الأبيض تلوح لي بمنديلها حاولت جاهدا ان أخطو إليها


      النهايه

      من المجموعه القصصيه" ورقه التين وقصص اخرى"