[TABLE='width:70%;'][CELL='filter: dropshadow(color=green,offx=4,offy=4) glow(color=skyblue,strength=5);']
من أبرز الشخصيات التي قد يجهلها الكثير من الاخوة والاخوات ، إنها أمراة ماتت منذ زمن ولكنها عاشت معنا بمؤلفاتها وسيرتها وتاريخها إنها امرأة ضربت المثل العظيم لكل الفتيات وأثبتت جدارتها في عصر كان يحاك للمرأة فيه غياهب الظلمة إنها ......
[/CELL][/TABLE][TABLE='width:70%;'][CELL='filter:;'][/CELL][/TABLE]
[TABLE='width:70%;'][CELL='filter: dropshadow(color=red,offx=4,offy=4) glow(color=darkred,strength=5);']
عائشة التيمورية
شاعرة الألم ورائدة الادب النسوي الحديث
[/CELL][/TABLE]شاعرة الألم ورائدة الادب النسوي الحديث
امرأة سبقت زمانها وشقت الطريق لأترابها ، فكانت أعجوبة في بيانها ، بلغت درجه لم يكن يفوقها من شعراء عصرها سوى البارودي، ولم يأت بعده مثلها كما يقول الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله- ويتفق معه العقاد اذ يقول : الواقع أننا لم نقرأ لمن نشأ بعد عائشة التيمورية نظما يضارع نظمها، ولا شاعرية تقارب شاعريتها .
إنها ( عائشة التيمورية )بنت إسماعيل باشا تيمور ، أخت العلامة المحقق أحمد تيمور (( 1871-1930م )) .
ولدت ((عائشة التيمورية)) سنة 1840م بمدينة القاهرة ، ونشأت في اسرة تركية غنيه ، فتعلمت القراءة والكتابه في القصر على طريقة بنات الاكابر ، فتنبهت في نفسها الرغبة في المطالعة ، فدخلت في صراع مع أمها ، حين ارادتها أن تكون على ما كان من شأن اترابها ، في تعلم الخياطة والتطريز، وكانت والدتها تأبى عليها التفرغ للكتابة والادب لان التفرغ لهما لم يكن محمودا فيه من البنات في جيلها - كما يقول العقاد - واستمرت المعركة حتى تدخل الاب ( اسماعيل تيمور ) فقال لها ، دعي هذه البنت للعلم وعليك باختها ربيها كما تريدين ، وأحضر لها المعلمين والمعلمات فاخذت عن فاطمة الازهرية ، وستيتة الطبلاوية وأخذت الصرف واللغة الفارسية على خليل رجائي ، واخذت القران الكريم والخط والفقه على ابراهيم مؤنس تاقت نفس عائشة التيمورية الى مطالعة الكتب الادبية ، والدواوين الشعرية ، فطالعتها مطالعة هيأت لها ملكة التصورات الشعرية ، فصارت تنشد القصائد الطوال والازجال المتنوعة والموشحات البديعة حتى جمعت ثلاثة دواوين باللغات الثلاث، العربية والتركية والفارسية.
لقد قالت الشعر بالعربية لغة وطنها مصر ، وبالتركية لغة ابآئها وهي لغة كانت ما تزال لغة تخاطب في بعض الاسر ذات الاصل التركي ، وقالته بالفارسية التي هي لفئة من أدباء العرب والترك لغة مدرسية.
ولهذا تقول مي زيادة : (( ليس بوسعنا إلا الاعجاب بقلم يعالج الشعر والادب بلغات ثلاث)).
إن عائشة التيمورية تعتبر من أوائل الداعيات الى تعليم المرأة والعناية بها وحسن تربيتها ، وقد سبقت قاسم امين ، ولكن دعوتها جائت متميزة باطار الشرع الاسلامي فكانت تدعو إلىتعليم المرأة وتربيها وتحاول أن تبرهن أن ذلك لن يؤدي إلىمسخ حيائها وانوثتها ،بل سيجعلها قادرة على المشاركة بفاعلية في الحياة، فقد كانت المفهوم السائد في تلك المرحلة أن التعليم المرأة سيخرجها من طوق أنوثتها وحيائها ، وسيؤدي بها إلى التفسخ الانحلال، وقد قالت في ذلك شعرا ونثرا ، ومن شعرها في هذا :
بيد العفاف أصون عزّ حجابي ***وبعصمتي أسمو على أترابي
وبفكرة وقادة وقريحة *** نقادة قد كُملت آدابي
وهي تحاول بضرب المثال ، أن تقرب فكرة تعليم البنات الى عقول الآباء فتقول :
إن المصابيح إن افعمتها دسما***أهدت لوامعها في كل مقتبس
وإن خلا زيتها جفت فتائلها***أين الضياء لخيط غير منغمس
ومن نثرها في هذا الباب ما نشر في جريدة الآداب في 9/6/1306هـ تقول : (( لو عني رجالنا معاشر الشرقيين بتربية بناتهم وأجمعوا على تلقين العلوم لهن بمقدار شفقتهم ، لنالت أرفع مجد وأهنأ وجد……))
لقد عاشت التيمورية في سعة من العيش ، ولكنها روعت بفقد أبنتها (توحيدة ) ذات الثمانية عشر ربيعا ، التي لم يمض على زواجها سوى شهرا حتى مرضت مرضا مفاجئاً وماتت فرثتها بما فاق رثاء الخنساء وابن الرومي.
لقد كان فقد توحيدة أعظم خطب في حياة عائشة التيمورية ، وكذلك فقدت أمها وزوجها وشقيتها وابيها ذلك الاب العطوف عليها الرحيم بها ، صاحب أجمل اثر يحمد في تعليم ابنته وعنايته بتثقيفها في عصر ضنين على النساء بالتعليم والتثقيف وإن عائشة لتذكره دوما بالشكر والتحنان ،وترثيه بعد وفاته بقصيدة منها قولها :
أبتاه قد حش الفراق حشاشتي** هل يرتضي القلب الشفوق جفائي؟
يامن بحسن رضاه فوز بنوتي** وعزيز عيشته تمام رخائي
وعن والدتها قالت راثية اياها :
يا منهل التشتيت حسبك ما جرى** فعيوننا قد أقسمت لاتهجعا
ذهب الاحبة وأستقر ركابهم** يا ليت روحي ودعت اذ ودعوا
ياليتهم طلبوا الفداء فهذه** روحي لكن (ليت) ليست تنفع
وقد كانت مأساتها بموت ابنتها فوق ان تحتمل ، فكان وداعها توحيدة وداعا للسرور ولذة الحياة..
وهي تروي قصة إكتشافها مرض إبنتها في مقدمة ديوانها التركي فتقول : (( قبل أن تنطرح على فراش المرض فاجأتها في احد الأوقات وهي في نومها ، وبيدها قلم تكتب القطعة العربية التالية:
أسمع مقالي يا أريب***وقصتي شرح مريب
قد كنت في دوح الصبا ***أهتز كالغصن الرطيب
أصبحت حالي عبرة ***يبكي على مثلي الغريب
كلا ولا لي منهل *** أروي به إلا النحيب
فالدمع مني ساجم*** والرمس أضحى لي قريب
يا رب عجل رحلتي***وأغفر ذنوبي يا مجيب
فلما رأتني مقبلة عليها دست رقعة الشعر تحت وسادتها بسرعه، ولكني بادرت في الحال لأستخراجها فاختطفتها مني ، ثم خاطبتني قائلةً : (( لا تعبئي يا أمي المشفقة بمثل هذه الثرثرة)).
ثم قالت لجاريتها : ((خذي هذه الورقة فأحرقيها )) فلحقت بالجارية وأخذت الورقة منها وألحت عليها بالسؤال ، ، فأجابتني : (( إن سيدتي تتناول الطعام معك إذعانا لرأفة أمومتك ، ولكن الطعام لايبقى بعد ذلك لحظة في جوفها ، وهي تذهب كل ليلة الى سرير نومها تطميناً لقلبك غير أنها لا يغمض لها جفن )).
ماتت توحيدة ، وبوفاتها واصلت البكاء عليها ، فأضعف نظرها وأصابها الرمد ولا غرابة أن يكون هذا حالها ، وهي تودع أبنتها الاثيرة التي لم تكن ترى فيها من عيوب البشر شيئا .
لقد رثتها بمرثيةٍ كتبت حروفها بدمع يجري من قلب مكلوم تقول فيها :
ستُر السنا وتحجبت شمس الضحا** وتغيبت بعد الشروق بدورُ
ومضى الذي أهوى وجرعّني الآسى **وغدت بقلبي جذوة وسعيرُ
يا ليتها لما نوى عهد النوى** وافى العيون من الظلام نذيرُ
طافت بشهر الصوم كاسات الردى**سحرا وأكواب الدموع تدورُ
فتناولت منها أبنتي فتغيرت**وجنات خدٍّ شأنها التغييرُ
فذوت أزاهير الحياة بروضها**وانقد منها مائس ونظيرُ
وتقول ايضا:
لبست ثياب السقم في صغر وقد ** ذاقت شراب الموت وهو مريرُ
جاء الطبيب ضحى وبشّر بالشفاء ** إن الطبيب بطبه مغرور
فتنفست للحزن قائلةً له ** عجل ببرئي حيث انت خبير
وارحم شبابي إن والدتي غدت ** ثكلي يشير له الجوى وتشير
ولنا أن نتصور هذه الام الثكلى وهي تعود الى الدار فلا تجد ابنتها ، وترى جاهز العرس مازال باقيا ، وقد أودعت العروس حفرة مظلمة باردة ، وأهيل عليها التراب ، ويرن في اذنها صوت ابنتها من تحت الجنادل والتراب تقول:
عودي الى ربع خلا ومأثرُ** قد خلفت عني لها تأثير
صوني جهاز العرس تذكارا فلي**قد كان منه الى الزفاف سرور
جرت مصائب فرقتي لك بعد ذا** لبس السودا ونفذ المسطور
والقبر صار لغصن قدّي روضةً** ريحانه عند المزار زهور
أماه لاتنسي بحق بنّوتي**قبري لئلا يحزن المقبور
هكذا كان لعائشة التيمورية من ارواح المؤلفين والشعرا ومن نفاثتهم اسرة تناديها ، وتصغي حينا بعد حين .
وفي تلك الغربة التي تأوي اليها كتبت اشعارها العربيه المجموعة في ((حلية الطراز)) وديوانها التركي والفارسي ((كشوفة)) ((نتائج الاحوال )) ورسالة صغيرة أسمها (( مرآة التأمل في الامور)) وتوفيت رحمها الله في 2 أيار 1902م.