{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}

    • {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}


      { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}(الشورى: 30).. فما أصابت الناس من مصيبة من المصائب سواء كانت في النفس أو الولد أو المال فإنما هي بسبب المعاصي التي اكتسبوها.. والآثام التي اقترفوها.. والمنكرات التي انغمسوا فيها.. والذنوب التي فعلوها.. والقبائح التي ارتكبوها.. والظلم الذي أوقعوه على أنفسهم بخروجهم عن المنهج الذي خط لهم.. فالكوارث الطبيعية.. والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية.. والحروب الطاحنة.. والأمراض الفتاكة والتي لم تكن معهودة من قبل.. وظهور العاهات والعلل.. والأمراض والأسقام.. ونقص في الثمرات.. وإصابة معظم الأشجار والثمار بالآفات فتهلكها.. وإصابة الحيوانات بالأوبئة فتقضي عليها.. والجفاف في مناطق بسبب انحباس الأمطار.. والفيضانات في مناطق أخرى والتي تدمر كل ما يقف في طريقها.. والزلازل والبراكين.. والرياح والأعاصير.. والتي تجتث كل شيء.. وتقضي على كل حي.. إنما بما كسبت أيدي الناس.. رغم أن الله سبحانه وتعالى يعفو عن كثير من السيئات ويغفر كثير من الخطايا والزلات ويسامح عن كثير من الهنات والسقطات.. ولكن ما يقع لنا من تلك الكوارث والمصائب بسبب ذلك المتبقي والذي لم يشمله عفوه تعالى ولو عاملنا الله بحسب ذنوبنا لما وجد أحد على هذه البسيطة ولكن رحمة الله شملت كل شيء.. عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : <<إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر>> (مسند أحمد [22440] ج5 ص277).. فقد يحرم الإنسان رزقه لا بسبب عدم توفيق من الله أو بسبب أن أحداً من البشر كان يقف حجر عثرة في طريق تحصيله لذلك الرزق.. وإنما قد يكون حرمانه بسبب معصية ارتكبها في الماضي.. أو إثم مازال يمارسه.. أو منكر لم يتراجع عن فعله.. وينطبق ذلك أيضاً على المصائب والمحن والمشكلات.. فالله سبحانه وتعالى يقول : {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}(النساء: 79)..
      شريعة الله للإصلاح عنوان
      وكلُّ شيء سوى الإسلام خسران
      لما تركنا الهدى حلت بنا محن
      وهاج للظلم والإفساد طوفان
      تاريخنا من رسول الله مبدؤه
      وما عداه فلا عزٌّ ولا شان
      محمد أنقذ الدنيا بدعوته
      ومن هداه لنا روح وريحان

      قال ابن القيم :"وعن محمد بن سيرين رحمه الله أنه لما ركبه الدَّين اغتمَّ لذلك!!.. فقال : "إني لأعرف هذا الغمَّ!! إنه بذنب أصبته منذ أربعين سنة"!!..
      وهاهنا نكتة دقيقة يغلط فيها الناس.. في أمر الذنب.. وهي أنهم لا يرون تأثيره في الحال.. وقد يتأخر تأثيره.. فينسى ويظن العبد إنه لا يغير بعد ذلك.. وإن الأمر كما قال القائل :

      إذا لم يغبرَّ حائط في وقوعه
      فليس له بعد الوقوع غبار

      وسبحان الله.. كم أهلكت هذه النكتة من الخلق؟!!.. وكم أزالت من نعمة؟!!.. وكم جلبت من نقمة؟!!.. وما أكثر المغترين بها من العلماء والفضلاء فضلاً عن الجهال!!.. ولم يعلم المغتر أنَّ الذنب ينقضُّ ولو بعد حين.. كما ينقضُّ السهم.. وكما ينقضُّ الجرح المندمل على الغش والدغل..
      وقد ذكر الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :"اعبدوا الله كأنكم ترونه.. وعدُّوا أنفسكم في الموتى.. واعلموا أن قليلاً يكفيكم خير من كثير يلهيكم.. واعلموا أنَّ البرَّ لا يبلى.. وأنَّ الإثم لا ينسى".. ونظر بعض العباد إلى صبي.. فتأمل محاسنه.. فأتي في منامه وقيل له : لتجدنَّ غبها بعد أربعين سنة!!.. هذا مع أنَّ للذنب نقداً معجلاً لا يتأخر عنه!!".. وليتذكر قول الله تعالى :{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}(الحج: 48).. فكثير من أهل قرية أخر الله إهلاكهم وأمهلهم مع استمرارهم على الظلم فاغتروا بذلك التأخير.. ثم أخذهم الله سبحانه وتعالى بالعذاب بعد طول الإمهال وإلى الله المرجع والمآب..
      إن الذنوب تزيل النعم.. وتحلُّ على المذنبين النقم.. وما زالت عن العبد نعمة إلا بسبب ذنب اقترفه.. أو بسبب معصية ارتكبها.. أو إثم قام به.. ولا حلت به نقمة أو مصيبة إلا بذنب قال الإمام علي كرم الله وجهه :"ما نزل بلاء إلا بذنب.. ولا رفع بلاء إلا بتوبة"..
      رأيت الذنوب تميت القلوب
      وقد يورث الذلَّ إدمانها
      وترك الذنوب حياة القلوب
      وخير لنفسك عصيانها

      لما فتحت جزيرة قبرص على المسلمين وفرق بين أهلها وسبوا.. جلس الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه لوحده يبكي!!.. فقيل له : سبحان الله!! ما الذي يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله.. وأظفرهم على عدوهم.. ومكنهم من رقابهم؟!!
      فقال : ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه وتركوا أمره.. بينما أهل هذه الجزيرة أمة قاهرة ظاهرة.. لهم الملك في الأرض.. إذ تركوا أمر الله عز وجل وخالفوه.. فصاروا إلى ما ترون من الذل والهوان!!..
      إن السبب الأساسي في الهزائم التي تلحق الأمم والشعوب هي وقوعهم في معصية الخالق وتماديهم في الغي والضلال.. وقال تعالى : {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص: 58).. وقال تعالى :{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِين}(يونس :13).. لقد ضرب الله سبحانه وتعالى الأمثال بالأمم السابقة التي طغت وتمردت على أوامر الله وأوامر رسله فجازاها الله على عصيانها وطغيانها بأنواع العذاب الأليم.. من الجوع والقحط وعذاب الاستئصال.. وعذبها عذاباً منكراً عظيماً يفوق التصور.. فذاقت عاقبة كفرها وطغيانها وتمردها على أوامر الله وكانت نتيجة بغيها الهلاك والدمار والخسران الذي ما بعده خسران.. قال تعالى :{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا* فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا *أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا} (الطلاق :8 ـ10) وقال تعالى: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} (الحج: 45).. وقال تعالى :{ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} (الأنبياء: 11)..
      إن المعاصي والآثام والمنكرات تضر بالجميع لا يستثنى منهم أحد.. الصالح والطالح.. والخير والشرير.. والمذنب والبريء.. حتى الحيوانات والأشجار والثمار لا تسلم من شؤم المعصية.. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :"توشك القرى أن تخرب وهي عامرة!!.. إذا علا فجارها على أبرارها.. وساد القبيلة منافقوها".. وقال أبو هريرة رضي الله عنه :" إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم!!".. وقال مجاهد :" إن البهائم تلعن عصاة بني آدم!!.. إذا اشتدت السِّنة وأمسك المطر.. وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم!!".. وقال عكرمة :" دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون : منعنا القطر بذنوب بني آدم!!".. فلا يكفيه عقاب ذنبه حتى يبوء بلعنة من لا ذنب له..
    • هل في الدنيا شرور ومصائب إلا سببه المعاصي والذنوب؟!.. وهل في الدنيا كوارث وحروب طاحنة إلا سببها المعاصي والذنوب؟!! وهل في الدنيا أدواء وأمراض إلا سببها الآثام والمنكرات؟!!.. وهل في الدنيا آلام وأحزان إلا سببها ما اقترفه بني آدم من معاصي وآثام؟!!.. وهل في الدنيا من تفكك اجتماعي وأسري إلا سببه الفساد الأخلاقي والابتعاد عن منهج الإسلام؟!.. وهل في الدنيا تباغض وتحاسد وتقاتل إلا سببه موت القلوب بسبب كثرة الذنوب؟!.. فما الذي أخرج أبوينا آدم وحواء من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب والمحن؟! وما الذي أخرج إبليس لعنة الله والناس عليه من رحمة الله وطرده من رحمته ولعنه في الدنيا والآخرة؟! وما سبب غرق قوم نوح عليه السلام؟!.. وما سبب تسليط الريح العقيم على عاد قوم نبي الله هود عليه السلام حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ولا ترى لهم من باقية؟!!.. وما سبب إرسال لثمود قوم نبي الله صالح الصيحة فتقطعت لها قلوبهم فأصبحوا في ديارهم جاثمين لا حراك لهم وكأن لم يقيموا في ديارهم ولم يعمروها؟!!.. وما سبب تدمير قرى قوم لوط عليه السلام وجعل عاليها سافلها ثم أتبعهم بحجارة من سجيل؟!!.. وما سبب إرسال سحاب العذاب كالظلل على قوم شعيب ولما صارت فوق رؤسهم أمطر الله عليهم ناراً تلظى؟!!.. وما الأسباب التي أدت إلى غرق فرعون وقومه في اليم؟!!.. ولماذا خسف بقارون وداره وماله وأهله؟!!.. ولماذا أهلك قوم ياسين بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم؟!!.. ولماذا بعث على بني إسرائيل قوم أولوا بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذراري والنساء.. وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال؟!! وما السبب في تسليط الله على بني إسرائيل أنواع العذاب والعقوبات.. مرة بالقتل والسبي والتشريد وخراب البلاد.. ومرة بجور الملوك.. ومرة بمسخهم قردة وخنازير.. وقد أقسم رب العزة ليبعثنَّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب؟!!.. فما الأسباب التي أدت إلى إهلاك القرون من بعد نوح؟!!.. إلا بسبب المعاصي والذنوب.. وبسبب الآثام والمنكرات.. والإقرار بها.. وعدم التوبة منها..
      نظر بعض أنبياء بني إسرائيل إلى ما يصنع بهم بختنصر فقال : بما كسبت أيدينا سلّطت علينا من لا يعرفك ولا يرحمنا!!..
      وقال بختنصر لدانيال : ما الذي سلّطني على قومك؟!!.. فقال دانيال : عظم خطيئتك وظلم قومي أنفسهم!!..
      وقال الفضيل بن عياض :" أوحى الله إلى بعض الأنبياء : إذا عصاني من يعرفني سلّطت عليه من لا يعرفني!!".. فأسباب تسليط الله الظلمة والجورة على العباد ليسيموهم شتى أنواع العذاب هو بسبب ما اقترف أولئك الناس من المعاصي والذنوب فأرسل الله إليهم من لا يرحم ولا توجد في قلبه أية شفقة أو رحمة فيسفك الدماء ويذبحهم كذبح النعاج ويفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل ويجعل أعزة أهلها أذلة فالله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يهلك قرية من القرى وقوم من الأقوام أمر المتنعمين فيها والمترفين والقادة والرؤساء بالإفساد والتحكم بموارد البلاد وخيراتها.. وسلطهم على أهل تلك القرية وأعلنوا العصيان والتمرد على الخالق ورفضهم القانون الإلهي واستحلوا الحرام وارتكبوا الآثام وفجروا وفسقوا فأوجب عليهم سبحانه وتعالى العذاب بالفسق والطغيان فأهلكهم ودمرهم تدميراً لا قائمة لهم إلى يوم القيامة.. قال تعالى :{وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا }(الإسراء: 16).. عن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: << إذا أراد الله عز وجل بالعباد نقمة أمات الأطفال وأعقر أرحام النساء فتنزل فيهم النقمة وليس فيهم مرحوم!!>> (الفردوس بمأثور الخطاب [951] ج1 ص245)..
      كثير من الناس يستهينون ببعض المعاصي والآثام.. فتجدهم لا يبالون إن اقترفوها.. ولا يتألمون إن ارتكبوها.. ولا يندمون عند فعلهم ذلك الإثم وتلك المعصية.. وهذا يعتبر اعوجاج خطير في فهم حقيقة الإيمان.. فالمعصية معصية سواء كانت صغيرة أو كبيرة إذا تعمد الإنسان اقترافها..
      يقول هلال بن سعيد :"لا تنظر إلى صغر الخطيئة.. ولكن انظر إلى من عصيت!!"..
      وقال الفضيل بن عياض :" بقدر ما يصغر الذنب عندك.. يعظم عند الله.. وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله"..
      وقال ابن مسعود رضي الله عنه :" إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه.. وأن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار!!"..
      إن المعصية قبيحة في وضعها ومظهرها.. قبيحة عن الله سبحانه وتعالى.. لأنها خروج على أمره.. وجحود لفضله.. وأقبح منها المجاهرة بها وإعلانها.. والاستهتار بعقوبتها فهو طغيان ليس وراءه طغيان.. ولذلك عظم الله الجزاء لعظم الذنب.. وتوعد المجاهر بالعصيان مع الإصرار عليه بالحرمان من المغفرة.. وبضرورة المؤاخذة بجريرة المجاهرة كما جاء في الحديث.. عن أبي قتادة الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : << كل أمتي معافى إلا المجاهرون>> قيل: يا رسول الله ومن المجاهرون؟! قال: << الذي يعمل العمل بالليل فيستره ربه عز وجل ثم يصبح فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا فيكشف ستر الله عز وجل عنه>> (مجمع الزوائد ج10 ص192).. فلا يكون المجاهر في المعصية في عافية من عذاب الله ونقمته.. جزاء جرأته عليه.. ومجاهرته بمعصيته..
      فيا راكب العصيان ويحك خلها
      ستحشر عطشاناً ووجهك أسود
      فكم بين مشغول بطاعة ربه
      وآخر بالذنب الثقيل مقيد
      فهذا سعيد في الجنان منعم
      وهذا شقيٌّ في الجحيم مخلّد

      لقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مخالفة أوامر الله عز وجل.. لأن عاقبتها تكون وخيمة على المجتمع وعلى الناس أجمعين.. عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : << يا معشر المهاجرين الأولين خمس خصال إن إدركتكم وأعوذ بالله أن تدرككم ما عمل قوم قوم بالفاحشة فظهرت فيهم واستعلت إلا أبتلاهم الله بالطاعون.. ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالسنين وشدة المؤونة وجور الائمة.. وما منع قوم صدقة أموالهم إلا منعهم الله المطر حتى لولا البهائم لم يسقوا المطر.. وما نقض قوم عهد الله وعهد رسوله إلا بعث الله عليهم عدواً من غيرهم يأخذون بعض ما كان في أيديهم.. وما من قوم لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم >> (مسند الروياني [1423] ج2 ص415).. فالمعاصي تترك بصماتها وآثارها السيئة على المجتمع.. وكان من آثارها احتباس الغيث من السماء.. واشتداد البلاء.. وتنوع المحن والأرزاء.. فما نزل من بلاء إلا بذنب.. ولا سلبت نعمة إلا بمقارفة معصية.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : << ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا>> ( المعجم الأوسط [4671] ج5 ص62).. ومصداق ذلك ما نرى من أمراض مستعصية لم تكن لها في الماضي ذكر.. ولم يكشف عنها خبر.. {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }(الأعراف: 96)..
      عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أنه دخل على عائشة رضي الله عنها هو ورجل آخر.. فقال لها الرجل : يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة!!.. فقالت : "إذا استباحوا الزنا.. وشربوا الخمر.. وضربوا بالمعازف.. غار الله عز وجل في سمائه.. فقال للأرض : تزلزلي بهم!!.. فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها عليهم!!"..
      لقد تزلزلت الأرض في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : " يا أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه!!.. والذي نفسي بيده لئن عادت لا أساكنكم فيها أبداً!!"..
      وقال كعب :"إنما تتزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي!!.. فترعد فرقاً من الربِّ عز وجل أن يطلع عليها!!"..
      وتزلزلت الأرض في زمن عمر بن عبدالعزيز فكتب إلى الأمصار : "أما بعد : فإنَّ هذا الرجف شيء يعاتب الله عز وجل به العباد.. وقد كتبت إلى سائر الأمصار يخرجوا في يوم كذا وكذا.. في شهر كذا وكذا.. فمن كان عنده شيء فليتصدق به.. وقولوا كما قال آدم عليه السلام : {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(الأعراف: 23) .. وقولوا كما قال نوح عليه السلام :{وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ}(هود :47) .. وقولوا كما قال يونس عليه السلام :{أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}(الأنبياء: 87)" ..
    • وبرحمة الله وفضله على الناس فإنه يصفح عن كثير من الذنوب والخطايا فلا يعاقب عليها.. لو أخذ الله الناس بما كسبوا لأهلكهم وفي الحديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: << ما من خدشة عود ولا اختلاج عرق ولا نكبة حجر ولا عثرة قدم إلا بذنب وإنما يعفو الله أكثر>> (الزهد لهناد [431] ص249).. وعن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: << لا يصيب عبداً نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر>> (سنن الترمذي [3252] ج5 ص377).. وعن زياد بن الربيع قال قلت لأبي بن كعب يا أبا المنذر آية في كتاب الله أحزنتني قال: وما هي؟ قلت : { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}(النساء: 123) قال: إن كنت أراك فقيهاً! إن المؤمن لا يصيبه مصيبة قدم ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر" (شعب الإيمان [9814 ] ج7 ص153).. وقال قتادة في تفسير قوله:{ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}(الشورى: 30) قال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:<< لا يصيب ابن آدم خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه>> (شعب الإيمان [9815] ج7 ص153).. ويقول تعالى : {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ }(آل عمران: 165)..
      يا نفس توبي فإن الموت قد حانا
      واعص الهوى فالهوى ما زال فتانا
      أما ترين المنايا كيف تلقطنا
      لقطاً فتلحق أخرانا بأولانا
      في كلِّ يوم لنا ميت نشيعه
      نرى بمصرعه آثار موتانا
      يا نفس مالي وللأموال أتركها
      خلفي وأخرج من دنياي عريانا
      ما بالنا نتعامى عن مصائرنا
      ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
      نزداد حرصاً وهذا الدهر يزجرنا
      كأنَّ زاجرنا بالحرص أغرانا
      أين الملوك وأبناء الملوك ومن
      كانت تخرُّ له الأذقان إذعانا
      صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا
      مستبدلين من الأوطان أوطانا
      خلّوا مدائن كان العزُّ مفرشها
      واستفرشوا حفراً غبراً وقيعانا
      يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً
      ورافلاً في ثياب الغي نشوانا
      مضى الزمان وولى العمر في لعب
      يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
    • يحكى أن الإمام غسان بن عبدالله اليحمدي رحمه الله تعالى كان في كل جمعة يزور قبر الإمام الوارث بن كعب الخروصي رحمة الله عليه.. فمر يوماً على الغيل الذي بالوادي وفي بعض جوانبه طحلب.. فقال في نفسه : إن هذا الطحلب أثر عن تغير وقع في البلد!!. فأحضر أهل الأموال فقال لهم : أنا أريد حرب الهند وبيت المال لا يكفي.. وأريد أن أجعل على التجار قرضاً يكون أداؤه من بيت المال وأشاوركم في ذلك.. فقال أصحاب الأموال : التجار يسعون بالفائدة وإن قلت دارهمهم ضاعت المعاملة بيننا وبينهم!!.. ونحن أرباب الأموال والقرضة علينا بما تريد!!.. فقال الإمام : لا غير هاهنا!!.. ثم أحضر التجار وقال : أريد أن أحارب الهند وخزانة بيت المال لا تكفي بمقاومة الحرب وأنظاركم أريد أن أجعل قرضة على بيت المال لتقويم هذه الحرب من أرباب الأموال فما ترون؟!!.. فقال التجار : أصحاب الأموال أهل الحرث وأكثر الحروث لا تكفي مغرم ما عليها!!.. وليس في أيديهم شيء مما يكفي لذلك!!.. فقال الإمام : لا غير هاهنا!!.. ثم أحضر الوزراء وأرباب الدولة فقال : أريد أن أجعل قرضة على أرباب الأموال والتجار في بيت المال لحرب الهند فما ترون؟!!.. وهو يريد بهذا السؤال كله كشف ما عندهم.. فقالوا : هذا شيء وقع في قلوبنا من قبل!!.. فقال في نفسه : الخلل من هاهنا!!.. فاستبدل بهم غيرهم.. فلما مر الجمعة الثانية على الغيل لم يرى من الطحلب شيئاً.. ورأى الماء صافياً زائداً عن أصله!!..
      أئمـة حفـظ الديـن الحنيـف بـهم
      من يـوم قـيل لـدين الله أديــان
      صِيد سُـراة أبـاة الضَّيم أُسْـدُ شِـرى
      شُمْسُ العــزائم أوَّاهُـون رهبـان
      سفـن النجـاة هـداة النـاس قادتـهم
      طهـر السرائـر للإسـلام حيطـان
      تقبلـوا مـدح القــرآن أجمعــها
      إذا استحـق مديـح الله إيمــان
      جـدوا إلى الباقيـات الصالحـات فلـم
      يفتـهم في التقـى سـر وإعــلان
      على الحَنيفيّـَة الزهــراء سَيْــرُهُمُ
      والوجـه والقصد إيمـان وإحسـان
      بسيـرة العمـرين استلأمُـوا وسطـوا
      لشـربة النهـروان الكُلُّ عطشـان
      صُعْـبُ الشكـائم في ذات الإله فـإن
      حَنَـاهُمُ الحـق عن مَكْرُوهِةِ لانـوا
      مُسَوِّمِــين لنصـر الله أنفســهم
      أرواحــهم في سبيـل الله قربـان
      سبـق إلى الخـير عن جدٍّ وعن كَيَسٍ
      دانـوا النفـوس فعزت حيثما دانوا
      سيماهـم النـور في خَلْـقٍ وفي خُلُقٍ
      وهديــهم سُنَّة بيضـاء تبيــان
      مقيــدون بحـكم الله حكمتــهم
      وهَمُّـهم حيثـما كان الهدى كانـوا
      هم أسمع النـاس في حـق وأبصـرهم
      وفي سـواه هم صـم وعميــان
      لم تلهـهم زهـرة الدنـيا وزخرفـها
      إذ هَمُّـهُم صالِـحٌ يتلـوه رضـوان
      باعـوا بباقيـة الرضــوان فانيــهم
      كأن لـذة هـذا العـيش أوثــان
      وَقْفٌ على السُّنَّـة البيضـاء سعيــهم
      وفي الجهادين إن عزُّوا وإن هانوا
      ما زايلت خطـوة المختـار خطوتـهم
      ولا ثنى عزمـهم نفـس وشيطـان
      فجاهــدوا واستقامـوا في طريقتـه
      عُزُومُهُم لصـروح الديـن أركـان
      وسلَّطـوا بحــدود الله حكمــهم
      حتى استقـام لحـكم الله سلطــان
      أولئك القـوم أنـواري هـديت بــهم
      عُقبـى محبتـهم عفـو وغفــران
      أئمتَّـي عُمْدتـي دينــي محجَّتُــهُم
      غَوْثي إذا ضاق بي في الكون إمكان
      لا يقـبل الله دينــاً غير دينــهم
      ولا يصـح الهـدى إلا بما دانـوا
      من عهـد بـدر وأحـد لا تزحزحـهم
      عن موقف الحـق أزمات وأزمـان
      حقيقـة الحـق ما دانـوا به وأتــوا
      وما عـداه أخالــيط وخمَّــان
      إن يشرف الناس في الدنيـا بثروتـهم
      فثـروة القـوم إخــلاص وإتقـان
      لله مـا جمعــوا لله مـا تركــوا
      لله إن قــربوا لله إن بانــوا
      أزكى الصَّنيعـين ما كان الهـدى معـه
      لديـهم ولـه في الحـق رجحـان
      تراهـم في ضمـير الليـل صيَّـرهم
      مثـل الخيـالات تسبيـح وقــرآن
      هم الإباضـية الزَّهـر الكـرام لــهم
      بعـزَّة الله فـوق الخلـق سلطـان
      لا يعـرف العـدل إلا في استقامتــهم
      لم يوف إلا لهم في العـدل ميـزان
      في الـذَّبِّ عن حرمــات الله شأنـهم
      لا شـأن دنيـاهم نـيل وحرمــان
      ضنُّـوا ببلغـة محياهـم على بَشَـرٍ
      منها كأنَّـهم بالبُلغـة اختانـوا
      سيما التعفـف تكسـوهم جـلال غنـى
      فالقـلب في شبع والبطن خمصـان
      سمـت الملوك وهـدي الأنبيـاء على
      أخلاقـهم فكـأن الفقـر تيجــان
      تمثلـت لـهم الدنيـا فما جهلــوا
      حقـيقة الأمـر أن العـيش ثعبـان
      جازوا الجسـور خفـاف الجاذ وقـرهم
      زهـد وخـوف وإصبـار وشكـران
      فاز المُخِفُّـون من دار الغـرور فــلا
      خـوف عليهم ولا بالقــوم أحـزان
    • ما أعظم الحاكم عندما يستشعر دائماً المسؤولية.. ودائماً متصلاً بالله.. يؤول كل أمر سيئ يحدث في البلاد.. إلى أمر قد أحدثه أهل البلد بأنهم خالفوا فيه أمر الله.. وهذا الإمام قد لمح طحلب على الماء.. ولو كان في زماننا لأولناه على أنه بسبب أشعة الشمس أو بسبب آخر.. ولن نؤوله بسبب خطايانا وذنوبنا وخير دليل ما تعانيه البلاد من تلك الحشرة الصغير الضئيلة المسماه حشرة الدوباس أو المتق.. والتي تصيب النخلة فتمنعها من عملية التمثيل الضوئي كأنها تمنع النخلة من التنفس لهذا تصفر النخلة ثم تموت بعد ذلك.. والقليل منا قد أول هذا البلاء على أنه عقاب وإنذار من ربنا بسبب ذنوبنا وخطايانا ولكن هل هذا القليل حاول الإصلاح كما فعل ذلك الإمام؟!! أم أنه اكتفى بإنكاره بالجنان معتقداً أن ذلك أضعف الإيمان.. لقد رأينا ما فعل هذا الإمام عندما رأى الطحلب على الماء فقد استنتج على الفور أن ذلك بسبب أمر أحدثه أهل البلاد يخالف أمر الله وأن ذلك الطحلب عقاب رباني وينذر بالخطر المحدق القادم إن لم يتم إصلاحه وعلاج الفساد.. لهذا بدأ يفتش في مواطن الخلل في دولته.. ولم يستكين حتى وجد الخلل وأصلحه وسرعان ما استجاب الله فطهر الماء من الطحلب وبارك في ذلك الماء حيث زاد مستواه عن السابق.. فما أعظمها من منة يمنها الله على عبيده.. وما أعظمها من رحمة وسعت كل شيء.. فعلى كل مسؤول يرى تغيراً في حياته إلى الأسوأ أن يحاول جاهداً معرفة سبب هذا التغير.. وعليه أن يتتبع كل دليل.. حتى يجد ضالته ويصلح ما كان فاسداً.. ويعالج كل خلل.. وقد قال أحدهم : "إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي".. وماذا سيكون من أمر هذا الإمام العظيم عندما يرى حال البلاد في هذا الزمن.. وعندما يرى الأمراض قد انتشرت.. والأوباء قد فاشت.. والعاهات قد تفشت.. أعتقد أنه لن يهدأ له بال ولا يغمض له جفن حتى يجد المسبب لتلك الأوباء والأمراض.. رغم أنها قد لا تخفى على ذي عقل؟!!.. والله المستعان..
      كأن محاسن الدنيا سراب
      وأيُّ يد تناولت السرابا
      ألم تر أنَّ كل صباح يوم
      يزيدك من منيتك اقترابا
      أليس الله من كلٍ قريباً؟!
      بلى من حيث ما نودي أجابا
      ولم تر سائلاً لله أكدى
      ولم تر راجياً لله خابا
      ولست بغالب الشهوات حتى
      تصرَّ لهنَّ صبراً واحتسابا
      فكل مصيبة عظمت وجلت
      تخفُّ إذا رجوت لها ثوابا

      عن عبد الله بن عمر قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : << يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.. ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم.. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا.. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم.. وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم >> (سنن ابن ماجة [4019] ج2 ص1332)..
      إن الناظر في عالمنا اليوم ليجد أن هذا الحديث ينطبق على وضعنا الراهن وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه عن القرن الخامس عشر الهجري وما سيحدث فيه.. من انتشار المعاصي والمنكرات.. وكثرة الفجور والموبقات.. وظهور الأمراض والأوجاع التي لم تكن في أسلافنا الذين مضوا.. الجوع وقلة المؤنة والفقر وجور أولياء الأمور على من تملكوا ناصية أمرهم.. احتباس الأمطار.. والتي بسببها تقل الخيرات.. وترتفع البركات.. تسليط المرتزقة من الدول الغربية على بلادنا ونهب خيراتها وأرزاقها وثرواتنا والتحكم في أرزاقنا ومواردنا.. والتحكم في سلوكنا وفي اعتقادنا.. وأصبحنا عبيداً في بلادنا نأتمر بما يأمرون ونفعل ما يقولون.. ونرى تشرذم الأمة وتشتت شملها والتناحر والتقاتل فيما بين أبنائها وهذا بسبب وكما ذكر في الحديث لم يعملوا بما أنزل الله فحق عليهم الذل والهوان والاسترقاق والقتل والتعذيب.. {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}(الأنفال: 53)..
      إن ظهور البلايا والنكبات في الأرض سببه الوحيد معاصي الناس وذنوبهم ليذيق الله الناس وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بها جميعاً في الآخرة.. لعلهم يتوبون ويرجعون عما هم عليه من المعاصي والآثام.. قال تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }(الروم: 41)..
      لا يذهبنَّ بك الأمل
      حتى تقصِّر في العمل
      إني أرى لك أن تكون
      من الفناء على وجل
      فقد استبان الحقُّ
      واتضح السبيل لمن عقل
      مالي أراك بغير نفسك
      لا أبا لك تشتغل
      خذ للوفاة من الحياة
      لحظِّها قبل الأجل
      واعلم بأن الموت ليس
      بغافل عمَّن غفل
      ما إن رأيت الوالدات
      يلدن إلا للثَّكل
      فكأن يومك قد أتى
      يسعى إليك على وجل
      لا تحملنَّ على الزمان
      فما عليه محتمل
      علل الزمان كثيرة
      فتوق من تلك العلل
      فالحمد لله الذي
      هو لا يزال ولم يزل
      فإن اتقيت فإنَّ تقوى
      الله من خير النَّفل
      وإذا اتقى الله الفتى
      فيما يريد فقد كمل
    • قيل : أوحى الله إلى يوشع بن نون : إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم!!.. وستين ألفاً من شرارهم!!.. قال : يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟!!.. قال الرب تعالى : إنهم لم يغضبوا لغضبي!!.. وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم!!..
      وذكر.. "أن الله سبحانه وتعالى بعث ملكين إلى قرية أن دمراها بمن فيها!!.. فوجدا فيها رجلاً قائماً يصلي في المسجد.. فقالا : يا رب إن فيها عبدك فلان يصلي!!.. فقال الله عز وجل : دمِّراها ودمِّراه معهم؟!!.. فإنه لم يتمعر وجهه فيَّ قط".. أي لم يغضب عندما رأى الناس تعصيني.. وعن أبي عبدالرحمن السلمي قال : دخلت المسجد وأمير المؤمنين علي على المنبر وهو يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<< إن الله أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لأهل طاعتي من أمتك لا يتكلوا على أعمالهم فإني لا أقاص أحداً عند الحساب يوم القيامة ثم أشاء أن أعذبه إلا عذبته وقل لأهل المعاصي من أمتك لا يلقون بأيديهم فإني أغفر الذنوب العظام ولا أبالي وإنه ليس من أهل قرية ولا أهل مدينة ولا أرض ولا رجل بخاصة ولا امرأة يكون لي على ما أحب فأكون له على ما يحب ثم يتحول عما أحب إلى ما أكره إلا تحولت له عما يحب إلى ما يكره وإنه ليس من أهل مدينة ولا أهل أرض ولا رجل بخاصة ولا امرأة يكون لي على ما أكره ثم يتحول لي عما أكره إلى ما أحب إلا تحولت له عما يكره إلى ما يحب>> ( مجمع الزوائد ج10 ص307).. إن الله لا يغير نعمة أنعمها على عبده حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه قال الله سبحانه وتعالى :{ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}(الأنفال: 53).. فإذا غير العبد طاعة الله بمعصيته.. وشكره بكفره.. وأسباب رضاه بأسباب سخطه.. فإذا غير غُيِّر عليه جزاء وفاقاً.. وما ربك بظلام للعبيد.. فإن غير المعصية بالطاعة.. غير الله عليه العقوبة بالعافية.. والذل بالعز.. والضعف بالقوة.. والفقر بالغنى.. وهكذا..
      إلام تغرُّ بالأمل الطويل
      وليس إلى الإقامة من سبيل
      فدع عنك التعلل بالأماني
      فما بعد المشيب سوى الرحيل
      أتأمن أن تدوم على الليالي
      وكم أفنت قبيلك من خليل
      وما زالت بنات الدهر تفني
      بني الأيام جيلاً بعد جيل

      عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<< إن من كان قبلكم كانوا إذا عمل العامل منهم بالخطيئة نهاه الناهي تعذيراً حتى إذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه كأنه لم يره على خطيئة بالأمس!!.. فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.. والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم>> (المعجم الكبير [10268] ج10 ص146).. قال تعالى : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ*كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}(المائدة: 78 ـ 80)..
      وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :<< إذا ضنَّ الناس الدينار والدرهم.. واتبعوا أذناب البقر.. وتركوا الجهاد في سبيل الله.. وتبايعوا بالعينة.. أنزل الله عليهم البلاء.. فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم>>(شعب الإيمان [4224] ج4 ص12)..
      ويقول الحسن البصري :" إنَّ المؤمن قوام على نفسه.. يحاسب نفسه لله عز وجل.. وإنما خفَّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا.. وإنما شقَّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة..
      إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن.. وحال بينهم وبين هلكتهم.. إن المؤمن أسير في الدنيا.. يسعى في فكاك رقبته.. لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله تعالى.. يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه.. وفي بصره.. وفي لسانه.. وفي جوارحه"
      ..
      إن مخافة الله سبحانه وتعالى رأس الحكمة.. فإنها هي الرادعة عن معصيته.. والباعثة على طاعته.. والمانعة للنفس من الإنسياق وراء شهواتها.. والتردي في مهالكها.. والتمرغ في مراعيها.. أما الذين انحسرت في قلوبهم مخافة الله عز وجلهم الذين يجترؤون على معصيته.. ويندفعون إلى ما تهواه أنفسهم من الإجرام والفحشاء.. فما من أحد يرتكب معصية من معاصي الله.. إلا وقد انحسرت مخافة الله سبحانه وتعالى من قلبه..
      يا كاشف الضُّر صفحاً عن جرائمنا
      لقد أحاطت بنا ـ يا رب ـ بأساء
      نشكو إليك خطوباً لا نطيق لها
      حملاً ونحن بها حقاً أحقاء
      فباسمك الأعظم المكنون إن عظمت
      منا الذنوب وساء القلب أسواء
      فاسمح وهب وتفضل وامح واعف وجد
      واصفح فكل لفرط الجهل خطاء
      فقوم يونس لما آمنوا كشف الـ
      ـعذاب عنهم وعمَّ القوم نعماء
      ونحن أمة هذا المصطفى ولنا
      منه الى عفوك المرجو دعاء
      هذا الرسول الذي لولاه ما سلكت
      محجة في سبيل الله بيضاء
      فارحم وصل على المختار ما خطبت
      على علا منبر الأوراق ورقاء