لما صنع السامري لبني إسرائيل من الذهب عجلا جسدًا يخور خوار البقر ـ مِن حليِّ قوم فرعون ـ وألقوا الحلي في حفرة فيها نار بأمر السامري, وكذلك ألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل عليه السلام وقت خروجهم من البحر وغرق فرعون وجنوده, فأخذ بكفه تراباً من أثر حافر فرس جبريل, فألقاه على الحليِّ الذي صنع منه العجل, فكان عجلا جسدًا له خوار؛ بلاء وفتنة, وكذلك زيَّنت له نفسه الأمَّارة بالسوء هذا الصنيع..
وبعد أن دار حوار بين موسى عليه السلام والسامري فقال موسى للسامري على إثر ذلك : فاذهب فإن لك في حياتك أن تعيش منبوذًا تقول لكل أحد: لا أَمَسُّ ولا أُمَسُّ, وإن لك موعداً لعذابك وعقابك, لن يُخْلفك الله إياه, وسوف تلقاه, وانظر إلى معبودك الذي أقمت على عبادته لنُحرقنَّه بالنار, ثم لنُذرينَّه في اليمِّ تذرية.
لقد عوقب السامري بعدما انحرف عن منهج الله واتبع النفس والهوى عوقب بأن ابتلاه الله بمرض خبيث وكان يقول : " لا أَمَسُّ ولا أُمَسُّ"
فقد أمر موسى عليه السلام بني أسرائيل أن لا يخالطوا السامري ولا يقربوه، فصار السامري يهيم في البرية مع الوحوش والسباع، لا يمس أحداً ولا يمسه أحد، عاقبه الله بذلك، وكان إذا لقي أحداً يقول(( لامساس))، أي لا تقربني ولا تمسني. وقيل: كان إذا مس أحداً أو مسه أحد حما جميعاً حتى أن بقاياهم اليوم يقول ذلك، وإذا مس أحد من غيرهم أحداً منهم حما جميعاً في الوقت.
وهذا العقاب لن يكون خاص بالسامري وحده بل قد يتحقق في أي مكان وفي أي زمن وفي أي عصر وفي أي فئة أو مجتمع وقد يتحقق في أفراد كالسامري وأبو لهب وقد يتحقق في جماعات وأمم وإن ما نشاهده اليوم من انتشار الأمراض والأوبئة والتي لم تكن معهودة في الأمم السابقة كجنون البقر وانفلونزا الطيور وأخيراً وليس آخراً المرض الخطير الذي اجتاح العالم بأسره وانتشر كانتشار النار في الهشيم أو الشرارة في البارود مرض أنفلونزا الخنازير وعلى إثر هذا المرض استنفرت الحكومات طاقاتها وامكانياتها من أجل التصدي لهذا المرض الخبيث ولعل وعسى أن تحد من خطورته أو تعيق من انتشاره وما أعلنت الحكومات من التحذيرات لمواطنيها والارشادات والقواعد المثلى من أجل اجتناب هذا المرض الخطير ومن ضمن هذه الارشادات عدم اللمس والمصافحة والتقبيل تجنباً للعدوى وبعداً عن شرور هذا المرض وانتكاساته وأصبح شعار كثير من الناس { لا مِسَاسَ } خوفاً من العدوى وهرباً من خطره ظناً منهم أنهم بذلك يعيقوا من انتشار المرض ويحدوا من خطره برغم أنهم لم يجتثوا جذوره أو يعالجوا أسبابه ومسبباته.
عجبا لأمنك والحياة قصيرة
وبفقد إلفك لا تزال تروع
أفقد رضيت بأن تعلل بالمنى
وإلى المنية كل يوم تدفع؟!
لا تخدعنك بعد طول تجارب
دنيا تغر بوصلها وستقطع
أحلام ليل أو كظل زائل
إن اللبيب بمثلها لا يخدع
وتزودن ليوم فقرك دائباً
ألغير نفسك لا أبا لك تجمع؟!
إن هذا الموقف ليعود بنا بالذاكرة إلى القصة التي ذكرناها في بداية حديثنا ألا وهي قصة السامري وما حدث له من عقاتب وما آل إليه من عبرة لمن سيأتي بعده ..
لا يذهبنَّ بك الأمل
حتى تقصِّر في العمل
إني أرى لك أن تكون
من الفناء على وجل
فقد استبان الحقُّ
واتضح السبيل لمن عقل
مالي أراك بغير نفسك
لا أبا لك تشتغل
خذ للوفاة من الحياة
لحظِّها قبل الأجل
واعلم بأن الموت ليس
بغافل عمَّن غفل
ما إن رأيت الوالدات
يلدن إلا للثَّكل
فكأن يومك قد أتى
يسعى إليك على وجل
لا تحملنَّ على الزمان
فما عليه محتمل
علل الزمان كثيرة
فتوق من تلك العلل
فالحمد لله الذي
هو لا يزال ولم يزل
فإن اتقيت فإنَّ تقوى
الله من خير النَّفل
وإذا اتقى الله الفتى
فيما يريد فقد كمل
إن السبب الأساسي في المصائب والكوارث والأمراض التي تلحق الأمم والشعوب ـ وكما قلنا في مقالنا السابق(1) ـ هي وقوعهم في معصية الخالق وتماديهم في الغي والضلال والفساد والإفساد.. قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص: 58).. وقال تعالى:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِين} (يونس :13).. لقد ضرب الله سبحانه وتعالى الأمثال بالأمم السابقة التي طغت وتمردت على أوامر الله وأوامر رسله فجازاها الله على عصيانها وطغيانها بأنواع العذاب الأليم.. من الجوع والقحط وعذاب الاستئصال.. وعذبها عذاباً منكراً عظيماً يفوق التصور.. فذاقت عاقبة كفرها وطغيانها وتمردها على أوامر الله وكانت نتيجة بغيها الهلاك والدمار والخسران الذي ما بعده خسران.. قال تعالى:{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا* فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا *أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا} (الطلاق :8 ـ10) وقال تعالى: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} (الحج: 45).. وقال تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} (الأنبياء: 11).. إن المعاصي والآثام والمنكرات تضر بالجميع لا يستثنى منهم أحد.. الصالح والطالح.. والخير والشرير.. والمذنب والبريء.. حتى الحيوانات والأشجار والثمار لا تسلم من شؤم المعصية.. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "توشك القرى أن تخرب وهي عامرة!!.. إذا علا فجارها على أبرارها.. وساد القبيلة منافقوها".. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم!!".. وقال مجاهد: "إن البهائم تلعن عصاة بني آدم!!.. إذا اشتدت السِّنة وأمسك المطر.. وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم!!".. وقال عكرمة: "دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون : منعنا القطر بذنوب بني آدم!!".. فلا يكفيه عقاب ذنبه حتى يبوء بلعنة من لا ذنب له..
بادر إلى التوبة الخلصاء مجتهدا
والموت ويحك لم يمدد إليك يدا
فإنما المرء في الدنيا على خطر
إن لم يكن ميتاً في اليوم مات غدا
1) انظر في مقال: { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}
oman0.net/forum/showthread.php?t=374442