نداء

    • ((يا أيها الناس اعبدوا ربكم))، جاء النداء في هذه الآية الكريمة وفي غيرها من الآيات موجه إلى كافة الناس كافة البشر، بأن يعبدوا ربهم، بأن يعبدوا الله تعالى، لأن عبادته تعالى من أكبر الواجبات التي خلقنا الله تعالى لأجلها، إذ أن الله تعالى لم يخلقنا عبثا، ولم يجعلنا في هذه الدنيا هكذا عبثا، كمثل الحيوانات تأكل وتشرب وتنام وتسعى فقط، كلا؟! الله تعالى خلقنا لعبادته يقول تعالى: ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون))، ما خلقنا الله تعالى إلا لعبادته والتقرب منه تعالى، ولم يطلب منا جل جلاله أي شيء آخر، وذلك كما جاء في الآية التي تليها: ((ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون))، فالله تعالى لم يطلب منا أي رزق لأنه تعالى هو الرازق وبيده كل شيء، ولم يطلب منا بأن نطعم أحد لأنه تعالى بيده الخير كله فهو معطي كل أحد رزقه، وهو مقسم الأرزاق يقول تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام: ((والذي هو يطعمني ويسقين)).
      إن عبادة الله تعالى ليست مقصورة في عبادات معينة فقط، ولكن هناك الكثير من العبادات التي أمرنا الله تعالى بها، أمرنا الله تعالى بالصلاة وأمرنا بالزكاة وأمرنا بالصيام وأمرنا بحج بيته الحرام مرة واحدة في العمر للمستطيع، ومن العبادات أيضا طاعة الوالدين إلى غير ذلك من العبادات الكثيرة، فعلى الإنسان أن يراقب نفسه، أن يقيم نفسه، هل هو يعبد الله تعالى على الوجه الصحيح؟ هل هو يقوم بجميع العبادات التي أمرنا الله تعالى بها؟، يقول الله تعالى: ((قل إني أمرت أن أعبد الله على بصيرة أنا ومن اتبعن))، إذا نستنتج من هذه الآية الكريمة بأن عبادة الله تعالى لا تكون همجا، لا تكون على ما يريد الإنسان بنفسه، وإنما على الإنسان أن يعبد ربه على بصيرة، على الإنسان أن يعبد ربه على معرفة وعلم، لا يعبد الله تعالى على جهل، لأن الله تعالى عندما خلق الإنسان كرمه على غيره من المخلوقات، فلقد كرم الله تعالى الإنسان بالعقل عن الحيوانات مثلا، يقول الله تعالى: ((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا))، على الإنسان تجاه هذا التكريم الذي أكرمه الله تعالى به، وفضله على كل مخلوقاته، أن يقابل هذا الإحسان بأن يشكر الله تعالى بأن يتقرب إلى ربه بمختلف العبادات التي أمرنا تعالى بها.
      إن هناك الكثير من الأمور التي يأتي بها الناس وهم يستهزئون بها، يأتون بها وهم على استهتار، هذا ليس من عبادة الله تعالى في شيء، فمنهم مثلا من ينفق مالا هذا شيء طيب لأن الله تعالى أمر بالإنفاق، ولكن وللأسف الشديد البعض من الناس يبطلون عبادتهم هذه وذلك بأن يذهبوا إلى الناس ويقول لهم بأني اليوم أنفقت مالا لفلان، وفعلت كذا لفلان، فهذا هو ما يعرف بالرياء، والله تعالى لا يتقبل مِن مَن يقوم بذلك، يقول الله تعالى: ((ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكفرين))، وفي المقابل لقد أثنى الله تعالى على الذين ينفقون وهم مخلصون في نيتهم فقال عنهم: ((الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)).
      ومن الأمور المهمة والتي يغفل عنها الكثير من الناس في هذا الزمان وهو حق الجار، فقد أهمله الكثير منا في هذا العصر هذا يتعذر بالشغل وهذا يتعذر بعذره، كُلاً يأتي بعذر أقبح من الآخر، لقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم حتى بسابع جار، فقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن امرأة كانت تصوم النهار وتقوم الليل ولكنها كانت تؤذي جيرانها بلسانها فماذا كان جوبه صلى الله عليه وسلم؟؟ قال عليه الصلاة والسلام: هي في النار.. ما نفعها صيامها الذي كانت تصومه، وما نفعتها صلاتها التي تصليها والناس نيام، وذلك بسبب هذا الخطأ البسيط فقط ولكنه عند الله تعالى عظيم جدا؛ ومن الأمور أيضا صلة الرحم ففي هذا الزمان قلت زيارات الأرحام لبعضهم البعض، كُلاً يأتي بعذره، الواحد منهم قد تمر عليه السنوات وهو لم ير أرحامه ولم يصلهم، ولا يعرف عنهم أي شيء، حتى بلغت بأن أحدهم طرد أمه من بيته وذلك بسبب زوجته، فلقد فضل الزوجة على الأم التي سهرت الليالي من أجله حتى يخرج شابا بهذه الصورة وقبل ذلك حملته تسعة أشهر في بطنها، فلقد أخذ أمه إلى دار العجزة، ولم يسأل عنها أبدا وعندما اتصل به من دار العجزة يخبرونه بأن أمه في آخر لحظات حياتها تعذر بالشغل وأنه مشغول بعمله، لقد ألهته الدنيا، وكانت الأم في آخر اللحظات كما يقال: بأنها تتدعى لولدها وزوجته، وطلبت مِن مَن كان حولها بأن يخبروا ولدها بأنها هي غير راضية عنه، أي بر هذا بالوالدين؟؟ ولكن ما هي نتيجة هذا الشخص الذي قام بطرد أمه، سمعت القصة والله أعلم بذلك، كانت نتيجته بأن وقع له حادث سير فكان جسمه كل عضو في مكان ثم جمعت أعضائه في أكياس ودفن،، أين سيكون مصير هذا؟؟ نسأل الله السلامة للجميع، ونسأله أن يوفقنا لما فيه الخير لنا ولأمتنا، ونسأله تعالى أن يجعلنا مِن مَن يعبدونه تعالى على بصيرة، ونسأله جلت قدرته أن يجعلنا من عباده المفلحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
      ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب))