أشرف منا جميعا
في الأمر خدعة كبيرة.. في الأمر كذبة كبرى تتنامى على مر العصور الذكورية.. في الأمر (إن) عملاقة بحجم الكون.. في الأمر (جلا جلا) تؤكد لنا ان عصور الجاهلية لم تنته بعد.
أتحدث عن جرائم الشرف التي تتكاثر كالسرطان في مجتمعنا ، والتي لا تملك أي سند ديني ، فحق فرض الحد والعقاب هو ملك لولي الأمر (الحاكم ، الوالي ، القضاء) ، وهو لم يكن قط من حقوق ذكور العائلة إلا في الجاهلية الأولى ، لكننا الآن نعطيها للولد الأصغر الذي لم يبلغ سن الرجولة حتى ينجو من العقوبة الجنائية ، بما يعني ان قتلة العصور الجاهلية كانوا أشجع منا.
إنها منظومة القيم التي تفرضها الفئات الحاكمة على الفئات المقهورة ، حين تصور الأولى للثانية بأن شرفها وكرامتها ورجولتها مرتبطة بالمرأة بدل ان ترتبط بالمكانة الاجتماعية والمهنية. في هذه المقولة خدعة كبرى تحول الأنظار عن مصدر العار ، وعن سببه الحقيقي ، وهو استغلال الإنسان وهدر إنسانيته وتحويله إلى جهاز يبحث عن اللقمة حتى يموت قهرا أو جوعا ، بينما يموت الحاكمون بطرا.
الإنسان المقهور الذي من المفترض أن يثور على مصادر عاره الحقيقية ، تتحول الثورة عنده إلى من يمثل عاره الوهمي (المرأة).. المستضعفة ، ويحصل مقابل ذلك من القاهر الحقيقي على جوائز تشجيعية في تخفيض العقوبة إلى الحد الأدنى ، وجوائز ترضية تتمثل في بعض الفخر المزيف وتفتيل الشوارب.
وكما ان الرجل يتسلط زيادة على المرأة ويبتلع حقوقها في المساواة التامة ، فإن الفئة القاهرة تتسلط على الرجل لتخفي عارها في الخضوع للدول الأكبر.
المقهور يلخص عارة بالمرأة متناسيا عاره الحقيقي حين يسرق منه القاهر قوت يومه ومقعد ابنه الجامعي ووضيفته وحقه في التعبير والحرية والعيش بشرف وكرامة ، ويستخدم المرأة مثل كيس الملاكمة لتنفيس غضبه.
لكن الإنسان المقهور كما علمتنا جميع تجارب الشعوب ، يتربص دائما بالمتسلط تمهيدا للنيل منه بالأسلوب الذي تسمح به الظروف ، وهذه الازدواجية في العلاقة بين القاهر والمقهور هي مرحلة وسطى بين الرضوخ والتمرد.
إلى ان نستطيع الانتقال من مرحلة البرزخ إلى مرحلة التمرد.. ستظل المرأة تدفع الثمن.. وهي اشرف منا جميعا