(الانتقال إلى حياة أخرى)

    • (الانتقال إلى حياة أخرى)


      في تلك الليلة نتجول في ذلك المنزل الذي سلطانه هو الصمت و السكون .. في ليلة ممطرة .. أخذت نجلاء تقرأ كتاباً و هى مرتمية على سريرها .. و تلف بسبابتها خصلة من شعرها .. و وعدتنا رانيا بتحضير طبق لذيذ على وجه السرعة لنسد به جوع بطوننا .. و في الحمام أبلل جسدي النحيل بالماء و أمرر المياه على شعري .. فور انتهائي من الاستحمام .. خرجت و جلست على سريري بصمت .. أخذت أسرح شعري المبلل القصير بهدوء .. و نجلاء على سريرها تكاد تخترق ذلك الكتاب بأعينها .. حتى دخلت رانيا حاملة صينية فوقها أطباق المعكرونة بالبشمل .. و حضرت أيضاً عصيراً بالليمون الطبيعي ..وضعت الصينية فوق سريرها .. و جلست فوقه و ناولتني طبقي و ناولت نجلاء طبقها ..و كذلك كؤوس العصير ..
      رشفت رشفة من العصير .. و بدأت ألتهم تلك المعكرونة اللذيذة المذاق .. حتى قالت رانيا بتفاخر :" يبدو إني ماهرة حقاً "
      هززت رأسي ايجابياً بابتسامة .. بينما أتممت نجلاء طعامها بجمود .. و بعد فراغنا من الأكل .. حملت رانيا الأطباق و الكؤوس و خرجت .. و بسرعة قدمت إلينا و هي تلهث .. أغلقت من خلفها الباب قائلة في توتر ملحوظ :" ها قد جاء "
      أُلجمنا.. و تصبب العرق على جبين رانيا المسكينة التي لن تسلم منه ..رآها في عصر هذا اليوم و هي واقفة تحادث شاباً قرب المستوصف .. لم تكن رانيا من الفتيات الساقطات .. أو اللاتي يحبن اللهو مع الشبان .. و لم تكن حمقاء تصدق ما يقوله الشبان .. كانت تحادثه لأنه كان يريد أن يعرف أخلاق صديقتها لخطبتها و هذا كل شيء .. و بينما كانت تحادثه .. رأت ذلك الرجل خارجاً من سيارته و التقت الأنظار .. فرآها و هي تتحدث مع شاب .. ذلك الرجل .. لا يثق بأحد قط .. لا يثق بنا نحن أخواته .. على حد قول رانيا .. أنه بنظراته يتوعد لها بعقاب قاسٍ ..
      أسرعت رانيا بالجلوس على سريرها و قلبها ينبض بخوف شديد .. أما نجلاء فبرودها لا يطاق .. و لا يتناسب مع الوضع ..
      فتح الباب بهدوء و ساد الجو الذي يضفيه ذلك الرجل .. وقف بهيبته ينقل أنظاره بيننا .. لا تستطيع أن تعرف ما الذي يفكر به فهدوئه مريب .. و شخصيته غريبة .. تصرفاته لا تجد لها تفسيراً .. وقعت أنظاره على فريسته .. المسكينة تصنعت الثقة و الشجاعة .. قال بهدوء ممزوج بغضب مكتوم :" رانيا .. لننفرد في الصالة "
      و غادر ! لم تهدأ رانيا .. و ظلت الأسئلة تحوم في ذهنها بتشكك .. ما الذي سيفعله ؟!! أهو عقاب عدم الخروج من المنزل ثانية .. أم هي كلمات مُذلة .. تستفزها من الأعماق .. لتطلق لسانها بصرخاتٍ عالية توقد النار بينهما بيشب لهب الشجار .. و يبدأ الخصام من جديد ..
      نهضت .. و أنا أنظر إليها بوجل .. ما الذي سيحدث يا ترى ؟! خرجت .. فنظرت إلى نجلاء الذي هدوئها يغضبني .. خاطبتها :
      " ماذا سيكون العقاب يا ترى ؟!! هل سيصدق ما ستقوله هذه المرة ؟!! "
      تابعت تلك الفتاة قرائتها للكتاب بإطلاق تنهيدة فقد صبر .. طبعاً .. فهي لا تتقبل حياتنا كما تقول .. صرخت بها :
      " كفاك ابتعاداً عنا .. أنظري حولك و شاركينا مشاكلنا .."
      ظلت صامتة تتجاهلني .. نجلاء لم تعد تهتم لأمري أنا أختها الصغيرة التي أبلغ الرابعة عشر فقط .. رغم صغر عمري إلا أنني أعيش مشاكل هذا المنزل و أتفاعل مع الوضع .. هذه الفتاة .. لا تطيق الاختلاط بنا .. صمتها يدفعني لإنتقادها في كل حين ..
      مات والدانا لنبقى نحن الفتيات الثلاث نعيش تحت مسؤولية ذلك الرجل .. رانيا تقول أنها بدأت لا تطيقه .. تقول تواجده خارج المنزل أفضل .. و نجلاء تتجاهل سؤاله عنها و حتى لو كان هدفه الاطمئنان عليها .. أما أنا أبذل قصارى جهدي لكي يرضى عني .. أعتبره كأب لي ..
      بات يهتم بنا من بعيد و أختاي لا تتقبلان اهتمامه و يلقيان عليه أسوأ الألقاب في غيابه .. فأستفز من الأعماق .. و في أحد المرات سمعت رانيا تضحك مع صديقاتها لتغتاب أخي بصورة بشعة .. و تشبهه بالقرد و الخنزير .. لم تكن لدي الجرأة لأقف أصدها .. و لكني ركضت له أخبره بما سمعت .. فما كان منه إلا أن يتجاهل ذلك و يأمرني بالاقلاع عن الفتنة .. وجدته رائع من الداخل .. إلا أنه يغطي نفسه بغطاء سميك يمنعنا من معرفته جيداً.. أنا أشعر أني أفهمه أحياناً .. فغضبه من رانيا حين رآها واقفة تحادث شاب شعور طبيعي يصدر من أي أخ غيور على أخته .. و من حقه أن يعاقبها إن كان هدفها بشع .. و لكنها كانت تحادثه عن صديقتها ليتقدم لخطبتها .. المشكلة في أخي أنه عديم الثقة بنا ..
      و في ذلك الحين سمعنا دوي صراخ رانيا يهز الأرجاء :" لا يحق لك التحكم فيما أفعل .. فما أنت إلا أخ مزعج كثير التدخل "
      قفزت من على سريري و انطلقت متجهة نحو الصالة بينما لم تحرك نجلاء ساكناً .. طللت على الاثنان بوجل .. رانيا واقفة و الغضب واضح على ملامحها .. بينما ظل جابر يدوّن شيئاً على أوراقٍ على الطاولة .. لم يبدِ اكتراثاً لصراخ رانيا .. أمرها قائلاً :" اجلسي "
      فجلست بغضب .. تنظر له بحدة قاتلة و قالت و هي تعض شفتيها :" ما ذنبي إن كنت لا تصدقني .. هل سمعت ما يدور بيننا لتتأكد أني كنت أحادثه في موضوع مغاير عن موضوع صديقتي ؟!! "
      رفع رأسه و نظر لها بعدما انتهى من تدوين ما كان يدونه .. نظراته أثارت مخاوفها .. قال بحزم :" لن تخرجي ثانية من المنزل دون علمي و .... "
      صرخت قاطعة جملته :" أصمت .. لن تتحكم فيّ بعد الآن .. فقد اتخذت قراري النهائي .. "
      أطلقت زفرة عميقة ثم قالت :" سأذهب لأقطن في منزل خالتي و لن تمنعني مهما فعلت .. "
      خرجت نجلاء من الغرفة و اقتربت .. فدارت أنظاره كالسهام علينا نحن الفتيات .. تساءل باستنكار :" منزل خالتك "
      " نعم .. سأهاجر إلى منزل خالتي و أظن أن نجلاء و شذى يوافقاني الرأي و سيأتيان معي أيضاً .. لم أعد أحتمل العيش تحت تحكمك "
      اقتربت نجلاء و نطقت بنظرات تحدى وجهتها نحوه :" أنا أوافقك يا رانيا .. أنا لن أستطيع العيش مع هذا الرجل الذي بدأ يعاملني كدمية منذ أن توفى والدايّ .."
      ضحكت :" تظن أننا سنصمت .. لا ! .. فأن لن أبقى هنا .. فقد حرمتني من كل شيء أحتاجه .. الحنان و العطاء و الكثير .. "
      لملم ذلك الرجل حاجياته المتناثرة على الطاولة .. نظاراته .. قلمه .. أوراقه .. ساعته .. ثم قال دون أن يرفع رأسه :
      " فلتذهبن لتجهيز أنفسكن لأوصلكن لمنزل خالتكن .. إن كنتن ترفضن هذه الحياة .."
      قالت رانيا بضحكة نصر :" طبعاً لن تستطيع الاعتراض "
      و استدارت متجهة نحو غرفتها و عندما ابتعدت عنه نطقت بهمس :" أيها القرد "
      انتفضت .. نظرت له .. لا يبدو أنه سمعها و لكني سمعتها .. ما بالها تبقى تقذفه بالكلمات الطاعنة من دون أن يدري .. باتت تعتاد على تلقيبه بهذه الألقاب ..بل باتت تعامله كعدو تحاول هزمه .. لطالما قالت أنها تريد كسر رأسه المتعالي و تحطيم غروره ..
      دخلت الفتاتان الغرفة في فرح بدا وجهيهما .. و انا وقفت خلفه أنظر إليه و هو يرتب أوراقه ...ترددت كثيراً قبل أتحدث .. و لكني نطقت أخيراً :
      " أخي هل سنعيش بقية حياتنا في منزل خالتي ؟!! "
      تجاهلني لبرهة .. ثم رد على سؤالي :" نعم..فافرحي .."
      أخرج هاتفه الخلوي من جيبه و ضغط الأزرار ..ثم أخذ يحادث الطرف الآخر قائلاً :" مرحباً خالتي .. أخواتي يرغبن بالعيش معك .. أعلم أن ذلك سيزعجك و لكنهن مصرات على قرارهن .. أظن أني سأوصلهن لمنزلك غداً صباحاً ..فما رأيك ؟!! "
      صمت لبرهة لترد خالتي ثم قال :" عظيم ! شكراً لقبولك .. "
      أغلق الهاتف .. و نهض .. فخاطبته :" ستبقى وحدك هنا أليس كذلك ؟! "
      صمت هو .. و لم يعلق .. صعد السلم بهدوء و اتجه نحو غرفته .. فانطلقت نحو غرفتي .. فتحت الباب لأرى الفتاتان تستعدان للرحيل بفرح ..
      وضعت رانيا ملابسها بترتيب في حقيبتها الضخمة .. حملت قميصاً برتقالي اللون تصميمه مميز و قالت بضحكة :" ابنة خالتي هدى ستعجب بهذا القميص حتماً .. لقد كان مرتفع الثمن "
      من جهة أخرى ترتب نجلاء ملابسها قائلة :" أتمنى أن تؤمن خالتي لنا غرف جيدة لنمكث فيها ..لا نريد أن نجتمع ثلاثتنا في غرفة واحدة"
      نجلاء متفاعلة في الموضوع لأنها فرحة بسبب موضوع الرحيل هذا .. نطقت أنا قائلة :" ألم تفكران في أخانا ؟ و كيف سيعيش وحيداً ؟!! "
      نظرت إلي رانيا بانزعاج قائلة :" أوه شذى كفي عن الدفاع عنه .. هو من اشعل النار .. فها نحن نفر ليحترق بها وحده "
      وقفت مقطبة حاجباي .. لماذا كل هذا الحقد بين الأخوان .. أنه أخانا الأكبر .. فلماذا هذا الحقد الذي يتفاقم يوم بعد يوم بينهما ..
      نثرت رانيا شعرها الأشقر على كتفيها بدلال ..متسائلة :" يا ترى ! متى سوف يوصلنا لمنزل خالتي ؟!! "
      قلت :" سمعته يحادث خالتي قائلاً أنه سيوصلكما غدا صباحاً "
      قالت رانيا باستنكار :" يوصلكما ؟!! ألن تأتين معنا ؟!! "
      نكست رأسي قائلة :" لا! فلا أستطيع ترك جابر وحده هنا .. ثم أني لا أريد تغيير مدرستي "
      صرخت بي نجلاء :" يا حمقاء هذه فرصة لا تفوت .. غادري هذا المنزل الكئيب معنا و اتركي هذا الأخ المزعوم فهو سبب المشاكل "
      و أضافت رانيا :" ثم ما الفرق بين المدارس ؟ لا تقولي أنك لا تريدين فراق صديقاتك .. أنتِ فتاة انطوائية و لا تملكين صديقات "ً
      لم أستطع التمرد عن أختاي الكبيرتان .. فوافقت .. و ها أنا أجهز حقيبة حاجياتي .. و بينما أنا كذلك وجدت في خزانتي ألبوماً صغيراً للصور .. فتحته .. فإذا بها صوري يوم كنت طفلة .. شدتني صورة غير واضحة .. أظنها لأخي جابر .. يحملني بذراعيه .. ملامح وجهه لم تكن واضحة .. و لكن الابتسامة التي ارتسمت على شفتيه واضحة كالشمس .. هل كان سعيداً لأني بين ذراعيه ؟ هل كان يحبني ؟!! لا أصدق .. أنه يتجاهلني في أغلب الأحيان..
      خبأت الألبوم في الحقيبة و أغلقتها ثم ارتميت على سريري لأغط في نوم عميق ..
      و في صباح اليوم التالي استيقظت من النوم قبل أختاي .. كانت الساعة السابعة صباحاً .. طللت على المطبخ فرأيت أخي يجلس وحيداً كالعادة يحتسي الشاي .. التفت إلي .. فابتسمت .. أشار لي بأن أقترب .. فتقدمت و جلست بقربه .. و ها هو يبدأ بصب الحليب في كوب ليقدمه لي ..
      " إبدأي يومك بكوب حليب .. ذلك صحي "
      شربت جرعة من ذلك الحليب و وضعته جانباً .. بقيت أنظر لقسمات وجهه .. و تذكرت الألقاب التي تلقبه بها رانيا كالقرد و الخنزير ..انقبض قلبي ..لا يحق لها .. خاطبني قائلاً :" فور وصولك لمنزل خالتك ..اطلبي منها أن تخصص لكم غرفة بعيدة عن غرف أبنائها الشبان "
      هززت رأسي إيجابياً .. ثم قلت :" كنت أفكر بالبقاء معك .. "
      " تبقين معي ؟!! لماذا ؟!! "
      " ستبقى وحيداً إن ذهبنا نحن الثلاث "
      نظر لي بعمق .. ثم ابتسم بسخرية :" و ماذا تستعطين أن تفعلي بتواجدك سوى أن تكوني عبئاً علي "
      طعنني بسهام حادة .. فهتفت عاضةً شفتي :" أتكره كوني معك ؟!! "
      نهضت بغضب قائلة :" من حق رانيا أن تلقبك بالخنزير و القرد و من حق نجلاء أن تكره حتى سماع أسمك "
      و ركضت متجهة نحو غرفتي ..

      في موعد الرحيل .. جلست نجلاء و رانيا في المقاعد الخلفية لسيارة أخي الفخمة .. و ها هي رانيا تومأ لي بالاسراع بوضع حقيبتي في صندوق السيارة ..كانت الحقيبة ثقيلة للغاية .. ها هو أخي يخرج من المنزل بهيبته و يُقدم نحوي ليحمل الحقيبة بدلاً عني لوضعها في صندوق السيارة .. بعد ذلك يتجه نحو مقعده و يجلس عليه و بدت ملامح الضيق على وجهه عندما رأى نجلاء و رانيا تجلسان في الخلف تاركتان المقعد الأمامي شاغراً .. أهو سائق ليفعلا ذلك ؟! مظهره سيكون بشعاً عندما نجلس في الخلف و لا أحد يجلس على المقعد الأمامي .. و لكني الآن يفترض أن أكون غاضبة منه .. لكن ..سأجلس في المقعد الأمامي ..فور اقترابي من باب المقعد الأمامي حتى صاحت رانيا باستنكار :" شذى ما الذي تفعلينه ؟!! تعالي و اجلسي بقربي "
      فتحت الباب أتجاهلها .. نظرت إلى الفتاتان فإذا بالغيظ الجامح مرتسم على وجهيهما .. ألم ينتهي الخصام ؟! لا أستطيع أن أحرجه أمام خالتي و أبناءها.. ماذا سيقولون إن روأو هذا المشهد ؟!! .. نظرت إليه فقال و هو يخرج هاتفه الخلوي من جيبه :
      " اجلسي مع أختيك فقد يودان التحدث معك "
      أخذت أرنو إليه .. ثم اتخذت مكاني في الخلف لتبدأ رانيا بمعاتبتي .. و ها هو يحرك السيارة و هو يتحدث عبر الهاتف:
      " مرحباً جواد كيف حالك ؟ الآن سآتي بالفتيات إليكم .. شكراً .. وداعاً "
      جواد هو ابن خالتي الأكبر الذي يكبر جابر بسنتين ..جابر يبلغ من العمر سبعة و عشرين عاماً ..و لكن الشعيرات البيضاء بدأت بغزو شعره الأسود ..
      توقفت السيارة بعد فترة أمام منزل خالتي .. فأطلقت رانيا السراح لكلماتها الجارحة :" آه و أخيراً غادرنا ذلك المنزل المليئ بالجو الرديء الذي لا نستطيع التنفس فيه ..و أخيراً نبعتد على التحكم و الجبروت و السلطة .. نبتعد عن القرود و الخنازير "
      و هبطت بسرعة من السيارة مع نجلاء التان أخذتا تضحكان خفية .. نظرت لأخي الذي أبعد أنظاره عنهما في تجاهل و خاطبني بصوتٍ لامست فيه غضبه :" اخرجي شذى "
      نزلت من السيارة و طللت عليه من النافذة قائلة :" أخي هل ستزورنا ؟!! "
      هزّ رأسه ايجابياً :" نعم .. في كل جمعة سآتي لزيارتكم .."
      نظرت لعينيه بعمق .. ثم قلت :" أخي أتمنى ألا تنسانا نحن نحتاجك "
      هزّ رأسه ايجابياً .. و ترجل من سيارته .. مسح رأسي من فوق الحجاب قائلاً :" اجتهدي في دراستك شذى .. "
      و اتجه نحو منزل خالتي و قرع الجرس .. فخرج جواد مرحباً :" أهلا جابر ..تفضّل .. تفضّل مع أخواتـك "
      اقترب جابر نحونا قائلاً :" ادخلن أنتن و أنا سآتي بالحقائب "
      تركت نجلاء الحقائب بتكبر و اتجهت نحو المنزل و تبعتها رانيا بعدما رمقته بنظرة احتقار .. تنهد هو و انتشل الحقائب من الصندوق .. و ها هو جواد يأتي لمساعدته ..
      دخلت منزل خالتي لأرى بنات خالتي يرحبن بأختاي .. طبعاً لم تهتم بنات خالتي بي كثيراً لأني صغيرة كما يقلن .. جلست بقرب خالتي فخاطبتني :
      " لازلتِ تشبهين والدتكِ المرحومة في كل شيء .."
      التفتت إليها باسمة.. ثم قلت :" خالتي .. أخي يطلب منك تأمين غرف لنا بعيدة عن غرف أبنائك الشبان .. فهل هذا ممكن ؟! "
      أطلقت ضحكة و قالت :" بالطبع عزيزتي .. لقد جهزت لرانيا غرفة لوحدها لأنها أكبركن .. و أنتِ ستشاركين نجلاء غرفتها "
      ابتسمت بامتنان :" شكرا خالتي "
      و قلت :" كذلك يا خالتي أريد منكم أن تلحقوني بمدرسة هنا .. "
      " جواد سوف يتكلف بذلك فلا تخافي "
      و هاهو جواد يدخل المنزل مع جابر حاملان الحقائب ..يضعان الحقائب بالقرب من الباب الرئيسي .. و ها هو جواد يتجه نحو المطبخ بينما يومأ لنا أخي بالاقتراب .. نهضنا نحن الثلاث متجهات نحوه .. وقفنا أمامه .. فأخرج هو من جيب سترته ثلاثة ظروف .. قدم الأول لرانيا قائلاً :" هذه النقود لك .." و قدم الثاني لنجلاء :" و هذه لك " و الثالث لي :" و هذه لك "
      ثم قال :" إن احتجتم المزيد اتصلوا بي .. سأزوركم في كل جمعةٍ لأطمئن عليكم .. ثم إن احتجتموني في أي شيء اتصلوا بي "
      و نظر لي قائلاً :" اهتموا بشذى جيداً لكي لا تتعثر في دراستها .. "
      هزت رانيا رأسها ايجابياً .. فربت على كتفها قائلاً :" وداعاً "
      استدار متجهاً نحو الباب فاستوقفته خالتي :" لحظة ! ألن تتناول طعام غدائك معنا ؟! "
      أشار برأسه نفياً بابتسامة :" لا شكراً خالتي .. أتمنى أن تعتني بالفتيات .. "
      " لا داعي لتوصيني على بنات أختي .. فهن كبناتي .. "
      ابتسم هو .. و غادر قائلاً :" وداعاً "
      غادر و تركنا نحن الثلاث نعيش حياة جديدة و في منزل جديد .. رغم أن رانيا و نجلاء في قمة الفرحة إلا أنني أشعر بانقباض في قلبي .. أود الرجوع إلى حيث كانا والدي .. أشعر بتأنيب الضمير .. لماذا تركت أخي وحده هناك .. سيعاني وحدة قاتلة ..
      ليتني أستطيع العودة !