"نيويورك".. مسلمو أمريكا مذنبون وضحايا بتوابل هندية!

    • "نيويورك".. مسلمو أمريكا مذنبون وضحايا بتوابل هندية!



      النموذج الأمريكي لأفلام ما بعد تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بالولايات المتحدة هو نفسه ما تأتي على شاكلته أحداث فيلم "نيويورك"؛ إذ تقوم كلها -والفيلم أيضا- على "تيمة" المتهم البريء الذي يتحول من ضحية إلى جلاد، وهي التيمة التي استخدمتها أفلام أمريكية عدة في نقد سياسة حكومة بوش بعد أن تم الكشف عن التحقيقات الوحشية والممارسات غير الإنسانية التي وقعت في عهده ضد مختلف الأعراق الملونة، وعلى وجه الخصوص في حق المسلمين والعرب، وهي التيمة التي أصبحت مستهلكة، وخاصة مع ارتباطها بما يُعرف بأفلام التحقيقات الفيدرالية، أي الأفلام القائمة على حوارات ومداورات بين محقق حكومي ومتهم بريء. فما الجديد الذي يقدمه فيلم "نيويورك"، ويستحق عليه كل هذه الجلبة المثارة من حوله، طالما يعتمد على "التيمة" نفسها؟.
      فيلم هوليوودي
      يبدأ الفيلم باعتقال "عمر"، وهو أحد الشبان الهنود المقيمين في أمريكا، وذلك عندما يتم العثور على أسلحة مهربة داخل التاكسي الذي يعمل سائقا به في مدينة فيلادلفيا، وعبر جلسات تحقيق طويلة يجريها معه محقق أمريكي من أصل هندي؛ نكتشف أن لهذا الشاب علاقة بشاب آخر كان زميلا له في الجامعة هو سام أو سمير الشيخ، وهو أيضا شاب أمريكي من أصل هندي، لكنه متهم بتكوين خلية إرهابية.
      ومن خلال مشاهد "الفلاش باك" المطولة نكتشف طبيعة علاقة عمر بسام بالفتاة الجميلة مايا التي كانت سببا رئيسيا وراء رحيل عمر عن نيويورك. فعمر أحب مايا، لكن مايا أحبت سام، واعتبرت عمر مجرد صديق مقرب منهم وهي نفس التيمة "مثلث الحب" المعتاد؛ حيث شاب يحب فتاة تحب شابا آخر هو صديقه في الوقت نفسه.
      ويكتشف عمر هذه العلاقة يوم تفجيرات البرجين في 11 سبتمبر/أيلول، ويعتبر وقتها أنها إشارة له كي يرحل عن نيويورك، فيبتعد عن كل شيء مضحيا بمشاعره تجاه مايا من أجل صديقه سام.

      من الضحية؟
      تدريجيا تتضح نية ضابط المباحث الفيدرالية، فهو الذي دبر لعمر مسألة الأسلحة كي يورطه في التجسس على صديقه سام، والإقامة في بيته، ويكتشف عمر بالفعل أن سام رئيس خلية إرهابية تضم أفغانيا وباكستانيا وعربيا وبنجلاديشيا، وهي الجنسيات التي تعرضت للتعذيب والقهر بعد أحداث سبتمبر.
      ثم يعود الفيلم للفلاش باك مرة أخرى عندما يحكي سام لعمر كيف أن تعذيبه على يد المباحث الفيدرالية هو الذي حوله من شاب بريء وناجح إلى إرهابي يرغب في سفك دم من انتهكوا كرامته، وأن أصله الهندي وبشرته السمراء كانتا وراء القبض عليه.
      ويقع عمر في حيرة بين الإبلاغ عن صديقه ومنع الحادث الإرهابي الذي ينوي أن يقوم به وبين التعاطف معه نتيجة ما حدث له على يد الأمريكيين، وفي نهاية ميلودرامية شديدة العنف تنتهي الأحداث بموت سام قبل أن ينفذ العملية الإرهابية، ليصبح موته شاهدا على وحشية الممارسات التي قامت بها أمريكا بحجة مكافحة الإرهاب، بينما تموت مايا كضحية للقناصة الأمريكيين في أثناء محاولتها منع زوجها من تنفيذ التفجير الإرهابي.

      توابل بوليوودية
      هذه القصة المكررة طالعناها في عشرات الأفلام الأمريكية التي صدرت خلال السنوات الخمس الأخيرة؛ لكن المخرج الهندي كبير خان يقدمها لنا بكل عناصر التوابل الهندية المعروفة من غناء ومناظر طبيعية، وطول مدة الشريط السينمائي، ومن مشاهد حوار طويلة، وحبكات فرعية، ومصادفات تؤدي إلى تغيير مجرى الأحداث، ثم نهايات ميلودرامية فاجعة!.
      وعلى الرغم من أن الفيلم مصور بالكامل في أمريكا؛ إلا أن المخرج اختار الحدائق الواسعة والمناظر الغنية بألوان السماء والأشجار تماما كعادة السينما الهندية في الاحتفاء بالطبيعة في كل أفلامها.
      وفي النصف الأول من الفيلم تزيد جرعة الغناء الهندي المصاحب لمشاعر عمر تجاه مايا أو لشرح طبيعة علاقة سام وعمر كزملاء في الجامعة، بينما يغلب على النصف الثاني من الفيلم مشاهد الحوار المباشرة التي تريد أن تشرح الفكرة، كما لو أن المتفرجين تلاميذ في مدرسة، علما بأن المباشرة الشديدة عادة ما تكون مضرة للعناصر الفنية، أو تدل على شعور صناع الفيلم بضعف أداوتهم الفنية في التوصيل.
      وقد ظهر تأثر المخرج بعدد من المشاهد التي جاءت في أفلام أمريكية شهيرة مثل فيلم "كراش"؛ إذ اقتبس مشهد تفتيش رجل شرطة لزوجة سمراء أمام زوجها في الفيلم وجعل مايا بعد أن صارت محامية لحقوق الإنسان يتم تفتيشها أمام أحد موكليها ممن تعرضوا للتعذيب في السجون الأمريكية، مما يدفع هذا الشخص المسالم البريء إلى قتل الشرطي الأمريكي الذي استوقفهم.
      غير أنه لم يكن مفهوما سر مقتل سام في نهاية الفيلم، على الرغم من أنه ألقى من يده زناد المفجر الذي كان ينوي تفجير مبنى المباحث الفيدرالية به، لكنها عادة السينما الهندية التي تعتبر وفاة البطل تمجيدا له، وتجلب شفقة المتفرجين وحزنهم عليه لتظل ذكراه حاضرة في نفوسهم، وأتصور أن هذا جزء من طبيعة الثقافة الهندية التي تعتبر الموت طريقا للخلود.

      الرقابة.. والإساءة
      على الرغم من أن الأفلام يجب أن تُعرض كما هي بدون تدخل من الرقابة؛ إلا أن فيلم "نيويورك" لم ينج من مقص الرقيب المصري؛ حيث تم قص مشهدين تظهر فيهما شخصية مصرية اسمها "مالك" ضمن الخلية الإرهابية.
      كما تم حذف مشهد بين بطلة الفيلم الممثلة الهندية الجميلة كاترين كيف وبين بطل الفيلم. وربما تكون الرقابة اعتبرت أن ظهور شخصية عربية أو مصرية في الفيلم سوف يُشعر المتفرجين العرب بمشاعر إساءة، لكن الحذف قد أضر بالسياق الدرامي.
      فالمخرج لم يخجل من أن يقول إن سام ومايا يعيشان حياتهما كأي ثنائي أمريكي، وأن مايا حاولت أن تعوض سام عن شهور الاعتقال بلقاء حميمي يمهد فيما بعد لزواجهما وإنجابهما طفلهما دانيال.
      وعلى العموم فقد أصبحت السينما الهندية أكثر تحررا في السنوات الأخيرة نتيجة تأثرها بالسينما الأمريكية، على الرغم من أنها لم تكن تقدم مشاهد ساخنة في أفلامها، ولكن بما أن بوليوود قررت أن تخوض مجال الأفلام السياسية على الطريقة الأمريكية فلا مانع إذن من تلك المشاهد التي تشتهر بها هوليوود؛ الأب الشرعي لبوليوود!.