عندما تهاجر العقول إلى خارج حضن الوطن

    • عندما تهاجر العقول إلى خارج حضن الوطن

      مرة أخرى تعود بي الذاكرة إلى الوراء ، إلى تلك الحقبة الماضية قبل بداية النهضة العمانية المباركة ، تذكرني كيف هاجرت عقول أجدادنا وآبائنا إلى دول الجوار لهدفين ساميين ، أولها لنيل العلم والمعرفة بحكم عدم وجود مؤسسات للتعليم في تلك الحقبة في هذا الوطن ، فالبعض منهم اكتفوا بتدارس العلم والفقه على يدي المشايخ والقضاة المعاصرين في تلك الحقبة ، والبعض منهم هاجر إلى دول الجوار لنيل العلم والمعرفة ، أما الهدف الثاني لهجرة تلك العقول أرض الوطن فكان بسبب ما عانته من شظف العيش وتقلبات ظروف الحياة الصعبة ، أرغمتها قساوة تلك الأوضاع إلى هجرة وطنها وترك أهلها وذويها للبحث عن مورد رزق لها في دول الجوار خلال تلك الحقبة ، فتغربت وعانت الكثير من المشقة والمهانة في سبيل أن تنعم بحياة حرة وكريمة فصبرت سنوات على ذلك الحال ، لكنها في نهاية المطاف رجعت إلى حضن الوطن بعد أن أنعم الله علينا بقائد عظيم كان همه الأول منذ تسلمه زمام الأمور في بداية السبعينيات أن يجعل أمة وطنه تعيش سعيدة بين أهلها وذويها . وأن تعود لتساهم في بناء هذا الوطن ، فعمان بحاجة إليهم من أي وقت مضى .

      اليوم حالنا تغير والحمد لله ، فهنالك مؤسسات عظيمة في هذا الوطن تنهض بسواعد أبنائه ، وهنالك آلاف المدارس تروي عقول أبنائه بالعلم والمعرفة ، وجامعة حكومية ، وبعض الجامعات الخاصة والذي كنا نتمنى بأن يكون هدفها الأسمى هو أن يكون التعليم الجامعي فيها في متناول جميع فئات الشعب ، لا أن يصبح الواقع مغاير عكس ما كنا نتماه ، وأن تكون مناهج التدريس فيها ومخرجاتها مواكبة لحاجة سوق العمل وخاصة ما يتطلبه القطاع الخاص من كوادر بشرية مؤهلة علميا وعمليا تسهم بالنهوض به ، فتكون قادرة أن تثبت ذاتها بين تلك العمالة الوافدة المتربعة على عرش كافة مؤسساته ، ليتحقق مبدأ التعمين الذي تسعى إليه حكومتنا الرشيدة بإحلال المواطن العماني محل تلك الأيدي الوافدة ، وردا للجميل الذي قدمته الحكومة الرشيدة لذلك القطاع من حوافز ودعم للنهوض بمؤسساته ، فخيرات مؤسسات ذلك القطاع أولى أن تسخر لأبناء الوطن أولا ، لا أن نتركها للوافد يتنعم بها . لذلك نرى استمرار هجرة تلك العقول إلى خارج حضن الوطن ما زال قائما لنيل العلم والمعرفة من مختلف الجامعات المنتشرة في ربوع دول العالم الشقيقة لنا والصديقة ، فالعلم في بعضها لا يقاس بنسب كبيرة أو بتكاليف باهظة ، وإنما أتيح في متناول الجميع طالما توجد لدى الفرد الرغبة في نيل العلم والمعرفة ـ فنجده بنسب متواضعة وبتكلفة متوسطة لا يقارن مع ما تفرضه جامعاتنا الخاصة .

      وهنالك عقول أخرى هجرت أرض الوطن بعدما أنيرت عقولها بالعلم والمعرفة ، فقدم لها الوطن الكثير من خيراته ، فكان ردا للجميل أن ثابرت وقدمت كل ما لديها من إمكانيات وقدرات لرفع مستوى إنتاجية مواقع عملها ، فخدمت الوطن لسنوات كثيرة ـ لكنها بحكم ما تعانيه من مضايقات في تلك المواقع ، وما صدر بشأنها من تخبط في بعض القرارات الصادرة من قبل ذوي الشأن ، عصفت بجهودها ، وكسرت عزيمتها ، لكونها مشت عكس التيار ، فلم ترضى لأنفسها أن تزج بها في أمور لا تخدم مصلحة هذا الوطن . فكانت النظرة لها من قبل ذوي الشأن بأن تزاح الشوكة من حلقوم تلك المواقع . فأزيحت من مواقعها ، وهمشت أفكارها ، وجمدت عقولها في جهات لا تمت صلة بتخصصاتها ولا بطبيعة أعمالها ـ هنا لم تشفع لها سنوات الخبرة التي قضتها خدمة للوطن ، ولا ما قدمته من أعمال جليلة ساهمت بالرقي بمواقع عملها السابقة ، لذا فأنه من الطبيعي وكردة الفعل أن تبادر تلك العقول فتبحث لها عن ملاذ أخر لها يحتضنها فقررت هجرة الوطن .

      فهكذا تظل تهاجر تلك العقول وطنها الأم ، وتبحث عن ملاذ أخر يحتضنها ، تجد فيه متنفس أخر تبدع بطاقاتها وتكرس جهودها لخدمته ، بعدما أصبح حضن وطنها لا يتسع لها في نظر البعض ، هنا نقول إلى متى يا وطني خبرات شبابك تذهب سدى ، والى متى ستظل تغرد خارج حضنك ! أليس من الأحرى إنصافها والأخذ بيدها ، لتظل تقدم ما لديها من طاقات وأفكار تخدم مصلحة الوطن ورفعة شأنه ، لا أن يسعى البعض بتصرفات لا يحسب لها حساب إلى الزج بها إلى متاهات الغربة والديار البعيدة ، ربما ترحب بها فتحتضنها ليس حبا في أوطانهم ، أو لسواد عيونهم . وإنما بما تقدمه من خبرات وطاقات ستساهم فعلا في الرقي بمواقع أعمالهم في حضن أوطان الغير . فهذا ما أثبته الواقع عندما نرى شبابنا وقد تربعوا في حضن منابر بعض القنوات الفضائية في دول الجوار فأثبتوا جدارتهم ، كان من الأولى أن تشد تلك الحناجر في منابر إعلام هذا البلد ، لكونهم ركيزته الأساسية ، فهم أساسه المتين الذي لا تزعزعه كلمة ضالة ، وهم ممن سيدافعون بما ستخطه أقلامهم من كلمات صادقة ، لو تعرض الوطن وأمته لا قدر الله لأية جارحة ، وسيشدون بحناجرهم كلمات حب وولاء لو كانت باقية عقولهم في حضن الوطن . أخير نسأل الله تعالى أن لا تستنزف مواردنا البشرية فتهاجر خارج حضن الوطن ، لتبقى تحلق داخل حضنه لتسمو بالوطن وأمته إلى مصاف الدول المتقدمة كما رسم لها القائد "حفظه الله ورعاه" ذخرا لوطنه وأمته .
    • هذا حال كل من أراد أن يطور نفسه ويطور مواهبه ويتقدم في العلم فبلادنا بدل عن أن تفتح له الأبواب تضيقها عليه لهذا سافرت هذه العقول لانها وجدت على مبتغاها في أمريكا وبريطانيا وغيرها من الدول المتقدمة التي تهتم بالعلم وأهله