ناصر اليحمدي :
اجتمع نحو 35 ألف شخص من 192 دولة في مدينة كوبنهاجن الدنماركية في مؤتمر دولي تعقده الأمم المتحدة كفرصة أخيرة لإنقاذ كوكب الأرض والاتفاق على طريقة مثلى لمكافحة التغير المناخي الخطير الذي يهدد الكوكب .. ويحدونا أمل عظيم في أن يسفر المؤتمر عن التزامات وتعهدات تطبق لإنقاذ الأرض قبل فوات الأوان.
لقد خلق الله سبحانه وتعالى كوكب الأرض ووضع فيه من المعطيات المناسبة التي تجعله صالحا لسكن الإنسان من هواء وماء ودرجة حرارة وتربة صالحة للزراعة وغيرها من قوى الطبيعة التي حبانا الله بها وسخرها لخدمة البشر .. كما أمر الإنسان أن يحقق الإعمار الذي استخلف من أجله في هذه الأرض لذلك يجب الحفاظ عليها والعودة للبيئة النقية التي خلقها الله وأن نعلم أولادنا قيمة المحافظة عليها حتى نضمن لهم الصحة الجيدة والسعادة .
ثم بدأ الإنسان يصنع الأدوات التي تسهل له سبيل العيش ومع ظهور الثورة الصناعية انقلبت الأحوال وتطورت حياة الإنسان بشكل سريع وأصبحت حافلة بالآلات التي وفرت الكثير من الجهد ولكنها للأسف أدت إلى اختلال نظام الكوكب خاصة بعد استخدام الوقود الأحفوري وإزالة الغابات التي تعتبر رئة الأرض فاختلفت نسب الغازات الموجودة بالجو وازدادت نسبة ثاني أكسيد الكربون وظهر ما يعرف "بالاحتباس الحراري" و"ثقب الأوزون" وغيرها من المشاكل التي يعاني منها غلافنا الجوي وازدادت نسبة ضوء الشمس الساقط على الأرض التي كان ينعكس منها جزء كبير للفضاء الخارجي مرة أخرى وتسبب ذلك في انصهار الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي ووقوع كوارث لم تحدث من قبل والبقية تأتي لو لم نقف يدا واحدة ونسعى لإنقاذ الأرض مما تعانيه من خلل.
لاشك أن تحدي تغير المناخ هو تحد عالمي ولا يعني أناسا أو دولا بعينها فالغلاف الجوي يحيط بالأرض جميعا وبالتالي فإن حلول المشكلة تتطلب جهدا عالميا جماعيا لأنه كما للدول المتقدمة دور في حل هذه المعضلة كذلك للدول النامية دورها في خفض انبعاثاتها .. والحلول يجب أن تكون ملائمة للجميع ومرنة بحيث تتواءم مع التكنولوجيا المتغيرة لاسيما وأن النشاطات البشرية هي التي تسبب في حدوث هذه المشكلة وسياسة تجاهل الأمر برمته التي تنتهجها الدول الصناعية الكبرى سوف تأتي على الأرض جميعها بالخراب والدمار.
إن تغير المناخ يهدد أهداف التنمية لمليارات البشر بل يعد واحدا من أخطر التهديدات التي قد تواجهها الإنسانية على الإطلاق فتغير المناخ له تأثير سلبي على كافة مناحي الحياة بدأ بالظهور على أرض الواقع فإلى جانب حدوث الفيضانات والعواصف وارتفاع منسوب البحار فإنه يسبب كذلك شح المياه وجفاف الأنهار وتلوث مياه الشرب وفساد الأغذية أو حدوث المجاعات إلى جانب انتشار الأوبئة وتدهور صحة الإنسان والحيوان واختلال التنوع البيولوجي الذي لن يتحمل تأثيرات المناخ الجديد بالإضافة لدمار البنية التحتية للدول والسياحة.
في رأيي أن قضية تغير المناخ العالمي أخطر من قضية الإرهاب أو الأزمة المالية لأن الكوارث الناجمة عنها قد تحصد دولا كاملة بشعبها وأرضها وخيراتها .. ولقد عقدت من قبل عشرات المؤتمرات الدولية وللأسف لم يتم التوصل لنتائج حاسمة ونرجو أن تستطيع في مؤتمر كوبنهاجن أن تتوصل لأرضية مشتركة تتفق عليها جميع الدول لأن المسؤولية مشتركة والحلول أصبحت معروفة لدى الجميع ولكن ما يلزمنا هو الوضوح في الطرح والعمل على إزالة العقبات التي تقف في طريق تحقيقها .. فالمخططات التفصيلية للإنقاذ متوافرة .. والنفقات المطلوبة لتعديل التقنيات المستخدمة في المصانع التي تخرج ثاني أكسيد الكربون متوافرة وأقل مما تم صرفه لمنع انهيار المراكز المالية الكبرى .. والبديل النظيف للطاقة – الطاقة الشمسية – متوافر .. إذن فالحلول موجودة ولكن المشكلة في الالتزام بتنفيذها .. فلماذا لا تلتزم كل دولة بما عليها من واجب من أجل إنقاذ الأرض من احتضارها ؟
لا شك أن الاهتمام بالبيئة يشكل جانبا مهما من جوانب التنمية فالحفاظ عليها لم يعد رفاهية أو ترفا بل أصبح ضرورة ملحة نظرا لصلتها المباشرة بالإنسان وعلاقتها بمستقبل الأجيال القادمة وحقها في الثروات الطبيعية كذلك لمواجهة الكوارث الطبيعية بكل أنواعها وأشكالها .. فتوفير بيئة صحية في ظل الظروف والمتغيرات المناخية القادمة سوف تنعكس على كل الموارد الاقتصادية الأخرى وبدون بيئة سليمة تكافح التلوث بكل صوره وتحد من أخطاره التي تكبد أية دولة خسائر فادحة لن تكون هناك نهضة حقيقية أو تقدم.
يجب على الدول الصناعية الكبرى أن تسعى من أجل مكافحة ارتفاع حرارة الأرض والعمل على خفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري حتى ولو كان ذلك من شأنه إلحاق بعض الأضرار بالاقتصاد والصناعة ففي ذلك حماية لسكان الأرض جميعا والمحافظة على البيئة التي وهبها الله للإنسان لكي يعمرها ويحميها لا أن يدمرها ويلوثها. لقد سمحنا لكل أشكال التلوث أن تنال من صحتنا واقتصادنا لذا يجب علينا بعد الآن ألا نغمض أعيننا عن هذه المشكلة حتى لا تزداد تفاقما وألا نكتفي بالحلول الوقتية حتى لا نندم بعد فوات الأوان في وقت لا ينفع فيه البكاء على اللبن المسكوب.
* * *
تبرير الحرب من معقل السلام
أقل ما يقال عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه خطيب مفوه من الدرجة الأولى .. فهو يسحر مستمعيه بكلامه المعسول الذي يمكن أن يوصف بأنه ضجيج بلا طحن حيث إن وعوده التي يطلقها أثناء خطبه لا يخرج منها سوى بالأمل ولا يتحقق منها شيء.
والخطاب الذي ألقاه أثناء تسلمه لجائزة نوبل جاء متناقضا مع المناسبة فبينما هو يتسلم جائزة للسلام فإنه في نفس الوقت يسوق المبررات لخوض الحرب التي يشنها على أفغانستان وإرساله للمزيد من القوات الإضافية هناك كما أن قواته ما تزال رابضة على صدر الشعب العراقي المحتل.
لقد اعترف أوباما أنه "لا يستحق الجائزة لأنه لم يحقق الكثير من المكاسب لصالح السلام في ظل مواجهته تحديات الحرب في أفغانستان والعراق والمواجهة النووية مع كل من إيران وكوريا الشمالية إضافة إلى معضلة التغير المناخي" فإذا كان هذا رأي أوباما نفسه فعلى أي أساس تم منحه الجائزة الدولية السامية ؟.. هل يتم منحها لمجرد النوايا الحسنة والوعود الفضفاضة أم من المفترض أنها تمنح لإنجازات تحققت على أرض الواقع ؟
الغريب أن أوباما وصف حرب بلاده في أفغانستان "بالعادلة" فأي عدل هذا الذي يتسبب في مقتل الأبرياء وتشريدهم وترويع الآمنين والذي يتحدث عنه الرئيس الأمريكي ؟.. فما أشبه اليوم بالبارحة .. إن دفاع أوباما عن حربه في أفغانستان ذكرنا بغير المأسوف عليه سلفه بوش الذي كان يتخذ من الحروب الاستباقية وسيلة لتحقيق السلام وأن استخدام القوة العسكرية له ما يبرره إنسانيا وأخلاقيا !!.
كما أن تحقيق السلام المنشود الذي يتشدق به أوباما منذ أن وطأت قدماه سدة الحكم في البيت الأبيض يتطلب جهودا أكبر مما يتخيلها هو نفسه .. لاسيما الخاص بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي فرغم دعواته المتكررة للوصول لاتفاق مبدئي على السلام بين الطرفين وإيقاف المستوطنات وإنهاء حصار غزة والدخول في مفاوضات بين الجانبين إلا أن الطرف الإسرائيلي يتجاهل كل هذه الدعوات وأصبح أكثر تشددا وتعنتا بطريقة ربما لم يتوقعها الرئيس الأمريكي.
جميعنا يعلم أن القرار في أمريكا مؤسسي وليس فرديا وأن أوباما لا يستطيع أن يحقق فكره بمفرده دون دعم من الكونجرس وسواء جاء أوباما أو أي شخص آخر فإن السياسة واحدة لا تتغير مادامت نفس الأيدي الخفية التي تديرها موجودة.. لكن مادام لا يستطيع أوباما أن يحقق ما يقوله فخيرا له أن يصمت ولا يعطينا آمالا زائفة ويجعلنا نعيش بالأوهام. إن الوجه الحقيقي لأوباما يتكشف شيئا فشيئا ورداء السلام الذي كان يرتديه بدأ ينخلع عنه ليظهر لنا الوجه المخفي الذي لا يختلف كثيرا عن سلفه بوش .. فالوعود التي أطلقها في خطابه من القاهرة وحبه للعالم الإسلامي ودفاعه عنه لم يعد يذكر منها شيئا الآن وكل ما يهمه كيف ينتصر في حرب مبهمة المعالم والنهاية والتي ينفق عليها ببذخ دون حدوث أي تقدم ليصبح كمن يحارب طواحين الهواء أو يجري خلف سراب.. فالشعب الأفغاني لا حول له ولا قوة ولا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يهدد الشعب الأمريكي بشيء وكل ما به من فساد ودمار يرجع السبب الرئيسي فيه للقوات الأمريكية وتدخلاتها السافرة في شؤونه.
حان الوقت لكي يثبت أوباما أنه يستحق الجائزة التي نالها ويحقق نتائج إيجابية نحو تفعيل سلام شامل وعادل وينهي الحربين اللتين تخوضهما قواته في العراق وأفغانستان ويعمل على إيجاد حلول عادلة في قضية الشرق الأوسط حتى لا تصبح وعوده كفقاعات الصابون التي تنفجر عند ملامستها لأقل سطح وينال ساعتها جائزة أكبر مخادع في التاريخ.
* * *
من فيض الخاطر
لاشك أن بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء أعظم المباني .. لأنه يراعى في هذا البناء خصائص الإنسان وقدراته وإمكاناته الجسدية والنفسية والفعلية بحيث لا تكون برامج توجيهه فوق مستوى الطاقة أو القدرة أو دونها فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
لكي يؤدي الإنسان مهمة استخلافه على الوجه الأكمل لابد أن يتحقق توازن بين رغباته الروحية ونزعته العقلية .. وعواطفه وغرائزه تتوازن مع اهتماماته وتوجيهاته الدنيوية بحيث تتصالح هذه التوجيهات والاهتمامات ولا تتصادم أو تتحارب. إن في مراعاة القدرة والاستطاعة صيانة لطاقة الإنسان وحفاظا لها حتى لا تتبدد في دروب لا نفع فيها ولا ثمرة مرجوة منها كما أنها تجنب سوء التقدير وتساعد على استمرارية البناء والعطاء الجيد فيتواصل الماضي بالحاضر والمستقبل وتتفجر طاقة الإنسان مبدعة خلاقة.
* * *
آخر كلام
أفضل تدريب للقلب أن تنحني لترفع الآخرين.
More...
اجتمع نحو 35 ألف شخص من 192 دولة في مدينة كوبنهاجن الدنماركية في مؤتمر دولي تعقده الأمم المتحدة كفرصة أخيرة لإنقاذ كوكب الأرض والاتفاق على طريقة مثلى لمكافحة التغير المناخي الخطير الذي يهدد الكوكب .. ويحدونا أمل عظيم في أن يسفر المؤتمر عن التزامات وتعهدات تطبق لإنقاذ الأرض قبل فوات الأوان.
لقد خلق الله سبحانه وتعالى كوكب الأرض ووضع فيه من المعطيات المناسبة التي تجعله صالحا لسكن الإنسان من هواء وماء ودرجة حرارة وتربة صالحة للزراعة وغيرها من قوى الطبيعة التي حبانا الله بها وسخرها لخدمة البشر .. كما أمر الإنسان أن يحقق الإعمار الذي استخلف من أجله في هذه الأرض لذلك يجب الحفاظ عليها والعودة للبيئة النقية التي خلقها الله وأن نعلم أولادنا قيمة المحافظة عليها حتى نضمن لهم الصحة الجيدة والسعادة .
ثم بدأ الإنسان يصنع الأدوات التي تسهل له سبيل العيش ومع ظهور الثورة الصناعية انقلبت الأحوال وتطورت حياة الإنسان بشكل سريع وأصبحت حافلة بالآلات التي وفرت الكثير من الجهد ولكنها للأسف أدت إلى اختلال نظام الكوكب خاصة بعد استخدام الوقود الأحفوري وإزالة الغابات التي تعتبر رئة الأرض فاختلفت نسب الغازات الموجودة بالجو وازدادت نسبة ثاني أكسيد الكربون وظهر ما يعرف "بالاحتباس الحراري" و"ثقب الأوزون" وغيرها من المشاكل التي يعاني منها غلافنا الجوي وازدادت نسبة ضوء الشمس الساقط على الأرض التي كان ينعكس منها جزء كبير للفضاء الخارجي مرة أخرى وتسبب ذلك في انصهار الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي ووقوع كوارث لم تحدث من قبل والبقية تأتي لو لم نقف يدا واحدة ونسعى لإنقاذ الأرض مما تعانيه من خلل.
لاشك أن تحدي تغير المناخ هو تحد عالمي ولا يعني أناسا أو دولا بعينها فالغلاف الجوي يحيط بالأرض جميعا وبالتالي فإن حلول المشكلة تتطلب جهدا عالميا جماعيا لأنه كما للدول المتقدمة دور في حل هذه المعضلة كذلك للدول النامية دورها في خفض انبعاثاتها .. والحلول يجب أن تكون ملائمة للجميع ومرنة بحيث تتواءم مع التكنولوجيا المتغيرة لاسيما وأن النشاطات البشرية هي التي تسبب في حدوث هذه المشكلة وسياسة تجاهل الأمر برمته التي تنتهجها الدول الصناعية الكبرى سوف تأتي على الأرض جميعها بالخراب والدمار.
إن تغير المناخ يهدد أهداف التنمية لمليارات البشر بل يعد واحدا من أخطر التهديدات التي قد تواجهها الإنسانية على الإطلاق فتغير المناخ له تأثير سلبي على كافة مناحي الحياة بدأ بالظهور على أرض الواقع فإلى جانب حدوث الفيضانات والعواصف وارتفاع منسوب البحار فإنه يسبب كذلك شح المياه وجفاف الأنهار وتلوث مياه الشرب وفساد الأغذية أو حدوث المجاعات إلى جانب انتشار الأوبئة وتدهور صحة الإنسان والحيوان واختلال التنوع البيولوجي الذي لن يتحمل تأثيرات المناخ الجديد بالإضافة لدمار البنية التحتية للدول والسياحة.
في رأيي أن قضية تغير المناخ العالمي أخطر من قضية الإرهاب أو الأزمة المالية لأن الكوارث الناجمة عنها قد تحصد دولا كاملة بشعبها وأرضها وخيراتها .. ولقد عقدت من قبل عشرات المؤتمرات الدولية وللأسف لم يتم التوصل لنتائج حاسمة ونرجو أن تستطيع في مؤتمر كوبنهاجن أن تتوصل لأرضية مشتركة تتفق عليها جميع الدول لأن المسؤولية مشتركة والحلول أصبحت معروفة لدى الجميع ولكن ما يلزمنا هو الوضوح في الطرح والعمل على إزالة العقبات التي تقف في طريق تحقيقها .. فالمخططات التفصيلية للإنقاذ متوافرة .. والنفقات المطلوبة لتعديل التقنيات المستخدمة في المصانع التي تخرج ثاني أكسيد الكربون متوافرة وأقل مما تم صرفه لمنع انهيار المراكز المالية الكبرى .. والبديل النظيف للطاقة – الطاقة الشمسية – متوافر .. إذن فالحلول موجودة ولكن المشكلة في الالتزام بتنفيذها .. فلماذا لا تلتزم كل دولة بما عليها من واجب من أجل إنقاذ الأرض من احتضارها ؟
لا شك أن الاهتمام بالبيئة يشكل جانبا مهما من جوانب التنمية فالحفاظ عليها لم يعد رفاهية أو ترفا بل أصبح ضرورة ملحة نظرا لصلتها المباشرة بالإنسان وعلاقتها بمستقبل الأجيال القادمة وحقها في الثروات الطبيعية كذلك لمواجهة الكوارث الطبيعية بكل أنواعها وأشكالها .. فتوفير بيئة صحية في ظل الظروف والمتغيرات المناخية القادمة سوف تنعكس على كل الموارد الاقتصادية الأخرى وبدون بيئة سليمة تكافح التلوث بكل صوره وتحد من أخطاره التي تكبد أية دولة خسائر فادحة لن تكون هناك نهضة حقيقية أو تقدم.
يجب على الدول الصناعية الكبرى أن تسعى من أجل مكافحة ارتفاع حرارة الأرض والعمل على خفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري حتى ولو كان ذلك من شأنه إلحاق بعض الأضرار بالاقتصاد والصناعة ففي ذلك حماية لسكان الأرض جميعا والمحافظة على البيئة التي وهبها الله للإنسان لكي يعمرها ويحميها لا أن يدمرها ويلوثها. لقد سمحنا لكل أشكال التلوث أن تنال من صحتنا واقتصادنا لذا يجب علينا بعد الآن ألا نغمض أعيننا عن هذه المشكلة حتى لا تزداد تفاقما وألا نكتفي بالحلول الوقتية حتى لا نندم بعد فوات الأوان في وقت لا ينفع فيه البكاء على اللبن المسكوب.
* * *
تبرير الحرب من معقل السلام
أقل ما يقال عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه خطيب مفوه من الدرجة الأولى .. فهو يسحر مستمعيه بكلامه المعسول الذي يمكن أن يوصف بأنه ضجيج بلا طحن حيث إن وعوده التي يطلقها أثناء خطبه لا يخرج منها سوى بالأمل ولا يتحقق منها شيء.
والخطاب الذي ألقاه أثناء تسلمه لجائزة نوبل جاء متناقضا مع المناسبة فبينما هو يتسلم جائزة للسلام فإنه في نفس الوقت يسوق المبررات لخوض الحرب التي يشنها على أفغانستان وإرساله للمزيد من القوات الإضافية هناك كما أن قواته ما تزال رابضة على صدر الشعب العراقي المحتل.
لقد اعترف أوباما أنه "لا يستحق الجائزة لأنه لم يحقق الكثير من المكاسب لصالح السلام في ظل مواجهته تحديات الحرب في أفغانستان والعراق والمواجهة النووية مع كل من إيران وكوريا الشمالية إضافة إلى معضلة التغير المناخي" فإذا كان هذا رأي أوباما نفسه فعلى أي أساس تم منحه الجائزة الدولية السامية ؟.. هل يتم منحها لمجرد النوايا الحسنة والوعود الفضفاضة أم من المفترض أنها تمنح لإنجازات تحققت على أرض الواقع ؟
الغريب أن أوباما وصف حرب بلاده في أفغانستان "بالعادلة" فأي عدل هذا الذي يتسبب في مقتل الأبرياء وتشريدهم وترويع الآمنين والذي يتحدث عنه الرئيس الأمريكي ؟.. فما أشبه اليوم بالبارحة .. إن دفاع أوباما عن حربه في أفغانستان ذكرنا بغير المأسوف عليه سلفه بوش الذي كان يتخذ من الحروب الاستباقية وسيلة لتحقيق السلام وأن استخدام القوة العسكرية له ما يبرره إنسانيا وأخلاقيا !!.
كما أن تحقيق السلام المنشود الذي يتشدق به أوباما منذ أن وطأت قدماه سدة الحكم في البيت الأبيض يتطلب جهودا أكبر مما يتخيلها هو نفسه .. لاسيما الخاص بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي فرغم دعواته المتكررة للوصول لاتفاق مبدئي على السلام بين الطرفين وإيقاف المستوطنات وإنهاء حصار غزة والدخول في مفاوضات بين الجانبين إلا أن الطرف الإسرائيلي يتجاهل كل هذه الدعوات وأصبح أكثر تشددا وتعنتا بطريقة ربما لم يتوقعها الرئيس الأمريكي.
جميعنا يعلم أن القرار في أمريكا مؤسسي وليس فرديا وأن أوباما لا يستطيع أن يحقق فكره بمفرده دون دعم من الكونجرس وسواء جاء أوباما أو أي شخص آخر فإن السياسة واحدة لا تتغير مادامت نفس الأيدي الخفية التي تديرها موجودة.. لكن مادام لا يستطيع أوباما أن يحقق ما يقوله فخيرا له أن يصمت ولا يعطينا آمالا زائفة ويجعلنا نعيش بالأوهام. إن الوجه الحقيقي لأوباما يتكشف شيئا فشيئا ورداء السلام الذي كان يرتديه بدأ ينخلع عنه ليظهر لنا الوجه المخفي الذي لا يختلف كثيرا عن سلفه بوش .. فالوعود التي أطلقها في خطابه من القاهرة وحبه للعالم الإسلامي ودفاعه عنه لم يعد يذكر منها شيئا الآن وكل ما يهمه كيف ينتصر في حرب مبهمة المعالم والنهاية والتي ينفق عليها ببذخ دون حدوث أي تقدم ليصبح كمن يحارب طواحين الهواء أو يجري خلف سراب.. فالشعب الأفغاني لا حول له ولا قوة ولا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يهدد الشعب الأمريكي بشيء وكل ما به من فساد ودمار يرجع السبب الرئيسي فيه للقوات الأمريكية وتدخلاتها السافرة في شؤونه.
حان الوقت لكي يثبت أوباما أنه يستحق الجائزة التي نالها ويحقق نتائج إيجابية نحو تفعيل سلام شامل وعادل وينهي الحربين اللتين تخوضهما قواته في العراق وأفغانستان ويعمل على إيجاد حلول عادلة في قضية الشرق الأوسط حتى لا تصبح وعوده كفقاعات الصابون التي تنفجر عند ملامستها لأقل سطح وينال ساعتها جائزة أكبر مخادع في التاريخ.
* * *
من فيض الخاطر
لاشك أن بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء أعظم المباني .. لأنه يراعى في هذا البناء خصائص الإنسان وقدراته وإمكاناته الجسدية والنفسية والفعلية بحيث لا تكون برامج توجيهه فوق مستوى الطاقة أو القدرة أو دونها فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
لكي يؤدي الإنسان مهمة استخلافه على الوجه الأكمل لابد أن يتحقق توازن بين رغباته الروحية ونزعته العقلية .. وعواطفه وغرائزه تتوازن مع اهتماماته وتوجيهاته الدنيوية بحيث تتصالح هذه التوجيهات والاهتمامات ولا تتصادم أو تتحارب. إن في مراعاة القدرة والاستطاعة صيانة لطاقة الإنسان وحفاظا لها حتى لا تتبدد في دروب لا نفع فيها ولا ثمرة مرجوة منها كما أنها تجنب سوء التقدير وتساعد على استمرارية البناء والعطاء الجيد فيتواصل الماضي بالحاضر والمستقبل وتتفجر طاقة الإنسان مبدعة خلاقة.
* * *
آخر كلام
أفضل تدريب للقلب أن تنحني لترفع الآخرين.
More...