طَلّة عُضوة في ليلة ماطرة .. تفضلوااا

    • طَلّة عُضوة في ليلة ماطرة .. تفضلوااا

      يوم أمس وفي ليلة ماطرة ، وعلى وقع حبّات المطر المنهمرة من سمائنا المُلبدة بالغيوم ، كان مشهد حبّات البرَد وهيَ تتساقط على اليابسة ، منظر يخلب الألباب فتصفوا عنده النفوس المُنزعجة ، مسكت القلم وكتبت عبر أسطر معدودة ، وأرسلتها عبر الايميل لصديق أسأله عن رسائلي التي لا تصلني .. وفي هذه اللحظات بسكونها ، جاءني إلهام ، حينما وقعتْ عيني على اسم كبير في الخيمة ، لم يكن بذات نفس رضيّة معي ، لا سيَما وأن المطر يعني الصفاء والمحبة والألفة والرضا .. قلت في نفسي ، لمَ لا تقوم بمد يدك إليها ، لمَ لمْ تُبادر أنت إليها ، لم لمْ تُحرّك سكونها ، لم هذا الجفاء ، ولماذا هذا التجافي ، إنني أحسبه خالياً من اللّطافة ، فارغاً من الألفة ، رؤية غير عادلة بل هيَ غير إنسانية في نظري ..! كانت ذكريات المطر ، له صدى حقيقياً في نفسي ، له وقع الذكريات بصفائها ونقاوتها ، إنها تسموا إلى نقاوة حبّات البَرد النازلة من سُحب الخير والبركات .
      حييتُها ورحبّت بها ، ومددتُ يدي إليها ، للتقارب في صفحة نقاوة مطر هذه الليلة .. أعجبتني ثلاثية كلماتها الثلاث ، وهيَ تُعقّب سريعاً ، غريبة انك تُراسلني .. صحيح أنا غير مُنشغلة بك ظاهرياً ، لكني أقرأ لك .. لا أكرهك ، لا أحسدك ، لا أبغضك ، أجدني حيرى من أمرك ، حيرى من جفاء أسلوبك احياناً لا يُعجبني ، هكذا وجدتني ابتعد ، لكن تأكد بأنك مَحلّ الرضا ، ليس بيني وبينك غير ما أوضحته لك .! أعجبتني تلك الثلاثية المَنْزوعة من الكراهية والبُغض والحَسد ، إذنْ هذه العبارات تُقابلها أخرى ، أكثر مِثَالية في إنسانيتها وبقائها ، فهي تعني الصفاء والنقاء والطهارة ، ارتاحتْ نفسي ، فهي تنشد الألفة وتنسى ما عَلِقَ من صدى مُزعج وحساسية مُتطرّفه ، سَببها مُجادلاتي بالخيمة ، صحيح أّنك مُثقف عالي المعرفة ، ذكي الفهم ، هكذا أوضحت لي أسبابها ، ثم أدلفت في رسالتها التالية ( عفى الله عمّا مضى وما قد سلف ولّى ) فأضفت أنا هذه الجملة ، لزيادة توكيدها ، ولنا بداية نستمدها من رائحة نقاوة المَطر .. فحبّات البَرد تناغمت مع الشعور بالرضا والتعافي من حُمى الجفاء .. فلسان حالها انهمر بعد تصحّرٍ وقحط من الكلام الجميل ، تساءلت في نفسي ، هل النفس تُصاب بالتصحّر والقحط ، أم أنّ الجفاف يعود إلى الانعزالية النفسية ..! فتكون حُمّى الجفاف مَصْحوبة بالتصحر حين تخلو من الكلام وتخلد إلى الانعزالية ، فَتُصاب النفس كاليابسة تماماً .. !!؟ أم هذه تساؤلات بفرضيّات فلسفية جدلية ، تحتاج إلى سقف من المعرفة ، لكي تستشف قوة فَهْمها بِعُمق .. ! نعم هي كذلك ، فسقف المطر المُنْهمر ، كالمصالح الحياتية ، وحبات البرد كغايات إنسانية مُتباعدة لا تتواصل نقاوتها إلاّ فيما ندر أو بين الحين والآخر ... فبني البشر ، منهم الشَّكُور القانع ، ومنهم القنوط الجَحُود ، ومنهم من يتخيّر بين ذلك فيقضي حياته في تنافر ضِدّية أو جَمْعية معدودة .. لا ضِدّية كاملة ولا تواصليّة مألوفة ، مَحْدودة التقارب ، ومُقتصرة التفاهم .. ومُتفرّقة التواصل .. وعبر الرسائل الخاصة ، بدت اللحظات الجميلة بصداها المحدود وذكرياتها المَبثوثة ، فقالت أجمل أيامي قضيتها في الحارة ، عِشْتها في مرتع صِبَاي ومسقط رأس عائلتي ، يومها كانت الطّفولة ببراءتها وعفويتها تسكن نفوس الأطفال ، كُنا يوم ذاك لا نعرف الحِقْد ولا نَفْهم معاني ترسّبات الحَسد ، نعيش يومنا بلا ضغينة .. ولكني الآن قد كبرتْ .!
      عُدت أكتب رداً برسالة مُماثلة ، نعم كانت تلك أيام مضتْ بكل ما تَحْمله الحارة من ثقافة البراءة تجسّدتْ في العفوية والتلقائية .. نعم فتلكم الأيام ذاكرة لسنين مضتْ وصَداها كأنجمٍ تتناثر عبر سموات لم نرى منها غير سُطُوعها في فضاءات ومِسَاحات نقدّرها في تقارب وأُلْفة ومَحبّة بين نجمة وأخرى ، لا نقرأ غير صدى ذكريات بعيدة ، حين يُعلل الشاعر بإحساسه الشاعري وحين يُصَوّر في خياله بُعْد الحبيب في السموات وعِشْقه بائناً كالنجم المُعلق في عُمق السموات ، أو كزينة جمالية ، لها أبعاد ثلاثية ايضاً ، نفسية وشعورية وخيالية .! وعقّبت على جُمْلة أخرى في رسالتها الثانية ، نعم نحن نتذكّر أيامئذ .. إنني أشكركِ على استقبال رسائلي وعفوكِ عمّا عَلِق في بُعد إحساسك .. واقدر ثقافة تواصلك لأنها جزء من السلام الإنساني .. بقيت ليلي مُنْتظراً جوابها ، حتى صارت الساعة الثانية عشرة ونصف بعد مُنتصف ليلة الأحد وصباح الاثنين بروعة هطول الأمطار الكثيرة في كل أنحاء البلاد .. أجدني مَشْدوداً لمعرفة وصول رسالتي .. لم يسعني الوقت للانتظار ، فغداً لدي عمل ، أغلقت جهاز الحاسوب ، لا أعرف ماذا جرى ، ماذا سوف تفهم ، كيف تُعلّق ، ما هي ردة فِعْلها تجاهي . بل ما هو مصير رسالتي ..!!؟ .
      في الصباح وعلى طاولة المكتب ، انشغلت بأمر الرسالة ، بحثت في صندوق الرسائل ، فلم أجد ، لم تأتيني ولا رسالة من الخيمة .. وعلى وجه السرعة ، وقبل أن أجد كوباً من الشايْ وبعض من قطع البسكويت المُحَلىّ بالسكّر والشعير على طاولتي ، هكذا هو حالي بتواضع ، غير مُتكلّف ولا ثقيل الخدمة .. هكذا حال أحببتُ نفسي كثيراً .. حين أضعها على تسامح ، ماثلة في وجهها الأسمى بفلسفتي ( فهم الناس جزء من الحياة ) رغم أني أجد ثُلّة من الحُساد على وتريّات ضعيفة ، لا تخلوا من المثالب الإنسانية الرخيصة . حِقْداً وحسداً من عند أنفسهم .! هممتُ اشتغل ، بل قل تعارك مع مُتصفحي الذي أبى بشدة الرضوخ إلى طلبي ، فغدا يقسوا عليّ في يوم جميل ، كيومي هذا المُحمّل بالسُّحب الرُّكامية ، المُتناثرة على غير اليوم التي قبْلها ، لكن هذه اليوم تمايز بأنه سَحب معه كل ما عَلق بالأودية ودفع بالمغامرات اللامسؤولة ، ذي الصِّبْغة الإنسانية الهلوعة حين الوجع والمُصيبة ،تنتكس الوجوه خجلاً وحياءً وتُكلم الأفئدة ، فيقتل المغامر نفسه هماً وحسرة ، ويهلكها ، دون أن يقترف ذنباً ، بل تجد غيره يتعذّب أكثر منه ويحمل الألم ما بقيَ من الحياة ، فأقلّ ما يُقال عنها بأنها الأضعف حقاً في كِلا جوانبها النّبيلة ، بل أن فاعلها ضعيف جداً ، حين تجده على سفاهةٍ غير مُقدّرة تقديرا في مُجازفاتها العصيبة ، فتراهُ يُلقي بنفسه إلى التهلكة بغير وجه حق مشروع ، وبلا قانونية مُلزمه ناتجة في اقتحام مَفاده إنقاذ حياة الغير ، لتكون المُجازفة هنا في شرعيتها وقانونيتها ، نظراً لاحتساب أجرها على بارئها .! طِفْتُ مَسْحاً بالخيمة بدءاً من خيمة الترحيب الذي لا جدّ فيها ، وانتهاءً بسوقها الذي لا سُوق فيه .! رجعتُ إلى بريدي الخاص ، ذلك البريد اللاخصوصية فيه ، حين يتعلّق أمره بِعِلْم الآخر ، فمن أين تأتي خصوصيته ، حين يَعْلمه غيري .. ولو في إطاره الضيّقْ جداً جداً .! وجدته قد خلا ونفض عنه أغبرة منفوشة برسائل بريدية أخرى لا أحبذها ، بل لمْ أعد أطيق رؤيتها في هكذا لحظات ، كان خوفي من أن تفهمي خطأْ ، وهذا الخطأ اللّعين غير مرغوب في سريرتي ونقاوة إنسانيتي ، فهو دائم الحرج ، يجرحني بحركاته غير مرفوعة الحرج .! فعبر الخطوط العنكبوتية ، لا تجد من تُوصل له رسالتكْ ، ولا تجد من يقرأ لك بصورة مُمتازة ، ولن تجد من يُقدّر عطاؤك إلا فيما ندر ، وقلّ .! إنهم نفرٌ معدودين بأسمائهم ، ينحصرون في تباين مَعارف شتى ومشارب مُختلفة باختلاف ثقافاتهم ، فهم محسوبين كعدد الأصابع ، كما يقولون ..! وأغلبهم يَتَجنّبون التصريح بما يكنّوه في خواطرهم .. تحت رداءات مُتخفّية ، وعباءات بيضاء وسوداء ، لا تعرف نكهتها إلا من خلال تحاور وفِطْنة وخبرة في فهم الآخر ، ربما تقف على بعضها ، وربما تستمر ، يتوقف ذلك على قدرتك وذكاؤك ودقّة مُلاحظاتك .! فجأة أجد رسالة المُوافقة ، ضغطتُ عليها ، فإذا بي أجدها تنتظرني ، قرأت الاسم سريعاً ، وعيني مَحْبوسة فيها ، كي لا أنفرط في قراءة اسم آخر ، سَرَتْ قُشعريرة من السُّرور الحميد ، سُرور بقشعريرة مُخيّبة للآمال ، هكذا كان إحساسي ، فالرسالة تحمل خبراً مؤلماً ، مردّه يعود إلى الفهم ، إلى وسيلة الاتصال .. إلى دِقّة برمجة العبارات وقراءتها بصورتها الصحيحة ، وفق ذائقة الإحساس ومداهُ وصدى كينونته الحسيّة ، فنحن بني البشر غالباً ـ تتملّكنا العَجَلة من أمرنا ، فلا تثريب علينا ، إذا لمْ نتريّث ، أولمْ نكترث ، ولمْ نهدأ ، ولمْ نتآلف ، أولمْ نعرف السلام مع الآخر . ( خُلق الانسان من عَجَل ) نعْصر أنفسنا عصْراً ، ونُعلن التحدّي بلا هوادة ، ونضغط على أرواحنا ، حتى لو فقدنا جزء من عافيتنا أو لم نسترد بقيّتها فهي خيرٌ لنا ، لأننا بلغنا مآربنا الشقيّة .! فكثيراً ما أستشفّ ذلك من خلال سُرعة الضغط على الأيقونات / الإرسال أو المُوافقة أو تنزيل الموضوع أو الحفظ ، ثم نتفاجأ بعكس رغبتنا ..! يخرج عن دائرة إرادتنا ، عن طور غايتنا ، فنتوسّل حينما نفقد كل شيء ..! إنها الحماقة المتجذّرة في ذواتنا ، رَعَتها جُملة من المتغيّرات في الأثر البعيد ..! هكذا استقيناها من الذين قبْلنا ، فلا خَيار لنا بتغييرها أو حتى تعديلها ، فثقافة الأجداد ، صلحتْ لديهم وفي بيئتهم ولزاماً عليها أن تثبت أحقية شُروعها في بيئتنا ، رغم المُتغيرات في منظومتنا الحياتية .! قرأت عبارتها في رسالتها الثالثة ، نحن عربْ ، لن نتّفقْ ، ثم علّقت في سَطْرها التالي ، مُستحضرة بجماليات صدى ذكرياتها العطرة ، نشيد أهزوجة المطر بكل تقليديتها ومحلّيتها ( سِيْلْ سِيْليّة والحمامة فوق لُوميّة) وتساءلتْ الفتاة الرائعة بحق ، باندهاش ، لا أعرف بالضبط ، ما دَخْل الحمامة واللُّومية بالمطر .! حملت تساؤلاتها في نفسي ، صحيح ما دخلهما ، أم هي مجرد أهزوجة ..! لا أعتقد أن القُدامى يقولون كلام ذا فلسفة قوية جُزافاً ، أو بلا مناسبه ، إذا ما أجزنا عبورها ، لتكون عبارات سجعية ليس إلاّ ..! حتى ولو كانت فلسفة شعبية في مَقامها ، لكنها تعني فهماً بعيداً ، مُحال أن تكون مُجرد لفظة لا معنى لها ولا دِلالة فلسفية .! بقيت يومي وأنا أكوّن فكرة ما ، فعجزت .. داعبتني خيالات وأفكار قريبة وبعيدة ، فلسفة مخلجنة أو قراءات مُعربة وأخرى ربما مُستعربة ـ إنْ جاز التعبير ـ داعبت خيالي صُعوداً وهبوطاً ، بذاكرة لا تحمل غير أمرين لا ثالث لهما ، اختزلتها في ذاكرتي ، وأدرك معرفتها ، وأنا في حفل اختتام بدورة في مجال قانونية العمل ، سنحتْ لي الفكرة ، وألهمتني الخروج إلى ساحة فضاء الفندق ، ومن على بُعدٍ مني ، التقتْ عيني بشجرة ليستْ كبيرة ، مَشيت باتجاهها ، فإذا هيَ شجرة ليمون ، وقفت مشدوهاً ، لمَ حملني قدري إليها ، أمن باب المُصادفة أم هيَ من صُنع الدهشة .! راقبت أوراقها ، لمست قطرات الماء المُنساب على وريقاتها الملساء المنسدلة في حدبيه ، تسمح لنزول الماء سريعاً ، فأشواكها ذات النتوءات المُحدّبة في غلظتها الشديدة ، وتقارب أوراقها في اصطفافها ، تتشكل كطبقات فوق بعضها ، يمنع سقوط الماء بشكل رأسي . تفكّرت في مُفردات الأهزوجة الرائعة ، إنها أغنية المطر ، حين يأتي يتغنىّ بها الصّبية فرحاً وابتهاجاً وسروراً ، لكن أطفالنا ألان يبيتون تحت أسقف وقوالب إسمنتية ، عليها أرطال سِمَانٌ من الحديد المُقوّس والمُمدّد ، القوي الغليظ والشديد الرفيع ، المُتشكّل على صورة صفائح أو ذاك الذي لوه ألوان زرقاء بزرقة السماء أو سوداء بسواد قوة الجبال وأعماق الحُفر والأودية .. على إحدى زوايا الفندق ن تخايلت أطفالاً يلعبون ، يرتعون ، يركلون كرات من ماء المطر ، من حبّات البَرد ويقذونها إلى أعلى شجرة لا تزيد طولها عن بضعة أمتار .. شجرة نقّاها المطر بِبَلَل طهارته ، ونقاوته ، فبدت أكثر اخضراراً ، مَلْساء ، تُبهج الناظر بجمالها ، ولها رائحة مُمتعة ، حدستُ أنها شجرة الليمون ، وأخذت أجري ، كأنّ أجنحة الصفاء والنقاء تدفعني دفعاً حثيثاً نحوها ، ياإلهي كم أنا محظوظ جداً ، بأن هذه الفتاة الرائعة ، تخلّتْ عن زعلها ، وانتفضتْ من رفضها ، وغيّرتْ من تحدّياتها ، ومسحتْ غضبها من حبّات المَطر ، وغسلتْ حسدها بماء حبّات البَرد المتساقطة في حارتها ، ذات الطوقْ الجبلي التي يتلبسها ليلاً ، فتستبدله بوشاحْ نهاري ، يُعطي للناظر ، أن سلسلة جبليّة بعيدة ، طويلة لا متناهية ، أقرب إلى الحبل السري الذي يغذى منه الطفل في باكورة نشأته في بطن أمّه ، وهو لا يعلم في أي برزخ يعيش .. إنه يأتي من عالم برزخ مختلف وينتهي بعالم برزخي مختلف ، لكنهما يلتقيان في الفكرة والمرجع .. !! يا سُبحان الله ، هذه الكلمة التي تريح النفس ، تخدم الإنسان ، ضيّق الصدر ، كما وأن الحبل السري ، ينفلت حين يخرج المولود من بطن أمه ، فيفارق عالم البرزخ الرّحمي إلى حياة لا تمتد كثيراً ، ربما هي فلتة بين انتباهة عين وإغماضتها ، هكذا تخيّلت الجبال المحيطة ببلادنا ، أنها بحبلين سريين ، شرقي وغربي . أحدهما ترضع منه جزء البلاد الغربي لتوثّق انتماءاتها وعروبتها ، فيشهد لها الامتداد الصحراوي كجزء مُتجذّر في حياة أُمتها ، وتؤكد إيمانيتها بالرسالة المُحَمّديه عبر تاريخ مَشْحون بالتوتّرات السياسية ، والأخر شرقي تستعيد منها قوتها من حياة عيشها ومكانتها منذ القدم ، بحراً على بحر وحياة لا هوادة منها فتحتْ ، آفاقاً من التطلعات وبسطت التاريخ لها من أوسع أبوابه .. هكذا رسمت الجبال ، وتخيلتها أكثر من مرّة بأنها كجناحين لطائر عزيز ، قد حطّ رحاله هُنا ولم يرحل .!
      ترى مالذي دفعها لأن تُعانق كتاباتي ، وتشترك بكل قُواها ، كواثقة من نفسها رغم كِبَر سنّها كما ذكرتْ ، بعد أنْ عرضتْ عنها منذ فترة طويلة .! أهيَ قامتْ بغسل أخطاءات الماضي ببَرد المطر .؟! أم أنها وجدتْ نفسها للتسامح ، فالمعترف بحق غيره كم اخذ حقه بيده ..؟! أم ذاك انسحاباً إلى رغبتي في مَدّ يدي تجاهُها ، بعيداً عن الضّغينة والظنّية غير المَحْسوبة .؟! تمتمتُ بكلماتي ، وأنا استشعر بإحساسي تجاه المَطر وسُقياهُ النازلة بأمر ربّي ..! وتساءلتُ : ماذا لو وجدتُ انهاراً من صَفَاء علاقاتها أتكون كصفاء حبّات المطر أو مِثلها ، فما قد قلّ منها كثر في وقت آخر ..! سحبت نفساً ، وأنا أتناول أمرها الغريب ، واندفاعها العجيب .. إنه أشبه بسيمفونية المطر ، تزيد أحياناً وتقلّ في حين آخر .. زخّة تلو أخرى .. مردداً أهزوجتها القديمة ( سيل سيلية والحمامة فوق اللوميه ) تُرى هل تستوي أغاني قديمة بفعل مُصادفة الكلمات وارتقاء العبارات الفلسفية فيها ، أم هيَ مُجردة من المعاني ، وتخلو من قيمة مُفرداتها المحلّية ..! بالتأكيد لو أني عقّبتُ عليها برد مُوجز ، سيختلف الإحساس لديها ، عليّ أن أرد بردٍ مُختلف يَنُمْ عن رغبتي لفتح صفحة جديدة ، أعلنها بقوة ، مُتسامحاً مَعها ، فالحياة لا تصلح بأن يكون الإنسان بعيداً عن الكُل .! فالتشاكلات تضعنا في حرجٍ ، وحيرةٍ من أمرنا أحياناً ، لأنها تُكثر من التنافر وتُقلّل من التوادْ .. أنظر إلى ( اللُّوماه ) فوجدتها وارفة ، تشكّلتْ أمامي كجناحي خَيْمة منصوبة في صحراء مُنبسطة يُحيط بها جبلين ، مُفترشاً بسطتها وهيَ تلْتحف به ، تلوذ إليه في كل حالاتها وتقلباتها ، حين خوفها ويوم فزعها ، ويوم تكون على أمانٍ وسلام .! أوراقها تستقبل المطر في تراصٍّ لا يَسمح بانزلاق الماء كثيراً إلى داخلها ، يكاد الغُبار وحبّات البَرد لا تسقطانِ في بطنها ، بل تدفعه كعامل انجذاب ، إلى أجنحتها لتقوم هي الأخرى بإزالتها حين تهب الريح ، كأنّما أوراقها أقرب إلى المَراوح الكهربائية .! فتشكيلات أوراقها المُحدّبة ، لها ميْل انحدار كَقِمّة الجبل ، حين ينزل الماء من أعلاه ، باتجاه أسفله .! لها اتجاه سُفلي ذي مسيرة وميمنه ورأس عُلوي ، أنظر إلى ورقة الليمون ، ستجد التكيف البيئي الخلاّق ورائحتها العطرة الزكّية المُنعشة ، تخلب الألباب وتُبهر العقول ، وتُحيّر التفلسف فيها ، خِلْقةٍ ، تخلّقتْ في نظرتها ، لا تقل في مُثيلاتها بل تزيدها وحياً من جلال الهيبة الإلهية ، وما دِقّة الإبداع المُتناهي العظيم في تصورها إلا دليل على عظمة مكانتها ، ناهيكم عن فوائدها الكبيرة ، فمنذ القِدَم عرفها الإنسان ن وتَعالج بها ولم يزل ..! قطرة منها في جوف البطن ، تقتل المئات من الميكروبات ، وعصرةٍ واحدة على راحة يدك بعد الأكل ، تزيل الرائحة وتجعل اليد في نظارة دائمة ، أشبه بالملطّف أو المُطهرات ذي التركيبات الكيميائية وتزيل الروائح المُلصقة بالجسد الخارجي ، ناهيكم عن قُدرتها العجيبة في استعادة الذاكرة والتفكير الايجابي ، حين تتمتّع بشرابها السائغ بارداً ، حُلو مذاق شرابها جداً مُنعش في كل الحالات ، له تأثيرغريب في النفس البشرية .. عجيبة فعلاً في تجليات إبداعاتها المُدهشة .. فتتابع أوراقها كأنّما تُجسد التلاحم ، واقترابها من نمطيّة الكفّ الإنساني ، أنظر إلى باطن يدك وتأمل باطن ورقة الليمون تجد الخطوط كأنها في تشابه رهيب ، قُمْ بالمُقارنة وتأمل وافهم !! عظيم جداً لكل ذي لُبْ أن يتفكّر ، وهذا شيء قليل في منظومة التفكير الإلهي .. كم أنت عجيبة أيتها الفلسفة ، أوزعيني كيف أتفكّر واتأمّل وأتعلّم جُزء من فهم الحياة .! تلكم الورقة الخضراء التي تَحْملها بقيّة شجيرات ( الليمون ) تكون في تتابع ، وتكون نهايتها مشارف الأجنحة المتدلّية إلى الأرض كظهر مُقوّس ، ينحني مرات عليها ليلاً أو نهاراً ، شتاء ً وصيفاً و برداً وحَراً . سُفليّتها أقرب إلى ملاذ آمن للحمامة ، الهاربة من خوف ما .. من خشية أدمية أو من فزع الوقوع تحت قبضة المَطر ، هكذا يُوزع إليها قدرها الحياتي . فالحمامة لو حطّتْ على إحدى الزوايا ، رُكنيات ( اللوميّه ) تُعطيها دفئاً ، وتُجنبها انسيابات المياه التي تُثقل عليها طيرانها ، وتُمكنها على المحافظة لضمْ جناحيها ، لكي يَبْقى جذعها الداخلي دافئاً وقوياً ، إنهما يقتربان في نمطية الإبداع المُتخلّق في جسد كل منهما ،بأبعاد ثلاثة مُتقاربة ، فاللّومية ، جسدها الخارجي مُقوس ، وهو الحصن الذي يَصد كل المُعوقات القوية ، والحمامة لها جسد مُحدّب ، بشكل انسيابي يسمح بمرور الماء سريعاً قبل أن يقع أو يتسرّب إلى الداخل ، أوراق الليمون ، ملساء وفي انسياب ، وريش الجناحين هكذا طبق الأصل ، يكون جسد الحمامة دافئاً ، ليعطيها الأمان ، وشجرة الليمون ، تُعطي الملاذ الآمن لك من التجأ إليها . لا تأكل منها الدواب السامّة في الغالب وتهرب منها الحشرات المُزعجة بطنينها ، تُرى ما سيرورة هذا التشابه المنطقي الأقرب في الحياتين ..! ( هذا ما لم أعرفه أو أتوصّل إليه ) .
      نأتي إلى جذع الشجرة ( اللوماه ) عُرقها صَلب وقصير ، ورجلي الحمامة مُتصلّبتان وعليهما حراشف تمنعانهما من التأثرات البيئية والمناخية المُتقلبة ، رُبما هي أجدرة لِلْحماية ، وجزء شجرة الليمون العُلوي ( عُودها الأساس / الجذع ) بها امتداد من الشوك القوي القصير المُؤلمْ ، إذا لم تتجنبه فإنه يُوخزك وتبقى وخزات ألامه لها آثار في الجسد ، وجزء الحَمامة العلوي / بثلاثيته ، الرأس ويشمل المنقار والرقبة ومنطقة الصّدر ، تجمع بين الخشونة والرقّة والليونة ، وكذا عود الليمون خشونة وتصلب ثم رقة تُلامس شغف القلوب برائحتها ، ثم ثمرتها التي لا استغناء عنها ، أينما ذهبنا ، وكيفما ارتأينا .. ! شكلها الخارجي في تناسق وتآلف غاية في الدقة ، وكذا الحَمامة مَنظرها رهيب ، قريبة من القلوب وخاصة الأطفال . ، إنها طائر عجيب في غرائبيته ورهيب في لطافة تآلفه .!
      ارتحت قليلاً وأنا أظفر بهذا التنظير الفلسفي الذي يكاد لا ذائقةَ له عند البعض ، لكن عندي يدفعني إلى مُضاعفة الجهود في تكرار القراءات المُتعددة ،ومُحاولة الاستكشاف لاستثمار الوقت ، تمنهجاً في أطر الحياة ، واستنفاراً لملكات ذهنية وإحياءً لذكريات ذات صَدى بَعيد ( قل انظروا ماذا في السموات والأرض ) تفكروا في خَلق السموات والأرض والكوْن برمّته ، فخلق السموات والأرض أكبر خلق الإنسان ، ولكنكم أيها الناس لا تعلمون . بهكذا منطق عقلاني ، وجدتني أجمع نقاط مُهمّة ، أحتفظ بها لنفسي ، انطلق حثيثاً ، أجنح إلى مُشاهد رائعة ، عالية الإتقان ، مُتناهية الدقّة ، ذات سَيرورة فيها من التفاعل الكثير وبين جنباتها دفع كبير ، وفي طيّاتها تساؤلات شتى ، لا حصر لها غير من أبقاها مَاثلة للعيان ، شَاهدة لكل بصيرة ، مُستفيداً من يومي ، بإعادة مَسارات التنافر بكل أبعادها إلى طريق مَفروش بالتعارف الأخوي الخالص ، لقد تمكنت من إعادة عُضوة في تاريخ إحتفائياتي بالخيمة العُمانية ، واقتربت من صدى أيامها وذكريات حياتها ، لأفهم الآخر ، فالمعرفة جزء من فهم الحياة .. خِلْتُ إلى نفسي مُقترباً من صَفاءها ، الذي يُوحي إلى نقاء السريرة وطهارة النفس الزكيّة ، كطلّة خَيماوية من نثيث حياة مشتركة بالتجانس والتفاهم الالكتروني في إطار من المَودة الإنسانية والسلام التي نَْخلد إليه في صَباحنا ورواحنا ، ونلوذ إليه حين نَستمتع بَِحبَات المطر كهديّة مُجزية بحق ، من نثيث خيرات السماء ، وهاهيَ قد أهدتني تسامح جديد كطلّة هذه العُضوة الرائعة .

      تحياتي المرتاح 14/12/2009 |a
    • اخي العزيز التسامح صفة الرائعون امثالك ..

      اجدت الوصف ورسمت في لوحة الاحساس تلك اللوحه الفنيه الممطره بالاحترام والتقدير اتجاه شخص كان هناك وتواجد بحياتك

      تحيتي الى قلبك

      سلامي

      نورس عمان
    • المرتاح

      مساؤك مطر المحبه والحصبة

      هكذا إذا حينما تود القلوب أن تتجمع ..فالتسامح هي الطرق الوحيده التي تؤدي إلى مزج وذوبان جليد البعد ..

      رساله ممطره بالحب جامعه المعاني ..

      اشكرك اخي الفاضل على هذه الطله الرائعه ..

      أتمنى لك دوام المحبه والتسامح والسعادة .