
ما حدث أن الوطن غال إلى مناطق لا حدود لها على المستويات المتنامية في دلالات الكلمة. وأن الفرد يعمل وفق موقعه في الوطن للوصول إلى قمم نحلم بها أو نضع وطننا فوقها بناء على ما نكنه له من حب . ما حدث أن السماء كانت في لحظة جميلة قبيل الغروب تراود القلم عن حبره ليكتب في صالح الوطن ، فكان أن كتب «مخالفة حائرة بين ألوان ليست قزحية» بكل ما يحمله من براءة ومن حب ومن هدف ينبثق من شرف مهنة الصحافة في نقل نبض الشارع وقضاياه لمناقشتها تحت مبدأ الشفافية الذي يتبناه وطننا الجميل . فكانت الألوان رغم عدم قزحيتها تناقش قضية يتحدث عنها الشارع في السلطنة وهي قضية المخالفات المرورية دون أن أتبنى القصة الواردة في المقال،لأنها ببساطة تحتاج إلى أدلة فنية ليس من مهامي البحث فيها لإثباتها ـ وشككت فيها في مقالي السابق ـ بل هي من صميم عمل جهات مختصة معروفة للجميع. كان الوطن في كل ذلك نصب عيني وما زلت أتأمل نصاعة بياضه وبهائه الذي أستمد منه معين البقاء.
وحدث أن استجابت الجهات المعنية ورفضت أن تسكت عن أي تجاوزت متى ما كانت موجودة، وهذا عهدنا بمؤسسات الدولة وبالقائمين عليها فهم يعملون من أجل الوطن.. ويحملون في صدورهم مشاعر حب وعشق له ولا نزايدهم فيه.
وحكاية حبنا السرمدي لوطننا يعرفها الجميع ويعرفها عنا العالم أجمع لأن حب وطننا جزء من إيماننا بعقيدتنا وفكرنا الذي نؤمن به. ومن هذا الحب تنبثق مساحات شاسعة لمشاريع حب أخرى ليس آخرها حبنا لمهنتنا ولوظيفتنا ولمواثيق الشرف التي تنظم تلك المهن والتي صارت بديهية يعرفها الجميع ولا تحتاج إلى من يثبتها كما لا تحتاج الشمس إلى دليل في رابعة النهار.
حدث ذلك وحدث أن رأيت في إفشائي لمصدر معلومتي الصحفية خيانة عظمى لمهنتي التي أعشقها حتى التماهي ، وهو ما لا يمكن أن أرتضيه .. كما أن عدم الإفشاء هذا صيانة لميثاق شرف يعرفه جميع من يعمل في مهنة الصحافة (أو مهنة المتاعب كما يحلو للجميع تسميتها) فهل يعاقب العاشق على عشقه الطاهر، وعلى حفاظه على شرف مهنته؟!!.
وحدث فيما حدث أن جميع العقلاء كان مع إصرار الجهات المعنية في محاربة الفساد أينما نبت ، لأنه هدف العقلاء ومطلب المجتمع في وقت كانوا فيه مع نبذ خيانة الصحفي لمصدره ومع احترام المواثيق العرفية التي صارت من البديهيات التي لا تنص عليها القوانين في ظاهرها لكنها حتما موجودة في جوهرها وفي صميمها الجميل.
وإذ أرى أنه من الواجب الأخلاقي أن أتقدم بالشكر لكل من ساندني من هنا أو هناك وحثني على التمسك بشرف المهنة ،إلا أنني أرى كذلك أنه بات من الضروري أن أؤكد على رفضي القاطع أن أكون قميص عثمان يرفه البعض (والحمد لله أنهم قلة قليلة ) للإساءة إلى وطني ، وتصفية حساباتهم مع هذا المسؤول أو ذاك .. ذلك أن الوطن هو هدفنا الأسمى الذي نسعى إليه جميعا في كتاباتنا وفي أحلامنا التي تداهمنا في لحظات هدوئنا أو حتى في لحظات التجلي وهي التي تمخضت عنها «المخالفة الحائرة».. وطني الذي سيظل تاجا على رأسي ، فيه وبه ومن أجله أعيش. ولن أكون في ضفة مقابلة لعشاق الصيد في المياه التي تلاشى صفاؤها .
المصدر/جريدة عمان