هُنا لا أنطلق ــ ولا أودُّ أبداً ــ أن أنطلقَ من الصورة النمطية التي يروِّجها البعض عن المسؤولين العُمانيين وبالذات الوزراء الذين هم على شاكلة مالك بن سليمان المعمري. بشكلٍ عام حسبما أسمعُ من الناس، وأنا مصدر السماع وليس أي شيء آخر أعرفُ من خلال ما أسمع من الناس أن مالك بن سليمان إنسان [نظيف] ليس متهماً بالفساد أو [قلة الأدب] أو السرقة التي فعلَها بعض الآخرين ممن حملوا الأمانة الكبيرة.



شرحتُ لكم من قبل أنني لا أحب مالك بن سليمان، ولا أحب تصريحاتِه وأجدها أحيانا [وهذا رأي شخصي] بروباغاندوية وبها نوع من إيصال رسالة القوَّة، وفي دولة مثل عُمان ذات شعب هادئ غير مثير للشغب والمشاكل أجد في ذلك نوعاً من الصلف والعنجهية، وكما قلتُ لكم رأيي الشخصي في الرجل لا يجعلُ منه سيئا، كما أن مديح الآخرين له لا يجعلُ منه بطلاً.



حسب فهمي ــ وبما أنني مواطن عُماني جداً ــ لا أعتقد أن وزيراً عُمانياً له سمعة حسنة مع الشعب ما عدا قلة على عدد الأصابع، هناك الوزير الذي لا يردُّ سائلا، أو الآخر الطيب والذي لهم مكانة اعتبارية.



لا تسيئوا فهمي، لا أقول أنهم سيئون ولكن في عُمان لا أعتقد أن أحداً يحبُّ الوزراء، فلا يوجد وزير له شعبية عالية مع الناس، معظمهم لا يلقوا بالا لما يفكر به الناس، وإن استطاع واحدٌ أو اثنين منهم أن يكونَ كذلك فهم قلَّة ومعروفون، أعني أذكر منهم مثلا الشيخ أحمد بن حمد الخليلي الذي تمَّ تعيينه بمرسوم سلطان كمفتي عام للسلطنة، ومثلا يحيى محفوظ المنذري، ووزير الزراعة السابق رئيس جامعة نزوى حالياً، ومن غيره؟؟ لا أستطيع حصر الأسماء ولكن يوجد لدينا وزراء [نظيفون] صحيح أنَّ معظمهم غارق في المحسوبيات القبلية والعائلية وضغوطات المجتمع وتلك مجموعة أفكار خطرة للغاية يجب التصدي لها، إنما كحقيقة أحسبُ أنَّ لدينا بشر [نظيفين].



حتى مع وجود بشر نظيفين من غير المحتمل أن تجدَ أن كتابَ النت يسوقون لهم في المنتديات. أعني المنتديات أخذت دورَها كرقيبٍ على تصرفات المسؤولين، وصحيح أنَّها تنمو الآن وتتشكلُ وفق حزمة من السلوكيات والأخلاقيات والقرارات والتدخلات من الدولة أو من المجتمع، إلّا أن الدفاع عن [وزير عُماني] أو تناوله بالمديح في منتدى عُماني يعتبر أمراً [غريباً] خارجاً عن مألوف الكتابة في النتِّ. أعني في عُمان العادة أن [يحشَّ] الناس في الوزراء، لا أن يمدحوهم، وفي الحالة التي يظهر فيها أحدهم [يمدحُ] وزيرا ببلاهة تامَّة فإنَّ الحكاية ليست بحاجة إلى دقِّ طبل، أعني لا أقول أنه [في مهمة رسمية] وإنما أجزمُ أنَّ بينه وبين ذلك الوزير معرفة شخصية ودفاعَها عنه لا يخرجُ أن يكون دفاعاً عن إنسانٍ يعرفه لا عن شخصية اعتبارية. أعني من حقِّ مثلا ابن وزير معيَّن الدخول للسبلة للدفاع عن أبيه، أو من حق أحدهم الدخول والدفاع عن عمِّه ولعلكم تتذكرون حكاية وثائق التعليم العالي وكيف خرجَ البعض يدافعُ بجنون عن راوية البوسعيدية، ومنهم من اتخذ موقفاً هجومياً شرساً ضدَّ عمار وضدي بسبب ذلك. أتفهم جيداً أن يغضبَ مثلا أولاد وزير من الوزراء لأن والدَهم [يقشرُ] في النتِّ، ولكن تلك ضريبة عليهم التعايش معَها، فما دامت الجرائد العُمانية غارقة في خطاب [كل شيء بخير] وكل حاجة تمام التمام وعال العال، فلا فائدة، وسيكون صوت النتِّ تعويضا نفسيا وعملياً عن ذلك النقص، وإلى أن يكتسبَ الخبرة اللازمة والتأثير الكبير فلا ريبَ أن تظهر بعض الأخطاء هُنا وهناك، أعني هذا أمرٌ طبيعي للغاية.


بالطبعِ أنا سعيد بما حدثَ بين مالك بن سليمان وعاصم، أعني قد [يزعل] البعض من كلامي ولكن نحن في دولة عربية وخليجية ذات نظام ملكي، أعني الصورة النمطية أنَّ قائد الشرطة يشتكي بصحفي قد تكون عبارة عن سجون وتعذيب. لا تفهموا أنني أطبِّل للدولة، ولكن بربِّكم قائد الشرطة يتقدَّم برسالة إلى الادعاء العام، ذلك تصرف [حلو] حتى لو كان مزعجاً في حقِّ صديق مثل عاصم الشيدي.



أعني عندما عرفتُ أن جمعية الصحفيين ذهبت لمالك تطلب منه سحبَ الدعوى شعرتُ بالانزعاج، لماذا تطلب منه سحبَ الدعوى؟ الرجل اشتكى ولا يريد سحب الدعوى خذوا المعركة إلى القانون ودعوا عنكم الاستجداء ومسك الرقاب. عموما هذا موقف شخصي للغاية، لا علاقة له بالأمر.



في الوصلات التي نقلتُها لكم يظهر بجلاء تام وجود عدد من الأشخاص الذين أخذوا القضية على عاتقهم دفاعا عن تصرف المفتش العام. أعني عاصم الشيدي في مقالِه كان يحكي سالفة، لم يكن يقدِّم] تحقيقاً عالي المهنية وبه [قصد] لكشف فساد خطير. طريقة تأطير البعض لمقال عاصم لا تروق لي، يجب وضع الشيء في سياقِه أعني عاصم كان يكتب مقالا به عنعنة، لم يكن يقدم تحقيقا شاملاً عن الفساد في الشرطة، هذا الكلام الكبير أصبح متداولا بشدة في المنتديات العُمانية.



أذكر مداخلة قبل شهور عديدة لمدوِّنة عمانية اسمها [بعد النقطة] تقول في بدايتِها [ماذا بعد ذلك انقلاب في عُمان] الإنترنت في سلطنة عمان مجنون، بلا أخلاق دينية أو اجتماعية حسب رأيي. ما زالت تربة الزويدي رطبة وهاهو المسلسل يكرر نفسه .. الخ" والآن أنظر لما قالته ذلك اليوم وأجد أنَّه منطقي وصحيح.



أعني الكلُّ يؤطر المسألة كما يريد، مالك بن سليمان أطَّر مقال عاصم على أنَّه إساءة للشرطة وأمر يهزُّ سمعة منتسبيها، والشعب في المنتديات أطَّر عاصم ومقاله وأظهرَه كمحارب للشرطة وعدو لمالك بن سليمان وفاضح لهم بدون دليل ويطلبون منه الكشف عن مصادره.





في رأيي الكل يقحمُ الأمر ويضعه خارج إطارَه. يزعجني أنَّ الجميع ينتظرُ من الآخر أن يقول الكلام نفسَه. أستطيع تفهم مجيء أحدهم ليدافع عن مالك بن سليمان، كما أستطيع تفهم من يدافع عن عاصم، ولكن لماذا نخرج كل شيء عن سياقِه. عاصم كتبَ مقالا، ومالك قرأه وزعلَ وشكى به لدى الادعاء العام، أعني هذا عندما نعيد الأشياء إلى سياقِها الصغير للغاية.




ثمة ميزة في كلِّ هذا الضجيج والصخب، أعني أتفهم قلق الكتاب العُمانيين فلو كلَّ مرة كتبَ فيها كاتب عن موضوع طولبَ منه أن ينقلَ لهم الحكاية من طق طق إلى السلام عليكم سيجعل ذلك من الكتاب [محققي جرائم]، وفي عُمان الصحفيون يريدون الخيار السهل، يعني الكلام تلميحاً، هل يوجد صحفي مستعد للتعاقد مع موظفين حانقين على الفساد ومستعد لنشر فساد وزير معيَّن بالوثائق؟؟ هل توجد جريدة أصلاً قادرة على ذلك؟ هل تريد الدولة ذلك؟ تلك أسئلة كبرى، أكبر من أن يشتكى مفتش الشرطة بصحفي بسبب مقال عابر، وفي النهاية كل ذلك مؤشر على سوء الوضع الإعلامي في عُمان، وتخلف الصحافة وفهمنا نحن أصلا لكلمتي صحفي وصحافة وجرائم نشر.