إلى الأصدقاء/ واحداً / واحداً/ وإليها





ثمة مثلٌ عُمانيٌّ رائع للغاية يقول [الحي يحييك، والميِّت يزيدك غم]. إنه امتداد طبيعي للغاية لمُعتقد يؤمن به الكثيرون [الإنسان يتأثر بغيرِه]، والآخر يلقي بأثرِه عليك. وبغضِّ النظر عمَّا إذا كان تأثير الآخرين عليكَ بسبب أشعة غير مرئية، أو بسبب شيفرة جلدية أو بسبب ذبذبة تحت صوتية، التأثر بأمزجة الآخرين وأطباعِهم يكاد يكون حقيقة متعارف عليها. والأمثال في ذلك كثيرة ويضرب الناس الأمثال لبعضهم البعض [اربط الحمار مع الحصان ــ من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم ــ حامل المسك ونافخ الكير] وإلى آخره. البشر متفقون على هذه الحقيقة، الإنسان يؤثر على الإنسان، والإنسان المضيء يجعل من الآخرين مضيئين أو أقل قتامة، والإنسان الجَميل ينثر هذا الجَمال حولَه، وبعيدا عن الاستعارات يبقى الإنسان للإنسان، مؤثرا عليه ومتأثرا به.



البشر الجَميلون موجودون حولَنا، فهم في كلِّ مكان. بدءا من ذلك الشرطي المهذَّب الذي يبتسمُ لك كلَّ صباح وهو يعطيك إشارةً أن تمرَّ، أو ذلك الصديق في العَمل الذي يحضر لك بسكويتاً بالتمر، أو زميلة في الجامعة تتصل بك لتطمئن على صحتك بعد أن تصاب بالزكام، هو مثلا مديركَ في العمل إذ يتهمكَ جيِّدا ويراعيكَ عندما تتعرض لنكساتٍ صحية أو عاطفية، أو فرد العائلة الذي هو مستعدٌ للبقاء بجانبك عندما يهجرك الناس. الجَميلون هم نسب مئوية من الأمهات الرائعات، مختلفون في النسب، ولكنهم يملأون الدقيقة أو الساعة أو اليومَ أو اللحظة من جَمالِهم فترى العالمَ مختلفاً. هل عرفتم من هم الجميلين؟ إنهم هؤلاء الذين لا يؤذونَك في نفسِك أو عقلك، وتراهم يمشون بعيداً عن الزحام، لا يقاتلونَ الناس، ليسوا كالضباع الهائجة. هم بشرٌ واضحون، لا تحتاج أن تأخذ تصريحاً منهم بأنَّهم يرتاحون إليك، يرددون الكلام الجميل والفعل الجَميل ولا يتأخرونَ. يقفون معك عندما تحتاج دون أن تطلب، ويشكرونَك عندما تقف معَهم.


الجَميلون لا يزاحمون، لا يشغلون المناصب العامة، ولا يقاتلون الصديق والأخَ من أجل المصلحة الخاصَّة. هم أناسٌ راضون بعض الشيء بما هم عليه، ويفرحون عندما يأخذ غيرهم ما يستحق. هم أكثر مما نتوقع، وإن كانوا أقلَّ تأثيراً لا يمنعُ أن يكونَ الزمان في صالحِهم، وينتصر لهم. إن كان هذا الآن أم في الغد أم بعدَ غد، ما دامت النفوس الجَميلة باقية كما هي، وما دام البشر الجميلين باقون. فالحياة ستستمر بوعدٍ إضافي بالفرح، وبالكثير من الأمل ...