يومٌ جَميل .. طقس جَميل .. إجازة قادمة .. عيد سعيد
الحياة مليئةً بالأمل ...
إلى [س] لعلَّه يقتنعُ بما أقول:
للمرةِ الأولى خلال [27] يوماً خلت أستيقظُ وحدي دون رنينٍ مزعجٍ من المنبه، أو تذبذبٍ لمكيِّف الهواء. كانت الساعة السادسة والنصف كما تقول ساعة الهاتف، أي هي السادسة والربع وفق التوقيت المحلي لسلطنة عُمان. هي عادة جيدة ــ بلا فائدة ــ أن أقدِّم ساعتي ربع ساعة لكي لا أتأخر في مواعيدي، مع ذلك لا بدَّ من تأخرٍ يوميٍّ في الوصول للعمل قدره عشر دقائق.
مهما حاولت وكأنما الأقدار كلها تقف ضد كي لا أودع بصمتي في جهاز ضبط الحضور والانصراف في تمام السابعة والنصف. صباح اليوم كان الأمر مختلفاً. وإن استيقاظاً تلقائياً في السادسة والنصف له دلائل عديدة، جميعُها مفرحة.
&&&
تلاحظونَ ربما الصبغة الاكتئابية التي اصطبغت بها كلُّ كتابات المدوَّنة. والحق يقال فإنَّ هذه الاكتئابية لم تقتصر على التدوينات، وإنما امتدَّت لتشملَ كافة أشكال الحياة التي أضيعُها في دارسيت. ولعل بعض الأصدقاء نسيَ السبب الرئيسي لذلك، هو الدمار النفسي الناتج عن الانقطاع عن التدخين، وإن كنتم غير مدخنين فلن تفهموا ذلك أبدا، لا يعرف الشوق إلا من يكابده، وسأبرر ذلك لكم في باقي المَقالة، عليكم فقط أن تصبروا معي قليلاً.
&&&
السجائر ــ بإدمانِها الصعب ــ أكثر من مجرد [إساءة لاستخدام مادَّة] كما يحلو للأمريكان دائما القول. وهي ليست [عادة سيكولوجية] كما يحلو للمثقفين نصف الكبار القول، وكذلك هي ليست [عادة شكلية] يمكن تركها في أي لحظة، كما يقول البعض غير عارفين ما للتدخين من علاقات داخلية عميقة بين المدخن وعاداته.
دعوني أثرثر عن السجائر قليلاً، حتى أنقلكم إلى ذلك العالم الداخلي لمدمن التدخين.
يختلفُ تعامل كل إنسان وآخر مع مواد متعوَّد عليها مثل النيكوتين. ولا أقصد التعامل الكيميائي بقدر ما أقصد التعامل النفسي، بالنسبة للبعض التدخين هي عادة عادية جداً، متعايشين معَها ويعتقدون أنَّهم يستطيعون تركَها في أي لحظةٍ أرادوا ذلك، إلا أنَّهم لا يقررون هذا القرار، وبعضهم ينجح بسهولة عندما يقرر، والبعض الآخر يفشل مراراً وأظن أنني من النوع الآخر. خلال السنتين الماضيتين حاولت الانقطاع عن التدخين أكثر من خمس مرات فشلت كلَّها وهذا ولَّد حالة من الإحباط الشديد أولاً، ومن الشعور بالتحدي. قلتُ في نفسي يا أنا يا هذه الملعونة.
&&&
كيميائيا الجسم له إفرازاته الخاصَّة به التي يستخدمُها في [تعديل المزاج]. وعندما يبدأ المرء بتناول مواد صناعية خارجة عن مصنع الجِسم فإنَّ الأخير [يتكاسلُ] بعض الشيء ويتوقف عن الإفراز معللا ذلك بوجود المصدر الصناعي، في حالةِ المدخِّن فإنَّ ذلك المصدر الصناعي هي السجائر والمواد التي تحملها إلى الدم. حاملة تهدئة مباغتة للمزاج، وأحياناً كسر للشهية، وربما تثبيط للعصبية أو تنشيط وتنبيه. ومع الاستخدام طويل المدى لهذه المادَّة [يمصخها الجسم] كما [تمصخها النفس] فالجسم يتأقلمُ مع الجسم الدخيل الذي يترك القطران في الصدر والصفرة في يدين والشحوب في الوجه، والدماغ [ذلك الكتلة العصبية المادية] أيضاً يمارسُ إقناعاً مستمراً للمدخن أنَّ ما يفعله أكثر من مجرَّد عادة وإنما هو [خيار وجوديِّ]، وهكذا كانت السجائر بالنسبة لي، أو على الأقل هكذا كانت يوم بدأت التدخين قبل خمس سنوات، هي خيارٌ وجودي، ونوع من الاستهزاء بالعالم وعدم الإيمان بالحياة، وربما أيضا نوع من التحدي للجسد. تتغير اللعبة الكيميائية [لعبة التعوُّد] لتكونَ مع الوقت لعبة نفسية، تؤثر على قرارات المرء الاجتماعية والصحية. ولو كنا في مكانٍ مثل الأردن لما قاسى المدخنُ كثيراً، ولكن في مكانٍ مثل عُمان فإنَّ تعامل الآخرين مع المدخِّن يزيد الأمر فداحةً، إنَّه يدفعه إلى اختيار البقع المعزولة البعيدة عن البشر، يمارسُ تدخينَه كما لو كان يمارسُ ممنوعاً، والقلةُ القليلة المجاهرة [بالمعصية] يعَاملون كما لو كانوا [عصابة] من الخارجين عن القانون، كيف لا وذلك [الرغدي] يدخنُ على الملأ. التدخين في عُمان أكثر من تدخين، إنَّه خيار وجودي اجتماعي حياتي نفسي صحي، والذي يقررُ أن يتعوَّد وأن يدخِّن بشراهة فإنَّ الوضع يساعده على الاستمرار، فليس للمدخن إلا المدخن، وحتى هذه اللحظة تسمعُ شباباً يقولون بفخر [الحمد لله لا أحد من أصدقائي يدخِّن أو يشرب] وكأنما الذي يدخِّن أو يشرب أسير تلك الصورة النمطية الدائمة، فهو في عرفِ هؤلاء ذلك الضعيف الواقع في الشهوات أسير نفسِه الذي يضاجع العاهرات ويذهب لدبي وتايلاند ويمكن أن يدمن المخدرات، ودائما ما يقولون [إدمان المخدرات يبدأ بسيجارة]، مع أنَّ عدد المدخنين بالملايين بينما مدمني المخدرات أقل بكثير. هُنا في عُمان يمارس المجتمع أو الوضع أو التفكير السائد ضغطا هائلاً على من يقرر التدخين ذاتَ يوم وهو في التاسعة عشرة لأنَّه يريد أن يتمرَّد، يمارس ضغطاً هائلا عليه ليختفي، مما يساعده على أن يوغلَ أكثر في الأمر، فليس الأمر عادة خفية وإنما خيار اجتماعي، خيار في الصداقات التي يقررها المرء، وفي العلاقات التي يخوضُها، والأدهى والأمر، أنَّ أحدهم يمكنُ أن يرفض في طلبِ الزواج لأنَّه [يدخِّن]. يتسامحُ المجتمع مع الذي [شربَ ــ أو كان يشربُ الكحول] ولكنه لا يتسامحُ مع الذي يراه يدخِّن، وكلما أوغلت في داخلِ عُمان وذهبتَ تجاه المنطقة الداخلية وجدتَ التعامل السلبي مع المدخن. وعلى عكس الباطنة أو الشرقية الذين [لا يدقون طبلاً] لهذه القضية، تبقى المنطقة الداخلية أكثر منمِّطٍ للمدخنين، وحتى زمن قريب كان الشياب الذي يتناولون [الكشحة] يكشحون في المساجد، وإذا سمعوا عن أحدهم سبوه وشتموه لأنَّه يتعاطى [السجريت].
&&&
قد تستغربون لمَ أكتبُ لكم هذا الكلام، وهذه ليست المرة الأولى التي أعلنُ فيها انقطاعي عن السجائر، ومن ثمَّ وبكلِّ [بجاحةٍ] أعود إليها، وقد تستغربون جديَّة الأمر، إلا أنني أقولُها لكم. التدخين أكثر من كونِه عادة، هو خيار وجودي. والذي يقررُ في يومٍ من الأيام أن يدخن علبتين في اليوم، وأن يضع في صدره مئات السيجارات وأن يدخنَ في غرفة مغلقة لا يمارسُ عادة ممتعة، وإنما يمارسُ خيارَه الوجودي المتمثل بعدم الاهتمام في الجسد، والجسد هو حاملُ العقل. والعقل كائن خطير للغاية له ألاعيب نفسية خطيرة.
بعيداً عن اللعبة الكيميائية وهرمون الأندورفين أو هرمون أم الصروم الذي يهدئ المزاج، تتحوَّل لعبة الانقطاع عن التدخين من محاولة إلى معركة بسبب الصراع بين العقل والجسم. من ناحية الجسم يبدأ بإعلان إشارات وأعراض غريبة ومزعجة مثل [الجوع المباغت ــ الكسل الشديد ــ الصداع ــ صولان الرأس ــ مرارة في الحلق ــ البلغم] والعقل يبدأ بإرسال إشارات متعددة. وما يؤسف في الأمر أنَّ البشر الذين لديهم إرادة ضعيفة [مثلي] يتأثرون بأقل القليل، مرَّة يعودون للتدخين لأنَّ أحدهم مات، أو لأنَّه أنهوا علاقة مع حبيبة أو لأنَّهم ببساطة تعرضوا لمساءلة في العَمل. هذه هي اللعبة القذرة في التدخين، لعبة النفسية المضطربة والتي يمكنها أن تتخذ قراراً أهوج في جزء من الثانية.
في العام الفائت تعاركت مع شرطي مسكين كان يقوم بعملِه، وأطلت لساني عليه ورفعت صوتي وحتى هذه اللحظة أشعر بالندم على هذه الفعلة، ومرَّات لا تعد ولا تحصى أفتعل شجاراً مع أصدقائي أو [أهذونُ] صفحاتٍ طويلة وهائل عن مواضيع متداخلة، في تلكم اللحظات يلعب الدماغ لعبته القذرة معكم، إنَّه لا يرعوي أن يمررَ مختلف الأفكار الاكتئابية السوداوية الضبابية، كلها أفكارٌ تحمل نهاية واحدة، أنَّ العالم لا يستحق أن يترك المرء عادة مثل السجائر !!! ماذا تعني الصحة؟؟ ماذا تعني الحياة. ويغرق المرء في اكتئاب حقيقي وإحباطٍ حقيقي ليس مبعثه شعوره بالإحباط وإنما العقل ــ عقله ــ يمارسُ لعبته عليه، يريد منه أن يعودَ إلى إمدادِه بالمادة الصناعية التي أنستَه ربما كيف يفرزها طبيعيا.
&&&
بعدَ خبرة لا بأس بها بالتدخين ومحاولة الانقطاع عنه، يعرف الواحد منَّا متى تكون المحاولة جادَّة ومتى تكون ردَّة فعل سريعة. كذلك يعرفُ إن كان سيضعفُ بسهولة. ففي الأسبوع الأوَّل يكون الأمر جحيماً، واكتئابا حقيقياً، وكلُّ شيء هو إشارة عودة. والأسبوع الثاني هي لعبة الشهية والنوم، والأسبوع الثالث هي لعبة التساؤلات الوجودية، [هل يستحق هذا العالم أن أترك السجائر ــ القهوة ــ الشاي ] من أجله؟؟ وهي اللعبة الأصعب. كم أحسد وأمقت وأكره ولا أصدق هؤلاء الذين يقولون لك في وجهك [تركتُها مرَّة واحدة ولم أتعب] أقول في نفسي إما أنَّهم يكذبون، أو أنَّ تركيبهم النفسي مختلف تماماً، كيف يمكن للمرء أن يتركَ حبيبة كان يرتشفُ شفتيها كل صباح ومساء دفعةً واحدة دون أن يصاب بالشوق؟؟ ولا يعرف الشوق إلا من يكابدُه.
&&&
هذه المرَّة لا أكتب لإقناع نفسي، أو لأقول للناس وأوقع في فخِّ من فخاخ الإخبار. إن عرفَ الناس كذا، فقد يحجم المرء عن العودة. لا هذه المرة أنا مقتنع تمام الاقتناع أنَّ إتلاف الجسد بالتدخين مذهبٌ للصحة، ومع يقيني أن بضعة سجائر في الأسبوع، أو تدخيناً خفيفاً قد يكون الأنسب لكثيرين إلا أنَّ ذلك في حالةِ مدخن مثلي ليس خياراً، مثلما هو مدمن الكحول، ومدمن المخدرات، ومدمن الجنس، ومدمن الإنترنت. لا يوجد شيء اسمه [مرَّة واحدة من أجل الأيام الخوالي] ما دام قد توقف فليتوقف للأبد، هل لأن جيناته تهيؤه للعودة؟؟ أو لأنَّ تركيبه النفسي وحياته الاجتماعية تعيده؟؟ لا ولكن لأنَّ عليه فعل ذلك وإلا عادت حليمة لعادتِها القديمة وطريق العودة مفروش بالورود، إلا أنَّ طريق الإقلاع مفروش بالشوك والليالي الطويلة بالأرق والغضب غير المبرر والاكتئاب الزائد عن الحد.
&&&
بعد 27 يوم من العذاب المتواصل أستيقظُ للمرة الأولى بعدَما نمتُ بهناءة ودون كوابيس أحلمُ فيها أنني أدخن. كذلك استيقظت دون أن أشعرَ بجوعٍ قاتلٍ لآكل حتى أقتربَ من التقيؤ. أستيقظُ لأجد نفسي أقوم بسهولة وأغلق المكيَّف وآخر بعض الخبز من الفريزر [المجمِّدة] إلى المايكروويف [الموجة القصيرة] وأسخنها لخمسة وأربعين ثانية، وأتناول إفطاراً مكوَّنان من الخبز والجبن والشيكولاتة المدهونة في الخبز أو المربى متعدد النكهات أو زبدة الفول السوداني. بعد 27 ليلة من العذاب والأرق لا يصبح التدخين خياراً لعادة جديدة، وإنما هو خيارٌ [وجوديٌّ] وقرار يتخذه المرء، وما أن يخوض ذلك العذاب الشديد في محاولة الانقطاع عنه يتذكرُ ــ وعليه أن يتذكر دائما ــ تلك اللحظات اللعينة والأفكار الاكتئابية التي حاصرته وهو يحاول تطليق هذه الزوجة الخؤون.
نعم في هذا اليوم، لا أقول هذا الكلام لنفسي، فأنا مقتنع بما قلتُ تماماً، اللعبة فقط هي لعبة إحصاء وإرادة [هل سيحدث شيء يقفُ في صفِّ أحدهما]؟؟ وتوجد نسبة مئوية دائمة تقول أنني سأعود وأن حليمة لن تصبرَ عن عادتِها القديمة. كما يوجد احتمال [هو أيضا خيارٌ وجوديٌّ] أن الأيام ستزيد والعودة لن تأتي.
نعم هذه النسبة موجودة، موجود لإنسانٍ آخر، إنسان ليس أنت أيها العزيز [س].
السؤال الآن أيها العزيز [س] هل أنت مستعد لخوض التجربة نفسها وأنت في غنى عنها؟؟؟؟؟؟؟؟ أم سيكون خيارك الوجودي خفياً وسرياً .. أو معلنا ويدفع الثمن باهظا؟؟؟ الكرة دائما وأبدا في ملعبك، فاحذر أن تجعلك بعض السجائر خاسراً للشيء الوحيد الذي لا تريد خسارته، سيطرتك على نفسك، وعلى اللعبة التي عليها أن تكون دائما وأبدا ــ لعبتك أنت فقط.
ملاحظة: أعتذر بشدة على الشحنة الاكتئابية التي غرقت فيها المدونة في الأسابيع الفائتة. لكل شيء سبب فأتبعه. أتمنى أن تكون قد انتهت.
المصدر : مدونة معاوية الرواحي
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions