تشويه المنظر العام - جديد بدر العبري

    • تشويه المنظر العام - جديد بدر العبري





      في تدوينتي السابقة التي كتبتها على عجالة حكيتُ لكم عن عن مشهد الطفلة التي كانت "تتسول" بعد صلاة الجمعة بإحدى مساجد ولاية الحمراء، ولم أكمل حينها سرد القصة لضيق الوقت.



      كُنت قد انتبهت للطفلة بعد أن تجاوزتها وخرجت من الصرح وأنا أهم بلبس [نعالي]، انصدمتُ لبضعة ثوان من المشهد وفركتُ عينيّ لأتأكد من ذلك "السواد" الذي أراه ماثلاً أمامي، وبعد أن استوعبت الموقف وأزحتُ احتمالات أخرى غير "التسول" بعد سماعي لنداء الطفلة الخفيف بطلب المساعدة بتعابير لا أظن أنها كانت تفقه معناها، أزحتُ احتمال أن تكون غير عمانية أو غير حمراوية أو هكذا سولت لي عيناني وأذناي.



      أدخلتُ يدي جيبي وتلمستُ محفظتي التي تأن من ثقل الريال العماني (مع الاعتذار لوزارة الإعلام التي منعت إطلاق صفة "العماني" على الريال مؤخراً) الوحيد الذي [استحده] (=أدخره) لرحلة العودة إلى مسقط وثمن البترول الذي سأدفعه لصاحب السيارة ورحت أدرس فكرة التضحية به من أجل تلك المسكينة، وبينما كانت يميني تنتفض من شدة وقع المشهد على نفسي [صلبتها] يدٌ أخرى لشابٍ فاجئني بابتسامته وهو يأخذ يميني ليصافحني قائلاً:

      - مرحباً بدر..عاش من شافك.

      رحبتُ به ببرود وعيناي تغادران الفتاة لتحدقا بوجهه الذي بدا مألوفاً وارتبط بذهني بزميل دراسة قديم ينتمي لـ"الطبقة المخملية" في الولاية دون أن أفلح في تذكر اسمه، وقلت له مبرراً ارتباكي ومحاولاً التغطية على عدم تذكري إياه:

      - سمحلي..كنت أشوف البنت.

      أحال نظره نحوها بسرعة قبل أن يقول،

      - نعم، أول مرة أشوفها هنا.

      وكأنه انتبه ليساري المختبئة في جيبي لحظتها، فسألني:

      - معك تلفونك؟

      وبما أن عقلي كان مشغولاً حينها بتقرير مصير الريال أجبته بحسن نية ظاناً أنه يريد مني مساعدته في التصدق لها على أن يعيد المبلغ لي لاحقاً:

      - ما عندي غير ريال واحد للأسف.

      لكنه أكدّ لي طلبه بابتسامة نصف ساخرة:

      - تلفونك يا ود الحلال.

      استغربتُ منه لطلبه ولبيته بهدوء وأنا أسأله:

      - مو [باغي] (=تريد) من التلفون؟


      كان حينها قد انتهى من طلب رقمٍ ما ووضع الهاتف على أذنه، أشار بعينيه نحو الطفلة وقال:
      - أتصل بالطوارئ عشان أبلغهم عن هذي اللي تشوه المنظر العام.


      أحلتُ نظري نحو "هذي" التي تشوه المنظر العام، لأرى طفلة في العاشرة متشحة بالسواد تجلس في صرح المسجد تطلب المساعدة وفي خلفية الصورة منزل يتسع لـ"قبيلة" كاملة لا يقطنه سوى أفراد لا يتجاوز عددهم العشرة، وأمامه "طابور" من السيارات الفخمة التي لا تتجاوز أسعارها العشرة آلاف ريال عماني إلا ببضعة ألوف أخرى.






      عدتُ لزميل الدراسة السابق وقلت له بجفاء وأنا أمد يدي لتناول الهاتف:
      - سمحلي بس ترا ما عندي رصيد.
      لم يفلح في إبقاء الهاتف في يديه وهو يقول:
      - بس هذا رقم الطوارئ!
      قلت له وأنا أرتدي [نعالي] ثم أبتعد حاملاً هاتفي:
      - أنا عندي رقم نورس.






      تركته يصارع غباؤه وابتعدتُ أنا من المكان لاعناً هذه العقلية التي لا تحب أن تشوه "منظرها العام" مشهد طفلة متسولة لم تجد قوت يومها في حين ينشغلون هم بملاقاة حتفهم بسبب تضخم [كروشهم] والأزمات القلبية الناتجة عن انخفاض أسعار الأسهم أو تأخر موعد الجولة السنوية لصاحب الجلالة وموسم الإمدادات [الديوانية] التي تنهمر عليهم بمناسبتها.
      هذه العقلية نفسها يفتخر بها إعلامنا المبجل الذي يرفض إدراج مشاهد "الشحاتة" و "التسول" في مشاهده الدرامية باعتبارها تشوه صورة الوطن.







      تف لهم ولعقليتهم،،





      المصدر : مدونة بدر العبري


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions