تلك الغرفة المغلقة في بيت المجتمع: المنتديات الانترنتية
عبدالله الحراصي
لا شك أن شبكة الانترنت قد غيرت من أنماط التعبير في المجتمع العماني، ويتجلى هذا على وجه الخصوص في المنتديات العمانية التي يمكن للمشاركين فيها فتح مواضيع للنقاش يشارك فيها كل من يريد المشاركة، وفقاً للنظم المعتمدة في تلك المنتديات. غير أني أرغب في أن أوضح في هذا المقال بأن المجتمع العماني تمكن حتى الآن من المحافظة على فصل شبه تام بين عالمه الواقي وعالم افتراضي موازٍ يتم فيه مناقشة قضايا العالم الواقعي، ولكن بدون أن يكون لهذه المناقشات أثرٌ تغييري كبير في العالم الواقعي ذاته.
تميزت المنتديات الانترنتية بميزة قوية تتمثل في أنها فتحت الباب للجميع ليتحدث عن كل القضايا التي تهمه (والتي لا تهمه في أحيان كثيرة!!)، بمعنى أنه بإمكان كل من يريد أن يعبر عن رأي أو أن يفتح باب نقاش في قضية ما أن يفعل بكل يسر وسهولة وبسرعة عجيبة، كما أنه لا توجد حدود على نوع القضايا المطروحة في تلك المنتديات، وقد نتج عن هذا فتح نقاشات كبرى شارك فيها العشرات بل والمئات أحياناً في مواضيع عديدة كان الكثير منها يقع ضمن المواضيع التي لا يتم الحديث أو الكتابة عنها علناً، وتأتي كثير من المشاركات في مثل هذه المواضيع من قبل أشخاص يذكرون بأن لهم علاقة مباشرة بالمواضيع محور النقاش، كمن يتضرر من وضع اجتماعي معين، أو من يطالب بمصلحة معينة يرى أنه يستحقها، أو آخر يكشف ما يعده تعدياً من قبل موظف أو مؤسسة في القطاعين العام والخاص على حقوق عامة، أو ما يراه كسراً لقوانين مؤسسية أو عرفية معينة. وقد نتج عن هذه المنتديات كميات ضخمة من البيانات عن المجتمع العماني، تُمكِّن بالفعل من إنجاز دراسات موسعة حول اهتمامات أفراد هذا المجتمع وفئاته.
غير أنه بقدر الانفتاح التي وفرته هذه المنتديات وبالرغم من أنها فتحت باب النقاش حول قضايا جريئة ومثيرة وحساسة إلا أن طبيعتها (أي السماح لكل شخص أن يطرح أي رأي في أي قضية) حملت بذرة إضعاف دورها الإجتماعي، فالمنتديات تحولت إلى مجرد "دردشات" بين أشخاص يتجمعون للحظات ثم يتفرقون، فأحدهم يطرح فكرة عميقة وآخر يقدم رأياً بسيطاً وآخر يأتي ساخراً والرابع يحول النقاش إلى قضية جانبية ينقاد لها من يأتي بعده وهلمّ جرّا، وسرعان ما يمل الناس هذه الدردشة في الموضوع لينتقلوا بعدها إلى موضوع آخر قد يكون مهمّا أو سطحياً، لبعض الوقت إلى أن يتحولوا إلى غيره ثم غيره وهكذا. إن هذا النمط الدردشي للمنتديات، برغم جرأته وإثارته، قد حدّ بعمق من تأثيرها الاجتماعي لتحول تلك الدردشة إلى محض ميدان للتعبير السريع، وليس للتأمل والنقاش العميق والتغيير.
الخلاصة هي أنني أرى أن الطبيعة "الدردشية" للمنتديات إضافة إلى طبيعة المجتمع العماني المتجذر في أعرافه المتوارثة وآلياته الاجتماعية الراسخة قد تآلفا معاً ليقوما وبنجاح كبير بفعل حدّ بقوة من التأثير الاجتماعي لشبكة الانترنت، فقد تحوّلت تلك المنتديات الانترنتية العمانية إلى غرفة مغلقة في بيت المجتمع، يمكن لكل أفراد هذا المجتمع أن يدخلوها وأن يقولوا ما يشاءون فيها ولكن بشرط العودة سريعاً لممارسة الحياة الطبيعية خارجها، وهذا فيما أرى مظهر ضعف كبير يطرح شكوكاً عميقة حول القدرة التأثيرية للمنتديات الانترنتية العمانية على كسر الجدار السميك الذي صنعه المجتمع بين عالمه الواقعي بإشكالاته وتفاعلاته في جانب وتلك الغرفة الافتراضية المغلقة في الجانب الآخر.
للتعليق على هذا المقال اضغط هنا

المصدر : مدونة عبدالله الحراصي
عبدالله الحراصي
لا شك أن شبكة الانترنت قد غيرت من أنماط التعبير في المجتمع العماني، ويتجلى هذا على وجه الخصوص في المنتديات العمانية التي يمكن للمشاركين فيها فتح مواضيع للنقاش يشارك فيها كل من يريد المشاركة، وفقاً للنظم المعتمدة في تلك المنتديات. غير أني أرغب في أن أوضح في هذا المقال بأن المجتمع العماني تمكن حتى الآن من المحافظة على فصل شبه تام بين عالمه الواقي وعالم افتراضي موازٍ يتم فيه مناقشة قضايا العالم الواقعي، ولكن بدون أن يكون لهذه المناقشات أثرٌ تغييري كبير في العالم الواقعي ذاته.
تميزت المنتديات الانترنتية بميزة قوية تتمثل في أنها فتحت الباب للجميع ليتحدث عن كل القضايا التي تهمه (والتي لا تهمه في أحيان كثيرة!!)، بمعنى أنه بإمكان كل من يريد أن يعبر عن رأي أو أن يفتح باب نقاش في قضية ما أن يفعل بكل يسر وسهولة وبسرعة عجيبة، كما أنه لا توجد حدود على نوع القضايا المطروحة في تلك المنتديات، وقد نتج عن هذا فتح نقاشات كبرى شارك فيها العشرات بل والمئات أحياناً في مواضيع عديدة كان الكثير منها يقع ضمن المواضيع التي لا يتم الحديث أو الكتابة عنها علناً، وتأتي كثير من المشاركات في مثل هذه المواضيع من قبل أشخاص يذكرون بأن لهم علاقة مباشرة بالمواضيع محور النقاش، كمن يتضرر من وضع اجتماعي معين، أو من يطالب بمصلحة معينة يرى أنه يستحقها، أو آخر يكشف ما يعده تعدياً من قبل موظف أو مؤسسة في القطاعين العام والخاص على حقوق عامة، أو ما يراه كسراً لقوانين مؤسسية أو عرفية معينة. وقد نتج عن هذه المنتديات كميات ضخمة من البيانات عن المجتمع العماني، تُمكِّن بالفعل من إنجاز دراسات موسعة حول اهتمامات أفراد هذا المجتمع وفئاته.
غير أنه بقدر الانفتاح التي وفرته هذه المنتديات وبالرغم من أنها فتحت باب النقاش حول قضايا جريئة ومثيرة وحساسة إلا أن طبيعتها (أي السماح لكل شخص أن يطرح أي رأي في أي قضية) حملت بذرة إضعاف دورها الإجتماعي، فالمنتديات تحولت إلى مجرد "دردشات" بين أشخاص يتجمعون للحظات ثم يتفرقون، فأحدهم يطرح فكرة عميقة وآخر يقدم رأياً بسيطاً وآخر يأتي ساخراً والرابع يحول النقاش إلى قضية جانبية ينقاد لها من يأتي بعده وهلمّ جرّا، وسرعان ما يمل الناس هذه الدردشة في الموضوع لينتقلوا بعدها إلى موضوع آخر قد يكون مهمّا أو سطحياً، لبعض الوقت إلى أن يتحولوا إلى غيره ثم غيره وهكذا. إن هذا النمط الدردشي للمنتديات، برغم جرأته وإثارته، قد حدّ بعمق من تأثيرها الاجتماعي لتحول تلك الدردشة إلى محض ميدان للتعبير السريع، وليس للتأمل والنقاش العميق والتغيير.
الخلاصة هي أنني أرى أن الطبيعة "الدردشية" للمنتديات إضافة إلى طبيعة المجتمع العماني المتجذر في أعرافه المتوارثة وآلياته الاجتماعية الراسخة قد تآلفا معاً ليقوما وبنجاح كبير بفعل حدّ بقوة من التأثير الاجتماعي لشبكة الانترنت، فقد تحوّلت تلك المنتديات الانترنتية العمانية إلى غرفة مغلقة في بيت المجتمع، يمكن لكل أفراد هذا المجتمع أن يدخلوها وأن يقولوا ما يشاءون فيها ولكن بشرط العودة سريعاً لممارسة الحياة الطبيعية خارجها، وهذا فيما أرى مظهر ضعف كبير يطرح شكوكاً عميقة حول القدرة التأثيرية للمنتديات الانترنتية العمانية على كسر الجدار السميك الذي صنعه المجتمع بين عالمه الواقعي بإشكالاته وتفاعلاته في جانب وتلك الغرفة الافتراضية المغلقة في الجانب الآخر.
للتعليق على هذا المقال اضغط هنا
المصدر : مدونة عبدالله الحراصي
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions