
عن تزوير الشهادات العلمية
عبدالله الحراصي
عبدالله الحراصي
حين نسعى للبحث عن إجابة للسؤال «لماذا يزوّر إنسان شهادة علمية؟» علينا أن نبحث في البدء عن إجابة عمومية وننطلق من هذه الإجابة العامة نحو التخصيص في أمر تزوير الشهادات العلمية. حسناً، يفعل الإنسان ما يفعل من أجل أن يتعايش مع الوضع الذي يعيش فيه، فيحاول بفطرته أن يفعل ذلك من خلال الطرق الشرعية الطبيعية، وإن لم تنجح هذه الطرق الطبيعية فسيحاول بالطرق الأخرى غير الطبيعية، أي الطرق غير الشرعية والتي لا يقرّها المجتمع. من هنا فإن يسعى شخص ما للحصول على شهادة مزوّرة يعني بأن هذا الشخص «يحاول جاهداً» أن يتأقلم مع متطلبات اجتماعية لا يستطيع تحقيقها بجهده الطبيعي، مثل رغبته في الوصول الى الوضع الاجتماعي والمالي الذي يتوازى مع تلك الشهادة العلمية، ولأنه لا يستطيع بجهده تحقيق ذلك، فما المانع أن يعمد إلى طرق تحدث عملياتها تحت السطح ستضمن له شهادة يستطيع بها أن يفاخر ويكسب في المجتمع الذي يعيش فوق السطح؟
التزوير له طرفان إذاً: البائع والمشتري، البائع همه المال (وربما التخريب المتعمد) والمشتري همه الشهادة الوهمية. ولا ريب أن الجهة المزوّرة قد باعت تراثاً من القيم والتقاليد العلمية بثمن بخس، ولكن من لا يملك تقدير القيم والأخلاق العلمية والمجتمعية فلن يضيره أن يخدع مجتمعات بأكملها بأن يرسل إليها من يعد نفسه صاحب شهادة تمكنه من أن يصبح مؤثراً في مجتمعه، وحيث إن ما بني على باطل فهو باطل فالتأثير الذي يأتي من أصحاب الشهادات المزورة هو استمرار قيم التزوير، والذي يبتدئ بتزوير الشهادة سينتهي به الحال بتزوير الجهد وتزوير المعرفة وتزوير قلب منظومة القيم التي يراها المجتمع لوازم أخلاقية تحكم سلوك أفراده وتحكم تفاعلات هؤلاء الأفراد في حياتهم.
ولكني أرغب في أن أنبّه هنا إلى موضوع أراه في غاية الأهمية في الحديث عن الشهادات المزوّرة، وهو ما يمكن أن يسمى «التزوير الشرعي»، وهو أن تعمد جهة شرعية (مثل الجامعات) إلى منح شهادة تعليمٍ عالٍ تصل حتى إلى شهادة الدكتوراة لمن هم ليسوا أهلاً لحملها، وذلك بغض النظر عن متطلبات تلك الشهادة، مثل أن يعرف المشرف بأن الطالب لم يبذل جهداً حقيقياً لإعداد بحثه بل أن البحث قد كتبه شخص تم «استئجاره» ليقوم بهذه «الفعلة»، أو أن يتم إعطاء «الباحث» شهادة دكتوراة مع أنها غير مستوفية لشروط تقديمها، وهنا فإن الجميع مزوّرون شرعيون، لأن العملية بأكملها شرعية، ولكنك حين تنظر إلى البحوث المكتوبة لا تجد فيها الحد الأدنى من شروط العمل البحثي، كأن تجدها محض تجميع لأدبيات من هنا وهناك دون تحليل حقيقي قام به الباحث، ومع ذلك فسيحصل هذا الباحث على شهادة جامعية (ومنها شهادات الدكتوراة) ليعود إلى بلاده ويمارس أدواراً تزييفية ضخمة للقيم والأخلاق الاجتماعية والعلمية.
ومن أمثلة ما أسميه «التزوير الشرعي» أن توجد مؤسسات علمية – خاصة في الأغلب - تقدم برامج أكاديمية يبدو على ظاهرها المهنية وشروط النجاح، ولكن الإنسان لو تعمق فيها لوجد التزوير الكبير، فهذه المؤسسات تقدم هذه البرامج دون توفير شروط نجاحها، ككفاءة المدرسين، وتوفير البنية الأساسية لهذه البرامج مثل المختبرات والمعامل وبرامج الحاسوب المناسبة وبقية متطلبات البنية الأساسية. كما أن جانباً آخر من التزييف يكمن في أن هذه المؤسسات تقبل طلبة لا ينبغي قبولهم، ولكنها تقبلهم لأنهم قادرون على دفع مصاريف الدراسة، وهنا فإن هذه المؤسسات تعمد إلى «إعطائهم» الشهادات العلمية من خلال «التزوير الشرعي» حتى يتخرجون ويأتي غيرهم، كما أنها تمنحهم الشهادات وبدرجات مرتفعة حتى يتم توظيفهم في أماكن «محترمة» بالنظر إلى درجاتهم، وحتى لا تنتشر سمعة سيئة بأن الطلبة في هذه المؤسسة العلمية يرسبون ويفشلون في دراستهم. والنتيجة شخص يحمل شهادة مزوّرة تزويراً شرعياً يسهم في تزوير آخر على مستوى المجتمع.
أما الحل فيما أرى فهو أن تعمد مؤسسات الإشراف على التعليم العالي بمختلف تدرجاتها وأشكالها المؤسسية إلى القيام بما يلزم من إجراءات للتثبت من الشهادة ومن المؤسسة التي قدمت تلك الشهادة، كما أن عليها في حالة «التزوير الشرعي» أن تبعد «المشبوهين» بحمل مثل هذه الشهادات «المضروبة» عن مواضع التأثير الإجتماعي، مثل التدريس في الجامعات على سبيل المثال، وأن تفرض من الأنشطة المهنية ما يكشف ما يحملونه من غش وتزييف.
أما الحل فيما أرى فهو أن تعمد مؤسسات الإشراف على التعليم العالي بمختلف تدرجاتها وأشكالها المؤسسية إلى القيام بما يلزم من إجراءات للتثبت من الشهادة ومن المؤسسة التي قدمت تلك الشهادة، كما أن عليها في حالة «التزوير الشرعي» أن تبعد «المشبوهين» بحمل مثل هذه الشهادات «المضروبة» عن مواضع التأثير الإجتماعي، مثل التدريس في الجامعات على سبيل المثال، وأن تفرض من الأنشطة المهنية ما يكشف ما يحملونه من غش وتزييف.
أخيراً فإن المتعلم الحقيقي «ما تتخطّاه العين» كما يقول التعبير العماني، حيث تعرفه من شخصه ومن إنتاجه وممارسته لمهنته ومن طريقة عيشه وتفاعله مع الآخرين، أما المزوّرون فتعرفهم من سيماهم حيث تجدهم لا يعيشون إلا في الظلام، ويختفون ما أمكن حين يشعرون بأن أمرا ما يحملونه من شهادات علمية مزورة (بطريقة شرعية أو غير شرعية) سوف ينكشف أمام الملأ، وعندها ينكشف عنهم غطاء الظلام الذي به يتدثرون.
المصدر : مدونة عبدالله الحراصي
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions