بعد أن انقرض البطلوس مع أمواسه المتعددة الاستخدامات انتقل البطاليس المحدثون إلى المستشفيات فيما شكل قسم منهم جبهة انفصالية راحت تمارس التحسين في محلات؛ وما إن ربحت تجارتهم قليلا حتى صاروا تجارا يجلبون محسّنين آسيويين وأتراكا وعربا؛ ولم يعد البطاليس المحدثون يطوفون بالمنازل كالحجيج ليعثروا على رأس أشعث يحسنونه وطفل يختنونه؛ بل أصبح الناس هم الحجاج الذي يطوفون بالبيوت الصحية العتيقة أو محلات الحلاقة لكي يختنوا أطفالهم ويحسنوا رؤوسهم.

لم أكن المال الكافي لأنشئ محلا للتحسين، وهذا المال القليل هو نفسه من منعني من الزواج وإنجاب أطفال بحاجة إلى ختان؛ فاهتديت إلى وسيلة مربحة مع وقف التنفيذ حتى إشعار آخر؛ واستأنست بقول أحد مبرمجي الأعصاب؛ ورحت أردد في داخلي: أنا وزير أنا وزير أنا وزير؛ كي أصبح وزيرا حقيقيا يستحق تحسينا لوضعه حالما يستلم حقيبته الوزارية.

كنت كلما مررت بحي الوزارات أجد كل وزارة تبكي وهي تردد مع أم كلثوم: أنا في انتظارك أنا في انتظارك؛ وانتظرت وانتظرت حتى خشيت من أن طلاب المدارس قد استنفدوا كل الحقائب في أسواق مطرح والسيب والحافة والجمعة والأربعاء؛ ولم يعد ثمة حقيبة تصلح لوزير مثلي؛ قلت في نفسي إذن لابد من أنني سأكون أول وزير بلا حقيبة؛ وإن هذا لفيه خير كثير لي، ولأن أبدو وزيرا بلاحقيبة خير من أن أكون كطلاب المدارس أحمل حقيبتي وأنا أعدو بعد سماعي جرس "الطلقة".

كان وضعي بحاجة شديدة إلى تحسين واستطال شعري الذي راح ينادي من وراء كمتي وبين فوديّ: حسنة لله يامحسّنين حسنة لله يا محسّنين، ولم أعد أميز بين شعري ووضعي وكأنما تهت في جلبة "بازري" طويل الساق.



















المصدر : مدونة سرنمات سعيد