مع وصول الشمس إلى كبد السماء أسند الجبلي ظهره على جذع الشجرة الهرمة واطئا ظلها بجسمه الثقيل بعد أن ألقى كومة الحطب التي جمعها خلال سطوه اليومي على شجيرات مجاورة لا توفر له هذه البرودة التي يتمتع بها الآن في ظل الشجرة.
حين شم دخانا بعيدا ذكره بحطبه الذي عليه أن يبيعه بثمن زهيد قام وهو ينفض عن دشداشته بضع بعرات وطئها مع الظل دون أن يدفع ثمن استظلاله تحت الشجرة. كانت البعرات ما تزال طرية إذ ألقت بها شاة سمينة مضغت وريقات الشجرة، وقد أسعفتها قائمتاها الأماميتان المسنودتان على جذع الشجرة في الوصول إلى الوريقات. الشاة أيضا لم تكن تدفع ثمن ما تأكل بل كانت تلقي ببعراتها على الظل كأقصى ما تستطيع فعله.
ومع إقراره بذلك لم يكن لدى الظل ما يفعله سوى أن ينتظر خيبة جديدة من خيبات الذئب الكسول الذي يفشل كل مرة في الإمساك بالشاة. ولحرصه الدائم على إخفاء خيبته تلك يتبول الذئب على الظل لكي يخفي أثر البعرات لأنه لا يمكن أن يقطع مسافة طويلة باتجاه الشجرة دون أن يفعل شيئا يبرر به وجوده.
وبوصفه حارسا للشجرة كان على الظل أن يفعل شيئا يثبت به وجوده أيضا، فقد كان يدفع فترات صمته الطويلة بقراءة الذكريات السعيدة التي حفرها عشاق صغار على جذع الشجرة، إلا أن مزاجه في القراءة سرعان ما يتشتت حالما تحط طيور كثيرة على أغصان الشجرة ما تلبث أن تتلف ثمارها أو تنقر جذعها نقرا يخدش الذكريات دون أن تدفع ثمن ذلك ولو بنشيد مغرد يصدح من حناجرها.
* * *
كل شيء كان ثابتا ومكررا يقضيه الظل في رتابة مماثلة بقراءة تلك الذكريات التي انتهت منذ زمن بعيد، لكن الأيام لا تتشابه دائما كما تتشابه الذكريات، ففي يوم ما حل سرب من النحل على الشجرة، كان نحلا متشابها للغاية عدا نحلة مميزة راحت تلقي أوامرها على البقية كما تفعل الملكات، وبدا أنها لم تكن زيارة عابرة حين طال مكوث النحل حتى صار لهم بيت في فجوة بالشجرة، وإذ لم يكن يدفع ثمن بنائه البيت أيقن الظل تماما أن الأيام كلها متشابهة حتى مع وجود نحلة واحدة لا تشبه بقية السرب، وعاد إلى ذكرياته محاولا أن يستعيدها بالقراءة مرة أخرى، غير أن كثافة النحل ضلل عنه تلك النقوش، فاكتفى بالصمت إثر ذلك. طال صمته كثيرا مع عدم وجود لحظة هدوء واحدة يمنحها إياه النحل دائب الحركة، وراح ينتظر الشاة السمينة كي لا يشعر بالعجز في ظل صمته، لكن الشاة لم تعد. وانتظر مجيء الذئب الذي عمق انتظاره الطويل من عجزه الممل، وبدا أن الطيور عاجزة من أن توقظ صمته إذ هجرت أعشاشها وفراخها، وهكذا أصبح أعداؤه السابقون ضرباً من الذكريات.
وللمرة الأولى فكر الظل بأنه قوي حين رأى نفسه بلا أعداء أخيرا، أما النحل الذي بدا لنا عدوا آخر فلم يكن في ذهن الظل إلا صديقا سخيا بطنينه الدائم كجرس إنذار مما أدى إلى طرد أعداء الظل، ولم يدر في باله أن النحل إنما كان يحمي بيته من أعداء النحلة الملكة، لذا استراح الظل أخيرا في مكمنه إذ اهتدى إلى تفكيره هذا، ولم يعد يشعر بأنه حارس للشجرة، بل إن النحل نفسه كان يحرسه من أن يطأه أحدهم.
* * *
حين لم يعد يطؤه أحد تغير تفكير الظل؛ إذ لم يعد يقرأ ذكرياته التي ضللت نقوشها كثافة مستعمرة النحل، بل إنه كاد أن ينساها تماما، وانشغل عنها بتذكر أنه كم كان تعيسا للغاية دون نحل يحرسه، إلا أن هذا النحل الذي راح يوسع بيته تدريجيا لم يكن يدري ما ينتظره حين عاود الجبلي ظهوره في أحد الأيام بعد أن اختفى مع من اختفوا. لم ينزل حطبه من على ظهره هذه المرة بل وقف غير بعيد عن الشجرة الهرمة، وما لبث أن غادر بغرابة بعد أن ألقى بنظرة مريبة باتجاه النحل.
راح الجبلي يتردد على الشجرة في الوقت الذي زاد فيه بيت النحل اتساعا مع ازدياد لونه قتامة عما كان عليه من قبل، وكانت ابتسامة الجبلي في كل مرة يظهر فيها تتدرج مع قتامة بيت النحل، حتى جاء اليوم الذي ظهرت فيه أسنان الجبلي كاملة، ولمع معها سن ذهبي توافق لونه مع القطرات التي كانت تتسرب من بيت النحل والتي أفرحت الظل كثيرا إذ شعر بحلاوة طعمها المختلف عن طعم بعرات الشاة أو بول الذئب.
في ذلك اليوم الذي اقترب فيه الجبلي من الشجرة لم يكن يحمل معه كومة الحطب التي اعتاد حملها كما أنه لم يكن يرتدي دشداشته التي اعتاد أن يلوثها بالبعرات، فقد كان ظهره عاريا، وهنا انتبه الظل إلى أن الجبلي قد أفنى جميع الشجيرات المجاورة، وبدا أن الشجرة الهرمة ستلحق بهن لولا أن الجبلي فاجأه إذ استل سكينا متثلمة، بدلا من فأسه، سرعان ما اجتث بها بيت النحل من فجوة الشجرة ليهرب به بعيدا.
أحس الظل بالخسران لضياع حارسه الأثير وعودته إلى الحراسة مجددا، لكنه كان سعيدا بنجاة الشجرة ونجاته أيضا، وراح يردد في سره شكره للذكريات التي أنقذته من الفناء الموشك، لأنها لو لم تكن مرسومة أيضا على ظهر الجبلي لما تردد في إفناء الشجرة مع تلك الشجيرات التي كانت بجوارها.
وليد النبهاني
المصدر : مدونة سرنمات سعيد
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions