لعلنا لا نختلف في أن الحالة التي وصلت إليها الدولة العمانية مزرية. ولعلي أقتبس هنا ما سمعته من أحد العقلاء أن الدولة أصبحت قضية "لا أحد". ومن الواضح الآن لدى كل من يخرج من بيته ويشاهد واقع الحال أن الدولة واقعة في تخبط كبير. وكلما كان الشخص أقرب إلى معرفة الأمور المخفية كلما بدا واقع الحال سيئا أكثر مما تحمله الصورة الأولى للمشاهد العام. ولنقترف خطيئة تعداد المساوئ، فإن أكثر ما يجابهنا انعدام المساواة الاجتماعية، وسوء توزيع الثروات، وانعدام الدقة في القوانين، وسوء إدارة المؤسسات العامة، وتفشي الفساد، ورجوع القبيلة إلى الواجهة. ولعلي لن أكون ظالما إن أضفت أيضا ذلك الصمت الذي يمارسه المسؤولون في كل مكان لإخفاء العيوب التي أصبحت ظاهرة، بحجة أن الكلام لا فائدة منه، وأن الصمت حكمة المتعقل. وفي الآونة الأخيرة فإن كل من تحدث من المسؤولين في الصحافة أوضح مدى الضحالة التي تعيشها المؤسسة الحكومية. ولقد بدأت الأفواه في انتقاد السلطة علانية منذ زمن بعيد لكنها كل مرة كانت تخطو خطوة أخرى في توجيه أصابع الاتهام إلى أعلى. فلقد مرت تلك الفترة التي اُنتقِد فيها المشرفون المباشرون على الأعمال، ثم ذهبنا إلى أبعد من ذلك بقولنا أن المدير العام خاطئ، ثم الوكيل فاسد، والوزير ليس بكفء، ووصلنا إلى القول في أنه يجب على السلطان أن يفعل شيئا. وها نحن الآن نبتعد خطوة أخرى فنقف عند عتبة القول بأن النظام ربما يحتاج إلى تغيير. وتلك مقولة منطقية ومشروعة، والنقاش حولها يجب أن يأخذ مأخذا جديا. لعلي لن أخفي رأيي البعيد عن ردهات السياسة والملتصق بواقعي أنا كفرد في هذه الدولة، وهو أنني أفضل أن يكون النظام ملكيا مقودا بسلطان عادل، وأفضل أن يكون هذا السلطان هو قابوس بن سعيد لا غيره. ذلك لأنه وحتى هذه اللحظة فقد كان السلطان مناصرا لشعبه مهما بدت عيوب نظامه، ولقد ظل السلطان حتى هذه اللحظة يحاول أن يعدل بعض الميول الانحرافية ويرقع بعض الفتوق التي تحدث في شرخ الحكومة بين فترة وأخرى. ولا يخفى أن النظرة هذه هي نظرة عاطفية أكثر عنها موضوعية، فإن الابن الذي يحب أباه يسعى دائما إلى تبرير أخطاء الوالد. وهي كذلك نظرة شخصانية، فإن ما آلت إليه بعض التوجهات من احترام للفرد ومحاولة تفعيل القانون ومحاولة إدارة المؤسسات بواسطة تقنوقراطيين، كل ذلك جعلني أنحو هذا المنحى، أضف إلى أن معظم الأنظمة الأخرى التي نشاهدها في القريب والبعيد تتخبط على درجات. ولقد علتْ الانتقادات إلى درجة أصبح كل شخص ناقد ومنقود في آن، وإلى درجة أصبح فيها الفرد متشككا من كل شيء، وناقدا لكل شيء، ولم يعد أحد يثق بأحد. وما عاد الخطاب العام ذا معنى. فماذا يعني أن تنتقد مثلا وزارة الزراعة وأنت عضو في صناعة قوانينها وآليات عمل دوائرها؟ أو أن تنتقد الوزارة وأنت وزيرها؟ والحق أن هناك أسباب كثيرة تتلاحم وتتشابك لتعطي هذه الخلطة الغريبة، فبداية فإن انفتاح العالم على بعضه لا يلقي بإشكالاته علينا فقط، وعلى دولتنا، بل على كل فرد في العالم، ويعصف حتى بالمفهوم القديم للدولة. أضف إلى أننا أصلا خارجون لتونا من إمبريق الدولة، إن صح لنا تسمية الأمر بهذه الطريقة, فقد مارست الحكومة علينا بأدواتها، التي تتضمننا، تجربة مختبرية لكنها غير قادرة بعد على الاستمرار فلا الاقتصاد الداخلي ولا العالمي قادر على أن يجعل الدولة تسير في تجاربها المختبرية علينا. لقد اختلف الناس، ولم نعد مجموعة متجانسة، ولم يعد كافيا أبدا أن يقال للفرد أن عمان قبل عام سبعين كانت هكذا وأننا اليوم هكذا، إن تلك الشعارات أصبحت بلا معنى للجيل الحالي. وظهرت تيارات فكرية واجتماعية متعددة وإن لم تبرز ذاتها علانية، وأصبح لكل فرد تقريبا صورة عما هو الوضع الأمثل الذي يجب أن تكون عليه الدولة حسب تجاربه وخبراته ومستوى تعليمه وطريقة معيشته وحسب مدى العوز الذي بدأ يصيبه. ولا بد بعد هذا أن نقول أنه ضمن هذه المعمعة الكبيرة التي يعيشها شعب تائه بأكمله، لا بد من أن ينتضي العارفون لواء التغيير. ولعل أمر العريضة التي يود طارحوها أن يقدموها إلى سلطان البلاد تعلن عن بدء مرحلة جديدة في حركة البلاد عامة وفي توجهها الشعبي. فإني أرى أن هذه العريضة (التي لم أوقع عليها بعد) هي بداية للحركة التي تقول دعونا نفعل شيئا، أي أنها بداية لعمل شيء بناء، للخروج من دائرة الانتقادات المتبادلة التي لم تعد تخدم شيئا. إنها تخرج بنا من دائرة التعميمات والاتكالية والبحث عن ضحايا إلى مستوى آخر من الإحساس بالمسؤولية ومحاولة معرفة ما ينبغي علينا فعله في مقتبل الأيام. ولقد عجبت أيما عجب من أولئك الذين خونوا كاتب العريضة وموقعوها الأُوَل، عجبت لأنهم لم يقوموا بداية بنقاش هؤلاء والوصول إلى معرفة حقة بماهية الموضوع ومدى صلاحيته بل هاجموا أشخاصها بحجج العمالة لانتماءات أخرى، وبحجج أنهم متعرضون لظلم من أجهزة الدولة ولكأن هذا بالذات لا يشكل سببا جيدا للمطالبة بالتغيير. لكنني لا أخفي أيضا أن الموضوع ليس واضحا كفاية للأفراد. بل إن الأفراد ذاتهم مأخوذين بسلبيتهم المعتادة يحاولون ألا يستوضحوا الأمر. دعوني أشرح قليلا ما أود أن أقوله بكلماتي السابقة. ما هو الأمر النفسي الذي يكفله النظام الحالي للفرد وهو يرى الإشكالات الكبيرة الواقعة في البنى الاجتماعية والسياسية والتنظيمية والتشريعية؟ أظن أن من أهم هذه الأمور أن النظام الحالي يكفل قضية هامة للتعامل مع المصائب الواقعة والمحدقة فالمخطئين "هم " أو "هو"، ولسنا "نحن" أو "أنا". وعلى هذا فإن كل سوء هو من الآخرين، وكل شر هم من اقترفوه. إنني أكاد أجزم، بحكم الاتجاهات العامة لا المعرفة الشخصية الدقيقة، أنه حتى أولئك الذين يتقلدون أعلى المراتب في الدولة يتكلمون في دواخلهم وبين مقربيهم عن هذا الانحدار والتردي في مسائل الدولة، وهم كالأفراد الآخرين يفعلون ذات الفعل ويوجهون اللوم والانتقاد للآخرين.مع هذا فإني أطرح هواجسي هنا: هل الدستور المقترح سيكون كفيلا بإنهاء العيوب الحاصلة في الدولة؟ أولن تظهر عيوب جديدة؟ أو لن يقوم مستغلون جدد بليّ النظام وتوجيهه لمصالحهم؟ أو نحن مستعدون لهذا الدستور؟ أو نحن متقدمون كفاية وحضاريون إلى درجة ألا نلغي بعضنا البعض باسم القانون والدستور المقترح؟ ألن يؤدي الدستور إلى غلبة اتجاهات قمعية ونكوصية بحجة أن هذا ما تريده الأغلبية؟ أوصلنا إلى النقطة التي نقول فيها أن المساواة والعدالة والحرية هي أمور ذات فائدة حتمية للفرد؟ أحقا أن الأفراد والعقلية الجمعية أعلى وأكثر تقدما من عقلية الدولة والحكومة الحالية؟ لعلي أقول هنا كلمة تريد أن تخرج من أصابعي منذ ابتدأت مقالتي هذه وما فتئت أقمعها عن عمد، وهي لعلنا نعيش عصرنا الذهبي الآن. ولعل آت الأيام أسوء من ماضيه. لكن هذا لن ينقص من مسؤوليتنا إزاء المستقبل وإزاء بلدنا. فإننا ملزمون بالولادة. ولعلنا قادرون اليوم على قول أن الأخطاء الحالية لم نكن نحن من ارتكبها لكننا لن نكون كذلك في مستقبل الأيام. ولذلك فإن البحث عن طرق للخلاص هو مسؤوليتنا جميعا. وإن كانت العريضة التي تُناقش حاليا في أروقة المنتديات الإلكترونية لا تلبي طموح البعض، أو أنها ملتبسة، فإنه من المناسب أن يبحث الباحثون عما يناسبهم أكثر وأن يناقشوا الآخرين فيما يعتريهم من أفكار وهواجس. ولمحبي التشاؤم، مثلي، أقول أن كل شيء قادم هو بالضرورة الفلسفية والنفسية سيء. بيد أن القادم السيئ الذي أصنعه خير من القادم السيئ الذي يُصنَع لي.

المصدر : مدونة هرطقات
المصدر : مدونة هرطقات
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions