علمنة كرة القدم - جديد هرطقات

    • علمنة كرة القدم - جديد هرطقات

      كنت أرغب في طرح هذا الموضوع منذ تلك الأيام التي صخبت البلاد وانقلب عاليها سافلها بفوز منتخبنا في دورة كأس الخليج، إلا أنني أرجأته قليلا لمعرفتي بأن طرحه آنذاك لن يكون إلا نوعا من محاولة التكلم بعقلانية وهدوء في وقت يضج بالصراخ والنشوة.


      كرة القدم والرياضة عموما، خرجت عن التصورات الأولى المؤسِسة لها، فقد كانت الفكرة الأولى من الرياضات أن يوازن الإنسان بين أعضاء جسده؛ فكما أنه يحتاج إلى ذهنه فإنه يحتاج إلى جسده وعاطفته و "روحه".


      كرة القدم في عصرنا الحاضر تجاوزتْ مبدأ التوازن ذاك لتدخل في ميادين أخرى، ويمكن أن نقول أنها طوّرتْ ذاتها فأصبحت مسألة تجارية وإعلامية، وكفَّت أن تكون أمرا هامشيا في حياتنا. والملاحظ أن الصحف والمجلات تخصص صفحات بأكملها لتغطية الأحداث المستمرة والساخنة. وقد تطورت الأندية الرياضية في دول بعينها إلى الدرجة التي أصبحنا نقرأ عن الملايين التي يشترى بها لاعب ما.


      والحق أنه لم تعد مسألة الرياضة بمعناها العام هي التي نعنيها حين نقول لشخص مفرط الوزن أنك بحاجة إلى رياضة، تلك الرياضة الصحية إن صح التعبير، فالرياضة التي نعنيها هي تلك التي يتبارى فيها اللاعبون ويفوزون ويهزمون.


      وبالطبع ليست كرة القدم الوحيدة في قضية خروجها التاريخي عن أطرها، وتطورها أو تغيرها لتصبح شيئا آخر غير ما كانت عليه، فالصحافة مثلا والتي كانت يراد بها إيصال الأحداث للناس تضخمت لتصبح نوعا من التضليل والدعاية الأيدلوجية والمؤسسات الربحية.


      وقد تحولت الرياضة بالتالي إلى نوع من المتعة، متعة مشاهدة ومتعة متابعة لأبطالها ونجومها ووسيلة لكسب المال، وأصبحت تتكون من مؤسسات دولية ومحلية ولها أندية وتجمعات ومسابقات وطنية ودولية وصحف ومجلات خاصة وشركات مختصة بالأدوات، باختصار لقد تم رأسملتها بشكل واسع. ومع كل هذا التدخل من قبل صناع المال في صناعة الرياضة إلا أنها، الرياضة عموما، وكرة القدم خصوصا، ظلت معبودة الجماهير، وربما يكون هذا راجع إلى تلك الصناعة بالذات، لكن الأمر في المخيلة العامة يأخذ شكلا مسالما، فبدلا عن قضايا الحروب والتسلح والسياسة والأوبئة تأتي الكرة ببديل خيري بعض الشيء ، ولن يعدم من يقول أنها نوع من التفريغ النفسي للشحنات العدوانية والتي يتميز بها الإنسان عموما والرجل خصوصا، وهناك حتى من يقاربها بأنها ما تبقى للإنسان من زمن الصيد.


      وأيا كان الرأي في كرة القدم والرياضة فإن النقطة التي أود التحدث عنها بعد كل هذه المقدمة هي ربط الرياضة بالوطنية في بلدنا. وليست بلدنا بدعا في هذا؛ فمعظم دول العالم إن لم تكن جميعها تقوم بهذا الربط، فتراها تقول المنتخب الوطني، والكرة الألمانية والأسبانية، والكرة الأرجنتينية والبرازيلية. ومع أنني سأتكلم هنا عن عمان والمنتخب الوطني فالقضية قابلة أن تعمم إلى دول أخرى.


      ولذا أطرح هنا تفكيري الداخلي بصوت عالٍ علَّ أحد المداخلين يدلني على ما أفتقده من حس في هذا الميدان، أو لعل المناقشات تجعلني أقرب فهما للموضوع. وأنا أتكلم هنا عن التفكير بصوت عال لأني أحس أن أفكاري هنا ليست ناضجة كفاية، ولكني استعجلتُ ولادتها بسبب الربط الحاصل بين العيد الوطني القريب وبين مباراة عمان مع البرازيل.


      1.كرة القدم ينبغي أن تعامل بحياد ولا ينبغي أن يزج بها في قضية الوطنية؛ فلسنا نبض واحد في هذا.


      2.صرف المبالغ الضخمة على الكرة لا جدوى حضارية منه، إلا لو كانت القضية محاولة لجني المال، وحينها فالأمر لا ينبغي ربطه بأسماء مدن أو دول أو قرى، ويقال حينها نادي الأمل مثلا وليس نادي فنجا أو صور.


      3.الأندية المتبارية للحصول على كأس أحدهم هي أندية تخص مستثمريها وليست أندية تخص الدولة. ويجب بالتالي أن تعامل على هيئة مؤسسات نفعية ربحية ولا تجر الدولة ذاتها ومالها في هكذا مشاريع.


      4.الرياضات الفردية تعود للأفراد أو الاتحادات الأهلية أو الأندية ولا علاقة لها بالدولة.


      5.الرياضة الوحيدة التي يجب أن تهتم بها الدولة هي تلك التي تتعلق بسلامة الأبدان واستمرار نشاطها وهذه قد تكون من ضمن الدوائر الوقائية التابعة لوزارة الصحة ولا داعي ظاهريا لإنشاء وزارة مستقلة للرياضة.


      6. باختصار شديد يجب فصل كرة القدم، والرياضة عموما، عن الدولة، وهذا ما أسميته علمنة كرة القدم.


      7. ليست القضية وطنية أن تشجع منتخبا على آخر، وفي هذا تضليل كبير.


      8.الاهتمام بالرياضة بالطريقة الحالية وربطه بالشباب ، نوع من الوهم.


      9.وطبعا يجب أن أقول هنا أنني لست ضد الإبداع والتفوق في أي أمر كان، أترى لو اخترع أحد العمانيين شيئا يفيدنا في دورات المياه ألن نكون فخورين به؟ بالطبع سنفعل. وكل فوز لأحد العمانيين في أي ميدان هو فوز للجميع لكن القضية ألا يربط الأمر بالوطنية.


      10.ما حصل في دورة كأس الخليج يجب أن يناقش لا أن يستمرأ ، فالفرحة " الوطنية"، إن صح التعبير، التي عمت البلاد والعباد، يجب أن تدرس نفسيا، وهي مفيدة لو أن الميادين الأخرى للقوة النفسية والفكرية والبدينة عند العمانيين متوفرة. فهذا الشعور بـ "الدونية" و"الضعف" الذي وجد في الفوز بكأس الخليج تضخما نرجسيا، ليس من السهل التغاضي عنه.







      المصدر : مدونة هرطقات


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions