البعرة والبعير - جديد هرطقات

    • البعرة والبعير - جديد هرطقات

      لو كنتَ تمشي في الصحراء ووجدتَ "بعرة" ملقاة على الرمال وتفكَّرتَ فيها فإلامَ يقودكَ التفكير؟


      بداية تلاحظ عزيزي القارئ أنني وضعتُ كلمة البعرة بين علامتي تنصيص، فالرجل في المثال الافتراضي هذا إن كان يعرف أنها بعرة فمعنى هذا أنه يعرف أنها قادمة من بعير مسبقاً. فمن خلال تجاربه في الحياة يتضح له أن البعير يبعر ( ينتج بعرا) وعليه فوجود بعرة هو دليل على وجود بعير.


      أعني أن تسمية البعرة بأنها بعرة يدحض حجتها في الدلالة على وجود بعير غير معروف مسبقا، وإنما فقط يثبت أن الرجل يعرف البعير قبل أن يعرف البعرة. ويعرف أن البعير يولد البعرة.


      بالتالي الأفضل استبدالها بكلمة "شيء"


      والآن، يمشي الرجل في الصحراء فيجد شيئا ( أعرف أنا وأنت أيها القارئ أن هذا الشيء هو بعرة، لأننا ننظر إلى المشهد من علِ من غير أن يعرف الرجل المسكين) سيقول الرجل بعد تفكر وتدبر أنه لا بد من أن هذا الشيء جاء من شيء آخر، وأن ثمة علة له. الآن كما ترى الحجة أقوى؛ فهو لا يعرف الشيء الذي وجده، لم يره من قبل ، ولم يرَ شيئا آخر يُوجِده ولكنه قال حسب ما يرى في العالم أن للأشياء مُوجِد، وهنا حجته منطقية مبنية على عقله وليس فقط على خبرته.




      إن معرفتي بالبعير هي التي تدفعني أن أقول حين أجد بعرة أنه لا بد من بعير.


      أما لو أنني لم أكن أعرف أن ذلك الشيء "البعرة" ينتج من البعير، فلن أهتدي إلى البعير.


      الآن تبدو الحجة بأكملها قائمة ومنطقية مع اختلاف التسميات.


      لكن هذا ليس صحيحا.


      فثمة مُوجِد للعالم (البعرة)، لكنني لم أرَ أو أصلَ من خلال تجاربي أن هناك من يُنتِج عوالم مثل هذا العالم. ولذا حين أفكر في العالم كل ما يمكن أن أقوله أنه ناتج عن أمر ما. لكن هذا الأمر لا أعرفه.


      ماذا لو قلت أن هذا العالم نتاج لموجود اسمه الله؟ هذه فرضية ، وهي فرضية معقولة لأنها مبنية على القول بوجود مسبب لهذا العالم. لكنّ فرض الله المُوجِد للعالم لا يمكن إلا أن يكون عقليا، فإنني لكي أقول بخلق هذا النظام المعقد الذي هو العالم لا بد أن يكون الخالق أكثر تعقيدا عنه. وهنا أتجاوز حدود ملكاتي في التفكير لأنني أدخل نطاقا آخر تماما. هنا بالذات قفزة نوعية: فلو كان العالم محتاجا إلى علة فإن العلة حسب ما يقتضيه سياق التجارب الإنسانية لا بد أن يكون معلولا هو الآخر، أي من نفس نوع العالم. أما إن لم يكن معلولا فلا يمكن المجيء به أصلا لأنه خارج عن التصور.


      العالم (البعرة) له سبب للوجود. مسبب هذا العالم هو " الله. لكن الله كائن أكثر تعقيدا عن العالم بالضرورة . وعلى هذا فحتى إن أنا وافقتُ على القفزة المنطقة والنوعية، ووافقتُ على وجود الله فإن الله ذاته يحتاج إلى تعليل.


      إن الله أعظم من الكون الذي خلقه، كما أن البعير أعظم من البعرة التي أنتجها. فإن كانت عظمة الكون تستدعي سببا، فلا بد أن عظمة الرب تحتاج هي الأخرى إلى سبب. أما إن كان الله غير قابل للسببية فإن افتراض وجوده يصبح قفزة منطقية ونوعية لا يمكن تبريرها.







      المصدر : مدونة هرطقات


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions