ارحمُوا الدينَ والعُرفَ منـّا/ردهات - جديد عائشة السيفي

    • ارحمُوا الدينَ والعُرفَ منـّا/ردهات - جديد عائشة السيفي

      عائشَة السيفيّ
      alwatan.com/dailyhtml/culture.html#6


      أنَاولُ صديقَتي الكاميرَا وأطلبُ منهَا تصويريْ حينَ أصعدُ المسرحَ للتكرِيم .. تجهّز الكاميرا .. وأستعدُ أنا .. وما أنْ يبدَأ المقدّم بمنادَاة أسمَاءِ المكرّمات تتحوّل الأنظَار تجاهَنا في انتظَار خرُوج أيّ فتاةٍ للتكرِيم فلا تخرجُ ..
      تمّ منادَاة 13 اسماً قبلَ اسميْ لتكريمهنّ ولم تخرُج أيّ فتاة .. بدأ ذلكَ بمجرّد رفضِ خرُوج أوّل فتاةٍ للمسرَح ليتمّ تكريمها.. وتبعتهَا الأخريَات ، ربّما على مضضٍ وربّما لأنهن فعلاً لا يرغبنَ بخرُوجهنّ للتكريم .. حينَ كانتْ أسمَاؤهن تتمّ مناداتها .. كنت أسألهنّ بحنقٍ ودهشَة: ليش ما تطلعُوا يكرمُوكم؟ .. ما حلوَة ! ما فينا يجلسوا يشوفونا كلهم .. أستحِي إلخ ..
      وَأنا .. وفيمَا كانتْ صديقتيْ تستعدّ لتصويريْ .. وبعدَ منادَاة 13 فتاة قبليْ .. قرّرتُ ألا أصعدَ المنبرَ أيضاً .. وأنا في داخليْ أسخرُ منْ نفسي وأفكّر .. يا ترَى لو صعدتُ هلْ سأبدُو بمنظرِ الفتاة "الفلتَانة" ؟

      غيرَ أنني كنتُ أكثَر جبناً من أن أخرُج .. وفعلتهَا فتَاة بعديْ .. بعبَاءتها المحتشمَة وبشيلتها السّوداء وبوقَارها خرجتْ للتكرِيم .. وتبعتهَا صديقاتٌ أخرَى محجباتٌ وغيرُ محجّبات .. حينهَا كنتُ أشعرُ بالسّوء من نفسيْ وأكادُ أبكيْ تفويتي اللحظَة التيْ لا تتكرّر إلا كلّ عام .. أن أنالَ التكريمَ من كليّتي الجميلَة .. وقسميَ الجميل ..
      تمنيتُ حينها أنْ يعودُوا لمنَاداة اسميْ فأصعَد وأرفعُ رأسيْ مبتسمَة وأفكّر .. ( سحقاً لكلّ مبدأ ٍ يجعلُني أخجلُ من تكريمي ، يجعلنيْ أعتبرُ تناوليْ "ورقَة" من المكرّم "حاجَة ما حلوة" .. )
      مفاهِيم غريبَة من فتيَات متعلّمات بدأت تطفُو على السّطح .. مفاهِيم غريبَة لم تقرّها عاداتنَا ولا ديننا .. ولم تكنْ سائدَة ً في الزّمن القديم ، زمنِ أمّهاتنا وآبائنا .. بدأت الشفافيّة تختفيْ ، وبدأنا ننحشرُ في سلسلَة تعقيدَات ننسبهَا للمجتمعِ والعُرف .. دونَ أنْ نملكَ تبريراتٍ مقنعة ً لذلك ..

      أنتظرُ المصعدَ برفقَةِ صديقتين ِ .. ثمّ يأتيْ شابٌ ثالث .. تدخلُ ثلاثتنا المصعَد وينتظرُ الشابُ في الخارجِ .. أقولُ لهُ : تفضّل أخيْ ، فتشدّني صديقَتي من كتفيْ وتقولُ لا .. ما نريد واحد معنَا في المصعَد .. تقولُ ذلكَ هامسَة لكنّ الشابَ يسمعها فيتراجعُ بحرَج .. وأحدّقُ إليهَا مصدُومَة.. أيّ تخلّف هذا ! هلْ أصبح المصعَد شُبهَة ؟ وهلْ صعُودنا في نفسِ الصندُوق المعدنيّ لثانيتين للطابقِ الأوّل وثانيتين أخريين للطابقِ الثاني .. عَيب؟

      فيْ الوقتِ الذيْ لا تمانعُ فتياتٌ كثيراتٌ صعُود أسَاتذة أجَانب وعمّال هُنود معهنّ في المصعَد .. بحقّ أنا غير قادرَة على فهمِ بأيّ منطِق نمَارسُ هذهِ التصرّفات؟ وأيّ عرفٍ هوَ المسؤُول عن إجازةِ أو منعِ مواقفَ كهذهِ؟

      أتذكّر أنّي مرة ً كنتُ أنتظرُ المصعدَ .. وفتحَ لتخرجُ منهُ شابٌ وفتاة .. كانَت ثمّة مجمُوعة شباب بجانبيْ تقفُ فعلّقوا ضاحكين على ذلكَ .. "يا سلام وش عليك انت"
      أفكّر مثلاً في سينَاريُو ذلك الفتَاة والشاب .. لو أنّني غيرُ قادرَة على صعُود الطابقِ الثالث بالسلّم .. ولديّ محاضرَة مهمّة .. وآتي للمصعَد فأجدُ شابا قبلي ينتظرهُ .. يفتح المصعَد ويدخلُ .. ويقُول لي .. تفضّلي .. فأدخل .. وخلال ثانيتين أكُون وصلتُ للطابق الثالث .. فهل الأمرُ شاذٌ إلى هذا الحدّ؟ وهلْ نتعَاملُ معَ ذلكَ كخلوَة غير شرعيّة؟ لا أعرفُ لماذا نجعلُ من أنفسنَا "رقبَاء اجتماعيين" باسمِ الدّين والعُرف .. ونحنُ لا نمتّ لا للدين ولا للعرفِ بصلَة ..
      هؤلاءِ الشباب الذينَ علّقوا .. أعرفُ بعضهُم .. ممّن درسَ معيْ .. محترفُون فيْ الغشّ ، والنّقل ، والتخميس بسيّاراتهم والتدخين ..
      هذهِ يعتبرُونها محللات .. لكنّ صعُود شاب وفتَاة في نفسِ المصعَد يعتبرُ دخيلاً وحراماً؟
      أيّ نفاقٍ اجتماعيّ نعيشهُ؟

      تحكيْ لي قريبتي وهيَ تسكنُ في مدينةٍ تغطّي فيها النسَاءُ وجوههنّ .. دخلتْ هيَ وزوجها إلى محلّ للتفصِيل فيما انشغلتْ فتاة زبُونة بالشّرح للآسيويّ عن الموديل الذيْ تطلبهُ ..وفيمَا دخلت قريبتيْ المحلّ برفقَة زوجها حتّى هبّت تلك الفتاة لتغطيَة وجهها .. فضحكتْ قريبتيْ وعلّقت .. "يا سلام! ترَى الهندي ما رجّال تغطيْ وجهها قدّامه" !
      هلِ العُرف يصنّف الرجَال لعيّنات حسب جنسيّاتهم؟ وعلَى ذلك الأساس نمَارسُ أعرافنا الاجتماعيّة معهُم .. فإذا كانَ عمانياً غطّينا وجهنا وإن كان من جنسيّة أخرى فنحنُ وَباسم المجتمعِ نحلّ لأنفسنا أنْ نكشفَ وجهنا !
      ما هوَ مبرّر هذا التناقض؟

      قبلَ مدّة كنتُ أناقشُ صديقة ً في هذا الموضُوع وأبديْ استغرابيْ من مواقفَ على شاكلَة ما ذكرتُ أعلاهُ فحكتْ لي ما قصّتهُ أمّها لها .. أنّها حينَ كانتْ في الخامسَة عشرة حينَ تزوّجت والدَ صديقتيْ .. كانَ يبعثهَا مع أخيهِ لزيَارة أهلها على "حمَار" .. ضحكتْ صديقتيْ المتزوّجة وقالتْ .. تخيّلي الآن أن يبعثنيْ زوجيْ لأهليْ برفقَة أخيهِ .. كنتْ صرتْ خبز بلا ملح !

      أصبحنَا نخافُ منْ كلّ شيءٍ ونرَاقبُ يميناً وشمالاً ردُود أفعال الآخرين دونَ أن نمنحَ أنفسنَا الفرصَة لنقرّر إن كنا في الداخلِ مقتنعينَ تماماُ بأنّ ما نفعلهُ صوابٌ أو خطَأ .. أصبحنَا غارقين في دوّامَة سوءِ ظنّ .. وأصبحنَا مهوّسين بتفسير تصرّفات الغير على أنّها تقُود دائماً لنهَاية سيئَة وقذرَة ..
      فوجُودُ اثنين وحيدين يؤدّي لنتيجَة حتميّة هيَ وجودهما لاحقاً فيْ سريرٍ واحد !!

      كلّ يومٍ تزدادُ الممنوعَات كردّةِ فعلٍ على التحدّر الاخلاقيْ الذيْ يشهدهُ المجتمع والسّبب القصص الكثيرَة والمخيفَة التيْ نسمعهَا هنا وهناك .. وخوفنَا من سقُوط القيم والفساد الذيْ أصبَحَ يُصدَّرُ لنا من كلّ صوب .. من الإعلانات ، منَ التلفزيُون والقنوات الفضائيّة ، من المراكزِ التجاريّة ..
      أصبحَتْ لدَينا "فُوبيا مجتمع" وأصبحَ ما أحلّهُ الأمسُ مرفوضاً اليَوم .. ونحنُ نناقضُ أنفسنا بأنفسنا ..

      فالفتياتُ اللاتيْ رفضنَ صعُود المسرحِ للتكرِيم .. كانَ بعضٌ منهنّ يرتديْ ملابس متحرّرة جداً غير متعارف عليها بينَ المجتمع ، بعضهنّ "نصفُ محجّب" وبعضهنّ ترتديْ "شبهَ عباءة" ولم يعتبرنَ أنّ ذلكَ "حاجة ما حلوة" بينمَا اعتبرنَ صعودهنّ للمنبر "حاجة ما حلوة" !

      أصبحنَا بطريقةٍ وبأخرَى نفصّلُ العيبَ واللاعيبَ بمقاساتنا .. وفيمَا ندرسُ في جوّ مختلط ونعملُ في جوّ مختلط وأصبحتْ دوائرنا الحكوميّة مختلطَة وأصبحتْ مستشفياتنا مختلطَة ، ونذهبُ للسّوق في جوّ مختلط .. ورغمَ ذلكَ نستحيْ من صعُود المسرحِ لاستلام شهادَة تكريم لا للغنَاء والرّقص ، ونعتبرُ وجُود شاب وفتاة صاعدين في مصعدٍ واحِد ، شُبهَة نجرّمهم ونحاسبهُم عليها باسمِ الدّين والمجتمع؟

      لا يا أصدقَاء .. ديننا وعاداتنا بريئة ٌ من كلّ سبق .. والعيبُ في عقُولُ أهلِ العيب .. والخطأ نحنُ فقط من نعتبرهُ كذلكَ لأننا لا نجيدُ سوَى إلصاق الأخطاءِ بالآخرين باسمِ الدين والعُرف .. ارحمُوا الدينَ والعُرف يا جمَاعة ..
      فالدينُ خلقَ ليكُون جميلاً ومنطقياً ، يفسّر كلّ ما يحلّله ويحرّمه .. وخلقَ العُرف كذلكَ ليضعنَا في منظُومة منظّمة لا نعيشُ فيها هواجسَ من سوءِ الظنّ وتخطيءِ كلّ شيءٍ ..
      ارحمُوا الدينَ والعُرف .. وارحمُوا أنفسكُم قبلَ كلّ شيءٍ !




      المصدر : عائشَة السيفي


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions