الإطار: أزياء الدين والدنيا - جديد التاريخ

    • الإطار: أزياء الدين والدنيا - جديد التاريخ


      كم كان عبقرياً أول إنسان فكر وقرر أن يُلبس مجموعة من البشر زياً موحداً لأداء مهمة موحدة. هذه الفكرة أسميها الإطار وأناقشها هنا.

      ما يفعله الزي بكل بساطة هو أنه يُدخل من يتزيا به في إطار: يتحكم ولو بشكل مؤقت في أقوال المتزيي ويبروز أفعاله وسلوكياته داخل المحيط الذي يعيش فيه.

      والزي- الإطار يذهب إلى أبعد من ذلك، خصوصاً إذا طال عليه الأمد، فهو يبدأ في توجيه منهجية التفكير لدى صاحبه، فيفرض أفكاراً ويرفض أخرى ويرسخ رؤىً ومعتقدات بعينها وينبذ أخرى.

      الزي-الإطار قد ينتهي إلى فصل أفكار صاحبه عن أقواله وأفعاله، ويحدث شرخاً بين ما يؤمن به وما يفعله وما يقوله.

      الزي-الإطار إذن هو حالة من التسليم أو الرضوخ والانقياد المؤقت (أو الدائم) إلى نمط واحد من الأفكار والأقوال والسلوكيات. والخطورة هنا تكمن في أن ذلك يتم على حساب أنماط أخرى من التفكير يرفضها الإطار، أو معتقدات ورؤى لا تناسبه. فكما هو معروف: كل نظرة باتجاهٍ ما، تأتي على حساب نظرةٍ باتجاهٍ آخر.

      وتُعد الجيوش النظامية وبعض المؤسسات الأمنية كالشرطة من الأمثلة على مفهوم الزي-الإطار. إن من ألبسهم زياً موحداً استطاع أن يتخيل تماماً إلى أي مدى يدخل الزي في تأطير أفكارهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم.

      كذلك من يدخل إلى مطعم أو فندق من الفئات المنجمة (ذوات النجوم) فإنه يستطيع ملاحظة مفهوم الزي-الإطار الحاكم لسلوكيات ومعتقدات أصحابه.

      الزي دائماً وأبداً ما يحدد لصاحبه كيف يقف وكيف يمشي وكيف يتحدث وكيف يسكت وكيف ينظر وكيف يفكر (وكيف لا يفكر).

      لقد ذهب الأمر بالبعض من الواقعين داخل إطار الزي إلى الهروب منه كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً، كأن يقوم بارتدائه عند وصوله المكتب وخلعه قبل مغادرته. بل هناك من يلبس دشداشته (إطاراً آخراً) فوق الزي الرسمي من البيت إلى المكتب وبالعكس. فقد أدرك تماماً حجم القيود والمسؤوليات المترتبة على الزي الذي يتزيا به. قد يفعل ذلك، مثلاً ضابط المرور أو رجل الشرطة عموماً الذي لا يريد أن يضطره زيه للوقوف وتنظيم مناطق الازدحام المروري وحوادث الطرق، كما قد يفعل ذلك العامل في مطعم أو محطة وقود كي لا يُسقط عليه زيه قيمة اجتماعية هو لا يريدها.

      مفهوم الزي الإطار حاضر كذلك لدى بعض القبائل والأسر الحاكمة كما يحضر ولو بصورة أقل حدية عبر الثقافات والأنواع والأجناس.

      وهنالك هرمية داخل مفهوم كل زي، ولكنها تبقى إلى حد كبير هرمية مقدار وليس هرمية نوع: أعني أن الأزياء مازالت تحكم أنماط السلوك والتفكير وإن تفاوت كل زي في حجم الإطار الذي يضعه حول صاحبه.

      وهنالك "قيمٌ" متباينة لكل زي داخل الهرمية الواحدة. فالقيمة التي يمنحا زي الضابط تختلف عن القيمة التي يمنحها زي الجندي أو الشرطي مثلاً، والقيمة التي يمنحها زي المدراء في الفنادق تختلف نوعاً عن القيمة التي يمنحها زي النوادل وعمّال النظافة..

      كذلك فإن الوصول عبر مفهوم الزي-الإطار إلى قيمة أعلى يستلزم بعداً زمنياً، كما يستلزم سلسلة من التدريب والتطوير وربما الوساطة والمحسوبية ودعاء الوالدين.

      "رجال الدين"، في الدول الإسلامية وبقية الأديان والتجمعات كالنصرانية واليهودية والبوذية وغيرها، مثالٌ صارخٌ على مفهوم الزي-الإطار، والاختلافات بينها تكون غالباً في المقدار وليس في النوع.

      بعض رجالات المذهب الإباضي مثلاً يحكمهم إطار من الزي يتلخص في اللحية المسترسلة والدشداشة البيضاء التي لا تتجاوز منتصف الساق والعمامة البيضاء المستديرة المتدلية من الطرف الأيمن ذات "الطرة" الملتفة حول العنق، وربما زاد على ذلك بعض الخنخنة في الحديث:

      هم الإباضية الزهر الكرام لهم

      بعزة الله فوق الخــلق سلطـــان

      الزي الديني يختلف عن الزي الدنيوي في مواضع كثيرة من أهمها:

      1. الزي الديني اختياري إلى حد كبير مقارنة بزي المهام والوظائف الدنيوية، إلا إذا اعتقد رجال الدين أن من لا يتزيا بزيهم فليس منهم.

      2. كلاهما يخرج صاحبه من الإطار الجمعي السائد، ولكن صاحب الزي الدنيوي يخرج من مجتمعه كي يعود إليه ولو بعد حين، وصاحب الزي الديني يخرج من المجتمع كي يذهب المجتمع وراءه.

      3. الزي الدنيوي محكوم بزمان ومكان ووظيفة ومرحلة عمرية أكثر تحديداً من الزي الديني العابر للأزمنة والأمكنة والوظائف والأعمار.

      4. كلاهما يمارس شيئاً من الإقصاء على الآخر الذي لا يتزيا به، كالتفرقة الحاصلة بين العسكريين والمدنيين في المؤسسة الواحدة وكاعتقاد العسكريين بأنهم أكثر كفاءة وفاعلية في إدارة الأشياء من المدنيين، ولكن إقصاء الزي الديني للآخر يكون في الغالب أكثر حديةً وشمولية وغير قابل لأي نقاش عقلاني منطقي.

      5. الزي الديني غير واضح المعالم من حيث الهرمية الداخلية التي تحكمه مقارنةً بالأزياء الأخرى باستثناء الشيعة ربما وبعض المذاهب والأديان الأخرى التي حاولت إدخال اللون أو الــ(color-code) على أزيائها. فلو حاول جنديٌ كسر هذه الهرمية بارتداءه رتبة أعلى، فستكون مسائلة أشد من مسائلة مراهق أو عشريني تزيى بأزياء الشيوخ..

      6. من الممكن أن يكون الزي الديني طريقاً مختصراً (Shortcut)، غير مبررة وغير متعوب عليها. فالكل يستطيع ارتداءه إذا أراد وبالتالي يستطيع من داخله ممارسة الأدوار النفسية والاجتماعية التي يكفلها له.

      7. كلاهما يلفت الأنظار ولكن الزي الدنيوي يضع مرتديه داخل إطار المحاسبة أو المسائلة بكل مفاهيمها، بينما كثيراً ما يضع الزي الديني صاحبه خارج هذا الإطار.

      8. الزي الدنيوي قد يُعِز صاحبه وقد يُذله، ولكن الزي الديني يفسح لصاحبه صدور المجالس وصدور الرجال وعقولهم حتى وإن لم يكن صاحبه أهلاً لهذا الفتح.

      لم أجد جدوى من الكلمات...

      إلا رغبة الكلمات في تعذيب صاحبها







      المصدر : مدونة التاريخ


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions