


الأجهزة الأمنية وحرية التعبير على الإنترنت
1
للعام الثالث على التوالي نشهد استماتة رسمية لتحجيم دور التعبير على الإنترنت والسيطرة المضاعفة عليها، سواء عبر القوانين الاستباقية التي تستحدث ضد حرية التعبير وتداول المعلومات (تعديل قانون الاتصالات وقرارات هيئة الاتصالات)، أو عبر المعوقات التي تجعل الإنترنت صعبة الاستخدام وبعيدة عن المتناول(سرعة الإنترنت، وارتفاع أسعارها كمثال) أو عبر الترهيب والتنفير من استخدام الإنترنت كوسيلة نقد ورأي في حرب هجومية واضحة على مواقع التعبير العمانية(المنتديات التفاعلية) بدأت من القضاء الممنهج على موقع الشبكة العمانية(سبلة العرب)، مروراً بالكثير، وصولاً إلى الاستدعاءات والملاحقات والمحاكمات والتي لن تقف عند هذا الحد كما سنبين لاحقاً.
وإذا كان هذا النهج لا يبدو للمتتبع العالمي منطقياً أمام اتساع استخدام الإنترنت كوسيلة اتصال وخدمات وعامل من عوامل التنمية الشاملة، إلا أنه سيفاجأ أكثر بالوصاية الرسمية المتزايدة على سوق الإنترنت، مع أننا نتبع سياسة السوق المفتوحة كما يحلو للرسميين استخدام ذلك للرد على غلاء الأسعار مثلاً أو على بعض الاحتكارات التجارية وغيرها، وسيفاجأ المتتبع بعدم وجود تفعيل ملموس لدور الإنترنت في الحياة العامة بالرغم من المشاريع الإلكترونية التي تعلنها الحكومة وملايين الريالات من المال العام التي تذهب تحت هذا البند في أكثر من مؤسسة حكومية.
ويذهب المتتبعون إلى أن مرد كل هذا التواضع والسوء الإنترنتي هو سياسة عليا، وإذا كان الإفتراض صحيحاً فإنه لا يتعلق بسياسة إدارية قاصرة الرؤية، بل مرده إلى سياسة أمنية خالصة واعية كل الوعي لما يدور حولها من حراك وظروف محلية وإقليمية ودولية، لكنه وعي التلقي السلبي بالخوف والتشكك.ومن العقلية الأمنية نبدأ هذه النظرات في الراهن العماني، والذي سيمر عبر محطات عديدة.
*******
من أين وكيف اكتسبت المؤسسة الأمنية (أجهزة الاستخبارات) هذه السمعة السيئة التي تدور حول تسلط الأجهزة على كافة مؤسسات الدولة وعلى مرجعية التوظيف والمناصب والانتخابات المسموح بها في بعض المواقع، ومحاربة الرأي الآخر فإما أن تكون معنا أو أنك ضدنا أي ضد الدولة وبداهة ضد الحاكم وسياساته فما هم إلا منفذين لسياساته كما يصرحون بذلك جهراً لا همساً، وتطويع القانون وتجاوزه واستخدام القضاء للحسابات الأمنية، وتعاظم التجسس على الحياة الخاصة وانتهاكها، والتحكم في مصائر المواطنين وإذلالهم بوسائل متعددة تبقى طي الكتمان حتى لا يتعرض الضحية لمضاعفات، وجملة أخرى من الانتقادات والاتهامات التي توجه لهذه الأجهزة..
.إن الأجهزة الأمنية تحيا وتعمل في محيط نموذجي لأي جهاز استخبارات وطني، فلا وجود لمعارضة عمانية في الخارج تقوم بالتحريض والدعاية المضادة والتنظيم، ولا وجود لصحافة مستقلة أو أي من وسائط الاتصال الجماهيري الأخرى في الداخل تستطيع انتقاد الأجهزة الأمنية أو تلقي شكاوى المواطنين منها، ولا وجود لعداء أو استهداف خارجي عبر وسائط الاتصال ضد هذه الأجهزة أو ضد نظام الحكم في عُمان.. فإذا انتفى وجود هذه الأسباب الموضوعية الرئيسة، فالجواب على سؤال من أين وكيف اكتسبت الأجهزة الأمنية السمعة السيئة لا يكون إلا بحقيقة أنها اكتسبتها من واقع ممارساتها- مؤسسة وأفراداً- في عموم نواحي الحياة في عُمان وانعكاساتها ومظاهرها اليومية و الاستثنائية، وتشكل الوعي بها عبر تجارب المواطنين الشخصية والمباشرة والعلاقات المتبادلة بينهم وبينها طوال عقود من الزمان.
أمام هذا التسلط وأمام الممارسات البوليسية التي لا يمكن فضحها أو الاعتراض عليها ولا تقع تحت طائلة القانون المتاح للمواطن، لم يكن أمام المواطنين سوى إنتاج آليات دفاع شعبية فتم تلقييبهم بالبعوض كناية عن الأجهزة الأمنية والمخبرين، ربما لإن للبعوضة مائة عين في الرأس وتقوم بلسع الإنسان وشفط دمه.كما يتم الدعاء عليهم في أية مناسبة طلباً لانتقام الخالق عز وجل منهم أو تجنيبهم شرهم، وكذلك يتم تداول قصص الاضطهاد والتعسف وتمريرها للتحذير والفضح.
ومن الثابت أن حاجز الخوف من هذه الأجهزة قد تم اختراقه على المستوى النفسي منذ نهاية التسعينيات فبعد أن كان مجرد ذكر الأجهزة الأمنية بشكل محايد يتطلب الهمس أو الإشارة غير الصريحة إليهم أصبح انتقادهم أو التعريض بأفعالهم يجروء عليه الكثيرون من مختلف المستويات الإجتماعية والثقافية.
وساهم كذلك في كسر الحاجز النفسي أولئك المنتمين إلى هذه الأجهزة والذين لاقوا هم أنفسهم من العسف والتسلط ألواناً.وإذا تجاوزنا عن نشئت الأجهزة وظروف تكونها وتطورها، فإن الخلاصة التي هي عليها الآن، ومما يدخل في عقيدتها الموجهة لسياساتها، تقوم على مبدأ غاية في الخطورة وهو الولاء لولي الأمر، واختزال الوطن والدولة في أشخاص بعينهم ومخالفة هؤلاء الأشخاص في شيء هو مساس بأمن الوطن ومصلحته العليا وخروج على النظام العام.
لا جدال اليوم حول التسليم بوجوب ولاء أي جهاز أمن واستخبارات للحاكم بصفته رأس الدولة والمسؤول الأول، غير أن مفهوم (ولي الأمر) في عقيدة هذه الأجهزة أتسع ليشمل بعض كبار القادة الأمنيين، وبصيغة أدق بعض رؤوس الأجهزة الأمنية والعسكرية، وهؤلاء بدورهم أصبحوا يشترون الولاء لأنفسهم، فهم الموكلين من الحاكم بإدارة الشؤون الأمنية ويحظون بثقة كبيرة، وهم ليسوا مجرد قادة أمنيين محترفين بل هم مستفيدين كبار من المال العام والامتيازات على شكل أراضي وتراخيص واحتكارات وأعمال تجارية، ومعلومات تساعدهم دائماً على أن يكونوا في المقدمة.فأصبحوا شركاء ومنافسين للشخصيات الأخرى القوية في الدولة والتي أيضاً تحظى بثقة واعتماد كبيرين من الحاكم، لكنهم توسعوا ليشتروا الولاءات القبلية ويروجون لأنفسهم عند أنظمة الجوار ويوحون للقوى الإقليمية والدولية بأنهم حكام عمان أو على الأقل شركاء في الحكم لا يمكن تجاوزهم.وأصبحت كلماتهم(سامية) هي أيضاً، وتعتبر حكمة وتوجيهاً يردد ويعمل به ويروج له سواء كانت الكلمات عن شأن سياسي أو أمني أو اجتماعي أو ثقافي أو رياضي أو أي شيء آخر.
.إن الأجهزة الأمنية ليست كلها القادة الأمنيين المشار إليهم، وليست كلها الحرس القديم، وليست كلها متسلطين وانتهازيين وعديمي ضمير ومخدوعين أيضاً، ففيها من الشرفاء والواعين وأصحاب الضمائر الحية غير أنهم محاصرين شأنهم شأن المواطنيين الآخرين.
في العقدين الأخيرين، بدأت الأجهزة الأمنية تدريجياً في توظيف واستقطاب الفئات الشابة المتعلمة وذوي الكفاءات المختلفة لخدمة الوطن، فقد كان لا بد لهذه الأجهزة من التجدد ومواكبة أعباء جديد لا يستطيعها الحرس القديم والذي لا يستطيع بعضه أن يكتب جملة صحيحة أو يفتح إيميلاً في الهوت ميل.. وطبعاً ليست هذه هي كل الأسباب التي دعت الأجهزة إلى استقطاب الفئات المتعلمة والمثقفة فهناك أسباب سياسية وإدارية وأمنية وجيهة.اصطدمت العقلية الوطنية المثقفة الشابة التي لبت نداء الخدمة في الأجهزة عن اختيار مسبق أو عن مصادفة أو عن طلب لا مناص عنه، بالعقلية الأمنية القديمة الخائفة على مواقعها، والمعطلة عقولها عن أي فهم جديد للواقع وعن تطور الأدوات السياسية والأمنية...
يتبع..
هامش غير عشوائي:
كنت قد بدأت بكتابة هذه التدوينة قبل أشهر طويلة ثم توقفت،
والآن أحاول استكمالها.
المصدر : عماني ممنوع من الكلام
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions