هل حان الوقت ليتقبل الشعب هذه الحقيقة؟

في 21 أغسطس عاد السلطان قابوس إلى مسقط بعد أن قضى أشهراً في التجوال والاستجمام بين دول عربية وأوربية.

تابع الشعب العماني بعض وقائع هذه الجولات الأوروبية والتبرعات المعلنة وغير المعلنة التي دفعها جلالته من فيضان مداخيل النفط الذي أغرقه وأغرق وزراء حكومته وكبار المنتفعين من ضرع الدولة داخل وخارج الحكومة أيضا

، بالإضافة إلى فيضان الأموال الخليجية والعربية والعالمية التي تذهب إلى الجيوب جراء المشاريع الاستثمارية وبيع وتأجيرالأراضي والعقار للأشقاء والأجانب، ناهيك عن النسب المقتطعة وأساليب مختلفة للتلاعب بتلك الأموال التي توظف باسم الدولة العمانية في استثمارات وصفقات آسيوية وأوربية وغيرها،

ولا ننسى مورد من موارد تللك الجيوب وهي المناقصات التي تزدهر بشكل جنوني تلبية للخطط والسياسات التنموية الحالية…وإلى آخر ما تعرفونه وتعلمونه علم اليقين.

أثناء الجولة الخارجية التي طالت، كان الشعب الطيب المحب لسلطانه يغلي في مرجل ارتفاع الأسعار وسوء الأحوال المعيشية والبطالة والتعسف السلطوي وتصاعد وتيرة الفساد الإدراي والمالي في عمان.

في تلك الأشهر كان المواطنون ينتظرون عودة السلطان الذي أصبح منذ سنوات الأمل الوحيد للاستجابة لبعض المطالب الشعبية العادية بعد أن صمت الحكومة آذانها وامتدت يد القمع الطويلة لإخراس الأفواه الجائعة للقمة العيش الكريمة ولحرية التعبير عن معاناتها على الأقل!

وفي اليوم الثاني لوصوله تجمع عدد من الخريجين والخريجات من كليات التربية الذين رفضت وزارة التربية والتعليم تعيينهم، أمام قصر بيت البركة، معلنين اعتصاماً حتى يتدخل(الأب الحنون) لرفع الظلم عنهم، ومنحهم حقوقهم كمواطنين في العمل والعيش الكريم.. فهذه ليست المرة الأولى التي يعتصم ويتظاهر فيها هؤلاء لإيصال معاناتهم والتحسيس بخطورة أوضاعهم الشخصية والأسرية جراء رفض الحكومة إيجاد حلول ومعالجات منصفة وعملية لمشكلتهم، غير أنهم لم يجدوا سوى القمع والاعتقال والترهيب والإهانات في كل مرة، وهنا نموذج سابق لأحد اعتصاماتهم وكيف تعاملت معه الوزارة والشرطة والإدعاء العام.

وفي يوم 26 أغسطس ترأس السلطان اجتماعاً لمجلس الوزراء، داخل نفس القصر الذي يئن على أسواره المعتصمون والمعتصمات، تمخض الاجتماع حسب البيان الرسمي عن (توجيه بتقييم السياسات التعليمية وتحديد الغايات المستهدفة منها وفقاً لرؤية واضحة وشاملة)، وهو البند الوحيد الذي تناوله الاجتماع، ربما لإنه كان يحدث على مقربة قريبة جداً ومنذ أيام وأيام! وأصل المشكلة سنين وسنين من الرؤية الواضحة والشاملة لسياسات الحكومة الرشيدة.

أما بقية الاجتماع فوفقاً لأقوال مطلعين ومراقبين فإنه كان جلسة لرواية المشاهدات السامية والتعبير عن الإنشراح والتوفيق الذي رافق الرحلة الميمونة.

ولا ننسى أن السلطان قد خصص بداية الاجتماع لتهنئة الشعب بقدوم شهر رمضان متمنياً لهم التوفيق في صيامه وقيامه، لكنه لم يهتم أبداً إذا ما كان الشعب سيفطر حقاً بعد يوم الصيام أم لا؟ وهل سيستطيع هذا الشعب القيام للعبادة أو لمجرد الوقوف للنظر من النافذة، بمعدة خاوية وكرامة مهدورة وأمل في مهب الضياع؟

وفي 30 أغسطس، تتحرك قوات مالك بن سليمان فقد كانت تدعى شرطة عمان السلطانية قبل أن يستولي عليها، لتعتقل عشرات المعتصمات والمعتصمين وتحتجزهم في مراكز الشرطة قبل أن تجبرهم على توقيع تعهدات وفض الاعتصام.

إن الدلالات من نموذج الحالة التي بين أيدينا تتقاطر من بين محطات الأحداث، ولا يحتاج أي عماني إلى تفسير الماء بعد الجهد بالماء! فمن يستطيع اليوم أن يقنع العماني بالمنطق السياسي لا العاطفي بأنه غير وحيد وأن حكومته تخلت عنه ومصرة على قمعه، وأن الملجأ الأخير قد سمح بإهدار ما تبقى من كرامته على أسوار قصره؟

لقد كانت صدمة إحدى المعتصمات كبيرة عندما نهرتها إحدى حارسات القصر وأمرتها بإخلاء المكان فرفضت المعتصمة وأخبرتها بأنهم في بيت أبيهم السلطان، فردت الحارسة : ).. وإذا كان صاحب البيت ما يريدكم(!

قد تكون هذه هي الصورة الحقيقية للمشهد السياسي العماني، وعلى الشعب أن يتقبلها ويتكيف معها وعزاءه في ذلك بأن عُمان ولّادة، وأن الزمن لا يتوقف، لكن مع الانتباه بأن التاريخ لا يحفظ اسم أو بقاء من لا يدافع عن حقوقه وكرامته.