الشبيبة -
سعيد بن سلطان الهاشمي:

لا شيء كالاستبداد يمكن أن يعرقل التنمية، كما لا شيء مثله يمكن أن يتسبب في انتكاسة أي مجتمع مهما بلغ من مستويات التقدم ومظاهر الازدهار.
فهذا الداء بمقدوره تسميم الأوطان، وتجفيف منابع الخير في الإنسان، وإبدالها بمصادر الحرمان والكراهية والفوضى. كما أنه داءٌ عضالٌ، ليس من السهولة التخلص منه وقتما يُبتلى به أيما مجتمع، أو يعاني منه شعبٌ من الشعوب. إذ ينسل بين مفاصل الجسد المجتمعي بكامله؛ فيصيبه بالشلل، ويستهدف العقل الفردي والجماعي؛ فيشوه نتاجه، ويوجهه إلى كل شيء بعيد عن الرفعة والكرامة والعزة والتي تشكل جوهر الإنسان وأساس عمارته للحياة.
والاستبداد عندما يسمح به الإنسان أن يستشري في منظومة حكمه؛ إما تهاوناً، أو خوفاً، أو عدم إدراك؛ لن يبقى ذلك الاستبداد وقتئذ حبيس القصور، ودوائر الإدارة، ومؤسسات السياسة. بل سيتجاوز ذلك كله، وسيدمر جذور المجتمع، ولبناته الأساس؛ الأسرة، و العلاقات الأجتماعية، و الثقافة الحاضنة للقيم والأخلاق.
فالأسرة في دولة الاستبداد لا يتعدى دورها أن تكون مفرخة للجنود وحراس المستبد، وأي محاولة تتجاوز هذا الدور، سيضعها في مرمى الاستهداف المباشر.
والعلاقات الاجتماعية في عهد الاستبداد قائمة على ارتياب المواطنين من بعضهم البعض. الخوف من الوهم مسلكهم، والإيمان بالغيب دينهم، والرجاء في رحمة المستبد غايتهم ومنتهى أمانيهم.
أما الثقافة في عصر الاستبداد فلا تتجاوز الاحتفاء بالفلكلور، وطمس الأفكار وتقليص الحوارات، والاستهزاء بالفكر، وتدجين الأدب، وتوجيه الموسيقى لمسار أوحد. فأقوال القائد تكفي لتضيء الطريق، وأفعاله لوحدها تكفي لتأسيس المستقبل عليها، أما توجيهاته فتملك كوامن سحرية لا تصمد أمامها لا الدساتير و لا القوانين ولا أعراف الناس، أو تقاليدهم.
إن خطورة الاستبداد تكمن في تدمير روح المواطن الإنسان، وتأطير طموحات الوطن الدولة، في سبيل بقاء حكم المستبد وإن قصُر أمده. هذا التدمير يستهدف حرية تفكير ذلك المواطن، واختزال طموحات هذا الوطن بتطلعات فئة محدودة من أبنائه.
فحرية التفكير تتعارض تماما مع فكرة" الطاعة"؛ فالأولى يحاربها الاستبداد ويعاديها، أما الثانية؛ فيحرص على تأكيدها وتحويلها إلى سلوك عام، يحمده النظام، ويسالمه الناس.
كما تتضح مؤشرات ذلك التدمير للمواطن والوطن من خلال توسيع المجالس، والمناصب للفاسدين من البشر، وتمكين المداهنين، المجاملين، المتملقين حيث يصبحوا هم عدة النظام ووقوده. مع إقصاء فكرة التميز، والكفاءة، والإبداع، وقصرها في مجالات محدودة تنظم شؤونها وتحدد معاييرها تلك الفئة المُمَكّنة، وهي صاحبة القرار في تعريف الإبداع من عدمه.
إن المستبد كما يخبرنا التاريخ؛ " لا يحب رجلا ذا كرامة، أو رجلاً شريفاً ذا روح عالية أو صاحب شخصية مستقلة؛ ذلك لأن (المستبد) يدعي أنه يحتكر لنفسه هذه الخصال الحميدة. ومن ثم يشعر أن أي إنسان شريف صاحب كرامة إنما يزاحمه في الجلال والإباء، أو أنه يحرمه من التفوق والسيادة، فذلك اعتداء على سيادته. ومن هنا فإن (المستبد) يكره جميع الأخلاق الشريفة؛ لأنها اعتداء على سلطانه. ومن عادة (المستبد) أن يفضل صحبة الأجانب والغرباء على صحبة مواطنيه، ولهذا يدعوهم إلى مائدته، وإلى لقائه، ويأنس لهم في حياته اليومية. وهكذا يصبح المواطنون أعداء، وأما الغرباء فلا خطر منهم لأنهم لا ينافسونه ولا يزاحمونه" وكذا حال بقية الحاشية؛ حيث يصبح هذا النهج سلوك النظام السياسي عموما ومن ينتمي إليه من أعضاء.
عندها تزيد الهوة بين الحاكم والمحكوم؛ وتبدأ أفكار "الجزر المعزولة" بالنشوء والارتقاء، فتفتر المشاعر والعواطف بين الجانبين، ويغلق على الحاكم الأبواب من قبل حاشيته بداعي العظمة والأُبهة والجلال. و يترك الشعب للحرمان والإقصاء والتهميش التي تمارسه أجهزة الحكم المختلفة. فتنمو الكراهية بدل الحب، ويثمر الفساد ويتسيد رجاله المشهد، ويتكاثر الجهل، وتبيض الأمية ألوانا وأشكالا مختلفة، وتتآمر الطبقات المحرومة مع الخارج مهما كانت أجندته.
فينعكس ذلك تراجعا في مؤشرات التنمية، ويحل محلها تنمية الاستبداد. ويذبل عندئذ الوطن ويضيع، لا لشيء إلا بسبب لحظة من لحظات التاريخ استبد بها حاكم، وتغافل عنها شعب.
سعيد بن سلطان الهاشمي:

لا شيء كالاستبداد يمكن أن يعرقل التنمية، كما لا شيء مثله يمكن أن يتسبب في انتكاسة أي مجتمع مهما بلغ من مستويات التقدم ومظاهر الازدهار.
فهذا الداء بمقدوره تسميم الأوطان، وتجفيف منابع الخير في الإنسان، وإبدالها بمصادر الحرمان والكراهية والفوضى. كما أنه داءٌ عضالٌ، ليس من السهولة التخلص منه وقتما يُبتلى به أيما مجتمع، أو يعاني منه شعبٌ من الشعوب. إذ ينسل بين مفاصل الجسد المجتمعي بكامله؛ فيصيبه بالشلل، ويستهدف العقل الفردي والجماعي؛ فيشوه نتاجه، ويوجهه إلى كل شيء بعيد عن الرفعة والكرامة والعزة والتي تشكل جوهر الإنسان وأساس عمارته للحياة.
والاستبداد عندما يسمح به الإنسان أن يستشري في منظومة حكمه؛ إما تهاوناً، أو خوفاً، أو عدم إدراك؛ لن يبقى ذلك الاستبداد وقتئذ حبيس القصور، ودوائر الإدارة، ومؤسسات السياسة. بل سيتجاوز ذلك كله، وسيدمر جذور المجتمع، ولبناته الأساس؛ الأسرة، و العلاقات الأجتماعية، و الثقافة الحاضنة للقيم والأخلاق.
فالأسرة في دولة الاستبداد لا يتعدى دورها أن تكون مفرخة للجنود وحراس المستبد، وأي محاولة تتجاوز هذا الدور، سيضعها في مرمى الاستهداف المباشر.
والعلاقات الاجتماعية في عهد الاستبداد قائمة على ارتياب المواطنين من بعضهم البعض. الخوف من الوهم مسلكهم، والإيمان بالغيب دينهم، والرجاء في رحمة المستبد غايتهم ومنتهى أمانيهم.
أما الثقافة في عصر الاستبداد فلا تتجاوز الاحتفاء بالفلكلور، وطمس الأفكار وتقليص الحوارات، والاستهزاء بالفكر، وتدجين الأدب، وتوجيه الموسيقى لمسار أوحد. فأقوال القائد تكفي لتضيء الطريق، وأفعاله لوحدها تكفي لتأسيس المستقبل عليها، أما توجيهاته فتملك كوامن سحرية لا تصمد أمامها لا الدساتير و لا القوانين ولا أعراف الناس، أو تقاليدهم.
إن خطورة الاستبداد تكمن في تدمير روح المواطن الإنسان، وتأطير طموحات الوطن الدولة، في سبيل بقاء حكم المستبد وإن قصُر أمده. هذا التدمير يستهدف حرية تفكير ذلك المواطن، واختزال طموحات هذا الوطن بتطلعات فئة محدودة من أبنائه.
فحرية التفكير تتعارض تماما مع فكرة" الطاعة"؛ فالأولى يحاربها الاستبداد ويعاديها، أما الثانية؛ فيحرص على تأكيدها وتحويلها إلى سلوك عام، يحمده النظام، ويسالمه الناس.
كما تتضح مؤشرات ذلك التدمير للمواطن والوطن من خلال توسيع المجالس، والمناصب للفاسدين من البشر، وتمكين المداهنين، المجاملين، المتملقين حيث يصبحوا هم عدة النظام ووقوده. مع إقصاء فكرة التميز، والكفاءة، والإبداع، وقصرها في مجالات محدودة تنظم شؤونها وتحدد معاييرها تلك الفئة المُمَكّنة، وهي صاحبة القرار في تعريف الإبداع من عدمه.
إن المستبد كما يخبرنا التاريخ؛ " لا يحب رجلا ذا كرامة، أو رجلاً شريفاً ذا روح عالية أو صاحب شخصية مستقلة؛ ذلك لأن (المستبد) يدعي أنه يحتكر لنفسه هذه الخصال الحميدة. ومن ثم يشعر أن أي إنسان شريف صاحب كرامة إنما يزاحمه في الجلال والإباء، أو أنه يحرمه من التفوق والسيادة، فذلك اعتداء على سيادته. ومن هنا فإن (المستبد) يكره جميع الأخلاق الشريفة؛ لأنها اعتداء على سلطانه. ومن عادة (المستبد) أن يفضل صحبة الأجانب والغرباء على صحبة مواطنيه، ولهذا يدعوهم إلى مائدته، وإلى لقائه، ويأنس لهم في حياته اليومية. وهكذا يصبح المواطنون أعداء، وأما الغرباء فلا خطر منهم لأنهم لا ينافسونه ولا يزاحمونه" وكذا حال بقية الحاشية؛ حيث يصبح هذا النهج سلوك النظام السياسي عموما ومن ينتمي إليه من أعضاء.
عندها تزيد الهوة بين الحاكم والمحكوم؛ وتبدأ أفكار "الجزر المعزولة" بالنشوء والارتقاء، فتفتر المشاعر والعواطف بين الجانبين، ويغلق على الحاكم الأبواب من قبل حاشيته بداعي العظمة والأُبهة والجلال. و يترك الشعب للحرمان والإقصاء والتهميش التي تمارسه أجهزة الحكم المختلفة. فتنمو الكراهية بدل الحب، ويثمر الفساد ويتسيد رجاله المشهد، ويتكاثر الجهل، وتبيض الأمية ألوانا وأشكالا مختلفة، وتتآمر الطبقات المحرومة مع الخارج مهما كانت أجندته.
فينعكس ذلك تراجعا في مؤشرات التنمية، ويحل محلها تنمية الاستبداد. ويذبل عندئذ الوطن ويضيع، لا لشيء إلا بسبب لحظة من لحظات التاريخ استبد بها حاكم، وتغافل عنها شعب.
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions