المارد الوديع / الخطير

    • المارد الوديع / الخطير

      الوطن -

      سالم الرحبي:



      لم أكن مدركًا لفظاعة ما ارتكبه قبل أن أناقش طفلي في رسمه الذي خطته أنامله الصغيرة، كان قد رسم ما يشبه الطفل ممسكًا بشيء في يده ومطوقًا بحزام على وسطه، وحين سألته عن معانيها، أجابني ببراءة: "طفل حزين يحمل بندقية في يده، وفي وسطه حزام موصول بقنبلة"!!.

      هوايتي المفضلة حين أكون موجودًا في المنزل هي تحليل نشرات الأخبار ومتابعة تفاصيلها وتغطياتها حول مختلف المستجدات العالمية، وتكاد تكون هذه الهواية هي الأولى بين باقي الهوايات الاخرى التي تأتي ثانوية بعدها.

      أستمتع كثيرًا بمتابعة مختلف التغطيات، فإذا ألقى الرئيس الاميركي كلمة في مناسبة ما، أسعى إلى تتبع أبرز العناوين التي تضعها كل فضائية لتناول الحدث، وأي الزوايا تختار للحديث عن الكلمة.

      وبهذه الهواية يمكنني معرفة توجهات كل فضائية والأيدي الخفية التي تحركها وتقف وراءها، وبحسبة بسيطة حول طريقة طرح الأخبار يمكنني ـ الى حد ما ـ أن أتبين مصادر التمويل لتلك الفضائيات.

      فإذا ألقى أوباما كلمة عن الأوضاع الاقتصادية في أميركا ستجد فضائية ما تركز على حديثه حول مأساوية الوضع وأن المشكلة تحتاج إلى وقت طويل حتى يتم السيطرة عليها، وستجد في المقابل فضائية اخرى تبحث عن النقاط الايجابية في الكلمة وتعزف على أوتار مختلفة تمامًا عن الفضائية السابقة في الحديث عن الأمل الكبير والخطط المُحكمة والخطوات المدروسة لتفادي الوضع والخروج من النفق، فيما ستجد فضائية اخرى تلزم الحياد وتتحدث عن الأمر بحياء وكأنه لا يعنيها، مركزة في نشرتها على موضوع آخر يهمها تفعيله اعلاميًا.

      هذه الهواية المضنية تأخذ الكثير من يوم اجازتي، لأنها تتطلب تفرغًا للإبحار في مختلف الفضائيات ورصد العناوين الرئيسية لكل نشرة، وتتبع قناعات كل فضائية.. ـ القناعات ـ التي تتبدل وبشكل مضحك أحيانًا حسب مصالح وأهواء عليا تحتمها مجريات الأمور وراء الستائر المظلمة.

      هوايتي هذه تتطلب مني تسمرًا لأوقات طويلة أمام التلفاز، أتابع فيها مجريات وحوادث وأهوال الصراع البشري.. تتراقص الجثث على الشاشة في كل نشرة، وتتناثر الدماء القانية.. وتتطاير الأشلاء.. ويتراكض الجنود المدججون بالأسلحة.. وتدور النظرات الحائرة في المحاجر.. وتتوزع صور الأطفال الجوعى والمشردين، والتفجيرات التي باتت جزءًا لا يتجزأ من نشرات الاخبار.. كل هذا أقف عليه ساعات طوال، وطفلي بجانبي إما انه يقلب ألعابه، أو يمارس هواية الرسم المفضلة لديه.

      لم أكن مدركًا لخطورة ما أفعل قبل ان أشاهد تلك الرسمة التي خطتها أنامل بريئة لا تستطيع ترجمة سوى ما ترى، وهو الأمر الذي أخافني لدرجة كبيرة، حاولت بعدها إفهامه ان البندقية شيء خطير لا يستخدمه سوى الأشرار وأن القنبلة أداة في يد السيئين من الناس ، ولا يجب ان تكون مربوطة على وسط طفل.

      رسمت له طفلاً يحمل وردة، فأصر على ان أرسم في يده الاخرى بندقية، فرسمت له طفلاً آخر يحمل عصفورًا على كتفه، فأصر مرة اخرى ان أرسم على اليد الاخرى بندقية!!.

      التلفاز أداة تواصل وتعارف .. أداة تثقيف وتعليم، خصوصًا لأطفالنا الذين أصبح هذا الجهاز جزءا مهما في حياتهم، ولكن يمكنه ان يكون أداة هدم وتشويه سلوكيات، وفض لبكارة البراءة، إذا لم نحسن متابعتهم وانتقاء ما يشاهدونه.. وأنا أولى الناس بهذه النصيحة ـ بطبيعة الحال ـ.


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions