الشبيبة -
محمد بن سيف الرحبي:

التذكر متعة إنسانية، كما أن النسيان نعمة.. إلهية.
كل شخص منا يعتقد أن ذكرياته هي الأحلى والأجمل على مستوى الكرة الأرضية، وربما المريخ إن ثبت وجود حياة فيه. وما سيورد لاحقا هنا فإنه لا يكون من نوع الذكريات للجميع، فالبعض يعيشه حتى الآن، وكلما مررت على بناية ورأيت نوافذها بدون ستائر أو ملصق عليها ورق جرائد أعرف أن ساكنيها من نفس الفئة التي كنتها قبل نحو عشر سنوات خلت، حيث كنّا عزّابا نبحث عن شقة ريثما نجد واحدة أقل قيمة وألطف مالكا.. وأوسع مكانا كون أن الضيوف العابرين يمضون الأسابيع والأشهر وكلما طالبناهم بالمشاركة في الإيجار يقولون إنهم ليسوا بساكنين.. وإنما مغادرون!!.. مع أنهم لا يغادرون إلا بعد أن تقفر الثلاجة من آخر قطعة جبنة فيها، ويحلو لهم أكل الخبز والجبن (كونه المتوافر الوحيد) ويأتون آخر الليل يفتشون عمّا تبقّى من أطعمة صالحة للأكل.. منتصف الليالي.
جميع الأثاث في تلك الشقق (العزّابية) كما أحفظها (ربما تغيرت لدى الجيل الحالي) لا يتعدى (على مستوى الأجهزة الكربائية) جهاز تليفزيون وثلاجة.. ومكيفين ينتقلان دوما كحقيبة سفر من شقة إلى أخرى، ولهما صوت تعجز مولدات (الديزل) عن مجاراته، ولأنها تعمل ليل نهار (كون أن الساكنين لديهم مناوبات مختلفة الأوقات) فإن رائحة المكان دائما يتهم بها المطبخ، و(زبالته) التي تركها كل ساكن ريثما يقوم زميله بإخراجها من الشقة، علما أنها لا تتضمن ما يسبب الروائح، فطبخات العزّاب، أو أسهل ما يأكلونه هو.. البيض!!
أذكر أنني تبرعت مرة لحمل (الكيس الأسود) فما أن عدت للشقة إلا وأرى مسؤول البناية يسألني عن مصدر هذه الرائحة، كان هناك خيط من السائل (المقرف) يمتد من مطبخنا وحتى (درام الكشرة)، بما حرمني من متعة إنكار التهمة، ومداراة الفضيحة التي فاحت رائحتها.. في كل البناية.
كنا نتعلق بعبارات جاهزة دوما (للاستهلاك الآدمي) من نوع (الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان) أما الذين جربوا نار العشق (ولو جمرة منه) يرددون علينا كلمات من نوع (الحب بلاء والعشق سم قاتل) ويفترض نحويا (قاتل.. لا قاتلا) .. رغم أن المحبين في تلك الفترة يعيشون مرحلة قاسية من انعدام التواصل بينهم ومن يعشقون، فالهواتف ثابتة لا تتنقل كما حالها اليوم، وفي مرحلة ما كنا نعجب ممن يحمل (البيجر) فتطورنا إلى مرحلة الهاتف الذي يملأ (المخبأ) حتى إذا تكاثرت (ورخصت) قام بعضنا بالتعامل معها كما فعل نوح مع سفينته، حمل فيها من كل نوع اثنين، وفيما كنا نحاول استيعاب أن يحمل المرء معه هاتفين وجدت أحدهم يحمل.. ثلاثة.
هذه الكثرة أصابت ذلك الناقوس الذي يدق في عالم النسيان كما كنا نعرفه ذات عمر، فكثرة طنين الهواتف المتنقلة في جيوبنا (وبعضها في يدنا) غطى على صوت الناقوس، مع أننا في تلك الطفولة لم نكن نعرف ما هو هذا الناقوس، لا شكلا، ولا أين يوجد، فعلاقتنا غالبا مع الهيب والمسحاة، أي تلك التي تدق في الأرض (والحصا) داخلها، لكن، ولزوم الرومانسية لا يمكننا القول أن الذكرى (هيب) يدق في أرض النسيان!!
ومع فترة المراهقة (الأولى بالطبع) كانت كلمة الذكرى والفراق والحرمان والحزن من أجمل المفردات التي نستخدمها، وكان المطربون يمنحوننا متعة الحصول عليها، ويصوّر لنا الصوت الحزين عبدالكريم عبدالقادر حكايات هجران وفراق (لا أوّل لها ولا آخر) مع أننا لا نعرف لا قصص حب أصلا كي يكون فيها لوعة فراق ومرارة وداع، لكن سحر الكلمات يحيلنا عشاقا مثخنين بجراح الحب.. لا نعرف نحب من، ولا أي حب نشعر (ببلائه وسمّه). ألم أقل أن التذكر قيمة إنسانية.. وأننا جميعنا شركاء في أغلب قصص التذكر؟!
محمد بن سيف الرحبي:

التذكر متعة إنسانية، كما أن النسيان نعمة.. إلهية.
كل شخص منا يعتقد أن ذكرياته هي الأحلى والأجمل على مستوى الكرة الأرضية، وربما المريخ إن ثبت وجود حياة فيه. وما سيورد لاحقا هنا فإنه لا يكون من نوع الذكريات للجميع، فالبعض يعيشه حتى الآن، وكلما مررت على بناية ورأيت نوافذها بدون ستائر أو ملصق عليها ورق جرائد أعرف أن ساكنيها من نفس الفئة التي كنتها قبل نحو عشر سنوات خلت، حيث كنّا عزّابا نبحث عن شقة ريثما نجد واحدة أقل قيمة وألطف مالكا.. وأوسع مكانا كون أن الضيوف العابرين يمضون الأسابيع والأشهر وكلما طالبناهم بالمشاركة في الإيجار يقولون إنهم ليسوا بساكنين.. وإنما مغادرون!!.. مع أنهم لا يغادرون إلا بعد أن تقفر الثلاجة من آخر قطعة جبنة فيها، ويحلو لهم أكل الخبز والجبن (كونه المتوافر الوحيد) ويأتون آخر الليل يفتشون عمّا تبقّى من أطعمة صالحة للأكل.. منتصف الليالي.
جميع الأثاث في تلك الشقق (العزّابية) كما أحفظها (ربما تغيرت لدى الجيل الحالي) لا يتعدى (على مستوى الأجهزة الكربائية) جهاز تليفزيون وثلاجة.. ومكيفين ينتقلان دوما كحقيبة سفر من شقة إلى أخرى، ولهما صوت تعجز مولدات (الديزل) عن مجاراته، ولأنها تعمل ليل نهار (كون أن الساكنين لديهم مناوبات مختلفة الأوقات) فإن رائحة المكان دائما يتهم بها المطبخ، و(زبالته) التي تركها كل ساكن ريثما يقوم زميله بإخراجها من الشقة، علما أنها لا تتضمن ما يسبب الروائح، فطبخات العزّاب، أو أسهل ما يأكلونه هو.. البيض!!
أذكر أنني تبرعت مرة لحمل (الكيس الأسود) فما أن عدت للشقة إلا وأرى مسؤول البناية يسألني عن مصدر هذه الرائحة، كان هناك خيط من السائل (المقرف) يمتد من مطبخنا وحتى (درام الكشرة)، بما حرمني من متعة إنكار التهمة، ومداراة الفضيحة التي فاحت رائحتها.. في كل البناية.
كنا نتعلق بعبارات جاهزة دوما (للاستهلاك الآدمي) من نوع (الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان) أما الذين جربوا نار العشق (ولو جمرة منه) يرددون علينا كلمات من نوع (الحب بلاء والعشق سم قاتل) ويفترض نحويا (قاتل.. لا قاتلا) .. رغم أن المحبين في تلك الفترة يعيشون مرحلة قاسية من انعدام التواصل بينهم ومن يعشقون، فالهواتف ثابتة لا تتنقل كما حالها اليوم، وفي مرحلة ما كنا نعجب ممن يحمل (البيجر) فتطورنا إلى مرحلة الهاتف الذي يملأ (المخبأ) حتى إذا تكاثرت (ورخصت) قام بعضنا بالتعامل معها كما فعل نوح مع سفينته، حمل فيها من كل نوع اثنين، وفيما كنا نحاول استيعاب أن يحمل المرء معه هاتفين وجدت أحدهم يحمل.. ثلاثة.
هذه الكثرة أصابت ذلك الناقوس الذي يدق في عالم النسيان كما كنا نعرفه ذات عمر، فكثرة طنين الهواتف المتنقلة في جيوبنا (وبعضها في يدنا) غطى على صوت الناقوس، مع أننا في تلك الطفولة لم نكن نعرف ما هو هذا الناقوس، لا شكلا، ولا أين يوجد، فعلاقتنا غالبا مع الهيب والمسحاة، أي تلك التي تدق في الأرض (والحصا) داخلها، لكن، ولزوم الرومانسية لا يمكننا القول أن الذكرى (هيب) يدق في أرض النسيان!!
ومع فترة المراهقة (الأولى بالطبع) كانت كلمة الذكرى والفراق والحرمان والحزن من أجمل المفردات التي نستخدمها، وكان المطربون يمنحوننا متعة الحصول عليها، ويصوّر لنا الصوت الحزين عبدالكريم عبدالقادر حكايات هجران وفراق (لا أوّل لها ولا آخر) مع أننا لا نعرف لا قصص حب أصلا كي يكون فيها لوعة فراق ومرارة وداع، لكن سحر الكلمات يحيلنا عشاقا مثخنين بجراح الحب.. لا نعرف نحب من، ولا أي حب نشعر (ببلائه وسمّه). ألم أقل أن التذكر قيمة إنسانية.. وأننا جميعنا شركاء في أغلب قصص التذكر؟!
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions