الرؤيا -
عقيل بن عبدالخالق اللواتي:

نستمع كثيرا إلى قصص متنوعة عن مشكلة العاطلين عن العمل وارتفاع الاسعار والفقر والاحوال المالية المتردية لدى بعض القطاعات في مجتمعاتنا الخليجية. ثم في ذات السياق نسمع في كثير من الاحيان تلك الوصفات الجاهزة تخرج هنا وهناك وهي تحدد الاسباب في معوقات اقتصادية وادارية وبيروقراطية، وفي مخرجات التعليم والتي لا تتناسب مع المرحلة الحالية ومع متطلبات سوق العمل، ومن ثم تنحي باللائمة على الحكومات، وتتهمها بالتقصير تجاه هؤلاء الشباب وإنها لم تفعل ما بوسعها لتوظيفهم.
فهل تتوقف المشكلة عند هذا الحد، في طبيعة السياسات التعليمية والاقتصادية المطبقة في البلدان الخليجية، التي لا تساهم في تمكين المواطنين وتأهيل الشباب لدخول سوق العمل لتنفيذ مشاريع التنمية، ام انها تتخطى ذلك الى اسباب اخرى اكثر اهمية وخطورة تتعلق بالمواطن الخليجي نفسه من حيث رؤيته للحياة وطبيعة تصوراته وثقافة وقيمة العمل لديه؟
الكثير ممن يتناولون هذا الموضوع ينظرون لهذه المشكلة من جانب واحد فقط، مع إغفال كافة الجوانب الأخرى المرتبطة بمنظومة التصورات والقيم الاجتماعية السائدة والثقافة الاجتماعية التي هي جزء من تكويننا وبنائنا النفسي والأخلاقي. فالمشكلة لدينا لا تتعلق بشح الوظائف لاسباب اقتصادية بحتة بقدر ما تتعلق بطبيعة الاعراف والتقاليد التي تأصلت في مجتمعاتنا كموروث يتم نقله تلقائيا من الاجداد الى الاباء ثم الى الابناء، وتنظر الى العمل على انه نوع من الواجهة الاجتماعية التى لابد منها من أجل تحقيق سمعة ومكانة جيدة بين الناس، ولذلك يحاول الشباب استخدام كافة الوسائل الممكنة من أجل الحصول على وظيفة مرموقة في إطار معين لا يرغب في البحث خارجه.
هذه الأعراف والتقاليد تقف حاجزا تعيق مجتمعاتنا عن النهوض والتقدم، وتؤثر على حياة الفرد عن طريق الحد من فرص العمل المتاحة له وبالتالي تقليل دخله. فكم من وظيفة شريفة ومحترمة ودخلها معقول لكنها تعد (غير مقبولة) اجتماعياً ولا محببة عند الشباب في كثير من مجالات العمل المهنية والحرفية او في مجال الانشاءات والخدمات وغيرها، حيث انها تخضع لسلم التصنيف الاجتماعي، ولذا لا يلجأ إليها أكثر الناس حاجة إلى العمل بسبب نظرة المجتمع الدونية للعاملين فيها.
وزارات العمل في بلادنا الخليجية تواجه تحديات كبيرة لتطبيق سياساتها الرامية إلى توظيف العاطلين عن العمل، خاصة من حملة الشهادات المتدنية وغير المؤهلين لشغل بعض الوظائف ذات المرتبات الجيدة في منشآت القطاع الخاص. ويرى مراقبون أن المشكلة ليست في فرص العمل في حد ذاتها، وإنما في القبول بالوظائف المتدنية التي يحجم عنها الشباب. فالشاب (مثلا) قد يبحث عن العمل في مجال غسيل الاطباق في اوروبا ..ولكن لا يمكن ان يقبل بهذه الوظيفة في وطنه، وذلك خشية نظرة المجتمع الدونية لهذه الوظيفة. وتعد مهن مثل الميكانيكا، والكهرباء، والخراطة، والسمكرة، والبناء، والنجارة والخدمة في الفنادق والمطاعم من أبرز المهن التي حافظت على مكانتها أسفل السلم الاجتماعي في مجتمعاتنا ولا يستطيع الكثيرون العمل فيها لأن نظرة المجتمع للشاب العامل بهذه المهن غير مشجعة، وأن أغلب النظرات لهذه المهن مبنية على مبادئ واعراف وتقاليد اجتماعية من الصعب ان يتحدى سطوتها احد.
*
هذه الثقافة التي ترسخت على الكثير من القيود والحواجز لم يعد لها قيمة في ظل التغيرات والتطورات السياسية والاجتماعية والثقافية، ويمكن بقليل من الجهد النفسي التغلب على هذه القيود وإقناع الآخرين بما تحتمه التطورات والوضع الحالي، كما أن باستطاعة الشاب العامل كسر هذا الحاجز وتغيير هذه الاتجاهات السائدة عند بعض أفراد المجتمع عن طريق التوعية الثقافية والاجتماعية، وذلك بتعاون الجهات المعنية من إدارات حكومية ووسائل الإعلام والجامعات ووزارة التربية والتعليم، ومؤسسات فاعلة اخرى.
ان غياب الايمان الحقيقى بقيمة العمل يعتبر من الأسباب الرئيسة لتفشي هذه الثقافة السلبية داخل مجتمعاتنا المليئة بالتقاليد البالية أكثر من ملئها بقيم الحياة الإنسانية التى تعتبر الإنسان هو محور كل الأشياء وليست الوظائف أو المال أو السلطة أو الوجاهة والسمعة، ليتأكد بذلك أن مجتمعاتنا تعانى الكثير من الأمراض التى تؤخرها ليس فقط على الصعيد الاجتماعى والاقتصادى ولكن على الصعيد الإنسانى أيضاً ليظل السؤال متى سوف تكون نقطة البداية للتخلص من كل تلك الأوهام والأساطير التى نضعها أمامنا لتعوقنا عن مواصلة السير فى طريق أراده الله لنا بالكفاح والعمل وليس بالسلطة والمال والجاه والواجهة الاجتماعية.
مجلة الرؤيا عدد 97 - نوفمبر 2009
عقيل بن عبدالخالق اللواتي:

نستمع كثيرا إلى قصص متنوعة عن مشكلة العاطلين عن العمل وارتفاع الاسعار والفقر والاحوال المالية المتردية لدى بعض القطاعات في مجتمعاتنا الخليجية. ثم في ذات السياق نسمع في كثير من الاحيان تلك الوصفات الجاهزة تخرج هنا وهناك وهي تحدد الاسباب في معوقات اقتصادية وادارية وبيروقراطية، وفي مخرجات التعليم والتي لا تتناسب مع المرحلة الحالية ومع متطلبات سوق العمل، ومن ثم تنحي باللائمة على الحكومات، وتتهمها بالتقصير تجاه هؤلاء الشباب وإنها لم تفعل ما بوسعها لتوظيفهم.
فهل تتوقف المشكلة عند هذا الحد، في طبيعة السياسات التعليمية والاقتصادية المطبقة في البلدان الخليجية، التي لا تساهم في تمكين المواطنين وتأهيل الشباب لدخول سوق العمل لتنفيذ مشاريع التنمية، ام انها تتخطى ذلك الى اسباب اخرى اكثر اهمية وخطورة تتعلق بالمواطن الخليجي نفسه من حيث رؤيته للحياة وطبيعة تصوراته وثقافة وقيمة العمل لديه؟
الكثير ممن يتناولون هذا الموضوع ينظرون لهذه المشكلة من جانب واحد فقط، مع إغفال كافة الجوانب الأخرى المرتبطة بمنظومة التصورات والقيم الاجتماعية السائدة والثقافة الاجتماعية التي هي جزء من تكويننا وبنائنا النفسي والأخلاقي. فالمشكلة لدينا لا تتعلق بشح الوظائف لاسباب اقتصادية بحتة بقدر ما تتعلق بطبيعة الاعراف والتقاليد التي تأصلت في مجتمعاتنا كموروث يتم نقله تلقائيا من الاجداد الى الاباء ثم الى الابناء، وتنظر الى العمل على انه نوع من الواجهة الاجتماعية التى لابد منها من أجل تحقيق سمعة ومكانة جيدة بين الناس، ولذلك يحاول الشباب استخدام كافة الوسائل الممكنة من أجل الحصول على وظيفة مرموقة في إطار معين لا يرغب في البحث خارجه.
هذه الأعراف والتقاليد تقف حاجزا تعيق مجتمعاتنا عن النهوض والتقدم، وتؤثر على حياة الفرد عن طريق الحد من فرص العمل المتاحة له وبالتالي تقليل دخله. فكم من وظيفة شريفة ومحترمة ودخلها معقول لكنها تعد (غير مقبولة) اجتماعياً ولا محببة عند الشباب في كثير من مجالات العمل المهنية والحرفية او في مجال الانشاءات والخدمات وغيرها، حيث انها تخضع لسلم التصنيف الاجتماعي، ولذا لا يلجأ إليها أكثر الناس حاجة إلى العمل بسبب نظرة المجتمع الدونية للعاملين فيها.
وزارات العمل في بلادنا الخليجية تواجه تحديات كبيرة لتطبيق سياساتها الرامية إلى توظيف العاطلين عن العمل، خاصة من حملة الشهادات المتدنية وغير المؤهلين لشغل بعض الوظائف ذات المرتبات الجيدة في منشآت القطاع الخاص. ويرى مراقبون أن المشكلة ليست في فرص العمل في حد ذاتها، وإنما في القبول بالوظائف المتدنية التي يحجم عنها الشباب. فالشاب (مثلا) قد يبحث عن العمل في مجال غسيل الاطباق في اوروبا ..ولكن لا يمكن ان يقبل بهذه الوظيفة في وطنه، وذلك خشية نظرة المجتمع الدونية لهذه الوظيفة. وتعد مهن مثل الميكانيكا، والكهرباء، والخراطة، والسمكرة، والبناء، والنجارة والخدمة في الفنادق والمطاعم من أبرز المهن التي حافظت على مكانتها أسفل السلم الاجتماعي في مجتمعاتنا ولا يستطيع الكثيرون العمل فيها لأن نظرة المجتمع للشاب العامل بهذه المهن غير مشجعة، وأن أغلب النظرات لهذه المهن مبنية على مبادئ واعراف وتقاليد اجتماعية من الصعب ان يتحدى سطوتها احد.
*
هذه الثقافة التي ترسخت على الكثير من القيود والحواجز لم يعد لها قيمة في ظل التغيرات والتطورات السياسية والاجتماعية والثقافية، ويمكن بقليل من الجهد النفسي التغلب على هذه القيود وإقناع الآخرين بما تحتمه التطورات والوضع الحالي، كما أن باستطاعة الشاب العامل كسر هذا الحاجز وتغيير هذه الاتجاهات السائدة عند بعض أفراد المجتمع عن طريق التوعية الثقافية والاجتماعية، وذلك بتعاون الجهات المعنية من إدارات حكومية ووسائل الإعلام والجامعات ووزارة التربية والتعليم، ومؤسسات فاعلة اخرى.
ان غياب الايمان الحقيقى بقيمة العمل يعتبر من الأسباب الرئيسة لتفشي هذه الثقافة السلبية داخل مجتمعاتنا المليئة بالتقاليد البالية أكثر من ملئها بقيم الحياة الإنسانية التى تعتبر الإنسان هو محور كل الأشياء وليست الوظائف أو المال أو السلطة أو الوجاهة والسمعة، ليتأكد بذلك أن مجتمعاتنا تعانى الكثير من الأمراض التى تؤخرها ليس فقط على الصعيد الاجتماعى والاقتصادى ولكن على الصعيد الإنسانى أيضاً ليظل السؤال متى سوف تكون نقطة البداية للتخلص من كل تلك الأوهام والأساطير التى نضعها أمامنا لتعوقنا عن مواصلة السير فى طريق أراده الله لنا بالكفاح والعمل وليس بالسلطة والمال والجاه والواجهة الاجتماعية.
مجلة الرؤيا عدد 97 - نوفمبر 2009
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions