في القبيلة والدولة الحديثة - جديد هرطقات

    • في القبيلة والدولة الحديثة - جديد هرطقات

      يقوم النظام الاجتماعي السياسي القديم في عمان على القبيلة. بعد نشوء الدولة العصرية أصبح النظام المُعلَن نظاما يقوم على المواطنة. وهناك بون شاسع بين أن يكون الإنسان فردا في قبيلة أو مواطنا في دولة؛ فالحقوق والواجبات مختلفة في كلا الكيانين، بل إن رؤية الفرد لنفسه وللعالم من حوله تتشكل حسب النظام القائم. وإنْ كانت الأنظمة السياسية قابلة للتغيير، كما هو ملاحظ في العالم الذي نعيشه، في ظرف سنين معدودة فإن النظام الاجتماعي يحتاج إلى مدة أطول ليتغير. وذلك مردّه إلى أن النظام السياسي عادة ما يكون في أيدي مؤسسات مُتنفِّذة مُدارَة بعقول أشخاص محدودين، قلوا أو كثروا، فرؤية التغيير عادة ما تكون مستحوذة ومكتملة إلى حد ما داخل أذهانهم حتى قبل بدء عملية التغيير. بينما يرتد أمر النظام الاجتماعي إلى الناس وعاداتهم وتقاليدهم، أي إلى طرق تفكيرهم وطرق تسيير حيواتهم في رقعة جغرافية معينة، ولأن الأمر هنا موكول إلى مجموعة كبيرة فإن العملية تكون بطيئة. لقد سعت الحكومة ومنذ بدايتها إلى تفعيل نظام دولة المؤسسات والمواطنة، وكان طبيعيا ألا يتم التغيير بين ليلة وضحاها. ولذا كان هناك في الخط الزمني في السبعينات والثمانينات تناقصٌ لرسوخ مفاهيم القبلية، يقابله تزايدٌ في التعلق بمفاهيم الدولة والمواطنة والمؤسساتية. وكان لدى الجميع ذلك الإحساس المتفائل بأن وجود عناصر قبلية في الدولة هو أمر زمني مؤقت حتى تنتفي الحاجة إليها ويأخذ النظام الجديد مجراه في عقول الأجيال اللاحقة التي تكون قد قاربت على الانسلاخ الكليّ من فكرة القبيلة. وسوق كلمة إحساس بالتفاؤل في الجملة السابقة مفاده أن مفاهيم القبيلة غدت بالية وغير صالحة للعمل داخل نظام الدولة المؤسساتي، ولذا كان التفاؤل حادثا بالأمل في التخلص من كل ما يمتُّ للقبيلة واستبداله تدريجيا بالمواطنة والدولة. بيد أنه في فترة زمنية يمكن إرجاعها إلى بداية التسعينات حصل ما يمكن تسميته بضياع ذلك الخط أو تلاشي الرؤية الواضحة فيما يخص موضوع القبيلة. حصل ذلك فعادت القبيلة للظهور في الخطوط الأولى للدولة. وارتكست مفاهيم الدولة والمؤسساتية وغلبة القانون ليحل محلها ضبابية في المواقف واختلاط في الرؤى. ولكأن المواقف الاجتماعية السابقة للنهضة أعادت شحن ذاتها وشحذ أدواتها وعادت متربعةً عرش سيادتها القديم. ولم يعد الفرد قادرا على فهم ما ترغب به الحكومة في هذا الصدد. ولأنَّ هذه الأمور هي عادة من المسكوت عنه في التداول العلني المكتوب والمقروء فإن الوضع العام أدّى إلى تداخلات واختلاطات في المواقف. فهل يجب أن يُسلِّم الفرد أم يناهض؟ وهل يتفاءل أم يتشاءم؟ ولم تعد هناك قدرة على قياس مدى الانحدار أو الارتفاع في النمط الذي تحبذه الدولة للعمل في نطاق المؤسسات الإدارية أو في نطاق المجتمع الكبير. وقد ظهرت القبيلة بهيئات مختلفة، واضحة وعلنية أحيانا ومتخفية أحايين أخرى. فالفرد القادر على التوظيف في مؤسسة ما أصبح أكثر ميلا إلى توظيف من يشاطرونه ذات القبيلة أوذات الفرع داخل القبيلة الواحدة. وتربّع في الوظائف العليا لبعض المؤسسات المهمة أشخاصٌ لم يُنتَقوا لكفاءاتهم وقدراتهم بل لاعتباراتهم القبلية. ولم يتوانَ بعض الساخرين، لفرط تشاؤمهم، أن سَمَّوا بعض التكتلات في دوائر بعينها بأنها لوبيات قبلية تنخر كيان الدولة. بل إن شركات الاتصالات تُعوِّل أحيانا في اقتناص المتهربين من دفع الفواتير على التشهير بهم في مناطق أصولهم، ذلك لأن الفضيحة الاجتماعية بين أفراد القبيلة أقوى من القانون. وظهرت كلمة "الشيخ" في مقدمة أسماء الكثيرين، وهو لقبٌ له مدلولاته القبلية بلا جدال. وتبدَّت للعيان قوة فئات معينة لانتماءاتهم القبيلة. إن الحكومة بوصف كيانها الاعتباري لم تتخلَّ فقط عن محاربة القبلية بل شجَّعتها أحيانا بصورة أو بأخرى. ولكأن الدولة يناقض فكر بعضها بعضها الآخر. إن القبيلة في دولة حديثة شرٌ يجب أن يُتخلص منه. وهي شر لأنها تؤصل للطبقية وانعدام المساواة وتمايز الحقوق في كيان يُفترَض به المساواة في الحقوق والواجبات وانعدام المحاباة أمام القانون. وإن استمرار نظام المشيخة والولاية، أي استمرار الشيخ والوالي مدعوما بوزارة الداخلية مع انتفاء الحاجة إليهما هو أمر واضح لكل ذي عينين. فما هي الوظائف الإدارية والتنفيذية التي يمكن أن تكون للشيخ والوالي مع وجود جهازي القضاء والشرطة الفاعلين؟ إن الوالي لم يعد ممثلا للحاكم، ولا الشيخ هو تمثيل للسلطة النهائية في الدولة. إن الخط التدريجي في تغيير فكر الناس باتجاه مفاهيم المؤسساتية والدولة في تراجع . وربما يكون قد آن الأوان لإجراءتٍ تغييرية عميقة في الكيانات القبلية، الفاعلة منها والاعتبارية، لإيقافها ولمنعها من الوصول إلى الفعالية في مستقبل الأيام عن طريق إلغاء اسم القبيلة من الهُويّات، ومنح البلديات ما تبقى من وظائف الشيوخ والولاة، وترشيح رؤساء البلديات عن طريق انتخاب حر كما هو الحال مع أعضاء مجلس الشورى، وحذف الألقاب المشيرة إلى القبيلة من بعيد أو قريب، وإدخال أمر القبيلة ضمن مجموعة عناصر الفساد التي تحاربها الدولة بكرة وعشيا.




      المصدر : مدونة هرطقات


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions