للشرطة تعظيم ســـــــــلام

    • للشرطة تعظيم ســـــــــلام

      الشبيبة -

      سعيد بن سالم النعماني:



      أثار تعاطي جهاز شرطة عمان السلطانية مع احدى المقالات المنشورة في إحدى الصحف المحلية بتاريخ 7/12/2009م، بعنوان: "مخالفة حائرة بين ألوان ليست قزحية" لأحد الزملاء محرري الجريدة ردة فعل على مستوى لأول مرة نشهده في ساحة الصحافة العمانية.

      ويدرك المراقب الحصيف أن توسيع نطاق الاهتمام بالمسألة من دائرة الطرفين المباشِـرَيْن (الكاتب والشرطة) إلى دائرة أوسع شملت كافة فئات المجتمع الوطني كان تطورا طبيعيا لحساسية الوتر الذي مســه الكاتب، ولسمو المقام الذي عـَـرَّضـَتْ به مقالتـُه، وما كادت تـُلـْـحِقـُـهُ من ضرر بسمعة جهاز وطني لما تضمنته من اتهامات مرسلة بدون دليل موثق.

      وفي هذا توضيح لمن أدهشه تداول الشرطة والادعاء العام للقضية عبر منابر الرأي العام، لأنه لم يكن من سبيل سريع يمحو الأثر السلبي الذي قد تتركه مقالة الكاتب في نفوس عموم الناس بشأن أمانة ونزاهة هذا الجهاز الوطني المسؤول عن حماية أرواح المواطنين والمقيمين ومصالحهم ومصالح الوطن، بمعنى أن تلك المقالة لو لم يَـقـُـمْ جهاز الشرطة بالتصدي لها بتلك الصورة لترسخت في أذهان ، وهذا معناه أن تنعدم ثقة الوطن بمن فيه بجهاز هو من أسمى أجهزته الوطنية الساهرة على حمايته وحماية مواطنيه ومصالحهم من عبث العابثين وإجرام المجرمين.

      إن الإجراءات التي اتـُّـبـِـعَـتْ ستكون ضرورية ومبررة حتى لو ثبتت الاتهامات التي أوردها الكاتب في مقالته، فكيف وقد أثبتت تحقيقات الادعاء العام وهو وكيل الوطن والمواطن في الدفاع عن مصالحه العامة ألا أساس البتة لتلك الاتهامات، وإنما هي مجرد تقولات بلا دليل يمكن الاستمساك به. لهذا فإن نشر جهاز الشرطة لنتائج تحقيقات الادعاء العام قد عزز ثقة الناس بهذا الجهاز الوطني، ووطد طمأنينتهم أن العين الساهرة هي بالفعل عين تحتضن الوطن ومواطنيه ومصالحه بملء أحداقها.

      لا أريد بهذا الكلام أن أقول أن بعض العاملين سواء بجهاز الشرطة أو غيره من الأجهزة والوحدات لا يقعون في الخطأ، أبدا، فالخطأ قرين الصواب منذ أن أهبط الله عز وجل أبانا آدم إلى الدنيا، وسيبقى إلى قيام الساعة. لكن الحكمة تقول إن العبرة ليس في وقوع الخطأ ولكن في الاستقالة منه، ولهذا رأينا معالي المفتش العام للشرطة والجمارك يصرح خطيا للادعاء العام باستخدام الوسائل اللازمة للتحقيق في دوائر وأقسام الجهاز ومع الأفراد المعنيين معطيا للادعاء صلاحية مطلقة للدخول في شبكة المعلومات الخاصة بالشرطة بدرجاتها السرية قبل العادية من أجل أن يصل الادعاء العام بكل شفافية إلى أي دليل قد يمثل إخلالا بالواجبات الوطنية المنوطة بأفراد الشرطة. وختم معاليه تصريحه ذاك بعبارة إن دلت على شيء فإنها لا تدل إلا على روح المسؤولية الوطنية العليا التي يستشعرها جهاز الشرطة ويؤديها بوطنية وإخلاص، وذلك حين قال: إذا ثبت تورط أي فرد من أفراد الجهاز في الإخلال بالواجب الوطني فإن ذلك الفرد عضو فاسد وسيتم بتره.

      وأنا أرى أن معالي المفتش لم يكن بتصريحه ذاك يدافع عن جهاز يتولى مسؤوليته وإنما كان يدافع عن مصلحة الوطن والمواطن. كما أنني أرى أن ذلك التصريح أو بمعنى أصح تلك الوقفة الوطنية المسؤولة قد عبرت عن موقف كل مواطن تهمه سلامة مؤسسات وطنه التي فيها سلامة الوطن بعمومه، ويرى أن مؤسسة رفيعة من مؤسسات وطنه قد مُـسَّـت سمعتـُـها بصورة مجانية حيث لا دليل. ونحن حين نقول بوجود أخطاء في مختلف مؤسساتنا فإننا لا نـَـسْـتـَجـِـيْـزُ بذلك لأنفسنا أن نأتي إلى أخطاء بعض الأفراد في هذه المؤسسة أو تلك ونشيعُها على الملأ بدون مَسْـكِ دليلٍ لـتـَـعُـمّ الإساءة سمعة مؤسسة أو مجتمع ولتطول في نهاية المطاف سمعة وطن بشعبه ومؤسساته ورجال دولته.

      هنا أقول أن ذلك التعاطي هو تعاط تاريخي لا ينبغي أن يمر علينا مرور الكرام دون أن نتوقف عنده لِـنـُـبْـرزَ الإضاءات المشرقة التي حملها والتي من شأنها -كما يؤمل كثير من المراقبين- أن ترتقي بإحساس الكُـتـَّاب بالمسؤولية التي عليهم أن يستشعروها حال تصديهم بالكتابة في القضايا التي لها مساس بسمعات مختلف الأطراف سواء كانوا شخصيين أو اعتباريين.

      والفائدة العظيمة المستخلصة من ذلك التعاطي هي أن على الكُـتـَّاب أن يَعْرفوا قدر أنفسهم، وأنهم كغيرهم يجب أن يخضعوا للقانون أخذا للحق وعطاءً، وأنهم لا يمتازون عن غيرهم من البشر بشيء على الإطلاق، فإن مواهب الله على خلقه كثيرة، فهناك الغني، وذا الشجاعة، وذا الجود، وذا القوة، وذا الحكمة، وذا الرأي الثاقب، وذا البصر الحاد، وذا العلم الواسع، وذا الجمال الفائق، وذا الذكاء الوقاد، وهناك القائد، والطبيب، والمهندس، والقاضي، والمحامي، والمفكر، والشاعر، والكاتب، وغيرهم، وهذه وغيرها كثير مواهب ربانية كل واحد من بني آدم قـُـدِّرَ له في إحداها نصيب، فلو صح لكل آدمي ذي موهبة أن يعلو فوق غيره من بني جنسه وأن يفرض وصاية وتسلطا عليهم لضاع ناموس الكون، وهذا للأسف ما تـَـدْأبُ على فعله زمرة من كـُـتـَّـاب هذا العصر حتى لشدة اغترار بعضهم بذواتهم أنهم حين يتحدثون عن أنفسهم كأنما يتحدثون عن ملائكة أهْـبـِـطـُوا من السماء-حاشا الملائكة- لا عن بشر أخـْـلـَـدُوا إلى الأرض لأنهم يعلنون في كتاباتهم أنهم منبتون من كل ما يربطهم بالسماء، وهذا شأنهم، ومن أراد الدليل عليه فلينظر في كتبهم ومواقعهم النتية.

      من هنا فإذا كان الكاتب يزهو على غيره من خلق الله بما آتاه الله من موهبة الكتابة والتي يتوهم أنه اكتسبها بقدرته أو أنه أوتِـيَـهَا على علم عنده كما قارون، وأنه وحده من يملك ناصية الحق والحقيقة، وأنه إذا نطق فإنه لا ينطق عن الهوى، وإذا كتب فكأنما وحي يوحى، وما على الآخرين إلا أن يوقفوا عقولهم وفكرهم ما دام هو الذي نطقها أو كتبها، وما عليهم إلا أن يتواضعوا لعظمته –حاشا العظيم جل جلاله- وأن يذلوا لعزته ويستسلموا لقدرته ويخضعوا لملكه، وهو ما (تـُـبَـقـْـبـِقُ) به أسماء في الساحة المسماة ثقافية سواء عبر مِـزَعٍ من الورق أو عبر مسارب العناكب النتية. إن من يعتقد هذا ويفعلُه إنما يُخادع نفسَه، ويُلقي بها في لجة سحيقة مظلمة من الوهم والـْـخـَـطـْـل والـتـَّـخـْـلِـيْـط، ويقودها ويقود من يُـتـَـابـِـعُـهْ إلى مزالق ومهالك قد لا تستبين له إلا حين تتلقاه عواقبُ فعلتِه آجلة كانت أو عاجلة كهذه.

      إنني أجل كاتب المقال عن محاولة نقل الجرأة المتفشية في مسارب العناكب النتية على قيمنا الحضارية العالية ورموزنا الوطنية الكبيرة إلى صفحات الصحف، بل أحسن الظن به، وأثق أنه انطلق في كتابته من طوية حسنة وأنه كان متماهيا مع العمل الصحفي من ناحية وطنية لدرجة قد يكون شعر معها أنه لا ضير من أن يكتب عن كل ما يدله عليه رأيه الخاص بأنه مصلحة دون أن يَـتـَـبَـيّـن في غمرة ذلك الإحساس أن تقدير المصلحة معيار حساس جدا أدق من معيار المعادن النفيسة. ولذا فهو من وجهة نظري خير من يتفهم جوهرية الإجراءات التي قوبل بها الأثر الذي أحدثه مقاله، وهذا يقودني إلى دعوة الكـُــتـَّاب المستمسكين ببقية من عقل إلى الالتزام بمنهجية علمية في الكتابة.

      إن أغلب مجالات الحياة في عالم اليوم تسير وفق أنساق قانونية لا يمكن لأحد تخطيها، وإلا أوقع نفسه تحت طائلة المساءلة القانونية، هذا هو الواقع القائم في أغلب أقطار الدنيا، وهذا هو الوضع الصحيح لحياة سلمية آمنة. فإذا أردنا أن نحتكم في كل تعاملاتنا إلى المرجعية القانونية ولا مناص من ذلك فعلينا كما نطلب حقنا بالقانون أن نقبل بأخذ القانون حق غيرنا منا.

      وثمة طريق سهل يجنبنا سلامة المساس بحقوق الناس مع احتفاظنا بحقنا في التعبير وهو العقيدة التي نؤمن بها. إن إيماننا بعقيدتنا الدينية والتزامنا بتطبيقها في سلوكنا الشخصي ومعاملاتنا مع مختلف الجهات الشخصية والاعتبارية يوفر لنا ضمانة لا نحتاج معها إلى رقيب، ولا يلحقنا من وراء سلوكنا أية مسؤولية، وفي نفس الوقت تتيح لنا إمكانية أن نقوم بما نشاء في إطار من التوازن بين الحقوق والواجبات، ذلك هو قوله تعالى في سورة الإسراء:

      "ولا تـَـقـْـفُ ما ليس لك به علمٌ إن السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئكَ كان عنه مسؤولا". إن الكـُـتـَّـاب الذين يؤمنون بهذه العقيدة، ويتخذون من هذه الآية المعجزة ميثاق شرف وأمانة، ويجانبون الاغترار بقدراتهم الكتابية، والاستعلاء بها على الآخرين، هم وحدهم من يضمنون لأنفسهم عدم التعدي على حقوق الغير.

      أختم فأقول: تعظيم سلام لجهاز شرطة عمان السلطانية على هذه الحكمة في المعالجة، وعلى هذه المسؤولية الوطنية، وعلى الممارسة التربوية في معالجة الأثر الذي كان يمكن أن يترتب على مضمون المقالة المشار إليها لو تمت المعالجة بصورة غير الصورة التي تمت بها.

      وأختم أيضا بالقول: إن ظني بكاتب المقال هو أنه على مستوى من الرزانة والوطنية بما يؤهله لتحمل تبعات رأيه، وأنه إذا كانت الإساءة التي لم يتعمدها قد جاءت من حيث كان يريد الإحسان فإن ثقتي بمن هو في مستوى شفافيته وحسه الوطني تهون عنده مصلحته في مقابل مصلحة وطنه.

      سلم الله وطننا عمان الفاخرة بمجد مولانا جلالة السلطان حفظه الله وأيده.


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions