المتعة والتشويق..!

    • المتعة والتشويق..!

      الوطن -

      صالح الفهدي:



      وجودُ المتعةِ فيما يمارسهُ الإنسانُ من اشتغالاتٍ وهوايات أمرٌ ضروري ومهم..! ذلك لأن الشعور بالاستمتاعِ بالعملِ يدفعُ الإنسان تجاه الإبداعِ فيه ، وينمِّي فيه روح الولاءِ والانتماء ..! بل أنّه يحبّبه ويشوّقه إلى العمل أو الهوايةِ أو الدرس ، فلا يطيقُ بعداً عنه لأن قلبه متعلِّقٌ فيه..! كما أن استمتاعهُ بهواياته يدفعه إلى إظهار طاقاته الدفينة ، ومذخوراته المخزونه .. والاستمتاع يعني التشويق في الممارسة ، وهو ما يعني إسباغ الأسلوبِ البسيطِ ، التلقائي على الممارسة ، فالإنسانُ لا يشعرُ بالرّاحةِ قدرَ ما يشعرُ بها في أجواءٍ من العفويّةِ, والتلقائيةِ ، والبساطة.. الأجواء التي نصفها بغير الرّسميَّة ..!! التّعليم في الغرب خاصة في مراحلهِ الأولى يكون على درجةٍ كبيرةٍ من التّشويق والمتعة ، فالطّفلُ يذهبُ للمدرسةِ لكي يستمتع ويلهو باللَّعبِ (الممنهج) ، ذلك الذي يهبهُ المعرفةَ بطريقةٍ لا يشعرُ بها ..! أما لدينا فالحقيبةُ الثقيلةِ التي تقوِّسُ ظهر الطِّفل ، والواجبات الشاقة التي تمضُّ قلبه وتشقيه، والأسئلةُ المعقدّة هي مما لا يخلقُ المتعة ولا التشويق في نفس الطفلِ المتعلّم ..! بل يخلق فيه العُقَد نحو اكتسابِ المعرفةِ ، ويُثقِلُ عليه عملية التّعلُّم ..! الأسلوب الجامدُ خلق فينا عقولاً جامدةً، تنفرُ من شيءٍ يسمى "رياضيّات" أو "لغة عربيّة" أو " تاريخ " أو غيرها ..! وهذا يعودُ في تقديري إلى أمرين: أوّلهما عمق وجزالة المنهج المقرّر ، والإيغال المفرط ، والشطوح في المواضيع التي لا تفعلُ - في اعتقادي أكثر من التنفير عوضاً عن الترغيب في اكتساب المعرفة ..! وثانيهما: يعود إلى عدم تحلِّي كثير من المعلِّمين بأساليب المتعةِ والتشويق .. لأن أعقد وأغلظ معلومةٍ يمكن إيصالها - بحسب الأسلوب السلس المبسّط - إلى ذهن الطفل دون تكلُّف ، وفي المقابل فإن أسهل معلومةٍ يمكن تعقيد المتعلّم بها..! منذ أيّام اطّلعتُ على أسئلةٍ أعدّتها إحدى المعلّمات لطفلٍ في السنةِ التعليميّة الثالثة، وصعقتُ لحجمها وغلاظتها مقارنةً إلى طفلٍ صغير ..! تسأله مثلاً عن كيفيّة تكوَّن الأسرة ..!! والفرق بين العادات والتقاليد..! وتطلبُ منه تعليل حاجة مجتمع المدينة إلى مجتمع القرية وبالعكس .. وتفسير الحديث الشريف " كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيّته .." وتساءلت مذهولاً: أهذه أسئلةٌ توجّه إلى طفلٍ عمره تسعُ سنوات ..!! مثل هذه الأسئلة لا تفعلُ إلاّ كما فعلت التطبيقات العربيّة ، والرّياضيات ذات النظريات المعقّدة فينا. لقد كرّهْتنا في جمالية لغتنا وأبغضتنا في الأرقام حتى يومنا هذا ..!! وما زلتُ على اعتقاد بأن كثافة المعلومة ، وكثرة الواجبات ، وجزالة المواضيع لا تخدمُ عملية التّعلم بل أنّها تنفّر في أكثر الأحايين ..!

      في الغرب تمارسُ الهواياتُ بمتعةٍ بعيداً عن الجديّةِ المفرطةِ ، فلا ينفرُ المشاركين من تعلّمها ، بل يقدمون عليها بكلِّ وعلى سبيل المثال فإن عمليات التدريب للعبةٍ شهيرة ككرة القدم لا تقوم على ما تقوم عليه التدريبات عندنا إذ يخبرني الصديق علي الحبسي حارس المنتخب الوطني أن تدريبات فريقه تتم فقط في ساعتين صباحيتين في اليوم ، وتجري بطريقةٍ يتخللّها المرح لكنّها توصل اللاعب إلى الهدف المنشود: رفع مستوى اللياقة البدنيّة ، وتحقيق الانسجام مع زملائه .. وقد حضرتُ بعض المباريات في الدوري الإنجليزيّ بدعوة منه فقد كان يحثني على الحضور في الميدان قبل ساعة للاستمتاع بالأجواء فيه ، وبالفعل كانت الأجواء ممتعة ، تشعرُ المتفرّج بجمالية الحدث الذي سيكون بعد قليل .. أمّا لدينا فالتدريبات الرياضية خاليةٌ من المتعةِ والتّشويق في أكثرها لذلك نشأ الموهوب كارهاً لتدريبات الإحماء ، متحمّساً للدخول الفوري في أجواء اللّعبة وهذا ما كان سبباً وراء إصابات الملاعب الكثيرة ..!! حتى التدريبات العسكريّة في الغربِ تتم في أجواء يتخلّلها المرح ، إذ ينشدُ المتدربون أغاني حماسيّة أثناء التدريبات مما يخفِّف عليهم وطأة التدريبات ، ويرّغبهم إليها ..! وفي كثير من احتفالاتنا البسيطة تتحوّل المناسبة إلى رسميّة فتجد اللّباس الرسمي والخنجر حاضراً .. ونحنُ وإن كنّا نعتزُّ بلباسنا التقليدي إلاّ أن أجواء بعض المناسبات لا تستلزمُ ذلك، ففيها من الترفيه والتسليةِ على النفس ما يصعب اكتسابه والتفاعل معه مع اللّباس التقليدي..!! ولا نستثني الأعمال الوظيفية في هذا الإطار ، فهي روتينيّة خالية من المتعة ، تفتقد إلى أساليب التشويق والتجديد ، إذ كثيراً ما سمعت من موظفين قولهم إنهم لا يحبّون أعمالهم لأنها غير ممتعة ، وليس فيها تجديد ، وهذا ما خفّض دافعيّتهم العمليّة ، وبغّضهم إلى أعمالهم ..!

      ما وددتُ قوله هو إن أسلوب المتعةِ والتشويق قلّما نلقي له بالا في حياتنا ، ونتعامل مع كثيرٍ من الأمور بجديّةٍ بالغةٍ ، وإفراطٍ كبير ..!! وهذا جعلنا سلبيين في كثيرٍ من الوجوه ، كأن نعظّم من شأن بعض المشكلات البسيطة فتصبح في أنظارنا كبيرةً ، مستعصيةً عن الحل ، يذكر ستيف تشاندلر في كتابه"مائة طريقة لتحفيز نفسك" عن أندرو ويل" قوله : "وحيث إن المرض قد يكون حافزاً قوياً على التغيير ، فقد يكون أيضا الشيء الوحيد الذي يجبر بعض الناس على حلِّ أعمق صراعاتهم ، والمريض الناجح هو الذي يعتبر المرض أعظم فرصة للنمو والتنمية الذاتية فهو بحق هدية ، والنظر إلى المرض على أنه محنة - وخاصة إذا كان الاعتقاد أنها بدون داع - قد يعوق نظام الشفاء ، أما إذا نظرنا إلى المرض على أنه هديّة وفرصة للنمو ، فقد يؤدي هذا إلى الشفاء"ويدعو مؤلف الكتاب إلى (الاستمتاع بالمشكلات) من أجل حلّها ..!! إذن فالمتعة لا تنفعُ فقط في اكتسابِ المعرفةِ والمهارةِ بل وأيضاً في حل المشكلات بطرق تحفّز النفس على ممارستها بشغف وحماسة ..! في حين فإن كثيراً من الطرق المرتبطةِ بثقافتنا تتعاطى بالجديّة أو القسوة .. وأذكر على سبيل المثال صورة مدير المدرسة الابتدائية وهو (يصبِّحُ) علينا بطلعته المشؤومة حاملاً خمس مساطر ذات حوافٍ طوليّةٍ جارحة ليسمعنا منّا جدول الضرب.. وحين حفظنا الجدول في الذاكرة ارتبطت بصورته الطريقة القاسية التي حفظناه بها ولهذا بقيت صورة المدير شاهراً مساطره الخمس - أحفظ عددها أيضاً - ذات الأمواس الجارحة محفورة ..!! ولو أنّه استخدم طريقة تشويقٍ أو مسابقةٍ ترفيهيّة يكون هدفها حفظ جدول الضرب لحفظناهُ عن طيب خاطر مع ذكرى جميلة ، نبتسمُ لها حين نذكرها ، ولكنه لم يشأ..!

      نفتقدُ إلى المتعةِ والتشويق في كثيرٍ من جوانبِ حياتنا ، ولهذا طغت الجديّة المفرطة في كثيرٍ من أنماط تعاملاتنا ، وعباراتنا .. فكم صادفتُ عبارات إعلانيّة في الشوارع خاليةً من الجاذبيّة لأنّها جافّة الكلمات ، مقعّرة الألفاظ ، وكم قابلتُ من بائع لا يعرفُ أبجديات جذب الزبائن ، أو عرض مبيعاته ..!! وما لم تتخلل المتعةُ والتشويق الكثير من صور حياتنا وتعاملاتنا وتفكيرنا فإن الجمود سيظل مخيّماً ، وتبقى لغةُ التواصل فاقدةً لأهم عناصر النجاح فيها.


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions