عُمان:*الكتاب يوثق إبداعات الإنسان ويقدم سردا بصريا لذاكرة المكان- كتب - محمد الحضرمي : من يتصفح كتاب "الواحات العمانية" يشعر وكأنه يغوص بوجدانه في أعماق المدن العمانية القديمة المتوارية في سفوح جبال الحجر الغربي والشرقي، ويأخذه في متعة سياحية إلى تلك الجذور النضرة للتاريخ، إذ تلوح أمام ناظريه إبداعات الإنسان، في هذا الكتاب الذي تصفحه الحضور مساء أمس داخل ردهات متحف "بيت البرندة" بمطرح وأغلبهم من الأجانب، في حفل التدشين الذي رعاه معالي السيد حمود بن فيصل البوسعيدي وزير البيئة والشؤون المناخية، صدر الكتاب باللغة الإنجليزية عن دار الرؤيا للصحافة والنشر، وضمن بين دفتيه أكثر من مائتي صورة فوتوغرافية.



في بداية الحفل ألقى حاتم الطائي مدير عام دار الرؤيا كلمة قدم فيها تفصيلا عن الكتاب باعتباره ثمرة من ثمرات البحث العلمي والأنثروبولوجي للأنماط الحياتية، والأنظمة الزراعية، خصوصا نظام الأفلاج وتنوع المحاصيل، بالإضافة إلى الأنماط المختلفة لحياة المزارعين، ثم تجول الحضور داخل المعرض المقام على هامش احتفالية التدشين، والذي أبرز صورا ضوئية ضمها الكتاب بين دفتيه، ثم قدم مؤلفا الكتاب وهما "أندريه بوركرت" و"إيفا شيلخت"، وهما عالمان متخصصان في مجال دراسة الأنماط الزراعية والحيوانية، تلخيصا لفكرة الشروع الطويل الذي تتبع تفاصيل الحياة في هذه الواحات والتي سلطت الضوء على قرى الجبل الأخضر وجبل شمس، وقرية "بلد سيت" في الرستاق، ومن المنطقة الشرقية قرى وادي طيوي وما يجاورها من واحات جميلة، وقال المؤلفان: إن الكتاب ثمرة من ثمار مشروع مشترك قاما به مع فريق علمي عماني وألماني متخصص من جامعة السلطان قابوس وأربع جامعات ألمانية، حيث استغرق العمل في دراسة الواحات عشر سنوات، وهي فترة قطعها الفريق في البحث عن دقائق أنماط الحياة، من حيث قياس درجة الحرارة خلال عقد من السنوات، ومنسوب المياه، والتنوع الزراعي وما يصاحبه من تغيرات مناخية وتدخل بشري، وأنواع التربة والأسمدة المستخدمة في الزراعية، وغيرها مما له علاقة بالزراعة وتربية الحيوانات الأليفة كالماعز والضأن والأبقار وغيرها.

في بداية الكتاب يأخذنا المؤلفان في جولة سياحية بانورامية داخل الواحات، ونتعرف على بعض المعالم التاريخية والمدن القديمة المبنية من الطين، واستغلال المنحدرات في زراعة القمح والفواكه، وأنواع فاكهة الموز، وحبوب القمح، ومختلف الحمضيات كالبرتقال والليمون، إلى جانب ذلك يقدم الكتاب صورة رائعة بالصور الملونة عن أنواع الزهور والأشجار البرية التي تنمو في سفوح الجبال، ومتابعة سلالات الحيوانات، والمراعي، وإبراز أهم ملامح تلك الواحات كالنقوش التي على البيوت القديمة، والجدران والسقوف، مع ملامح لوجوه عمانية تبرز تقاطيعها، وأزياءها لدى الرجال والنساء والأطفال، ولقطات مختلفة من بعض الكتل الحجرية ذات النقوش والتشكيلات النحتية، حيث شيد فيها العمانيون الأوائل الأبراج كنقاط مراقبة تحمي الواحات من أي دخيل، مع صور فوتوغرافية جوية تناثر في ثنايا الكتاب، بما يشبه تتبع لخط سير رحلة الفريق العلمي المستكشف للواحات.

من جانب آخر أخذت الصور الفوتوغرافية حيزا كبيرا من صفحات الكتاب، وصفحات بكاملها في الفصول الأخيرة منه، أظهرت اهتمامات الإنسان العماني بالحرف اليدوية، كالصناعات السعفية، وأيام حصاد القمح والتمر، وملامح من السفوح الخضراء لتلك الواحات، فجاء الكتاب في شريطه الفوتوغرافي ما يشبه السرد البصري لذاكرة المكان. وفي ختام حفل التدشين صرح معالي السيد حمود بن فيصل البوسعيدي وزير البيئة والشؤون المناخية أن الكتاب يعد توثيقا لقطاعات مختلفة من الواحات العمانية، بما تتميز به من جماليات وثقافات.