حياتنا.. صورة

    • حياتنا.. صورة

      الشبيبة -



      في أواخر السبعينيات عرفنا أول آلة تصوير، كان أحدهم يملك واحدة منها، يقوم بتصويرينا ثم بيع الصور، ومع أنها لم تكن واضحة إلا أن الأمر يثير فضولنا، إحساس لم نكن نفهمه حينئذ وإن شعرنا به متدفقا في ثنايا روح الطفولة.. لماذا نرغب في رؤية صورتنا؟

      بمعنى آخر: لماذا نقف أمام العدسة لنحاول أن نكون مدهشين، حتى إذا راينا الصورة ابتسمنا في داخلنا وكأننا نقول يا سلام على (هذه الشخصية) مع أننا نكتشف في وقت لاحق بأنه لا علاقة لنا بالكلمة، فملامحنا في الصورة (لا عون ولا لون) لكن الإنسان بطبعه ميّال لرؤية نفسه على أجمل ما يكون.

      التقطنا صورا بجانب الفلج، وتحت ظلال النخيل، ومع (الزرع) الذي يبدو أخضرا بما يكفي لتزيين الصورة، و مع ظهور الاستوديوهات وانتشارها في مختلف الولايات وجدنا منفذا آخر للاطلال على عالم الصورة.. بإمكانك أن تلتقط صورة ووراءك مشهد الجبال الخضراء وإن أردت مفاجأة أصدقائك (في القرية) فهناك مجسم لفتاة جميلة تقف بابتسامة عريضة فالتقط الصورة وحاول ان تبتسم وكأنك في حديث باسم معها، فتلك كانت حدود معرفتنا بعالمي المشاغبات .. والمراهقة.. مع أن أي زميل (مهما بلغت درجة غبائه) لن يصدق أن تلك الحسناء مبتسمة للوحش الواقف بجانبها، وكأنه خارج للتو من (جلبة القت). لكنها بساطتنا الجميلة..

      لم تكن لدينا أفكارا كبيرة حول القضايا الأكبر التي تلف العالم، لم يكن لدينا التليفزيون الذي نشاهد فيه صور الدنيا من حولنا، جمالا أو قبحا، سلاما أو حروبا..

      كانت مساحة الفيلم 24 صورة، نجتهد لنلتقط الأهم.. ونترقب المفاجأة حين نذهب للاستدويو، وأحيانا يقول لنا إن الفيلم (خربان) فنحزن قليلا، أما إذا خرجت من أتون احتراقه بضعة صور فإن القرية جميعها قد تشاهد ما صوّرناه.

      أحيانا أحنّ إلى (أيام زمان) وأتمنى لو أتاح لي القدر فرصة أن أصوّر نفسي أكثر، وقد عملت طفلا في جميع مشاغل الحياة التي تفرضها حياتنا القروية، من حياة النخيل إلى مسارات الرعي والركض وراء الأغنام، وفي بالنا دوما ما فعله الأنبياء وآخرهم سيد المرسلين..

      لو كنت أمتلك صورا كتلك لوضعتها في أجمل ركن في حياتي، لأنها بدأت بكفاح يستحق القول إنني "ولدت وفي فمي شوكة نخلة أو سمرة" ، ولو كانت (الكيمرة) موجودة لصورت مشاهد تبقي الذاكرة على اتصال دائم مع الأمس.

      في ذلك الزمان كان للصورة قيمة معنوية (لا تضاهيها) قيمتها السوقية.. حتى وهي تروي لنا (فيما تبقى من ملامحها) عالمنا القديم في بؤسه وبساطته لكنه الواقع المشرّف المحفّز على العمل نحو تغيير الحياة نحو الأفضل والأجمل.

      تكاثرت الصور من حولنا، امتلأت ألبومات و(فيرمات).. امتلأت ذاكرات حواسيب بآلاف الصور، المشهد نلتقطه في عشر صور، سنختار الأفضل لاحقا، قد يأتي اللاحق لكن لا نمتلك الوقت لننظر أية صورة هي الأجمل، تكاثرت بعدها مئات أخرى.. كلها افتراضية، داخل مجلد حاسوبي، ليس بها رائحة الورق والأحماض عليه، مفتقدة لطعم الدهشة، نراها على سطح آلة التصوير والمشهد من أمامنا لا يزال.. وقد كنا نراها بعد أيام وأسابيع من زوال المشهد بعيدا عن عيوننا.. وذاكراتنا..

      أما لماذا تعجبنا صورة الواقع مطبوعة على سطح ورقة أو سطح شاشة فتلك لعبة نفسية علينا التفكر فيها!!!


      ¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
      ---
      أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية

      وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
      رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
      المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
      والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني
      Eagle Eye Digital Solutions