هنا عمان...حيث تغيب الحقيقة
حين تسأل العمانيين عن أية قناة فضائية يتابعون؟ سيجبونكـ وبكل ثقة أنهم لا يتابعون القناة العمانية، وتكتفي بهذا السؤال الوحيد، ولا تتعب نفسكـ بسؤالهم عن السبب. لأنكـ حتما تعرفه. وحين تسألهم عن مدى قراءتهم للصحف المحلية، ستكون الإجابة أنهم لا يتابعونها إلا لفائدة شخصية ربما تكون موجودة، أو انهم يقروءنها لأنها المتوفرة، تبقى الاذاعة العمانية ميدانا خصبا لأن يتناقش العمانيون بسخرياتهم المعروفة حولها، فهي مرة تقترب من أن تكون أداة لخلق التشويش في الحالة العامة للفرد، ومرة تقترب من أن تكون أداة لمص الحنق العام للشعب، هنا تجد أن المواطن العماني يعيش في منتصف الموجات العمانية غائبا بين طوابير الأغاني وقوائم الهزليات والأخبار القديمة والبرامج المنمقة.
تصيح الوسائل الاعلامية العمانية ليل نهار بالشريط الذي طالما حفظناه مع أغانينا المفضلة، نصبح على المقارنة بين ما قبل النهضة المباركة وما بعدها، نمسي على المقارنة بين أعداد المدارس، وبين أن حققنا في فترة قصيرة ما لم تستطع موزمبيق أن تحققه، نذكر بالجوائز التي حصلت عليها السلطنة في الجوانب الصحية، هنا في عمان لا تنام الوسائل الاعلامية إلا حين يقلب الشريط، وتستمر الحكايات طوال الأربع والعشرين ساعة كلاما جميلا، حتى حفظ المواطن نحوه وصرفه.
هنا في عمان تكمن الأخبار المهمة في أن معالي الوزير أستقبل الوزير الفلاني، وناقش معه التطورات المستجدة على الساحة، وفي أن سعادة الوكيل أفتتح الطريق الداخلي بالأمس، وأن الوالي اجتمع مع أعيان المنطقة للبحث في أمور الحيوانات السائبة، ربما يتساءل العماني: ما وظيفتهم اذا؟! دائما على معالي الوزير أن يستقبل أمثاله، وعلى سعادة الوكيل وأقرانه أن يكونوا ممثلين للحكومة، ويفتتحون الطرق أو المدارس وغيرها، ما وظيفة الوالي؟ أليس مناقشة الأمور مع سكان منطقته من أهم وظائفه؟! ما الحاجة بأن تصدح وسائل الاعلام كلها بلا استثناء بالاستقبالات والتوديعات والافتتاحات.
الجواب في كل ما سبق أن الوسائل الاعلام في عمان هي غائبة عن الواقع، تتكلم في واد بعيد في حين أن المواطن وبما أنه خارج إطار مناصب الوزارة والتوكيل الحكومي والولاية يتحدث عن شيء أخر. هذه حقيقة الاعلام العماني ، يبدأ من الصباح في عرض مشاهد الجمال السياحي في مناطق السلطنة،كأن هم المواطن الأساسي كيف يجعل الأفواج الأجنبية تغزو قريته، أو أن تهدف إلى ترويح المواطن منذ الصباح بعرضها للون الأخضر، قال لي مرة أحد الأصدقاء: الفطور في عمان وجبتين! الأكل وصور التلفاز عن القرى السياحية. يبقى المرء مندهشا عن واقعية الاعلام العماني، يجد الواحد منا أو يسممع طوال يومه ما يكفي لأن يناقش في دورة برامجية شهرية أو أن يملأ صفحات الصحف بقضايا تهم المواطن، ويقول في نفسه لو طرحت هذه في الاعلام لكان شيئا جيدا، من الأجدر طبعا لوسائل الاعلام العماني أن تهتم بما يلاحظه الإنسان العماني على أرضه، لكن رغم معرفتها بهذه الأشياء يظل مسلسل التجاهل مستمرا.
تكشف لنا الأيام أن الأخطاء الطبية في ازدياد مستمر، ويكاد أن لا يخلو بيت في السلطنة إلا وحصل لفرد من أفراده خطأ طبي، وفي معظمها يبقى مقترف الخطأ بعيدا عن كل احتمالات ادانته، رغم اللجان المعدة لمتابعة الأخطاء الطبية من قبل وزارة الصحة، وبدلا من أن يعرض الاعلام العماني القضية نجد أن قناة الحرة الموجهة لتغيير أفكار العرب تجاه أميركا قدمت برنامجين عن الأخطاء الطبية في عمان، واستمعت إلى أقارب الضحية، وعرضتهم للرأي العام العالمي، وهنا في عمان لا يزال غالبيتنا لا يعلم عن كمية الأخطاء المرتكبة وفداحتها إلا إن لحقه الخطأ.
والفساد الحكومي بلغ في عمان مبلغا اعتاد معه غالبية المجتمع أن يسعى إلى انجاز أعماله بالواسطة والرشوة، حتى أن مصطلحات من قبيل "الواو" أو "فيتامين واو" أضحت شيئا عاديا يسعى الكثيرون إلى أن تكون من مباديء حياتهم في ظل حياة لا تسير حياتك إلا بها، والوجه الأخر من الفساد الحكومي وهو استغلال المناصب لا نسمع عنه بتاتا في الاعلام العماني في حين يتحدث العمانيون ليل نهار عن فلان كيف انتقلت حياته إلى النعيم مجرد وصوله إلى كرسي وفير، هذه بعض القضايا التي تتجاهلها وسائل الاعلام العمانية وهناك قضايا أخرى كثيرة، ويكفي أن تمر ليوم واحد، وترى أمامك، لكتبت قائمة طويلة من القضايا التي تود لو طرحت هنا في وسائل اعلام بلدك، بدلا من أن تراها على قنوات أخرى أو تقرأها في صحف أخرى.
لعل الأمل الوحيد هو في مواقع الأنترنت العمانية من خلال المنتديات والمواقع الحوارية والمدونات، تجد في معظمها إن لم يكن كلها كل شيء تتمنى لو رأيته على التلفاز أو سمعته في الراديو أو قرأته في الصحف، وتجد فيها كل ما ينشر عن السلطنة في وسائل الاعلام الاجنبية ، وبعض الأحداث مصورا بالفيديو، فاتحا أبواب النقاش، ليخلق جوا من التفاعل والاحساس بالأهمية، ويكفي أن ننوه أن عدد المدونات العمانية يزداد زيادة ملحوظة، وتحمل أغلب هذه المدونات هم المواطن في المرتبة الأولى، وتعرض القضايا من وجهة نظر أصحابها محللة ومفسرة. يبقى على وسائل الاعلام العمانية أن تلغي هذا التجاهل المتعمد من قاموسها، وتتجه إلى رؤية الشارع العماني بما يحمله من هموم ورؤى، فما يسعى إليه العماني ليس المطروح حاليا، بل طموحه في نقل ما يعايشه في يومه منذ الصباح وحتى المساء، على وسائل أن ترى بعيون المواطن حيثما كان إن أرادت أن تكون الوسائل الاعلامية الأولى التي يتابعها المواطن العماني ويحترمها، لا أن تفتح عيونها صوب ما تشتهي هي، فما فائدة وسيلة غابت عنها الحقيقة؟!
المصدر: سبلة عمان