عُمان -

سيف بن سالم الفضيلي:



الابن ينتظر أباه على أحر من الجمر ليبلغه عن أمر..وما ان يصل حتى يعانقه فرحا ويقول: أبي لقد أكرمني الله بوظيفة في القطاع (..) فقد جاءني اتصال هاتفي بذلك وان موعد بدء استلام الوظيفة في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني وما أجمل الثناء من الابن لرب العالمين.

الاب..الحمد لله يا بني ووفقك إلى كل خير فهذه من نعم الله علينا..فما يريده الله سبحانه وتعالى سيكون فهو على كل شيء قدير.

الابن..ابي لقد زرعت في قلبي حب العمل منذ صغري فدائما كنت تردد كلمات تفيد بان لا انتظر طلب العون من احد أبدا إلا من الله العلي القدير الذي بيده مقاليد الامور فرسخت في قلبي اليقين الحقيقي الذي يجب أن يظهر به كل مسلم يؤمن بالله حق الايمان ويتوكل عليه فكان حقا على الله ان يجيب مسألته وأن يوفقه لكل مسعى من مساعي الخير فاليقين والاخلاص لله تعالى يعتبران الدعامة الاساسية للايمان فبدونهما تصبح هناك بلبلة في النفس.

الاب..يا بني حقا عليّ ان انبهك الى هذا الامر فأنا ولي امرك ومن واجبي كأمين عليك ان ارشدك الى ما هو صالح لك دنيا وأخرى ولا ادعك تتيه في ظلمات تتقاذفك امواجها فأنت ترى ان ما يفكر فيه الناس حاليا حين طلبهم للعلم مثلا هو اكتساب الشهادات لاجل العمل فحسب ولا تدخل في حساباتهم او في تفكيرهم أن الاساس في العلم لنا نحن كمسلمين هو أن يزداد قربنا من الله تعالى ويزداد ايماننا به إذ تتكشف الحقائق الدالة على قدرته سبحانه وتعالى من خلال العلوم التي نتلقاها يوما بعد يوم وعاما بعد عام فلذلك يا بني شتان بين من تعلم العلم لاجل القرب من الله تعالى ومن ثم لأجل لقمة العيش وبين من تعلمه لاجل لقمة العيش فحسب.

الابن..حقيقة الامر يا أبي كلامك صحيح فهناك الكثير ممن يطلبون العلم لاجل العمل الدنيوي الصرف ولا يبتغون من علمهم هذا القرب من الله تعالى..ونحن بحكم اختلاطنا بهم يجعلنا بعض الاحيان نفكر فيما يفكرون فيه ولكن ما ربيته فيّ جعلني اتحاشى افكارهم تلك واحاول قدر المستطاع ان اخبرهم وابيّن لهم ما كنت توجهني اليه في طلب العلم فهو لا شك امر الله ورسوله قبل كل شيء.

الاب..إن المسلم الحقيقي ان لم يتمسك ويثق بربه مسبب الاسباب والرازق بغير حساب فتجارته لا شك خاسرة، والمسلم الحقيقي يا بني لا بد ان يكون مرتبطا بربه حق الارتباط ولا ينفك عن هذا الارتباط بمجرد هزة عاطفية او فكر مشوش او حدث مريب حتى يكون شاكرا لأنعم المولى القدير.

الابن..أذكر يوما يا أبي ان احدهم قال بالحرف الواحد (ليس لهذه المادة مستقبل) عندما خيّر للدراسة بين مادتي التربية الاسلامية واللغة العربية..وهذا يدل على ان الثقافة السائدة اليوم (العلم لاجل العمل فحسب)، فما السبب في ذلك يا أبي؟ سؤال يحيرني يا ابي ويحتاج الى اجابة.

الاب..الاجابة يا بني تكمن في ابتعاد الناس عن التوكل على الله تعالى فلذا تاهت افكارهم واصبحوا متعلقين بالاسباب اكثر من المسبب.

اللهم اجعلنا بالعلم عاملين ولمرضاتك به مبتغين ولاوامرك طائعين ولنعمائك من الشاكرين ولا تكلنا الى انفسنا طرفة عين برحمتك يا أرحم الراحمين.