عندما فَكرَ "حمدان" في العمل من أجل لقمة العيش، باع مجوهرات زوجته "خديجة" المكونة من أربع "بناجري[1]" وخاتم ذهبي كبير، إلى جانب عقد من الذهب "زِرادْ[2]" إلى جانب "شَنبر[3]ْ" لأمع أشتراه من زنجبار عند عودته من رحلة تجارية أستغرقت أكثر من ثلاث سنوات .

بكت كثيراً "خديجة" على مجوهراتها الثمينة ورأس مالها في الحياة، ولكن دون جدوى، كما حاولت بعض نساء الحارة أن تحرض "خديجة" على زوجها من أجل منعه من بيع المجوهرات، فقالت "نعيمة زوجة حمود" : وأفقري[4] خدوج[5] أتبيعي صِيغتك[6] وأتكوني كما الحرمة العريانه .

كما حاولت العجوز "شواخ[7]" التي تجاوزت المائة عام أن تحرض "خديجة" على زوجها ولكن بطريقة أخرى أكثر إحترافية فقالت بصوت مبحوح : قولي حال زوجك أما ترجعي صيغتي ولا طلقني .

أما "فاطمة" زوجة الشيخ قالت وبكل هدوء وهي تمسح بيدها على دموع جارتها "خديجة" : ما يهمك حبيبتي خدوج باكر زوجك أيجبلك صيغة أحسن عن هذي ألي باعها والرجال قصدة يترزق وعسى الله يوفقكم يارب.

بدأت نساء الحارة في الثرثرة العشوائية في مجلس منزل خديجة الذي إمتلاء بنساء الحارة بين مؤيد ومعارض على بيع زوج خديجة لمجوهراتها الثمينة والتي لا تملك غيرها في هذه الحياة .

حاولت "خديجة" التاحيل على زوجها بشتى الوسائل من أجل منعه من بيع مجوهراتها، إلا أن إصرار زوجها على بيع المجوهرات جعلهُ يتأخذ القرار النهائي وقال لها بصوت الرجل صاحب الشارب الأسود الكثيف : باكر من غبشة[8] أروح أبيع الذهب عند الصايغ "عبدالله ود موزهُ" وما أبغى[9] سويلفات[10] حريم وحكي[11] زايد .

تمدد الزوج لينام باكراً ليستيقظ باكراً كما قال لزوجته ليذهب إلى السوق ويببع مجوهراتها، بينما جلست الزوجة المسكينة في حوش البيت تنظر إلى السماء وتدعوا الله أن يلهمها في فكرة وحيلة تُخرجها من هذا المأزق.

هرولت "خديجة" أو كما يناديها أهالي الحارة "خدوج" إلى المطبخ وأحضرت صينية كبيرة من المعدن، و وضعت عليها مجموعة من الشموع وأشعلتها، كما لبست رداء لونهُ أبيض، وجلست خَلف باب المصنوع من سعف النخيل لمنزلهم المبني هو الأخر من بعض قطع الخشب بالإضافة إلى سعف النخيل التي تغطي سقف المنزل.

بدأت "خديجة" في إصدار أصوات غريبة وكأنها أصوات المارد، كما أخذت تتحرك يمين ويسار و"الصيَــنية" فوق رأسها مثل شعلة "الأولبياد" ولكنها أكبر بقليل.

استيقظ الزوج على الصوت المرعب، وشاهد من بين أعواد الخشب المصطفة على شكل باب لمنزله الخشبي؛ شيئًا كأنه "جني" أو ساحر فنصفهُ العلوي مشتعل ومتوهج، ونصفهُ السفلي أبيض ناصع، أقترب قليلاً من الباب وهو يتلعثم وقال : من أنت ؟ فردت زوجتهُ من خلف الباب بطريقة خبيثة وماكرة قائلةً : أنا جني زوجتك ألي عايش فيها من سنين، وسمعت عنك ناوي تبيع صيغتها وإذا سويتها بحرقك أنت وبيتك.


تلعثم الرجل لكنه أستجمع قوته وقال بصوت قوي : أبيع الصيغة وأبيعك أنت يا ود الكلب. قهقهت زوجته "خديجة" بصوت الساحر وقالت : إذا أنت رجال سويها وأنشوف . وعلى ما يبدو أن عبارة "إذا كنت رجال" كانت العبارة التي استفزت الزوج ... فأحضر بندقيته "السكتون[12]" وأطلق رصاصة على رأس زوجتهُ معتقداً أنها "ساحر" من أولاد آبليس .

سقطت الزوجة على الأرض .... وهي تصرخ "ذبحتني يا الغالي ... ذبحتني يا الغالي ..."، خرج الزوج وشاهد زوجته صريعة على الأرض وهي جثة هامدة لا تتحرك ... والدماء تسيل من جسدها ... حاول أن يفهم شيئًا مما حدث فلم يمهلهُ أهالي الحارة ذلك ... فقد تجمهروا على شكل حلقة وهم يشتمونهُ على فعلته التي وصفها بعضهم قائلاً : أسميك ما رجال قتلت زوجتك عشان قطعتين صيغة ..." .

النهاية .
ابن المَرارْ، محمد سعيد
27ديسمبر2009م
مسقط ـ الخوير ـ

[1] ـ "بناجري" : الذهب الذي يُلبس في اليدين مثل "الإسويره" .
[2] ـ "زرادْ" : العقد الذي تلبسهُ المرأة في عنقها .
[3] ـ "شنبرْ" : ما تلبسه المرأة على جبينها في الرأس .
[4] ـ "وافقري" : كلمة تعني "واسفاه" وتأتي لتفيد الحسرة والندم .
[5] ـ "خدوج" : تصغير اسم خديجة .
[6] ـ "صيغتك" : مجوهراتك .
[7] ـ "شواخ" تصغير اسم شيخة .
[8] ـ "غبشة" : قبل شروق الشمس بقليل.
[9] ـ "أبغى" : بمعنى أريد، ويقال ما أبغى بمعنى لا أريد .
[10] ـ "سويلفات" : بمعنى سوالف، حكايات، قصص.
[11] ـ "حَكيِ" : كلام .
[12] ـ "السكتون" : سلاح تقليدي قديم .