اخطأت كثيرا حين قلت إنني سأذكر الأسماء ، لأنه ربما غابت عن ذهني أسماء لا أعرف كيف غابت .. المهندس مصعب الجمال .. شكرا لك :-)
الآن .. الساعة الثانية عشرة و النصف بتوقيت القاهرة ، الخميس الثالث و العشرين من يوليو ... هل يبدو هذا التاريخ مألوفا لكم ؟ ، نعم بالطبع ، إنها الذكرى السابعة و الخمسين للثورة المباركة .
أعتقد أن الأمر يبدو ساخرا للغاية ، يتم ترحيلي بعد اعتقالي من مطار القاهرة ، لسبب غير معلوم ، بعد رحلة سياحية إلى تركيا ، في ذكرى ثورة يوليو 52 .. ربما تبدو مفارقة ، لكنني لا أستطيع أن أفرق بين الحدثين !
انتهيت عندما جاءني الرائد ليطلب مني أن أجهز نفسي ، لأذهب معه ، إلى أين ، إلى المنصورة ، في سيارة ترحيلات ضخمة ، مع عدد من عناصر الشرطة الذين يمكن القول إنهم مسلحين بشكل كامل .
عندما تحركت ، كانت يدي و لأول مرة توضع في "الكلابش" ، القيد الحديدي البغيض ، المصنوع في تايوان ، لكنني اعتبرتها تجربة جديدة ، و صرت أمشي ، وحدي ، حاملا حقيبة ظهر و حقيبة كبيرة ، و يدي اليمني عالقة بيد عسكري ، قال لي أول ما رآني : ما تقلقش ، هديك التليفون تتكلم منه ، بس انت خلليك حلو معايا.
على العموم ، ذهبت إلى السيارة ، و كان من المؤلم للغاية أن أرى الأطفال الصغار مع أمهاتهم يبتعدون عني لأنني أحمل في يدي اليمنى قيدا و يسير أمامي رائد شرطة ، و رائد آخر بزي مدني ، و عسكري يمسك بيدي .
ركبنا سيارة الترحيلات ، و كنت منتشيا للغاية ، فلم أخرج من المطار منذ ما يقارب الاربعين ساعة ، و كان عندي تصور أنه سيتم إخلاء سبيلي من قسم المنصورة في نفس اليوم ، أو سيتخذ الأمر منحى قانونيا بعرضي على النيابة في اليوم التالي ، و عندها حسب التوقعات فسأنضم إلى قضية ما أو ستكون هناك قضية لنا ، فكرت كثيرا و ضحكت ، القضية المعروفة إعلاميا باسم : العائدون من تركيا .
وقتها بدأت أغني وحدي في سيارة الترحيلات ، و لكم أن تتصوروا أنني لم أكن قد تواصلت مع أحد من أهلي منذ وصولي المطار أو للدقة ، منذ توقيفي في المطار ، في الساعة الثانية الا دقائق ، لذلك فبعد أن تحركت سيارة الترحيلات ، قلت للعسكري القابع في الخلف ، لو سمحت انا عاوز اتكلم في التليفون ، العسكري كان " ذوق" معايا للغاية ، ذوقه هذا في النهاية كلفني مائة جنيه ، لكنه كان ذوق على العموم ، فتح العسكري باب السيارة ، و أجلسني بجواره على كرسي خارج "البوكس" و اتصل بزوجته على ما يبدو ليأمرها أن تشحن له رصيد الهاتف بعشرة جنيهات ، عندها لم أكن على استعداد للانتظار ، فأرسلت رسالة كلمني شكرا لهاتف والدي ، لكنه من الواضح أنه كان يصلي الظهر أو ما شابه ذلك ، فلم يتصل بي ، انتظرت حوالي نصف الساعة إلى أن وصل الرصيد ، بعد أن كنت أطمئن العسكري كل دقيقتين ، متخافش ، هظبطك !
اتصلت بأهلي بعد وصول الرصيد ، كان من الواضح أن هناك اجتماعا عائليا ما ، و علمت فيما بعد أنهم كانوا قد قرروا النزول لمطار القاهرة للاطمئنان ، طمأنتهم ، و طوال الطريق تحدثت إليهم ما يزيد على ست مرات .
أما حكاية المائة جنيه ، فعند عودتي من تركيا لم يكن معي أي "فلوس فكة " ، لذلك فقد كان معي أوراق نقدية من فئة الخمسين جنيها ، عندما اقتربنا من المنصورة أعطيت للعسكري خمسين جنيها ، نظر لي و قال ، طيب و الباشا الظابط ، نظرت إليه بعدم فهم ، قال لي : الباشا قاللي أظبطك ، و قاللك متقلقش يا عبدالرحمن ، أعطيته خمسين جنيها أخرى ، و لم أناقش ، لست في حالة مزاجية تسمح بالنقاش .
وصلنا إلى مقر أمن الدولة ، و انتظرت في سيارة الترحيلات ، لمدة تقارب النصف ساعة بدون أي جديد ، صليت الظهر في السيارة ، و ناديت على العسكري الذي كان قد نزل ، لم يرد علي في المرة الاولى و الثانية ، مع اني أدرك أنه سمع صوتي في المرتين ، طلبت منه ماء لأشرب ، و سألته عما إذا كنا سندخل مقر أمن الدولة.
قال لي إنه لا يعلم بعد ما الذي سيحدث ، على كل حال تحركنا بعدها بدقائق إلى مقر قسم الشرطة ، قسم أول المنصورة ، و عندما نزلت ، قابلت الرائد و العسكري ممسك بيدي ، لم أنس أن أقول له بصوت واضح :اديت للباشا اللي قلتلك عليه ؟ ، تضايق كثيرا العسكري ، و لم أكن متوقعا أنه سيعطي شيئا للبيه الرائد .
عندما وصلت لقسم أول ، و صعدت إلى هناك ليتم تسليمي من ضابط الترحيل ، لضابط القسم ، وجدت قريبي خلفي ، سلمت عليه ، و أعطيته الحقيبتين ، و المحفظة التي كنت خائفا للغاية أن أدخل بها عنبر المجرمين ، كانت الساعة تقترب من الرابعة و النصف عندما فتح باب الزنزانة لأدخل .
في قسم أول ، ثلاثة زنازين ، اثنان أعتقد أنهما كبيرتان للغاية ، كانت بهما أعداد كبيرة ، و واحدة في المنتصف يسمونها زنزانة السياسيين ، لكنها لم تكن للسياسيين فقط كما أدركت فيما بعد .

كانت الساعة تقترب من الرابعة و النصف ، لكنني عندما دخلت من باب الزنزانة ، كان الظلام دامسا ، لم يكن هناك نور غير شعاع رفيع يأتي من بين قضبان الزنزانة المغلقة بالأسلاك .
لمحت داخل الزنزانة شخصين ، لم ألحظ وجههما جيدا ، لكن كان من الواضح للغاية من أسلوب حركتهما أن سنهما يتجاوز الستين ، و بعد دقائق خرج من الحمام رجل ثالث ، عرفت فيما بعد أن سنه تجاوز الثانية و الخمسين ، إذا فهم أدخلوني إلى زنزانة العواجيز ، فرحت كثيرا ، و تصورت أنني على استعداد للصراع في أي وقت ، لو طلب أحدهم مني أن أطلع اللي معايا أو ما شابه .
بعد دقائق ، سألني أحدهم ، و الكابتن جاي في ايه ؟ قلتله سياسة ، بيقولوا إخوان ! ، قاللي أهلا و سهلا ، و بعد قليل فتح باب الزنزانة ، و نادى العسكري على اسمي ، و قدم لي ما جاءني أهلي به
.
كان هناك غداء ، و فاكهة ، و عصير ، و مياة معدنية ، و كنا أربعة في الزنزانة ، عزمت عليهم في البداية ، لكنهم رفضوا ، أكلت قليلا ، و بعد أن شبعت ، عزمت عليهم بإصرار أكبر ، وافق اثنين و رفض الثالث ، فأعطيته فاكهة ، كما أعطيتهم فاكهة كذلك .
لم أسألهم عن تهمهم قبل أن آكل ، بعد أن اكلت ، صليت العصر ، و سألت الشخص الذي سألني عن تهمتي في البداية ، و انت جاي هنا ليه ياباشا ؟ قال لي : قضية قديمة ، شيكات ، إذا فالأول نصاب !
لا أتذكر أني سألت الشخص الثاني ، لكن الشخص الثالث ، و الذي كان يبدو ودودا ، و هو الشخص الذي كان قال فيما بعد أنه قد تجاوز الخمسين ، قال لي : الله يرحمك يابا ، قلتلي السلطان ، هو اللي يبعد عن السلطان ! ، ثم بعدها بدأ يحكي عن كيف أنه استقدم كهربائيا ليوقف عداد الكهرباء و يسرق الكهرباء من الحكومة ، التي أبلغها عشرات المرات أن عداد الكهرباء به مشكلة ، لكنهم لم يلتفتوا إليه ، في النهاية ، عندما أعطى للكهربائي ما فيه النصيب ( عشرة جنيهات بالتمام و الكمال ) اعتبر الكهربائي العشرة جنيهات قليلة على تعبه في سرقة الكهرباء من الحكومة ، لذلك فقد أبلغ عن أخينا الذي لا أتذكر اسمه ، و جاءت الشرطة لتقبض عليه ، بتهمة سرقة الكهرباء .
نمت قليلا ، أذن المغرب ، استيقظت و صليت المغرب ، جلست قليلا ، لم يكن هناك أي إضاءة ، لم أستطع أن أقرأ من المصحف أو من أي كتاب آخر طيلة ثلاثة أيام .
الآن يؤذن العشاء ، أصلي ، و أجلس في نفس مكاني ، يفتح باب الزنزانة ، ينادى على اثنين من الموجودين ، ثم يخبرني العسكري أن أجهز نفسي ، لأني سأذهب إلى أمن الدولة ، ارتديت التي شيرت ، و ارتديت الحذاء ، و شربت بعض الماء ، و جلست أدعو ، و أنا عندي تصورات ذهنية مسبقة ، أنني على موعد مع ليلة مبهرة فما حدث مع صديقي الدكتور ، و كيف تمت "كهربته" ، أو صديقي منصور ، و كيف قضى ليلته يتم ضربه في مقر ما من مقرات الأمن ، أو صديقي المهندس و كيف قضى أسبوعا ذاق فيه العذاب ألوانا !! ، كان الأمر بالنسبة لي غامضا ، لكنني لم أكن خائفا ، كنت على استعداد كامل لتلقي أي شيء ، كانت حالتي النفسية مرتفعة للغاية ، الحمد لله .
بعد دقائق يتم استدعائي ، أخرج ، أتصور أن شكلي كان محترما للغاية وسط هذا الكم من الجنائيين و المجرمين ، عندما خرجت لردهة الزنازين ، وجدت هناك بعض المتشردين ، رآني أحدهم محترما ، فوجدته ينظر إلي بشكل غريب ، ثم يقول لي خمسة جنيه ؟ قلتله نعم ؟ قاللي خمسة جنيه ! قلتله مفيش خمسة جنيه ، دفعني بيده ، و لم يرد ، و لم أرد !
ناداني العسكري لأخرج للضابط الذي سيسلمني لعسكري آخر لأنزل لسيارة البوكس ، الكلابش في يدي كالعادة ، تأخرت سيارة البوكس ، فوجدت نائب المأمور ( فيما بعد عرفت أن المأمور في أجازة ) ، يصرخ في وجه أحد السائقين ، مين اللي هيودي المتهم بتاع تركيا ؟ محمود بيه عاوزه بسرعة !
من الواضح أن محمود بيه مرعب للغاية ، لأنني وجدت السائق يتحرك بسرعة مذهلة ، و العسكري الممسك بيدي يتحرك بنفس السرعة ، تذكرت محمد هنيدي و هو يدعو : إلهي تروح نار جهنم بنفس السرعة ! ضحكت في سري هذه المرة .
أتوجه الآن إلى توريل ، المنطقة الأهدأ و أحد أرقى مناطق المنصورة ، حيث يقع مقر أمن الدولة ، يداي مقيدتان ، و أجلس في سيارة البوكس ، أعطي للعسكري خمسة جنيهات أو عشرة ، بعد أن أتصل بأهلي لأخبرهم عن مكاني ، يدعون لي ، و يستغربون كثيرا صوتي الذي لا يبدو أنه صوت معتقل على الاطلاق !!
أدخل إلى مقر أمن الدولة ، أستحضر كل الحكايات المرعبة ، و أقول أنني لم افعل شيئا ، و ليس عندي ما أخفيه من الأساس ، سأدخل ، و أقول ما يتم سؤالي عنه .
دخلت إلى مقر أمن الدولة ، أجلس في الدور الأرضي فيما يسمى الاستراحة ، إذا هذه ثاني استراحة ، الأولى كانت استراحة المطار ، و الثانية كانت استراحة أمن الدولة ، أجلس ما يقارب النصف الساعة او الساعة إلا ربع ، أتذكر أيضا ما يقال عن أنني من الممكن أن أُترك بلا تحقيق وبلا كلام لمدد تقارب الثلاث ساعات ، و في هذه الحالة ، أنا الحمد لله أعصابي جيدة للغاية ، و أستطيع نسج عوالم أعيش فيها بعيدا عن الواقع المقرف .
لكنني لم أجلس في الاستراحة إلا ما يقرب من ساعة الاربع ، بعدها نودي على اسمي ، صعدت في اسانسير ، و هي المرة الوحيدة التي صعدت فيها بأسانسير ، و انتظرت خارج مكتب ما ، و دخلت بعد دقائق إلى الضابط الشاب ، الذي كان وجهه يبدو مألوفا .. كان وجهه يبدو مألوفا للغاية .
نكمل في الحلقة القادمة :)

المصدر مدونة غريب
الآن .. الساعة الثانية عشرة و النصف بتوقيت القاهرة ، الخميس الثالث و العشرين من يوليو ... هل يبدو هذا التاريخ مألوفا لكم ؟ ، نعم بالطبع ، إنها الذكرى السابعة و الخمسين للثورة المباركة .
أعتقد أن الأمر يبدو ساخرا للغاية ، يتم ترحيلي بعد اعتقالي من مطار القاهرة ، لسبب غير معلوم ، بعد رحلة سياحية إلى تركيا ، في ذكرى ثورة يوليو 52 .. ربما تبدو مفارقة ، لكنني لا أستطيع أن أفرق بين الحدثين !
انتهيت عندما جاءني الرائد ليطلب مني أن أجهز نفسي ، لأذهب معه ، إلى أين ، إلى المنصورة ، في سيارة ترحيلات ضخمة ، مع عدد من عناصر الشرطة الذين يمكن القول إنهم مسلحين بشكل كامل .
عندما تحركت ، كانت يدي و لأول مرة توضع في "الكلابش" ، القيد الحديدي البغيض ، المصنوع في تايوان ، لكنني اعتبرتها تجربة جديدة ، و صرت أمشي ، وحدي ، حاملا حقيبة ظهر و حقيبة كبيرة ، و يدي اليمني عالقة بيد عسكري ، قال لي أول ما رآني : ما تقلقش ، هديك التليفون تتكلم منه ، بس انت خلليك حلو معايا.
على العموم ، ذهبت إلى السيارة ، و كان من المؤلم للغاية أن أرى الأطفال الصغار مع أمهاتهم يبتعدون عني لأنني أحمل في يدي اليمنى قيدا و يسير أمامي رائد شرطة ، و رائد آخر بزي مدني ، و عسكري يمسك بيدي .
ركبنا سيارة الترحيلات ، و كنت منتشيا للغاية ، فلم أخرج من المطار منذ ما يقارب الاربعين ساعة ، و كان عندي تصور أنه سيتم إخلاء سبيلي من قسم المنصورة في نفس اليوم ، أو سيتخذ الأمر منحى قانونيا بعرضي على النيابة في اليوم التالي ، و عندها حسب التوقعات فسأنضم إلى قضية ما أو ستكون هناك قضية لنا ، فكرت كثيرا و ضحكت ، القضية المعروفة إعلاميا باسم : العائدون من تركيا .
وقتها بدأت أغني وحدي في سيارة الترحيلات ، و لكم أن تتصوروا أنني لم أكن قد تواصلت مع أحد من أهلي منذ وصولي المطار أو للدقة ، منذ توقيفي في المطار ، في الساعة الثانية الا دقائق ، لذلك فبعد أن تحركت سيارة الترحيلات ، قلت للعسكري القابع في الخلف ، لو سمحت انا عاوز اتكلم في التليفون ، العسكري كان " ذوق" معايا للغاية ، ذوقه هذا في النهاية كلفني مائة جنيه ، لكنه كان ذوق على العموم ، فتح العسكري باب السيارة ، و أجلسني بجواره على كرسي خارج "البوكس" و اتصل بزوجته على ما يبدو ليأمرها أن تشحن له رصيد الهاتف بعشرة جنيهات ، عندها لم أكن على استعداد للانتظار ، فأرسلت رسالة كلمني شكرا لهاتف والدي ، لكنه من الواضح أنه كان يصلي الظهر أو ما شابه ذلك ، فلم يتصل بي ، انتظرت حوالي نصف الساعة إلى أن وصل الرصيد ، بعد أن كنت أطمئن العسكري كل دقيقتين ، متخافش ، هظبطك !
اتصلت بأهلي بعد وصول الرصيد ، كان من الواضح أن هناك اجتماعا عائليا ما ، و علمت فيما بعد أنهم كانوا قد قرروا النزول لمطار القاهرة للاطمئنان ، طمأنتهم ، و طوال الطريق تحدثت إليهم ما يزيد على ست مرات .
أما حكاية المائة جنيه ، فعند عودتي من تركيا لم يكن معي أي "فلوس فكة " ، لذلك فقد كان معي أوراق نقدية من فئة الخمسين جنيها ، عندما اقتربنا من المنصورة أعطيت للعسكري خمسين جنيها ، نظر لي و قال ، طيب و الباشا الظابط ، نظرت إليه بعدم فهم ، قال لي : الباشا قاللي أظبطك ، و قاللك متقلقش يا عبدالرحمن ، أعطيته خمسين جنيها أخرى ، و لم أناقش ، لست في حالة مزاجية تسمح بالنقاش .
وصلنا إلى مقر أمن الدولة ، و انتظرت في سيارة الترحيلات ، لمدة تقارب النصف ساعة بدون أي جديد ، صليت الظهر في السيارة ، و ناديت على العسكري الذي كان قد نزل ، لم يرد علي في المرة الاولى و الثانية ، مع اني أدرك أنه سمع صوتي في المرتين ، طلبت منه ماء لأشرب ، و سألته عما إذا كنا سندخل مقر أمن الدولة.
قال لي إنه لا يعلم بعد ما الذي سيحدث ، على كل حال تحركنا بعدها بدقائق إلى مقر قسم الشرطة ، قسم أول المنصورة ، و عندما نزلت ، قابلت الرائد و العسكري ممسك بيدي ، لم أنس أن أقول له بصوت واضح :اديت للباشا اللي قلتلك عليه ؟ ، تضايق كثيرا العسكري ، و لم أكن متوقعا أنه سيعطي شيئا للبيه الرائد .
عندما وصلت لقسم أول ، و صعدت إلى هناك ليتم تسليمي من ضابط الترحيل ، لضابط القسم ، وجدت قريبي خلفي ، سلمت عليه ، و أعطيته الحقيبتين ، و المحفظة التي كنت خائفا للغاية أن أدخل بها عنبر المجرمين ، كانت الساعة تقترب من الرابعة و النصف عندما فتح باب الزنزانة لأدخل .
في قسم أول ، ثلاثة زنازين ، اثنان أعتقد أنهما كبيرتان للغاية ، كانت بهما أعداد كبيرة ، و واحدة في المنتصف يسمونها زنزانة السياسيين ، لكنها لم تكن للسياسيين فقط كما أدركت فيما بعد .
كانت الساعة تقترب من الرابعة و النصف ، لكنني عندما دخلت من باب الزنزانة ، كان الظلام دامسا ، لم يكن هناك نور غير شعاع رفيع يأتي من بين قضبان الزنزانة المغلقة بالأسلاك .
لمحت داخل الزنزانة شخصين ، لم ألحظ وجههما جيدا ، لكن كان من الواضح للغاية من أسلوب حركتهما أن سنهما يتجاوز الستين ، و بعد دقائق خرج من الحمام رجل ثالث ، عرفت فيما بعد أن سنه تجاوز الثانية و الخمسين ، إذا فهم أدخلوني إلى زنزانة العواجيز ، فرحت كثيرا ، و تصورت أنني على استعداد للصراع في أي وقت ، لو طلب أحدهم مني أن أطلع اللي معايا أو ما شابه .
بعد دقائق ، سألني أحدهم ، و الكابتن جاي في ايه ؟ قلتله سياسة ، بيقولوا إخوان ! ، قاللي أهلا و سهلا ، و بعد قليل فتح باب الزنزانة ، و نادى العسكري على اسمي ، و قدم لي ما جاءني أهلي به

كان هناك غداء ، و فاكهة ، و عصير ، و مياة معدنية ، و كنا أربعة في الزنزانة ، عزمت عليهم في البداية ، لكنهم رفضوا ، أكلت قليلا ، و بعد أن شبعت ، عزمت عليهم بإصرار أكبر ، وافق اثنين و رفض الثالث ، فأعطيته فاكهة ، كما أعطيتهم فاكهة كذلك .
لم أسألهم عن تهمهم قبل أن آكل ، بعد أن اكلت ، صليت العصر ، و سألت الشخص الذي سألني عن تهمتي في البداية ، و انت جاي هنا ليه ياباشا ؟ قال لي : قضية قديمة ، شيكات ، إذا فالأول نصاب !
لا أتذكر أني سألت الشخص الثاني ، لكن الشخص الثالث ، و الذي كان يبدو ودودا ، و هو الشخص الذي كان قال فيما بعد أنه قد تجاوز الخمسين ، قال لي : الله يرحمك يابا ، قلتلي السلطان ، هو اللي يبعد عن السلطان ! ، ثم بعدها بدأ يحكي عن كيف أنه استقدم كهربائيا ليوقف عداد الكهرباء و يسرق الكهرباء من الحكومة ، التي أبلغها عشرات المرات أن عداد الكهرباء به مشكلة ، لكنهم لم يلتفتوا إليه ، في النهاية ، عندما أعطى للكهربائي ما فيه النصيب ( عشرة جنيهات بالتمام و الكمال ) اعتبر الكهربائي العشرة جنيهات قليلة على تعبه في سرقة الكهرباء من الحكومة ، لذلك فقد أبلغ عن أخينا الذي لا أتذكر اسمه ، و جاءت الشرطة لتقبض عليه ، بتهمة سرقة الكهرباء .
نمت قليلا ، أذن المغرب ، استيقظت و صليت المغرب ، جلست قليلا ، لم يكن هناك أي إضاءة ، لم أستطع أن أقرأ من المصحف أو من أي كتاب آخر طيلة ثلاثة أيام .
الآن يؤذن العشاء ، أصلي ، و أجلس في نفس مكاني ، يفتح باب الزنزانة ، ينادى على اثنين من الموجودين ، ثم يخبرني العسكري أن أجهز نفسي ، لأني سأذهب إلى أمن الدولة ، ارتديت التي شيرت ، و ارتديت الحذاء ، و شربت بعض الماء ، و جلست أدعو ، و أنا عندي تصورات ذهنية مسبقة ، أنني على موعد مع ليلة مبهرة فما حدث مع صديقي الدكتور ، و كيف تمت "كهربته" ، أو صديقي منصور ، و كيف قضى ليلته يتم ضربه في مقر ما من مقرات الأمن ، أو صديقي المهندس و كيف قضى أسبوعا ذاق فيه العذاب ألوانا !! ، كان الأمر بالنسبة لي غامضا ، لكنني لم أكن خائفا ، كنت على استعداد كامل لتلقي أي شيء ، كانت حالتي النفسية مرتفعة للغاية ، الحمد لله .
بعد دقائق يتم استدعائي ، أخرج ، أتصور أن شكلي كان محترما للغاية وسط هذا الكم من الجنائيين و المجرمين ، عندما خرجت لردهة الزنازين ، وجدت هناك بعض المتشردين ، رآني أحدهم محترما ، فوجدته ينظر إلي بشكل غريب ، ثم يقول لي خمسة جنيه ؟ قلتله نعم ؟ قاللي خمسة جنيه ! قلتله مفيش خمسة جنيه ، دفعني بيده ، و لم يرد ، و لم أرد !
ناداني العسكري لأخرج للضابط الذي سيسلمني لعسكري آخر لأنزل لسيارة البوكس ، الكلابش في يدي كالعادة ، تأخرت سيارة البوكس ، فوجدت نائب المأمور ( فيما بعد عرفت أن المأمور في أجازة ) ، يصرخ في وجه أحد السائقين ، مين اللي هيودي المتهم بتاع تركيا ؟ محمود بيه عاوزه بسرعة !
من الواضح أن محمود بيه مرعب للغاية ، لأنني وجدت السائق يتحرك بسرعة مذهلة ، و العسكري الممسك بيدي يتحرك بنفس السرعة ، تذكرت محمد هنيدي و هو يدعو : إلهي تروح نار جهنم بنفس السرعة ! ضحكت في سري هذه المرة .
أتوجه الآن إلى توريل ، المنطقة الأهدأ و أحد أرقى مناطق المنصورة ، حيث يقع مقر أمن الدولة ، يداي مقيدتان ، و أجلس في سيارة البوكس ، أعطي للعسكري خمسة جنيهات أو عشرة ، بعد أن أتصل بأهلي لأخبرهم عن مكاني ، يدعون لي ، و يستغربون كثيرا صوتي الذي لا يبدو أنه صوت معتقل على الاطلاق !!
أدخل إلى مقر أمن الدولة ، أستحضر كل الحكايات المرعبة ، و أقول أنني لم افعل شيئا ، و ليس عندي ما أخفيه من الأساس ، سأدخل ، و أقول ما يتم سؤالي عنه .
دخلت إلى مقر أمن الدولة ، أجلس في الدور الأرضي فيما يسمى الاستراحة ، إذا هذه ثاني استراحة ، الأولى كانت استراحة المطار ، و الثانية كانت استراحة أمن الدولة ، أجلس ما يقارب النصف الساعة او الساعة إلا ربع ، أتذكر أيضا ما يقال عن أنني من الممكن أن أُترك بلا تحقيق وبلا كلام لمدد تقارب الثلاث ساعات ، و في هذه الحالة ، أنا الحمد لله أعصابي جيدة للغاية ، و أستطيع نسج عوالم أعيش فيها بعيدا عن الواقع المقرف .
لكنني لم أجلس في الاستراحة إلا ما يقرب من ساعة الاربع ، بعدها نودي على اسمي ، صعدت في اسانسير ، و هي المرة الوحيدة التي صعدت فيها بأسانسير ، و انتظرت خارج مكتب ما ، و دخلت بعد دقائق إلى الضابط الشاب ، الذي كان وجهه يبدو مألوفا .. كان وجهه يبدو مألوفا للغاية .
نكمل في الحلقة القادمة :)
المصدر مدونة غريب
¨°o.O ( على كف القدر نمشي ولا ندري عن المكتوب ) O.o°¨
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
---
أتمنى لكم إقامة طيبة في الساحة العمانية
وأدعوكم للإستفادة بمقالات متقدمة في مجال التقنية والأمن الإلكتروني
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions
رابط مباشر للمقالات هنا. ومن لديه الرغبة بتعلم البرمجة بلغات مختلفة أعرض لكم بعض
المشاريع التي برمجتها مفتوحة المصدر ومجانا للجميع من هنا. تجدون أيضا بعض البرامج المجانية التي قمت بتطويرها بذات الموقع ..
والكثير من أسرار التقنية في عالمي الثاني Eagle Eye Digital Solutions